يوم الفرقان.. فاتحة الانتصارات ومبتدأ الفتوحات
مطهر يحيى شرف الدين
ثمة تحولٌ تاريخي في حياة المسلمين في معركةٍ فاصلة أظهرت قوة المسلمين وعزتهم بقيادة نبي الأمة محمد صلوات الله عليه وآله بعد أن كانوا أذلةً مقهورين وصارت المعركة فرقاناً بين الحق والباطل وبين المستكبرين والمستضعفين، بين الكثرة الكافرة والقلة المؤمنة، بين من يتوكل على الله ويثق به ثقةً مطلقة ومن يثق ثقةً عمياء بأرباب الظلم والطغيان، بين من يؤمن بوحدانية الله ومن يعتقد بالشرك والوثنية.
وفي يوم الفرقان يتحقق وعدُ الله بالنصرِ لعباده المؤمنين الذين رأى فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اندفاعهم لنصرة دين الله ومواجهة الكفار والمشركين وثباتهم إذ قال لأصحابه: “سيروا على بركة الله وابشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم”.
وعد الله الصادق الذي حدّد لعباده نتائج المعركة وأهدافها في قوله تعالى : ” لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ”.
مواقف عظيمة دُوّنت في كتاب الله العزيز سطّرها النبي وأصحابه ظهرت في مشهدٍ بطولي وجهادي يعكس قوة عقيدتهم ويؤكد عمق إيمانهم وإيثارهم الموت في سبيل الله على أن يظلوا مستضعفين مضطهدين مقهورين ورغبةً حقيقية منهم في الحياة الأخرى الباقية على الحياة الدنيا الفانية، إنها غزوة بدر الكبرى التي سمّى الله تعالى يومها بالفرقان ، فكانت فاتحة الانتصارات ومبتدأ الفتوحات الإسلامية وهي التي أظهرت لدين الله حضوره الحتمي ووجوده الأبدي في هذا الكون وبه أصبح الإسلام موحداً للبشرية جمعاء في ظل رايةٍ واحدة بعد أن كانت أدياناً متعددة وبعد أن كان الأنبياء والرسل يُبعثون إلى أقوامهم خاصّة، جاء الدين الإسلامي ليُظهر ويرفع راية الحق والعدل ، وبالدين الإسلامي سادت المساواة وتمت نعمة الإسلام ومكارم الأخلاق.
في هذه المعركة تجلّت رحمات الله لعباده المجاهدين بكل تفاصيلها وأبعادها وكانت ألطاف الله وتأييده مصاحباً لهم من قبل أن تبدأ المواجهة مع أعداء الله بإنزال السكينة عليهم وقد ربط الله على قلوبهم وثبّت أقدامهم وعزّز ثباتهم وبأسهم بالملائكة وذلك إنّما كان نتيجة تمسك المؤمنين وثقتهم بالله ورسوله وارتباطهم بكتاب الله ومنهجه، فشاءت إرادة الله أن يُحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين.
ففي صبيحة يوم المعركة يأتي رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ليرفع الروح المعنوية لأصحابه ليحبّب إليهم الجهاد وما قدّمه الله من جزاءٍ عظيم للمؤمنين ويحرّضهم على القتال بقوله :”والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة”.
كان انتصار المؤمنين يوم الفرقان في أعظم موسمٍ للرحمة والمغفرة والعتق من النار وفي أكبر مجمعٍ إيماني شمل المحامد والمكارم والقيم التي انتصرت للحق وأرست مبدأً عظيماً تمثّل في ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد الذي فتحه الله لخاصّة أوليائه والمرتبط بعزة وكرامة المسلمين وقوتهم، وكما سقطت صناديد قريشٍ وقُتلت رموزها في هذه المعركة على أيدي قادة المسلمين ورموزهم وعظمائهم، فقد سقطت اليوم قوى الاستكبار العالمية وأدواتها على أيدي رجال الرجال اليمانيين من أصبحوا نموذجاً مشرفاً للأمة الإسلامية التي يريدها الله أن تكون خير الأمم وأعزها وأكرمها.
وبالمناسبة فقد أشار السيد القائد عبدالملك الحوثي يحفظه الله في إحدى محاضراته الرمضانية إلى نقطة هامة بقوله : “إن يوم الفرقان يوم فارق في التاريخ ويوم عظيم أسس لمرحلة جديدة، هو لم يكن نهاية المعركة مع الأعداء، هو كان بداية المعركة لأن الانتصار في هذا اليوم طمأن الكثير من الناس وعزز الثقة بالله، أعطى الأمل لكثير من اليائسين، غيَّر النظرة التي كانت ترى بأنه من المستحيل أن ينتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جنوده وهم في ذلك المستوى من الإمكانات المتواضعة والبسيطة وذلك المستوى مما يعانونه من قلة العدد والعدة، كما نبَّه السيد القائد إلى الآثار الإيجابية ليوم الفرقان بأن شوكة قريش كُسرت وأن الناس اطمأنوا بعد ذلك الانتصار ولا زلنا نجني الثمار الإيجابية لذلك النصر حتى اليوم”.
أذهب الله عن المجاهدين رجز الشيطان وقذف في قلوب أعدائهم الرعب وربط الله على قلوب المؤمنين وثبّت أقدامهم فباتوا مطمئنين هادئي النفوس ، والسكينة تملأ أفئدتهم ، وقد غمرت قلوبهم الثقة ببشائر نصر الله وتأييده لهم وأوحى الله إلى ملائكته بأنه معهم ، وفي ذلك يقول سبحانه” وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ”، وقال سبحانه في سورة آل عمران : ” وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون”.