معالم تشكو الإهمال .. وتعليم مفقود .. وصحة غائبة .. ومواطنون يبحثون عن الماء



> على بعد 60 كيلو مترا من مدينة الحديدة عاصمة المحافظة تقع مديرية الزيدية أحد أقدم المدن في تهامة حسب ما ذكر المؤرخ الإسلامي ابن الديبع كما أنها من أكبر مديريات الحديدة من حيث المساحة الجغرافية والكثافة السكانية… تمثل الزيدية أهمية كبيرة للمديريات الشمالية فهي تعتبر مركزاٍ للعمل التجاري لتلك المديريات من اللحية والزهرة شمالاٍ إلى القناوص والضحى جنوباٍ.
كما اكتسبت الزيدية أهمية كونها تقع على الطريق الدولي (الحديدة – جيزان) والذي غالباٍ ما يشهد حركة مرور مستمرة .. الأمر الذي جعل من الزيدية تنتعش اقتصادياٍ … إلخ .
إلا أن هذه المديرية وبالرغم من إرثها التاريخي والثقافي وموقعها الجغرافي ما تزال تعاني من غياب الخدمات وانعدام البنية التحتية للمشاريع الرئيسية كما هو الحال مع مشاريع المياه المتعثرة والكهرباء المفقودة والتي لا تغطي إلا جزءاٍ بسيطاٍ من احتياجات المديرية .
نبذة تاريخية
> أنشئت مديرية الزيدية في القرن الخامس الهجري وهي نسبة إلى زيد بن ذؤال وهو أول من سكن فيها كما يذكر ذلك المؤرخ العربي ابن الديبع وبعد اندثار أبيات حسين والمهجم والتي كانت موجودة في ذلك الحين أصبحت الزيدية حاضرة من حواضر تهامة الشمالية وصارت قبلة للعلماء وطلاب العلم والذين يقصدونها من مختلف المناطق..
وفيها ظهرت العديد من الأسماء اللامعة في الفقه والعلم الذين كانوا مقصد الدارسين والسائلين عن أمور دينهم .. ويبلغ عدد سكان الزيدية ما يربوا على مائة وخمسين ألف حسب آخر إحصائية رسمية .. يتوزع السكان فيها على العديد من العزل والقرى الممتدة من الضحى جنوباٍ وحتى القناوص شمالاٍ وحتى جبال المحويت من الجهة الشرقية .
ومديرية الزيدية مقسمة على 3 عزل الأولى هي عزلة العطاوية وتقع في الجزء الشرقي من المديرية وهي بمحاذاة مديرية الخبت التابعة لمحافظة المحويت وعزلة الحشابرة والتي تقع في المنطقة الجنوبية وفيها العديد من القرى المتباعدة و يسكنها عشرات الآلاف من السكان وتتبنى أغلب بيوتها من الطين والقش .
أما العزلة الثالثة فهي ما عرف بمنطفة الأفراد والتي تشمل مدينة الزيدية عاصمة المديرية وفيها يتركز معظم السكان من أبناء المديرية أو من الوافدين إليها من بعض المديريات القريبة .
قلاع تاريخية
> تمتاز العديد من المنازل والقلاع التاريخية في مديرية الزيدية أنها بنيت في حقب تاريخية ماضية وتم بناؤها على نمط معماري فريد ومميز .. الأمر الذي جعل منها (الزيدية) تحفة فنية في طريقة ذلك المعمار .. إلا أن أهم ما تميزت به الزيدية من تلك المباني هي قلعة الزيدية الأثرية والتي بناها العثمانيون مع حملتهم الأولى والتي تعد من القلاع التاريخية الأثرية التي تحظى بها محافظة الحديدة وتعد شاهدة على حقبة تاريخية وحضارية أبدع فيها اليمنيون وتفننوا في البناء والتعمير .. إلا أن ذلك الإرث التاريخي وبالرغم من أهميته التاريخية والأثرية بات اليوم يشكو الإهمال وغياب الاهتمام من قبل الجهات المعنية فخلال العقد الماضي تعرضت قلعة الزيدية التاريخية للعديد من الاندثار والهدم والخراب في بعض أجزائها وهو ما شكل خطورة على بقية القلعة خاصة مع تعرضها في بعض فصول العام لأمطار غزيرة قد تتسبب في أضرار بالغة لها الحقت أضرارآٍ بالغة في بنائها التاريخي الفريد .. هذا الوضع جعل العديد من الأهالي ووجهاء المنطقة والحريصين على إرثهم التاريخي يوجهون العديد من الرسائل والمناشدات للجهات المسئولة للتحرك السريع لإنقاذ هذا التاريخ الذي بات يسير نحو مآلات مخيفة في ظل عدم اكتراث الجهات المسئولة لما تتعرض له تلك المعالم..
