كورونا.. والمشاركة المجتمعية
أحمد يحيى الديلمي
في هذه المرحلة الحرجة التي يعيشها العالم بفعل تفشي جائحة وباء كورونا القاتل الخفي ، علينا نحن اليمنيين أن نرفع أكفنا إلى السماء لنحمد الله ونزيده ثناء وحمداً لأنه عافانا ونجانا مما ابتلى به الآخرين ، فبلادنا ولله الحمد لا تزال تعيش في سلام وبعيدة عن هذا الوباء ، وكما قال الرئيس مهدي المشاط، لا يجمع الله بين عسرين ، ويقصد عسر الوباء وعسر العدوان ، لكن الأمر لا يخلو من الحذر والحيطة وعدم التمادي في الإهمال خاصة فيما يتعلق بشؤون النظافة ، في هذا الجانب الدولة أخذت زمام المبادرة وحاولت أن تبذل جهوداً مكثفة لعدم دخول المرض إلى البلاد سواءً من خلال الرقابة في منافذ الدخول لليمن قدر الإمكان أو تعقب من يتم إدخالهم بطرق غير مشروعة ودون الفحص والتحقق من خلوهم من الأمراض ، وهو أسلوب جيد لأننا محاطون بدول كلها وصل إليها الوباء وأصبحت تُعلن يومياً عن حالات جديدة ، وفي هذه الحالة وكما يقال “رب ضرة نافعة”، فالحصار الجوي المفروض علينا أيضاً ساعد على عدم دخول هذا الوباء الذي أشاع الرعب والخوف وشل الحياة في أرجاء الكرة الأرضية وتتفاقم أعداد الإصابات والوفيات بشكل يومي تخطت الأرقام القياسية في الدول الكبرى مثل أمريكا وأوروبا وبنسب أقل في دول العالم الثالث، وتتعاظم المخاوف أن الحصيلة تزداد أمام عجز مراكز البحث وأكبرالجامعات في العالم عن الوصول إلى أي مركب دوائي يكبح جماح هذا العدو الشرس ، لا تزال الإجراءات الاحترازية قاصرة على العزل الاجتماعي وبعض العقاقير غير المجدية.
اليمن خالية.. لكن !!؟
لا بد أن نقلع عن عدوى السلوكيات الاجتماعية المشينة وكل ما يؤثر على صدق الارتباط بالله سبحانه وتعالى ويوجب العقاب ، بحسب بيانات وزارة الصحة المتتالية وإعلان منظمة الصحة العالمية لا تزال اليمن خالية من الوباء الخطير.
وهنا لابد أن نشكر الجهود الجبارة التي تبذلها الحكومة ممثلة بلجنة الترصد الوبائي ووزارة الصحة والسكان ، إلا أن وحشية الجائحة ووجود الجار المؤذي يجعل المشاركة المجتمعية خياراً محورياً أساسياً وهاماً ومسؤولية وطنية تتسم بالقداسة وتقع على كاهل كل موطن يمني شريف يُدرك بشاعة الرغبات الممنهجة للأعداء المتربصين باليمن واليمنيين ، كونهم لا يتورعون عن اللجوء إلى أي وسيلة مهما تدنت وتعارضت مع أبسط القيم الإنسانية بما في ذلك تسريب الوباء والجائحة الخطيرة.
هذا الاستهداف الإجرامي يجعل المواجهة فرض عين على كل مواطن حيثما كان موقعه من خلال الالتزام بالتعليمات وشروط العزل الإجتماعي والإبلاغ عن أي مواطن يتسلل إلى الداخل دون أن يخضع لإجراءات مراكز الحجر الصحي ويثبت خلوه من الفيروس أو أي عوارض تدل عليه ، وهنا لابد من كبح جماح العاطفة لأن الخطر أوسع والكارثة أكبر مما نتوقع فلابد أن تكون المشاعر صاحية ومتجهة نحو حماية الكل وإن على حساب تضييق الخناق على فرد بذاته.
