في ذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام
منير إسماعيل الشامي
أن يقتل رجل في مكانة الإمام علي عليه السلام بسيف محسوب على الإسلام فتلك لعمري الطامة الكبرى والمصيبة العظمى التي حلت بأمة الإسلام، والكارثة الخطيرة جدا التي تبلورت عظمتها وفداحة جرمها في جانبين اثنين.
الجانب الأول : أن الذي سقط ليس رجلا عاديا بل هو ثاني رجل عظيم في الأمة ومعلم من معالم دينها رجل لم يبلغ مكانته في تاريخ الإسلام أي رجل آخر ولن يبلغه أحد سواه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهو قرين القرآن، وهو قرآنها الناطق، وقسطاسها المستقيم.
رجل شرفه الله منذ لحظة إطلالته على الدنيا فقضى الله أن يفتح عينيه في أكرم وأطهر وأشرف وأقدس مكان ذلك المكان هو جوف الكعبة وحظي برعاية الله منذ ولادته، فكفله ورباه خير من وطأت قدماه ثرى الأرض وحاز المكارم كلها وشهد له رب السموات والأرض بأنه على خلق عظيم ذلك هو سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أول من أسلم وأول من سجد لله مع نبيه ، ومن افتداه يوم هجرته،
رجل ضرب بسيفه مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خراطيم الكفر حتى شهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسوله، رجل ثبت مع رسول الله في لحظات لم يبق فيها بجانب رسول الله في ساحات الوغى احد سواه فكان فارس بدر وبطل أحد وكان جيش الإسلام واحده يوم الأحزاب، فجسد الإيمان كله وبرز الإيمان كله للشرك كله وهو الرجل الذي يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله فاتح خيبر وقالع أبواب حصونها وصارع أعتى فرسانها ورجالها وهو هارون هذه الأمة وباب مدينة علمها وهو حكيم الأمة وهاديها وعلمها وسفينة نجاتها، وخليفتها بالنص الصريح ،وهو عنوان الشجاعة والإيمان والعلم والبيان والحق والأمان ، وهو أخو الرسول وزوج البتول وصاحب السيف المسلول ووالد سبطي الرسول سيدي شباب الجنة من ذوي الألباب والعقول .
وهذا هو ما علمته الأمة عن وليها وخليفة رسولها كما نص عليه كتابها فمثله لا يجهل فضله ولا تخفى عن أحد منزلته من فجر الإسلام وحتى الحشر.
الجانب الثاني : أن ذلك السيف لم يقتصر في استهدافه على الإمام علي عليه السلام بل إنه استهدف الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها فأستهدف حياة أمير المؤمنين كخطوة أولى واستهدف حاضر الأمة ذلك العصر ومستقبل أجيالها من لحظة ارتكابها وإلى اليوم وغدا، كونها خسرت أفضل وأعظم وأعلم وأحكم رجل بعد نبيها وهو خليفته ووصيه وباب مدينة علمه فوقعت الأمة بعده فريسة سهلة للطاغوت وصارت ألعوبة بيد أعدائها وبفقدها له خسرت هاديها وحصنها المنيع وسر من أسرار قوتها وتماسكها فعظمت مصيبتها بفقده وخارت قواها ولبسها الذل والهوان واعترتها الفرقة والخلاف وغشيها الجهل والضلال، وانغمست في أتون الفتن، وسيول الدماء، وأصبحت عجينة لينة لطواغيت الأرض يشكلوها كيفما شاءوا، ويدجنوها في أي وقت أرادوا.
إضافة إلى ذلك فحدوث هذه الجريمة وحلول هذه الكارثة الخطيرة في الأمة يشير إلى أن ذلك قد سبقه انحراف فيها وأن هذه المصيبة كانت أول نتيجة لذلك الانحراف.
