خطيئة التضخيم!! 

لا يملك أي إنسان يتصف بقدر من الموضوعية والواقعية إلاø أن يبدي استغرابه جراء اندفاع بعض القنوات الفضائية وغيرها من الوسائل الإعلامية العربية إلى تضخيم حجم تنظيم القاعدة في اليمن¡ وعلى النحو الذي يظهر اليمن وكأنها قد أصبحت ساحة مفتوحة لهذا التنظيم الإرهابي. ومبعث الاستغراب هنا هو أن مثل هذا الطرح الذي تطغى عليه المبالغة والإفراط في تضخيم هذه الحالة¡ لا يستقيم مع حقائق الواقع والشواهد الدالة على أنه لا يوجد في اليمن سوى عناصر محدودة ضالة¡ انساقت وراء نوازع التطرف¡ وخرجت عن دائرة الدين والعقل وكل ما يمت بصلة للقيم الأخلاقية والحضارية والاجتماعية للإنسان اليمني.
وهذه الحفنة المنحرفة والضالة هي من تطاردها الأجهزة الأمنية وتلاحقها في مخابئها وجحورها¡ لإلقاء القبض عليها¡ وتقديمها للقضاء لتنال جزاءها العادل والرادع.
وهناك العديد من هذه العناصر في السجون ومن بقي منها خارج السجون يستحيل عليها الإفلات من يد القانون وحتما سيتم القبض عليها واخراجها من المغارات التي تختبئ فيها كالجرذان. باعتبار أن مسألة كهذه هي مصلحة يمنية تقتضيها عوامل الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي¡ والسلم الاجتماعي¡ وقبل أية أجندة خارجية والمؤسف أن تلجأ بعض القنوات والوسائل الإعلامية العربية إلى مثل ذلك الضجيج والتضخيم فيما أن مراسليها في اليمن لا يجهلون الحقائق الكاملة عن محدودية تأثير العناصر المتطرفة والضالة وقدرتها على الحركة وأنها التي لا تقوى على الخروج من مخابئها¡ كما أن مسؤولي تلك الوسائل الإعلامية لا تخفى عليهم أمور كهذه¡ خاصة وأن اليمن بلد ديمقراطي ومنفتح كليا على حرية الرأي والتعبير¡ وما يدور في داخله يتم تداوله بكل شفافية وليس هناك ما يمكن إخفاؤه.
ولعل كل هذا كافيا◌ٍ لإثارة أكثر من تساؤل وسؤال حول الدوافع والأهداف الكامنة وراء ذلك الضجيج والصخب الإعلامي المثار عن اليمن¡ ومن المستفيد من تضخيم حجم خطر العناصر المتطرفة والضالة في هذا البلد والتي لا يمكن أن تكون أكثر خطرا◌ٍ مما هو موجود من الخلايا المشابهة في بعض البلدان العربية والغربية.
ولو كانت تلك القنوات الفضائية والوسائل الإعلامية¡ بعناوينها المختلفة تمارس نشاطها الإعلامي في «الهندوراس» أو «السلفادور» أو «الأسكا» لك◌ْنøا قد عذرناها عن تلك المغالاة في تضخيم خطر الإرهاب في اليمن¡ لكن أن تكون مكاتبها بين ظهرانينا ومراسلوها يتنقلون بين مناطق اليمن من أقصاه إلى أقصاه¡ ومذيعوها وكتابها ومسؤولوها يتقاطرون على اليمن دون انقطاع¡ فإن ذلك يدعونا إلى طرح علامات الاستفهام حول مرامي ذلك التضخيم ودوافعه. وهل هي دوافع ذاتية أم خاصة أم أن الهدف هو الإساءة لليمن وتأليب الآخرين عليه أم أن الأمر يتصل بتنظيم القاعدة نفسه الذي تجد بياناته في بعض هذه القنوات أسبقية مطلقة على ما دونها من القضايا¿.
وإذا ما صح أي من هذه الحسابات في هذه المسألة¡ وعلى هذا النحو الذي يفسر به بعض المتابعين تلك التحليلات التي تخلط الأوراق وتقلب الحقائق¡ فإن الإعلام العربي سيصبح وبالا على هذه الأمة وشعوبها وأقطارها خاصة وقد جنحت بعض وسائله لتقوم بالوكالة بدور من يسعون إلى دفع المنطقة برمتها إلى محرقة جهنم.
إن ما يجب أن يفهمه من يقودون تلك الوسائل الإعلامية العربية أنه لا يوجد في اليمن من يمكن أن يقبل بتدويل قضايانا الداخلية¡ أو يسمح بالتدخل في شؤوننا¡ أو يتخذ جانب الصمت أو التخاذل أمام أي عبث¡ ينال من أمننا واستقرارنا سواء من قبل العناصر الضالة والمتطرفة أو الخارجة على النظام والقانون¡ أو تلك العصابة المتمردة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة في محافظة صعدة وحرف سفيان فأي تصرف من هذا النوع هو تصرف أحمق يمثل عدوانا على مصالح اليمن وأمنه واستقراره لا بد وأن يجابه بحزم وحسم من قبل الدولة والمجتمع¡ باعتبار أن مثل هذه السلوكيات الهمجية تأنفها أخلاقيات اليمنيين وثقافتهم¡ التي تقوم في مجملها وتفاصيلها على نبذ العنف والتطرف والإرهاب.
والمفارقة أن تصبح بعض وسائلنا الإعلامية المحلية والعربية أكثر فجاجة وإضرارا بأوطاننا ومصالحنا من نظيراتها في الغرب¡ وهي خطيئة ندعو الله ألا تصبح من الظواهر المستعصية على الحل.
فيما يعاني منه الوطن العربي من الأزمات والمعضلات والمشاكل يفوق طاقة احتماله واحتمال أبنائه¡ فما يجري في فلسطين والعراق والصومال والسودان وغيرها¡ وقائع مؤلمة وتداعيات مؤسفة.. وليست هذه الأمة بحاجة إلى مشاريع أخرى يتم الترويج لها والنفخ في كيرها بغية فتح شهية الآخرين لاستهداف البقية الباقية من أقطار الأمة وتحويلها إلى كنتونات مستباحة الكرامة والإرادة والسيادة والقرار..
فمتى نفهم ونعي أننا في قارب واحد وإذا ما غرق هذا القارب فلن ينجو احد.

قد يعجبك ايضا