العيدية ..من »رشوة« دولة إلى عادة اجتماعية
«العسب»..عيدية ملازمة لليمنيين لإدخال البهجة في نفوس الأطفال
الثورة / يحيى الضلعي
يرى الكثير من الباحثين، أن العيدية تاريخياً التي يطلق عليها في بعض مناطق اليمن مصطلح “العسب”، تعود إلى زمن غزو الفاطميين لمصر، فروي عن المعز لدين الله الفاطمي عند دخوله إلى مصر بعد فتحها على يد جوهر الصقلي أنه وجد المصريين بين جدل ونقاش بين مؤيد ومشكك في صحة نسبه إلى البيت النبوي، كما كان يزعم، فوقف وسط الناس وهو يلوح بسيفه قائلاً: “هذا نسبي»، ثم أعقب ذلك بإخراج بعض قطع الذهب ونثرها على رؤوس الناس وقال : “وهذا حسبي”..
ورغم أنها لا توجد الكثير من البحوث والدراسات حول أصل العيدية، لكن دراسة لعضو اتحاد المؤرخين العرب،إبراهيم عناني بعنوان “تاريخ العيدية عبر العصور” تشير إلى أن، مصطلح العيدية لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت الدولة وأوقافها في العصر الفاطمي توزعه من نقود في عيدي الفطر والأضحى، وكانت آنذاك تُعرف باسم “الرسوم” وكانت تقدم مع ملابس العيد..
وحرص الفاطميون على توزيع “العيدية” مع كسوة العيد، فضلاً عما كان يوزع على الفقهاء والمقرئين بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد من الدراهم الفضية، وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة الفاطمي صباح يوم العيد للتهنئة كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة..
وبالتالي ارتبطت العيدية عند ظهورها بالرشوة المقنعة وصارت الدولة الفاطمية توزعها خلال عيد الفطر وعيد الأضحى لمستخدميها من أرباب الوظائف المختلفة وعرفت العيدية بـ”الرسوم” في أضابير دواوين الدولة ويطلق عليها “التوسعة” في وثائق الوقف الفاطمية والمملوكية كما يقول باحثون متخصصون في تاريخ مصر الحديث..
العيدية للمماليك
وبزوال دولة الفاطميين توقف الحكام المماليك في عهد دول المماليك التي تعاقبت بعد ذلك عن صرف العيدية لأرباب الوظائف المدنية، واكتفوا بصرفها للجنود المماليك، وكثيراً ما تعرض بعض السلاطين لاعتداءات الجنود المماليك بسبب قلة أو تأخر نفقة العيد وربما أدى تذمر المماليك إلى عزل السلطان عند عجزه عن دفع العيدية..
أما النقود التي كانت تصرف بها العيدية فكانت ثلاثة أنواع هي:الدنانير الذهبية والدراهم الفضية والفلوس النحاسية، وكان الفاطميون يضربون دنانير خاصة بغرة العام الهجري تعرف بدنانير “الغرة” ويضربون أيضاً قطعاً ذهبية تعرف بالخراريب جمع خروبة والخروبة تساوي 192 جراماً، وكانت الخراريب توزع على موظفي الدولة والأمراء في الأعياد كل حسب مكانته..
العيدية في اليمن»العسب«
في اليمن ارتبط عيدا الفطر والأضحى دائماً لدى الأطفال بالعيدية « العسب»، وصارت لاستمرارها غير المنقطع لازمة من لزوميات العيد، إذ أن هذا الطقس مازال مستمراً حتى اليوم، ويتمسك بها اليمنيون رغم ظروفهم المعيشية القاسية في ظل الحرب العدوانية والحصار الجائر..
وبات اليمنيون يجدون صعوبة في الحفاظ على هذا التقليد الملازم للأجواء المفرحة التي تصاحب أيام العيد وذلك نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة ومحدودية الدخل وتراكم الالتزامات العائلية الأخرى، إضافة إلى حالة النزيف المادي في اقتصاديات الأسرة التي عادة ما يخلفها اللهث في ماراثون توفير الاحتياجات الأساسية التي تتطلبها مناسبة العيد..
وإذا كان الآباء والأمهات على اختلاف درجاتهم من الغنى أو الفقر يحرصون عليها لإدخال البهجة والسرور في نفوس أطفالهم، فإن الفقراء منهم أحرص عليها لأنها قد تكون الشيء الذي يستطيعون تقديمه إلى أطفالهم بعد أن تسبب ضيق ذات اليد في عدم إعداد وتوفير الالتزامات العيدية الأخرى لفلذات أكبادهم.