كلما هلøتú علينا مناسبة دينية¡ برزت إلى الواجهة سلسلة من المشكلات الضاغطة والانتكاسات المريرة والمصاعب الجمة¡ التي تحيق بالمجتمعات العربية والإسلامية في تاريخها المعاصر.
وبفعل هذه الصورة فقد تحولت مثل هذه المناسبات الدينية¡ مع الأسف الشديد¡ إلى مجرد مناسبات روتينية عابرة¡ تمر مرور الكرام دون أن نأبه لدلالاتها ومضامينها ومعانيها الحقيقية¡ والتي يفترض أن نقف أمامها وقفة جادة تقودنا إلى الاسترشاد بدروسها وعظاتها¡ وأخذ العبرة منها بما يعيد إلينا الأمل والتفاؤل¡ ويخرج هذه الأمة من كابوس الإحباط واليأس¡ الذي سيطر عليها إلى درجة أصبحت فيها أسيرة لذلك الكابوس¡ الذي ينهش فيها على نحو صارخ وغير مسبوق على الإطلاق.
وفي ضوء تتابع الأحداث¡ هاهي الأمتان العربية والإسلامية تحتفلان اليوم بذكرى المولد النبوي الشريف¡ على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم¡ في ظروف مشحونة بالتحديات والمعاناة¡ تبدو فيها الأمة العربية والإسلامية أعجز ما تكون عن مواكبة معايير النهضة العالمية¡ ليس لمحدودية في الإمكانات والموارد¡ أو لتخلف في العقل والذهنية أو لفتور في عنصر الطموح والتطلع إلى الأفضل¡ بل لأسباب أخرى تتمثل في استسلام هذه الأمة لعوامل التواكل والدعة والخمول والرتابة والجمود ناهيك عن إغفالها لأهم مقومات الرقي والنهوض والتي تتجسد في التلاحم والتكافل والوحدة¡ رغم أن ديننا الإسلامي الحنيف يحضنا على التمسك بهذه المقومات كمرتكزات أساسية للحفاظ على كيان هذه الأمة من التبعثر والتشظي في كانتونات صغيرة غير قادرة على الفعل وإثبات وجودها وحضورها في عالم لا مكان فيه إلاø للأقوياء¡ وزمن صار فيه العقل البشري يخترع ما يتفوق على هـذا العقل ويتجاوز حدوده.
والأكثر إيلاما◌ٍ أن ينزلق الحال بهذه الأمة وفي هذا العصر والزمان إلى منزلقات متعددة تتوزع بين التعصب الأعمى والتطرف والغلو المنبوذ¡ وبين الأنانية القطرية والمفاهيم الضيقة والخلافات المحمومة والأيديولوجيات العقيمة¡ والعصبيات المقيتة¡ لتغدو هذه الأمة رهينة لمعوقات هي من صنع يديها قبل أن تكون من صنع أعدائها.
ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا أن قيادتنا السياسية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية كانت في مقدمة من نبøه إلى أخطار النوازع التمزيقية فعمل من أجل إعادة وحدة اليمن ولا تكاد تأتي مناسبة إلاø ويحث فيها أبناء هذا الوطن بالحفاظ على وحدتهم ولحمتهم وتماسكهم باعتبار أن في وحدتهم وتلاحمهم مصدر قوتهم وعزتهم وكرامتهم.
وفي ذات الوقت¡ لم تدخر قيادتنا الصادقة مع شعبها وأمتها ودينها وعقيدتها جهدا◌ٍ من أجل تحقيق الوحدة العربية¡ وقدمت في هذا الجانب الكثير من المبادرات وآخرها مبادرة “الاتحاد العربي” وهو المشروع الذي صار يتبناه اليوم الاتحاد البرلماني العربي.
وعلى ذات الطريق فما أحوجنا في هذا الوطن ونحن نحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم إلى التعمق في سيرة رسول الإنسانية محمد بن عبدالله¡ الذي كان اليمنيون أول من آزروه وناصروه وحملوا راية الرسالة التي جاء بها إلى مشارق الأرض ومغاربها¡ وذلك باستيعابنا¡ أن حبنا لرسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم لا يستقيم إلاø بالعمل بتعاليمه وبنهجه الذي جعل حب الوطن من الإيمان¡ في إشارة بليغة إلى أن الإيمان لا يكتمل إلاø بحب الأرض التي ننعم بخيراتها ونستنشق هواءها¡ ونستظل بسمائها مما يعني معه أن أي نكوص عن ذلك¡ هو نكوص عن العقيدة والدين.
وفي إطار هذه المنظومة¡ يغدو من الواضح أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس الأمارة بالسوء¡ من خلال تقويم الذات واستشراف حقيقة أين أص◌ِبúنا وأين أخطأنا¡ وهل نحن مع وطننا أم عليه¡ وهل أدينا واجباتنا تجاه هذا الوطن على أكمل وجه¡ أم غلبت علينا شقاوتنا وأنانيتنا¡ فصارت “مصالحنا أولا◌ٍ” و”مصالح الوطن أخيرا◌ٍ” وهل الوطن هو المرشد والملهم لكل أفعالنا وأعمالنا¡ أم أن المغرضين والمشككين والمرجفين والمتآمرين وصغار النفوس والمواقف هم من يتحكمون بمواقفنا¿!.
إن وقفة جادة مع النفس كفيلة بتصحيح توجهاتنا وأفعالنا وممارساتنا الخاطئة¡ وتصويبها في اتجاه ما يعود بالنفع والخير على وطننا وشعبنا¡ وتجنب كل ما يغضب الخالق عز وجل ورسوله الكريم الذي أدى الأمانة ونصح الأمة وبلغ الرسالة بتبيان الحق من الباطل واله◌ْدى من الضلالة مسترشدا◌ٍ بقوله تعالى: (ف◌ِم◌ِنö اهúت◌ِد◌ِى ف◌ِإöنø◌ِم◌ِا ي◌ِهúت◌ِدöي لöن◌ِفúسöهö و◌ِم◌ِن ض◌ِلø◌ِ ف◌ِإöنø◌ِم◌ِا ي◌ِضöلø◌ْ ع◌ِل◌ِيúه◌ِا و◌ِم◌ِا أ◌ِن◌ِاú ع◌ِل◌ِيúك◌ْم بöو◌ِكöيل◌ُ) صدق الله العظيم.
Prev Post
Next Post