كورونا.. النفط.. الحرب على اليمن

السعودية تلجأ للمسكنات لإيقاف النزيف الاقتصادي

الحرب على اليمن تستنزف الاقتصاد السعودي بواقع 200 مليون دولار يومياً
صحف دولية : لا يمكن للاقتصاد السعودي الهش تحمل تبعات الحرب على اليمن في ظل كورونا وانهيار أسعار النفط
تقارير دولية: تجاهل إغلاق فاتورة الحرب الباهظة على اليمن واعتماد الرياض على جيوب المواطنين للتقشف لن يكون ذا جدوى

الثورة / إبراهيم الوادعي
خلال الأسبوع الأخير من أبريل الفائت وصلت مبيعات الخام السعودي إلى نقطة الصفر عملياً، الناقلات النفطية السعودية تائهة في عرض البحر بما فيها الناقلة السعودية الأضخم عالميا “سوبر تانك”، دون وجهة نهائية، اكثر من 40 مليون برميل من النفط السعودي مخزنة في البحر منذ مارس الماضي لا تجد مشترين ، عملاء شركة أرامكو السعودية بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية ألغت طلباتها من الخام السعودي بسبب امتلاء مخزوناتهم وضآلة الاستهلاك العالمي بسبب فيروس كورونا .
سوء تقدير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ،للموقف الروسي وامتداد تأثيرات جائحة كورونا عالمياً عند اتخاذ قرار تخفيض سعر خام أرامكو ورفع مستويات الإنتاج مطلع مارس الفائت، والذي يعتقد أنه – القرار -جاء بإيعاز أمريكي عقب انتهاء اتفاق أوبك بلس دون اتفاق جديد ، وإصرار روسيا على خفض متساو للحصص وعدم تقديم خدمة مجانية لصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية ، دفع بالاقتصادين الأمريكي والسعودي إلى حافة الركود بأسرع مما توقع الخبراء الاقتصاديون ، وعانى منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة نهاية أبريل الفائت من ما يمكن تسميته بالمذبحة واضطروا لدفع الأموال للزبائن كي يشتروا نفطهم ، كما عانى الاقتصاد الأمريكي من انكماش فاق 4.7 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي 2020م .
تقول الأرقام الإحصائية أن 50 % من عمليات صناعة النفط الصخري الأمريكي توقفت، وبلغ الحال بملاك آبار النفط الصخري إلى الدفع للمشترين لمنع تراكم المخزون النفطي لديهم، حيث وصل سعر البرميل مع موعد الإغلاق لعقود شهر مايو الحالي إلى ما دون – 37 دولاراً أمريكياً، وتوقعات باستمرار انخفاض أسعار النفط عالميا في ظل توقع عالمي بموجات تفش جديدة للفيروس التاجي كورونا.
وسعودياً نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول بارز في شركة أرامكو أن السعودية أغلقت بعض خطوط إنتاج النفط في حقل الغوار العملاق وحقول أخرى لعدم وجود مشترين دوليين، لكن الصحيفة ونقلا عن المسؤول ذاته أشارت إلى أن الوقت ربما أصبح متأخرا على خطوات كهذه، فخام برنت يقبع حالياً دون الـ30 دولاراً وهو تدن قياسي وغير مسبوق .
وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن الاقتصادات المعتمدة على النفط تترنح في الوقت الحالي ويتوقع أن يفقد نحو 220 ألف عامل نفطي وظائفهم في جميع أنحاء العالم ، كما يمكن أن يعاني نحو 40 % من منتجي النفط عسراً مالياً في غضون عام مع توقعات بانخفاض عدد الحفارات النفطية إلى النصف تقريبا .

النهاية لا تبدو قريبة
لا موعد محدد أمام البشر لاستئناف الأنشطة الاقتصادية بشكل اعتيادي ، يتوقع العالم موجات متتابعة للفيروس التاجي قبل أن يتوصل العالم إلى لقاح في موعد اقله 2022م ، وهذا الأمر كابوس قاتل للاقتصاد السعودي المعتمد على إيرادات مبيعات النفط بنسبة تفوق الـ90 بالمائة ، الاقتصاد السعودي يواجه أزمة النفط وهو ليس في افضل حالاته .
وزير المالية السعودي محمد الجدعان أشار إلى أن التوقعات تشير إلى استمرار انخفاض وتيرة الأنشطة الاقتصادية هذا العام والعام المقبل وعزم الرياض استدانة مبلغ 220 مليار ريال ويفوق ما كان مخططاً له الضعف تقريباً، رغم كون المبلغ لا يسد العجز المتوقع للميزانية.
وكشف وزير المالية السعودي تحدث عن سحب من الاحتياطي الاستراتيجي للملكة بلغ مائة ترليون ريال سعودي خلال السنوات الماضية ، يعتقد أن جلها وجه لتمويل فاتورة الحرب على اليمن ومشاريع ولي العهد كمشروع نيوم .
خطة التقشف القاسية التي باشرتها الحكومة السعودية تشمل إيقاف مشاريع حكومية وإبطاء أخرى، والسعي للحصول على قرض دولي من صندوق النقد، وتخفيض رواتب القطاع الخاص بنسبة 40 % في المائة ، ومن المتوقع أن تشكل هذه الإجراءات الدفعة الأولى من إجراءات التقشف القاسية التي ستضر بمستوى المعيشة .
وذكر موقع “المونيتور” الأمريكي في تقريره أن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، قدم الرسالة الأكثر حكمة ومباشرة للمواطنين بشأن مستقبلهم الاقتصادي، وهي رسالة تبرز أن الواقع والمستقبل سيكون مختلفاً في السعودية.
وقال التقرير: هناك تقدير بأن المستقبل يبدو مختلفاً، ومتوسط الدخل سيكون أقل، والمؤكد أن الشباب السعودي لن يعيش بالطريقة التي عاشها آباؤهم.
مطلع الأسبوع الفائت شرعت الشركات السعودية بتخفيض 40% من رواتب العاملين فيها وصولاً إلى أنهاء العقود لوقف نزيف الخسائر الاقتصادية مع ما يحمله ذلك من مخاطر اجتماعية ورفع مستوى البطالة ، عقب صدور قرار حكومي يسمح لها بذلك تحت مسمى القوى القاهرة في إشارة لفيروس كورونا.
وبنظر خبراء فإن الاتجاه نحو الاقتراض دولياً أو محلياً وإصدار سندات مالية يحمل مخاطر كبيرة بالنسبة إلى الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط واستمرار العدوان على اليمن، وفي حين يقبع نحو 4 مليارات نسمة من سكان العالم تحت الأغلاق – نحو ثلثي سكان الأرض- ولا يتوقع الخروج قبل عامين من هذا الوضع الشامل ، يضاف إلى كل ذلك استمرار الإدارة الأمريكية بابتزاز مزيد من الأموال السعودية مقابل الاستمرار بحماية الأسرة المالكة السعودية ، ولايبدوا أن ترامب مستعد للتوقف عن هذه الهواية .