توجهنا إلى مدير المديرية العقيد محمد الجند لنسأله عن تحرك الجهات المسئولة والمعنية بترميم القلعة وغيرها من المعالم التي تتعرض للخراب والهدم بغض النظر عن الأسباب فكان الجواب:
(نحن في المجلس المحلي بالمديرية قد وجهنا العديد من المذكرات والرسائل التي تحكي وضع قلعة الزيدية الأثرية ووضعها إلى الجهات المعنية في المحافظة إلا أن تلك الجهات والتي هي معنية بالحفاظ على الآثار والمعالم التاريخية لم تقم بدورها وصمت آذانها عما تعانيه قلعة الزيدية وغيرها من المعالم ..
ونحن نطالب وعبركم أن تقوم السلطة المحلية بالمحافظة باتخاذ إجراءات سريعة ينتج عنها الحفاظ على تاريخ آبائنا .. فاليوم على المجلس المحلي في المحافظة أن تقوم بتوجيه الجهات المعنية بعمل اللازم للحفاظ على قلعة الزيدية التاريخية كإحدى المعالم التاريخية لكل اليمنيين .
وفي نفس الصعيد يبرز أمامك العديد من المساجد التاريخية التي بنيت قبل مئات السنين كما هو الحال مع مسجد «صائم الدهر» – والذي كان قبلة لطلاب العلم ومركزاٍ لتدريس العلوم الشرعية منذ ما يزيد عن مائتي سنة والذي بات اليوم يشكو من وضع مزر نتيجة تهدم أجزاء منه بسبب انعدام الترميم المستمر لما يتعرض منه للتهدم …. الحال لا يختلف أيضاٍ مع مساجد الحلة و الشيخ دهل والجامع الكبير بالزيدية وجامع دير عطا بعزلة العطاوية والتي تعاني هي الأخرى من تهالك سقوفها وأعمدتها والتي بنيت قبل قرون من الزمن .. ولا تزال تنتظر انقاذ الدولة ..
كل تلك المساجد تشكو غياب اهتمام الدولة ومعها يشكو أبناء مديرية الزيدية والذين يعتبرون إهمال الدولة لتلك المعالم التاريخية يعد جزءاٍ من إغفال متعمد يدخل في دائرة المؤامرة على مديرية الزيدية ومعالمها التاريخية والتي لم تلتفت لها الدولة منذ عقود من الزمن (كما قال الصحفي أبو لغيث معوضة) والذي أضاف أن أبناء الزيدية لم يلقوا أي اهتمام من الدولة طوال الفترة الماضية والتي غالباٍ ما تقوم بالتنصل والتسويف وإطلاق الوعود .. واليوم نحن نرى تنصلها عن القيام بدورها تجاه تلك المعالم الأثرية والتاريخية .
خدمات منعدمة وأخرى متعثرة
> كثيرة هي الخدمات المنعدمة في مديرية الزيدية … فالبرغم من الكثافة السكانية التي تمتاز بها مديرية الزيدية واتساع رقعتها الجغرافية فهي اليوم تفتقر للعديد من خدمات المياه والكهرباء والصحة التي ما تزال غائبة عن هذه المديرية وعن أبنائها لعقود من الزمن وحتى اليوم …
فالماء والذي يعد من أهم مطالب المواطنين في مديرية الزيدية ما يزال مشروعه متعثراٍ منذ 2006م وهي سنة الانتهاء منه. وبالرغم من أن المشروع كلف الدولة (ستين مليون ريال) إلا أنه ذلك المشروع يعيش في حالة سيئة فهو لايعمل في بعض أجزائه لتغطي جزءاٍ بسيطاٍ من مدينة الزيدية عاصمة المديرية والتي تفتقر في بعض الأحيان لأعطال تؤدي إلى انقطاع المياه فجأة.. ناهيك عن أن العديد من الأحياء والمناطق في مدينة الزيدية ومناطقها وقراها ما تزال تفتقر لشربة ماء نظيفة الأمر الذي يضطر المواطنين إلى شراء مياه الشرب عبر الوايتات من مناطق بعيدة وبأسعار مرتفعة ..
