الإنسانية .. بين “غراندي” و “ماكغولدريك”
عباس السيد
تولت الأميركية ليز غراندي مسؤوليتها كمنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن خلفا للإيرلندي جيمي ماكغولدريك مطلع 2018 . تعيين غراندي للعمل في اليمن الذي حوله تحالف العدوان إلى مسرح مفتوح دائم للمجازر البشعة والدماء والأشلاء والأنقاض كان مثار استغراب البعض ويدفع للتساؤل:
كيف للأنثى بمشاعرها الرقيقة وعواطفها الجياشة ، أن تحتمل العمل في ظل هذه المشاهد المروعة التي يصنعها تحالف العدوان باستمرار دون أن تضعف وتتحلل من قيودها السياسية أو مصالحها الشخصية ؟ . ألم يكن جيمي ماكغولدريك رجلا إيرلنديا صلبا وجديرا بهذه المهمة ؟ فلماذا تم استبداله بـ “امرأة” ؟.
لا يمكن الإجابة على هذه التساؤلات دون مراجعة سريعة لأداء كل منهما ، من خلال ما صدر عنهما من مواقف وتصريحات خلال عملهما في اليمن ، والبداية من آخر موقف للمنسقة الأممية ليز غراندي حول مجزرة الجوف التي راح ضحيتها 25 شهيدا و7 جرحى معظمهم من النساء والأطفال نتيجة استهداف طائرات التحالف السعودي حفل زفاف في قرية المساعفة شرق مدينة حزم الجوف ، الأربعاء الماضي . قالت غراندي ، أن “القتلى 11 على الأقل” والجرحى 5 أطفال ، وأنهم قتلوا في “هجوم “، an attake لم تحدد من قام به أو سيلته على الأقل . حاولت غراندي التقليل من حجم الجريمة بتقليل رقم الضحايا من 25 إلى 11 ، ورجحت أن يكون العدد أعلى لكنها لم تتحقق ، هي حنبلية في شهادتها ، ولا تقول الرقم النهائي إلا إذا جمعت لها الأشلاء قطعة قطعة .
ومن وجهة نظرها “لا يمكن أن يكون المدنيون آمنين في اليمن ، ما لم يقرر الطرفان وقف القتال” وكأنها ترى في استمرار قصف الطائرات للمواقع للمنازل والأسواق ومناسبات الأفراح والأتراح عملا روتينيا طالما لم يتوصل الأطراف إلى حل ، علاوة على ذلك ، يبدو واضحا إقرارها بالتوظيف الرخيص لهذه الجرائم كوسيلة ضغط أخرى يمارسها تحالف العدوان ومرتزقته لفرض شروطهما في أي تسوية .
ومثل معظم بيانتها السابقة ، لم تنس غراندي ، إرسال تعازيها القلبية إلى أسر القتلى ، والصلاة من أجل شفاء الجرحى . وأكثر ما تفعله هو تذكير” الأطراف” بأنهم ملزمون بتطبيق القانون الدولي الإنساني ، المعنية هي بمراقبة تطبيقه ، وتحديد من ينتهكه .
بيانها الأخير هو نسخة مكررة من بياناتها وتصريحاتها السابقة ، لا تختلف عن بعضها سوى في المكان أو التاريخ أو أعداد الضحايا ، لا إدانات للجرائم ، ولا أثر فيها لهويات الأطراف .
باختصار ، يمكن القول أن تعيين ليز غراندي للعمل في اليمن وفي مناخ تراجيدي كارثي ، لم يكن عبثيا ، فقد أثبتت خلال أكثر من عامين أن “قلبها حديد ودمها كالثلج” وهي أجدر بوظيفة منسق عسكري لا إنساني . وما تبديه من نواح عقب كل مجزرة ، مجرد جزء من الماكياج .
وبمقارنة مواقف غراندي بسلفها الإيرلندي ، سنكون مجبرين على إعادة النظر في مفاهيمنا حول سيكلوجية الرجل والمرأة في التعامل مع العنف ومشاهد الجرائم المروعة .
أمضى الإيرلندي جيمي ماكغولدريك عامين في اليمن ، لم يستطع خلالها الصمت أمام الجرائم البشعة التي يرتكبها تحالف العدوان في اليمن بشكل مستمر ، وكان واضحا في كل مواقفه ، يدين الجرائم ، ويشير إلى مرتكبيها ، ويدعو إلى محاسبتهم . يستنكر الحصار ، ويدعو بإلحاح إلى فتح مطار صنعاء . وقال في أحد تصريحاته : “من العار أن يواجه أفقر بلد في العالم هذه المعاناة وهذه الحرب على مدى ثلاث سنوات من قبل أغنى دول العالم” . ولم يخف إعجابه بصمود اليمنيين “الذين أبهروا العالم” .
لعب ماكغولدريك من خلال تقاريره الصادقة والشجاعة ، دورا مهما في إدراج السعودية ضمن قائمة “قتلة الأطفال” عام 2017 قبل أن يستبعدها الأمين العام السابق “بان كي مون” بعد تهديدها بقطع التمويل عن برامج الأمم المتحدة .
وعلى خلفية مواقفه الإنسانية والصادقة ، كان ماكغولدريك عرضة لحملات التشويه من قبل وسائل إعلام تحالف العدوان ومرتزقته . أتهمه ناطق العدوان تركي المالكي بـ “الانحراف عن مهمته والانحياز للحوثيين” ، بينما وصف الرئيس الشهيد صالح الصمادر مواقف جيمي ماكغولدريك بأنها “الجانب الإيجابي الأبرز في برامج الأمم المتحدة تجاه اليمن ” أضاف الصماد خلال استقباله ماكغولدريك قبل يوم من مغادرته صنعاء : ” كنتم الصوت الذي نقل معاناة اليمنيين إلى الخارج ، وستظل مواقفكم محفورة في وجدان كل يمني .. ” .
إلى السيدة غراندي :
قولي الحقيقة من أجل نفسك ، أما اليمنيون فالله خير شاهد وداعم .