خمسة أعوام على عدوان الحقد وطغيان الشر

 

عبدالله هاشم السياني

لم يكن أحد يتخيل أو يظن أن العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي سيتسمر في عدوانه الظالم على اليمن وأنه سيتجاوز الشهر أو الشهرين وهذا الاعتقاد ليس من منطق القوة و موازين القوى ولكن من الناحية الإيمانية والأخلاقية والإنسانية وحق الجوار بين اليمن والسعودية وما بينهما من معاهدات واتفاقات ومصالح مشتركة وجوار متداخل وكان المجتمع اليمني يحسب أن النظام السعودي لن يغامر بفتح جبهة عسكرية بهذا الاتساع وبهذه الهمجية والتوحش مع دولة جارة بينه وبينها أكثر من ألف (كم) من الحدود إن لم تكن أكثر ومشترك تاريخي يشمل الأرض والإنسان وكان يكفي النظام السعودي لكي يفكر في مخاطر عدوانه على مستقبل استقراره وتماسك وحدته الداخلية أن يعود إلى الوراء عدة عقود ليدرك أن ٣٠٪ من أراضيه لوقت قريب كانت ارض يمنية وجزأ كبير من شعبه أصله وتاريخه مرتبط باليمن وأن المدينة المنورة أرض يمنية للأوس والخزرج وكادت أن تصبح مملكة ما قبل هجرة المصطفى وأن مكة المكرمة أنشأها اليمنيون الذين صاهروا وناصروا نبي الله إسماعيل عليه السلام وكانوا أول من حج البيت الحرام وظل تحت حمايتهم وحكمهم 500 عام وليسألوا كتب التاريخ عن قبيلة جرهم اليمانية ثم كان عليهم أن يتذكروا أن الحجاز كان مرتبط باليمن في كثير من عهوده ومكة يحكمها الأشراف السادة إلى بداية القرن العشرين ولولا بريطانيا العظمى ما وصل آل سعود إلى حكم الحرمين الشريفين ٠
كل هذا التاريخ تجاوزه حكام السعودية وشنوا هجومهم وعدوانهم على اليمن في خطة متهورة أدخلت النظام السعودي في نفق مظلم لا يستطيعون الخروج منه إلا بتكلفة كبيرة سوف يدفعها آل سعود كأسرة حاكمة ونظام ملكي مستبد
من واشنطن كانت البداية
من أول لحظة تم فيها الإعلان من واشنطن عن العدوان على اليمن كان عنوانه ورسالته بامتياز أنه عدوان أجنبي وبتحالف دولي
أساسه أمريكا والسعودية ثم الإمارات ، فقد صرح وزير خارجية السعودية حينها بأن السعودية تشاورت مع أمريكا ومع مؤسساتها لأكثر من أربعة أشهر حول العدوان وان التشاور ضم دولا أوروبية وهكذا بدأ العدوان بتحالف عربي أمريكي إسلامي مكون من ١٧ دولة كان في مقدمته دول الخليج باستثناء سلطنة عمان ومصر والسودان والأردن والمغرب وتركيا وماليزيا وباكستان وبريطانيا وفرنسا ويشاركهم العدو الإسرائيلي ، وقد مر تحالف دول العدوان بعدة مراحل نظرا لصمود الشعب اليمني وانكشاف أهداف العدوان الظالمة فانسحبت كثير من الدول المشاركة حتى لم يبق في التحالف سوى السعودية والإمارات بشكل فعال وأمريكا والعدو الصهيوني ، وبريطانيا وفرنسا وأخيراً أعلنت الأمارات انسحابها في خطوة تكتيكية لا نعلم إلى أين ستسوقها ولم تبق سوى السعودية في الميدان التي ستتحمل مع أمريكا وإسرائيل كافة المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية.
الأهداف المتوحشة للعدوان والحصار
١- القضاء على حركة أنصار الله كقوة عسكرية وإخراجها من المشهد السياسي والسيطرة على اليمن واحتلاله وبناء نظام سياسي في اليمن موالي لأمريكا وعميل للسعودية بحيث تصبح كل مقدراته من النفط والغاز والمعادن خاضعة لسياسة دول التحالف والعدوان وسائرة في فلكها
٢- قتل الإنسان اليمني كإنسان لذاته وإباحة دمه أين ما كان لقتل إرادة المقاومة ومواجهة العدوان في أعماقه
سواء في معسكر أو في مسجد في مدينة أو في قرية أو في بيت أو في منزل أو مجمع سكني في طريق عام أو في جامعة في منشأة صناعية أو مدرسة تعليمية في سوق عام أو مستشفى على جسر أو تجمع عرس على قارب صيد أو على ناقلة عمومية ولا فرق لدى العدوان في أن يستهدف بالقتل طفلا أو امرأة شاباً أو عجوزاً رضيعاً أو فتى سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين.
