صنعاء تذل الرياض عسكريًا.. وتحرج واشنطن
اسماعيل المحاقري
لم تنم السعودية ليلة الثالث والعشرين من شهر حزيران/ يونيو. الخوف يسكنها جنوبًا وشرقًا، والهلع يخيم على الأجواء لأكثر من عشر ساعات. أنفاس المسؤولين السعوديين والأمريكيين محبوسة، والأعين شاخصة إلى السماء ترقب وتتحسب المزيد من الهجمات بالصواريخ الباليستية، والطائرات المسيرة اليمانية حلقت لمسافة أكثر من ألف كيلو متر تحت مرأى ومسمع الدفاعات الأمريكية ومشغليها من خبراء وضباط أمريكيين وبريطانيين لتدك مواقع حساسة في عمق المملكة وتعصف بأوهام محمد بن سلمان في العام السادس من عدوانه على اليمن.
عملية توازن الردع الرابعة هي الأكبر من بين ما سبقها من عمليات الرد على العدوان والحصار الظالم بزخم القدرات الهجومية ونوعيتها كما هي الأهم لناحية تحطيم هيبة النظام السعودي وكسر عنجهيته وهز الثقة به في أوساط جمهوره وداعميه لاستهداف منشآت سيادية كوزارة الدفاع والاستخبارات العسكرية وقاعدة سلمان الجوية ومواقع عسكرية في الرياض وجيزان.
وفي توقيت الهجوم الواسع ثمة رسائل معلنة وواضحة لكل ذي عينين، فاستمرار تصعيد الغارات الجوية على المدن اليمنية وما يرافقها من أعمال قرصنة بحرية تحول دون دخول سفن النفط والغذاء إلى ميناء الحديدة ينذر بعمليات أشد وأنكى على النظام السعودي، وهذا ما لفت إليه رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام وشدد عليه متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع كاستراتيجية أعلنت عنها قيادة الثورة ورئاسة المجلس السياسي الأعلى بتحذيرها من اللجوء إلى مراحل الوجع الكبير لوضع حد لاستخفاف دول العدوان بمعاناة اليمنيين وتجاهل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للعواقب الوخيمة والتداعيات الكارثية على مختلف القطاعات الحيوية بما فيها القطاع الصحي نتيجة أزمة المشتقات النفطية في ظل ما يواجه البلد من مخاطر على رأسها جائحة كورونا.
وفي تعامله الميداني وتعاطيه الإعلامي مع الهجوم الأكبر بدا النظام السعودي أكثر تخبطا وارتباكا من أي وقت مضى. وحاجة هذا النظام اليوم لحشد الدعم والتضامن الإقليمي أملا في تطبيب الجرح النازف والحد من التداعيات والتهديدات على القواعد والمنشآت النفطية والسيادية من خلال التباكي وذرف دموع التماسيح على المدنيين في المملكة هي أكبر بكثير مما كانت عليه أثناء التحشيد لشرعنة العدوان على اليمن والتبرير له في الأسابيع الأولى من عاصفة الحزم المزعومة.
ولعملية توازن الردع الرابعة دلالات مهمة أيضا بتراكم إنجازات الجيش واللجان الشعبية الميدانية وتعاظم قدراتهم العسكرية معززة بدخول سلاح جديد من طراز الصواريخ المجنحة طويلة المدى خط المعركة وفق تأكيد متحدث القوات المسلحة مقابل ما كشفته هذه العملية عن مواطن الضعف في الدفاعات السعودية وهذا ما أقرت به واشنطن بدعوة رعاياها داخل المملكة للنزول إلى الملاجئ والبقاء في المنازل والحذر حتى من شظايا الصواريخ والطائرات وإن تم إسقاط بعضها وهو أمر وإن كانت إدارة ترامب ترى فيه فرصة للحلب واستنزاف المزيد من الأموال إلا أنه يحرج البلد الحامي للسعودية ويجعل الباب مشرعا أمام كل الإجراءات الأمنية للحد من تداعيات انكشاف الرياض ووقوعها في قلب العاصفة المرتدة بعد ست سنوات من الفشل والإخفاق.
وتأخذ العملية قيمة عسكرية إضافية باعتبارها تتويجاً لمرحلة مهمة في معركة التحرر والاستقلال سجلت فيها قوات الجيش واللجان الشعبية على صعيد معركة البر انتصارات كبيرة لم تتوقف عند استعادة زمام المبادرة في جبهات الحدود ودحر مرتزقة الجيش السعودي إلى داخل العمق في نجران وجيزان وعسير إضافة إلى استعادة محافظتي الجوف والبيضاء بل إن المعارك محتدمة لتطويق مدينة مارب المعسكر الأكبر للعدوان في الشمال والمعقل الرئيس للإخوان المسلمين.
كما هي الرسالة من هذه العملية قوية للإمارات بأن عليها التخلي عن أوهام وأحلام التمدد في السواحل والجزر اليمنية هي كذلك رسالة لداعمي تحالف العدوان بأن الشعب اليمني ماض في ممارسة حقه المشروع في قصف الأهداف والمنشآت الأكثر حيوية حتى يحقق اليمن حريته واستقلاله ويحجز مكانه الطبيعي الفاعل والمؤثر في محيطه والإقليم.