الفاتورة المكلفة
يشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن إقفال فاتورة الحرب على اليمن يعد الخيار الأكثر نجاعة من بين الإجراءات المعلنة لإنقاذ الاقتصاد السعودي ، ففاتورة الحرب تستنزف الاقتصاد السعودي يوميا بحسب دراسة أجرتها جامعة هارفارد الأمريكية إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد ، وقالت مجلة فوربس بعد ستة اشهر من العدوان على اليمن أن فاتورة الحرب على اليمن كلفت المملكة خلال الستة الأشهر الأولى( مارس – سبتمبر 2015م) 725 مليار دولار ، وتلفت العديد من كبريات الصحف العالمية إلى انفاق السعودية على الحرب في اليمن لا يقتصر على شراء الأسلحة أو المعدات بل يتعدى ذلك إلى انفاق أموال طائلة لشراء السكوت الدولي واستمرار الدعم على غرار دفع 500 مليار دولار للرئيس الأمريكي ترامب لضمان الحصول على دعم أدارته للنظام السعودي ، ودفع مليار دولار للدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان لعدم إدانة السعودية على جرائمها في اليمن ، ولايزال الكثير من الصفقات المليارية المتصلة بالعدوان على الجار الفقير لم يظهر على السطح بعد.
السعودية قفزت خلال العام 2019م إلى المرتبة الخامسة عمليا بعد روسيا في قائمة الدول الأكثر انفاقا في مجال التسلح متفوقة بذلك على كل من فرنسا وبريطانيا واليابان والمانيا وكوريا الجنوبية.
وتصدرت المملكة السعودية معدلات الإنفاق على التسليح في دول المنطقة، إذ خصصت 10.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق العسكري خلال العام 2019، وهو ما يقدر بحوالي 78.4 مليار دولار.
ووفقا لمعهد استكهولم للسلام فقد شهد الأنفاق العسكري عالميا ارتفاعا بنسبة 3.5% مقارنة بالعام 2018 م، ووصلت قيمة الأنفاق العالمي على التسليح إلى 1917 مليار دولار.

تحذيرات متعددة
العديد من المعارضين السعوديين في الخارج أشاروا إلى أن الاقتصاد السعودي لم يستطع الصمود لشهرين عقب انهيار أسعار النفط وجائحة كورونا، وذلك كان متوقعا نتيجة استنزاف الاحتياطيات المالية التي كان يمكن التعويل عليها لتمد الاقتصاد السعودي بشرايين البقاء، في حرب فاشلة وعبثية على اليمن ، ومشاريع غير واقعية التي اطلقها ولي العهد السعودي وإن بصورة أقل بكثير، وإتاوات حماية للعائلة المالكة قدمت للرئيس الأمريكي ترامب.
ويتفق هؤلاء مع خبراء اقتصاديين في أن مضي القيادة السعودية في إجراءات تقشفية تعتمد جيوب المواطنين في نهاية المطاف لجهة القروض أو خفض الرواتب ، ولا تشمل ابتداء إقفال فاتورة الحرب العالية ووقف المشاريع الوهمية ، كمن يتعاطى المسكنات التي سيتوقف آثرها عند مرحلة قد لا يمكن النجاة بعدها .
ويرون بأن المواطن السعودي والاقتصاد السعودي غير قادر على المواجهة الثلاثية تبعات وتأثيرات تكاليف الحرب على اليمن وتوقف الأعمال جراء جائحة كورونا وانهيار الصناعة النفطية ، والأولى بيد النظام السعودي وقفها متى أراد.
ويحذر هؤلاء كذلك من احتمالية تلقي الاقتصاد السعودي ضربة عسكرية مؤلمة تطال ما تبقى من مفاصله الحيوية النشطة، على غرار ضربة بقيق وخريص – سبتمبر 2015م، وفي حال وقوعها ستكون آثارها مدمرة كارثية تفوق بمرات سابقتها من الضربات، كما لن يجد النظام السعودي من يتضامن معه في ظل انشغال دول العالم بمواجهة كورونا وانخفاض الحاجة إلى السعودية ونفطها.

قد يعجبك ايضا