مدير مديرية الزيدية محمد الجنيد أكد أن المشروع بالفعل تم استكمال بنائه في ذلك الحين ( 2006م) إلا أنه ظل متعثراٍ بسبب عدم وجود جهة تتحمل مسئولية الإشراف عليه.. ليتم في وقت قريب قبول مؤسسة المياه والصرف الصحي استلام المشروع وكان ذلك بحضور وزير الصحة ومحافظ المحافظة وألزمت المؤسسة باستكماله .. إلا أن ذلك لم يتم إلى الآن وما يزال المشروع يحتاج اليوم إلى متابعة وإصلاح ما تخرب منه ..
وأضاف مدير المديرية: وهناك المنحة الألمانية والتي تعهدت بإصلاح شبكة الصرف الصحي لكنها اشترطت أن يتم تشغيل مؤسسة المياه والصرف الصحي في المديرية .
ترزح في الظلام
> مشروع الكهرباء هو الآخر ومنذ الوعد الذي أطلق في العام 2006م في الانتخابات الرئاسية لم يتحقق في الواقع وما يزال معظم بل غالبية مناطق الزيدية بما فيه عاصمة المديرية ترزح في الظلام .. إلا جزء بسيط يتم تزويده بالخدمة لفترة محدودة من اليوم .. هذا الوضع جعل من المواطنين يعانون جراء انعدام الخدمة لأغلب مناطق المديرية خاصة في فترة الصيف الحار والساخن ..
يقول المواطن محمد أبو الغيث صائم الدهر (إنه وبالرغم من كون المديرية تعاني من شدة حرارة الطقس الساخن ومع ذلك لم يتم إيصال التيار الكهربائي للمديرية إلا عن طريق جزء بسيط يتم خصمه من حصة مديرية الضحى) .
وقال صائم الدهر: مديرية الزيدية ومعها 3 مديريات لا تمنح من مؤسسة كهرباء الحديدة سواء 7 ميجا وات وهي كمية لا تساوي شيئاٍ مقارنة بأعداد السكان في هذه المديريات.
وتساءل أبو الغيث عن 10 ميجاوات التي وعدت بها المديرية منذ 2006م .
المجلس المحلي بالمديرية أكد أنه تم تحرير العديد من المذكرات لقيادة المحافظة والمسئولين في مؤسسة الكهرباء وأخيراٍ تم إدراج مشروع كهرباء الزيدية في البرنامج الاستثماري للعام 2013م بمؤسسة الكهرباء وبانتظار تنفيذ مشروع كهرباء الزيدية يظل المواطنون يرزحون ويعانون بسبب انعدام خدمة الكهرباء وغيابها وشدة الحر اللاهب .
الصحة ليست بأحسن حال فهي أيضاٍ غائبة عن مديرية الزيدية فأغلب قرى وعزل المديرية تعاني من غياب المراكز الصحية ناهيك عن أن المستشفى الصحي يعاني من نقص في المعدات والكادر الطبي وعدم وجود غرف عمليات أو معدات طبية يحتاجها المستشفى .
إضافة إلى أن سكن الأطباء والذي تم إخلاء عهدة المقاول لم يتم استكمال بنائه وما يزال ينقصه الكثير ولا يعرف المواطنون والمسئولون في المحافظة كيف تم استلام المبنى دون الاستكمال ..
وعند سؤال إدارة المديرية عن مشروع المستشفى الريفي لمديرية الزيدية أجاب مدير المديرية أن مشروع المستشفى مركز من حيث المناقصة والإشراف وإخلاء عهدة المقاول تمت من قبل مكتب الصحة .
وأشار مدير المديرية إلى أن المستشفى يعاني من غياب الكادر الكافي ولا يوجد فيه سوى طبيب واحد … وقال وبالرغم من المتابعة المستمرة من قبل المجلس المحلي لتوفير الكادر إلا أن مكتب الصحة لم يقم بتوفير الكادر إلى الآن.
فصول من القش
> وفي مديرية الزيدية يعاني التعليم من وضع مأساوي… فأغلب قرى المديرية لا يوجد بها مدارس لا أساسية ولا ثانوية الأمر الذي جعل من أبناء تلك المناطق يعزفون عن التعليم الأمر الذي ينذر بظهور جيل من هؤلاء الأطفال يعاني من أمية القراءة والكتابة .. وبأعداد كبيرة ..