المنظمات الجماهيرية
في هذا السياق يأتي دور المنظمات الجماهيرية باعتبارها الرديف الفعلي لما تقوم به أجهزة الدولة ، إذ يمكنها تنظيم حلقات لنشر الوعي وتعريف العامة بمخاطر عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية الوقائية وشرح الأسباب والدوافع التي حتمت اللجوء إليها والتركيز بشكل خاص على مزاعم التقليل من أهمية الإجراءات والقول بأنها تتعارض مع إرادة الخالق سبحانه وتعالى والإتكال عليه ، وهناك مبادرات ومهام خاصة تقع على عاتق أجهزة الإعلام ، كما ورد على لسان الأخ الأستاذ ضيف الله الشامي وزير الإعلام حيث يجب على الوسائل الإعلامية الحكومية والخاصة أن تتوخى الدقة وأن تتجنب الأخبار التي تُثير الهلع والخوف لدى المواطنين وتعطي المجال للأعداء المتربصين للاستفادة من مثل هذه الأخبار غير الدقيقة في تسريب الشائعات والتعاطي مع نفس المعلومة بانتهازية لا تخلو من الشماتة والسخرية المقيتة.
وفي الجانب الآخر يمكن لنقابة الأطباء مثلاً أن تعلن عن مبادرة ذاتية تتضمن دعوة الأطباء للتطوع والإعلان عن أرقام تلفونات المتطوعين في وسائل الإعلام المختلفة للرد على أسئلة المواطنين وتقديم الاستشارات عبر التلفون نظراً لإجراءات العزل الاجتماعي وتخطي هذه الإشكالية عبر هذه الوسيلة ، وأيضاً النقابات الأخرى والأحزاب وكل الكيانات المجتمعية لابد أن تضطلع بمسؤولياتها وتقوم بأعمال أساسية تسهم بها في تجنب هذا الوباء ، ونشر الوعي الجماهيري الذي يجعل المواطنين دائماً في دور الاستعداد والمواجهة والتحدي من خلال الالتزام بالتعليمات.
هنا لابد أن نشير إلى نقطة هامة لتوعية من يعتقدون أن مراجعة الطبيب عند الشعور بأي عارض من العوارض عيب أو يمثل جانب انتقاص من الشخص ذاته أو الأسرة التي ينتمي إليها فهذه معتقدات ساذجة ستؤدي إلى كوارث في النهاية ، لو أن العارض كان بداية للوباء ماذا ستفيد هذه الاحترازات غير السوية والتي لا تعبر إلا عن قلق وعدم اهتمام بالآخرين ، فالعارض أحياناً قد يكون بسيطاً إلا أنه سيؤدي إلى العدوى وإصابة أسرة بكاملها ، فلماذا نتحرج ونتمنع من مراجعة الطبيب علماً بأن العارض الذي يعاني منه الشخص قد يكون بعيداً كل البُعد عن الوباء ، مثل الأنفلونزا العادية وكل الحالات المرضية القريبة من عوارض الوباء ، ولو أن الشخص عرض نفسه على الطبيب لكان قد أفاد وأستفاد وتجنب الخطر الأكبر ، فهل يعي كل مواطن أن المسؤولية كبيرة !!؟ وإنه إن أهمل سيتحول إلى قاتل لنفسه ولأفراد أسرته ، وهذه رسالة أيضاً نخص بها أولئك الذين يدخلون البلاد عن طريق التهريب وبمبالغ كبيرة فهم إنما يرتكبون جريمة لا تقل شأناً عن جريمة القتل العمد ، طالما وأن الدولة وفرت مراكز الحجر الصحي وكافة اللوازم لأي شخص يتم احتجازه فيها ، فلماذا دائماً نهمل ونلجأ إلى هذه الطرق الخبيثة والأمر بسيط وسهل ، وفي النهاية يؤدي إلى حماية اليمنيين ككل ، أرجو أن نُراعي هذه الأشياء حفاظاً على الصحة وتجنيب البلاد هذا الوباء الكارثي الذي لا يقل شأناً عن وباء العدوان ، فيكفينا وباء العدوان وكل ما ينطوي عليه من خُبث وحقد.. والله من وراء القصد..