وبالعودة إلى الأحداث التي سبقت تلك الجريمة العظيمة للبحث عن نقطة الانحراف الأولى للأمة نجد أن تلك النقطة كانت قبل لحاق نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بربه بوقت قصير وبالتحديد حينما عصوا رسول الله ورفضوا انفاذ جيش أسامة وعرقلوا خروجه لشيء استقر في قرارة أنفسهم فكانت تلك المعصية أول انحرافهم وأولى خطواتهم نحو الضلال فما زادوا بعدها إلا انحرافا وبعدا وضلالا وتعاظم عتوهم ونفورهم حتى قيلت تلك العبارة المزرية (حسبنا كتاب الله) بعد عبارة (دعوه فإنه ليهجر) هروبا ونفورا من وصية تعصمهم من نكث بيعتهم وخيانة عهدهم ونكث ميثاقهم، ففي تلك اللحظة الأليمة عصوا الله ورسوله جهرا ونكثوا ببيعة الغدير عمدا ورموا كتاب الله وراء ظهورهم عنوة، وخالفوا أمر نبيهم قصدا، فابتعدوا عن عترته وهجروا الثقلين اعتراضا على فضلهما للأمة متجاهلين أنهما أمان الأمة وحصنها المنيع، وسر قوتها ووحدتها، ومصدر عزتها وكرامتها، وكل ذلك لماذا ؟طمعا في حطام الدنيا ورغبة في سلطتها الزائلة وحسدا من عند أنفسهم.
وبدلاً من طاعة رسولهم وتلبية طلبه الذي كان يريد من خلاله أن يعصم أمرهم ويهزم عدوهم الأزلي أطاعوا ذلك العدو المبين في يوم الرزية وقد رتب لهم مؤامرتهم وزين لهم سوء عملهم ووعدهم ومناهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ، لقد اجمعوا أمرهم ولم يعد يعيقهم عن بلوغه غير خروج أشرف روح خلقها الله من أطهر بدن عرفته الدنيا،
فتحقق مناهم سريعا بعد مضي ثلاثة أيام من يوم رزيتهم لتلحق تلك الروح الشريفة المقدسة بربها وتصعد إليه وهي غاضبة عليهم في اليوم الرابع، ويسعدهم رحيلها ويتجاهلون من فرط سعادتهم حتى في أن يقوموا بالواجب عليهم في توديع نبيهم أو تقديم العزاء بل سارعوا الخطى ليجتمعوا في حضرة عدوهم الأزلي بالسقيفة لتنفيذ مؤامرتهم بعد أن أجمعوا أمرهم على سلب الحق من أهله عمدا وعدوانا ولا زال جسد نبيهم دافئا.
لم يستشعروا بعظمة المصاب الذي حل بهم وفداحة الخسارة التي وقعت عليهم، وعظم الخطيئة التي اقدموا عليها، ولم يدركوا انهم بعتوهم وقساوة قلوبهم إنما هدموا أهم ركن من أركان قوة دينهم وجحدوا بنور هدايتهم واستبدلوه بطريق مظلم لا هداية فيه ولا فلاح، بإقصائهم لقرآنهم الناطق وعلمهم الثاقب وقسطاسهم المستقيم فكان ذلك منهم الطغيان الأكبر والجحود الأنكر والمعصية الكبرى والرزية النكرى لثمرة ذلك الانحراف فوقعوا فيها في الخطايا العظيمة فأغضبوا سيدة نساء العالمين وغمطوها حقها وسفكوا الدماء المعصومة وعم الضلال وظهرت الفتن وتفشى الجهل في الأمة إلى اقصاه لدرجة أن يقدم شقي الأمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام في محرابه الطاهر لتكون تلك المصيبة نقطة تحول الأمة إلى الشقاء والضلال منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا وستظل على هذه الحال إلى أن تتوب وتعود إلى نهج قرآنها وهدي نبيها وتعتصم بالثقلين أمانها من الضلال ونورها المبين إلى الصراط المستقيم.