يقول المواطنون في مديرية الزيدية إن نسبة بسيطة من أبنائهم الذين يتمكنون من الدراسة الابتدائية يواصلون دراستهم الثانوية في مدينة الزيدية عاصمة المديرية .. نظراٍ لعدم وجود مدارس في مناطقهم البعيدة عن عاصمة المديرية ناهيك عن أن أعداداٍ كبيرة من هؤلاء الأطفال لا يلتحقون بالأصل بالدراسة ..
وقال معنيون في مكتب التربية والتعليم بالمديرية إن عزلتي العطاوية والحشابرة تعاني من انعدام المختصين في المواد العلمية كالرياضيات والإنجليزي والفيزياء .. ناهيك عن أن أغلب القرى من هاتين العزلتين يدرس الأطفال فيها تحت الشجر وفي المساجد أو في فصول من القش مثلما هو الحال مع مدرسة الهيجة والراية والرافعي وغيرها كثير من المدارس الموجودة اسماٍ لا حقيقة كل ذلك يجعل من العملية التعليمية والتربوية تعيش في خطر داهم ووضع مستقبلي مخيف في القريب القادم وذلك بسبب هذا الوضع ..
وبالرغم من كونها محط الكثير من أبناء المديريات المجاورة حتى تلك التي تتبع محافظة المحويت .. وغالباٍ ما تكون محل استقبال الكثير من الوافدين .. فما يزال التعليم العالي الحكومي منعدماٍ فيها بالرغم من وجود كليات تتبع جامعات خاصة .. إلا أنه وفي العام المنصرم تم الاتفاق بين السلطة المحلية وقيادة الجامعة (كما أكد مدير مديرية الزيدية) على إنشاء مبنى خاص بكليات تتبع جامعة الحديدة وتم تفريغ المعهد العلمي بالزيدية ليكون فرعاٍ لجامعة الحديدة ولتقم السلطة المحلية في المديرية بتزويده بالكراسي وبعض المعدات إلا أنه لم يتم افتتاحه إلى اليوم.
مدير المديرية الجنيد أوضح أنه تم الاتفاق مع الجامعة على إنشاء كلية التربية وكلية العلوم التطبيقية وتم عمل محضر مع نائب رئيس الجامعة الدكتور عبده هديش وتم تسليم المبنى وشراء الكراسي كشرط من قبل الجامعة بمبلغ وقدره خمسة ملايين ريال إلا أن قيادة الجامعة تراجعت عن افتتاح تلك الكليات في المديرية الأمر الذي يجعل من أبناء المديرية من الخريجين مخيرين بين مواصلة الدراسة في فروع الجامعات الخاصة ( وبمبالغ مالية باهضة ) أو الانتقال إلى مدينة الحديدة وبما يكلفه ذلك .. وبين أن يترك الدراسة ويعزف إلى خيارات أخرى ربما يكون من ضمنها الرحيل لطلب الرزق عبر التهريب لدول الجوار ..
الزراعة مهددة
> كل تلك المعاناة التي يعانيها أبناء مديرية الزيدية يضاف إليها المعاناة الأهم والتي تعد الأبرز عند أبناء مديرية الزيدية والتي تكمن فيما تتعرض له أراضيهم الزراعية من موت بطيء بسبب ارتفاع مادة الديزل وانعدامه في بعض الأحيان الأمر الذي أثر على مصدر رزقهم الوحيد والذي يقتات منه أغلب الأهالي. فالزيدية والتي يزرع فيها البطيخ والذرة والدجرة وغيرها من المحاصيل الزراعية كما هو الحال في الغالب في منطقة تهامة والتي تمتلك أراضي زراعية واسعة يخشى اليوم أن تتحول إلى صحارى واسعة وجافة بسبب ذلك الوضع .
وقال بعض المزارعين إن محاصيلهم الزراعية التي تنتهي في الغالب بسبب ما تتعرض له من آفات وحشرات لا تقوم الدولة بمكافحتها .. وتقصر هيئة تطوير تهامة في إعطائهم المواد المكافحة لهذه الحشرات الأمر الذي يؤدي إلى موت العديد من مزارعهم ..
وأكد العديد من هؤلاء المزارعين أنه وفي حال استمر وضع أسعار الديزل في الارتفاع فإن مصير الزراعة في مناطقهم سوف تتوقف الأمر الذي سيؤثر على وضعهم المعيشي والمادي .

قد يعجبك ايضا