٣- القضاء على مقومات حياة الإنسان اليمني وتدميرها على كل الأراضي اليمنية أينما وجدت الأمر الذي يجعل الإنسان اليمني يشعر أن الموت الجماعي قادم لا محالة لكل اليمنيين مع استمرار التدمير اليومي لمصادر وأسباب حياته من قبل العدوان والذي سيؤدي الى حالة إحباط عامة ويأس تجعل الشعب اليمني يشعر انه غير قادر على الصمود والصبر في مواجهة العدوان .
سواء بقصف وتدمير المطارات والموانئ أو بقصف محطات الكهرباء وخزانات الماء أو بقصف صوامع الغلال ومصانع الأدوية أو بقصف الجسور والطرقات أو الناقلات أو بقصف المزارع ومحطات الغاز والبترول والديزل أو بقصف المستشفيات أو مخازن التجار والمواد الغذائية
٤- القضاء على مظاهر حياة الإنسان اليمني واستهدافها حتى تُشلّ الحياة العامة وتتعطل كل أسبابها ويصبح المواطن غير قادر على الحركة والوصول الى أماكن عمله وممارسة نشاطه العام و البقاء فيه بأمان
وقدتم ذلك بقصف واستهداف المدارس والمعاهد والجامعات والأسواق العامة أينما كانت والطرقات والتنقلات والمصانع والمزارع والمؤسسات ووسائل السفر بمختلف أنواعها، والتجمعات أياً كان نوعها ٠٠٠٠٠ الخ .
٥- تدمير مقومات الجيش اليمني والقوات الجوية والأجهزة الأمنية ومصادر قوتها ليفقد اليمنيون القدرة على الدفاع عن أنفسهم وعن سيادة بلدهم أو المحافظة على دولتهم ٠ وليفقد الشعب اليمني أمنه العام واستقراره وسكينته الاجتماعية ٠ وذلك بالقصف المكثف
٦- القضاء على مستقبل اليمن بتدمير كل قدراته ومقومات وجوده وقصف كل أسباب بقاء الدولة وبما يمنع اليمنيين من إمكانية القيام بأي حالة نهوض يتجاوزون بها ذلك التدمير الذي أصابهم سواء في المستقبل القريب والمنظور أو إقامة دولة قوية مستقلة تملك قرارها والسيادة على بلدها.
ما لذي حققه العدوان
رغم القتلى والجرحى والمفقودين من النساء والأطفال والشباب والشيوخ وبالرغم من الحصار القاتل والنزوح بالملايين والتدمير الشامل لكل مقدرات اليمن واليمنيين وانتشار الأوبيئة والأمراض وقطع المرتبات والحصار الاقتصادي العام واستهداف الهوية الوطنية والإيمانية للشعب اليمني واستخدام كل وسائل وأساليب العدوان المختلفة والمعروفة بحداثتها وتقدمها لدى الدول الطاغوتية والتي تم تسليطها على الشعب اليمني الصابر والمجاهد ، فعند الرجوع إلى الأهداف التي عملت على تحقيقها على الأرض أو تلك الأهداف السياسية التي رفعتها كشعارات تضليلية لتغطي بها أهدافها الحقيقية سنجد الآتي :
لم تستطع دول العدوان القضاء على المسيرة القرآنية خلال الخمسة الأعوام الماضية أو تمس مصدراً من مصادر قوتها على أي مستوى من المستويات بل الذي حصل هو العكس فقد أدى العدوان إلى تنامي قدرات أنصار الله ، والى تجذير شعبيتهم ، واتساع دائرة المناصرين لهم والمجاهدين معهم ،والى تقوية قدراتهم العسكرية والتسليحية وليس هناك مقارنة بين قوة ومقدرات أنصار الله في اليوم الأول من العدوان وبعد خمسة أعوام مضت عليه وهذا بدوره قد انعكس على مكانتهم السياسية وقدرتهم في إدارة مؤسسات الدولة بل إن دول العدوان منحت المسيرة القرآنية فرصة للتدرب والتجربة في مجال السياسة والإعلام والأمن والاقتصاد ما كان لهم أن يحصلوا على هذه التجربة لولا هذا العدوان الجائر ولعل عمليات توازن الردع الأولى والثانية التي كان آخرها شُل نصف إنتاج النفط السعودي بضربة واحدة لشركة ارامكو لخير دليل على ما وصلت إليه مسيرة أنصار الله من القدرة والاقتدار ، وهكذا خسرت دول تحالف العدوان أول أهدافها وبدلا من القضاء على مسيرة أنصار الله أصبحت هذه المسيرة قوة إقليمية مؤثرة تخشى منها الدولة الصهيونية وتحسب لها دول الخليج ألف حساب ويكفي للدلالة على ذلك خوف الإمارات التي شاركت في العدوان بكل ثقلها وفي الأخير وعندما شعرت أن صواريخ مسيرة أنصار الله وطائراتها المسيرة يمكن أن تقصف دبي وأبو ظبي ومؤسساتها الحيوية فضلت الانسحاب من البقاء في اليمن ومواجهة أنصار الله.
وهكذا بقية أهداف العدوان بدأ من الإنسان اليمني الذي لم يزده طغيان العدوان وهمجية قصفه ووحشية حصاره إلا تمسكا بالدفاع والمواجهة لهذا العدوان وربما سيذكر التاريخ صمود وصبر ومقاومة الشعب اليمني كأسطورة يصعب على الشعوب الأخرى استيعابها أو التصديق بحدوثها ولاشك أن هذا الصمود المعجز سيكون له الأثر الكبير في استنهاض الأمة العربية والإسلامية ولو بعد حين ، أما إذا تم الحديث عن القدرات التي أبداها الشعب اليمني في مواجهة الحصار وكيف استطاع التغلب عليها وكيف برزت القيم الإنسانية والأخلاقية بين أبناء أمة الإيمان والحكمة وما نتج عنها من تعاون وتراحم وإنفاق وعطاء وكيف ظهرت قدراته في ابتداع الحلول من الموارد المتاحة والقليلة جدا فتلك معجزة أخرى ويمكننا القول بكل ثقة أن تحالف الشر والطغيان قد فشل في تحقيق كافة أهدافه وفي مقدمتها الحسم العسكري والدفع بالشعب اليمني للاستسلام أو الخضوع أو الثورة والفوضى على مسيرة أنصار الله التي تقود معركته في مواجهة العدوان.
ما لذي خسرته السعودية والإمارات
يكفي السعودية من الخسارة التي جلبتها على نفسها جراء جريمتها بالدخول في عدوان ظالم على جارتها اليمن أنها ربطت مستقبل بقاءها كدولة بنتائج هذه الحرب ورهنت كأسرة حاكمة استمرارها في حكم المملكة بالمعركة في اليمن.
وخلقت عداء تاريخياً لشعب يتجاوز تعداده ثلاثون مليون إنسان لا يمكن محو والتخلص من آثاره كما أن مشروعها الاقتصادي المعروف بـ ٣٠/٢٠ مرتبط باستقرارها وبشركة ارامكو وانتاجها من النفط وبمشاريعها العملاقة التي تبدأ من جيزان وتنتهي بالمنطقة الشرقية وكلها مهددة من قبل أحفاد الأنصار وطائراتهم المسيرة وصواريخهم المجنحة ، أما ما أصاب الأسرة السعودية الحاكمة من التفكك وما أصاب مؤسساتها الدينية والحلف التاريخي بين الوهابية وملوك آل سعود والاحتقانات المناطقية والنقمة الداخلية فتلك لن تظهر آثارها إلا بعد أن يتوقف العدوان السعودي ، وإذا ما أخذنا ما أصاب مجلس التعاون الخليجي من انقسام حتى صار الحديث عن التآمة من جديد من الماضي وما واقع بين دوله من صراعات واختلافات سواء بين السعودية وقطر أو الإمارات وقطر كل ذالك ما هو إلا إحدى نتائج العدوان على اليمن المظلومية التي أصابت الشعب اليمني وليس ببعيد أن تكون هذه المظلومية هي التي ستقضي على الدولة السعودية وإمارة الخليج الضبيانية.
مستقبل العدوان على اليمن
لا يحتاج المتابع أو السياسي أن يعرف حقيقة نهاية العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي على اليمن فكل المؤشرات وكل مراكز الدراسات وكل السياسيين والهيئات والمنظمات تقول جميعها بأن السعودية قد أخطأت التقدير بشنها العدوان على الشعب اليمني المعروف ببأسه وشجاعته والمعروفة أرضه في التاريخ بأنها مقبرة الغزاة وان على السعودية وتحالف العدوان أن تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء وجهها وتخرج وبسرعة من اليمن وتعمل على تعويض اليمن وتتعهد بعدم التدخل في شؤونه في المستقبل لكي تسلم في مستقبلها واستقرارها وكل ذلك لاشك بفضل الله ورعايته لهذا الشعب اليمني منبع الإيمان والحكمة والقوة والبأس الشديد.

قد يعجبك ايضا