قراءة لمضامين الرؤية الوطنية لإنهاء الحرب
محللون سياسيون: الطرف الوطني قدم رؤية متوازنة ومنطقية وحاول إيجاد مخارج معقولة لتحالف العدوان
الثورة/حمدي دوبلة
جاءت الرؤية الوطنية للحل الشامل لإنهاء العدوان على اليمن والتي قدمتها الجمهورية اليمنية مؤخرا إلى الأمم المتحدة مجسدة إلى حد كبير تطلعات اليمنيين للسلام الشامل والعادل والمشرف.
هذه الرؤية التي اعتبرها كثيرا من المراقبين والمحللين السياسيين منطقية للغاية ولم تغفل الحقائق والتعقيدات العديدة التي تلف المشهد اليمني بفعل الانتهاكات والجرائم الجسيمة التي اقترفتها الآلة الحربية لدول التحالف العدواني طيلة خمسة أعوام كاملة بحق الأبرياء من أبناء الشعب اليمني ومقومات حياته وتدمير البنى التحتية والمعالم المدنية في طول البلاد وعرضها دون أن تحقق أي من أهدافها المعلنة وظل ما أنجزته من مكاسب عسكرية وميدانية في أضيق الحدود بعكس اليمن التي أنجزت خلال فترة العدوان المفروض عليها وحصاره الخانق ما لم تنجزه لعقود من سنوات الرخاء والسلام وعلى مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والأمنية وصارت بعد اكثر من خمسة أعوام من العدوان والحصار أشد قوة وبأسا واستطاعت تغيير معادلة المواجهة وانتقلت بكفاءة عالية من استراتيجية الدفاع إلى الهجوم الفاعل والمؤثر في عمق العدو ناهيك عن بناء قوة عسكرية رادعة انعكست تلك القوة بصورة واضحة في الانتصارات الكبيرة التي سطرها أبطال الجيش واللجان مؤخرا في ظل هزائم وانكسارات مذلة للعدوان وأدواته بمختلف محاور وجبهات القتال.
ويشير محللون سياسيون وخبراء عسكريون إلى أن النجاحات العسكرية اللافتة لليمن في مواجهة العدوان ورغم أنها تجعل موقفه اقوى في أي عملية سياسية إلا أن صنعاء أكدت من خلال هذه الرؤية المتزنة والمنطقية حرصها على إحلال السلام ووضع حد للمعاناة الإنسانية للشعب اليمني والتي اعتبرت الأسوأ على مستوى العالم بحسب الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية كما أن هذه الرؤية حاولت إيجاد المخارج الواقعية لدول تحالف العدوان التي تعيش أسوأ مراحلها بعد هزائم وانتكاسات جحافلها ومرتزقتها في جميع محاور القتال وبصورة متتالية وعملت الرؤية بشكل أو بآخر على حفظ ماء وجه النظام السعودي المتهالك والمنهزم في اليمن على أمل دفعه إلى مربع السلام ووضع حد لعناده وتعاليه وغطرسته، وفي هذا الاطار تنص الرؤية على أنه ونظرا لعدم جدوى الخيار العسكري “وإيمانا من جميع الأطراف بضرورة إنهاء الحرب، والتوجه الصادق نحو السلام ووضع حد لأكبر أزمة إنسانية في العالم التي يعانيها الشعب اليمني جراء الحرب والحصار ورغبة جادة في تسخير كل الطاقات والإمكانات لمواجهة مخاطر جائحة كورونا كوفيد 19 ، يوافق الطرفان ( قيادة دول التحالف، وقيادة الجمهورية اليمنية بصنعاء)، ومن ينتسب إليهما على الأحكام والمبادئ الواردة في الوثيقة والتي كان محورها الأول.
إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار على أن يتم إعلان وقف إطلاق النار بشكل شامل وكامل ونهائي وإيقاف كافة الأعمال العسكرية البرية، والبحرية، والجوية.
وهنا تبرز مضامين الدعوة التي اطلقها قائد الثورة الشعبية السيد/عبدالملك بدر الدين الحوثي وتأكيداته على ضرورة الإعلان الصريح والواضح بإنهاء الحرب دون تلكؤ أو تستر خلف العبارات المطاطية وبذلك وضع الكرة في ملعب تحالف العدوان وخاصة النظام السعودي الذي هو في امس الحاجة لهذا السلام والخروج من المستنقع اليمني الذي يزداد غرقا فيه يوما بعد آخر ..وتنص الوثيقة على ضرورة أن يدخل وقف إطلاق النار حيز النفاذ بأثر مباشر فور توقيع هذه الوثيقة في جميع المحاور القتالية وعلى أنحاء أراضي الجمهورية اليمنية، وفي الحدود المشتركة ناهيك عن عرض العديد من الخطوات التفصيلية التي سردتها الرؤية لضمان التنفيذ الدقيق والواضح لهذه الخطوة الهامة على صعيد مواصلة العملية السياسية ولكي تمضي قدما في ظل الظروف المناسبة ما يعكس شمولية الرؤية للطرف الوطني حول العملية السلمية التي لن يكتب لها النجاح دون إيقاف جميع العمليات الموجهة ضد أراضي الجمهورية اليمنية ومياهها وسفنها ووحداتها البحرية سواء أكان ذلك باستخدام الطائرات الحربية أو المسيّرة أو باستخدام البارجات الحربية أو الفرقاطات والقوارب العسكرية أو الصواريخ الموجهة أو غيرها من الوسائل.
وبالمقابل، إيقاف جميع العمليات الموجهة إلى أراضي المملكة العربية السعودية ومياهها ومطاراتها وسفنها ووحداتها البحرية سواء أكان ذلك باستخدام الطائرات المسيّرة أم القوارب أو غيرها من الوسائل.. وان يصاحب ذلك إيقاف الخطاب السلبي في البيانات العامة ووسائل الإعلام ضد الطرف الآخر، وازدراء الخصوصيات الثقافية والسياسية والاجتماعية لكل طرف وبما يساهم في وضع البرامج أو المسارات العملية المطلوبة للسلام واستئناف علاقات اخوية قوية ومتينة، تقوم على أساس مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل والاحترام المتبادل والتعاون المشترك وأولوية المصالح المشتركة بين الطرفين على وجه الخصوص، وعدم دخول أي طرف في أية اصطفافات عسكرية أو أمنية ضد الطرف الآخر بشكل مباشر.
وهنا يضع الطرف الوطني حدا فاصلا للتخرصات والأوهام التي ترددها أبواق العدوان وما تحاول أن تروج له حول تبعية صنعاء لإيران أو ارتباط اليمن بأي مشاريع وأجندات خارجية كما تجسد هذه الخطوة الهدف النبيل التي سعت له القيادة السياسية ومعها كل الجماهير اليمنية وقدمت في سبيله عظيم التضحيات وهو السيادة الكاملة ورفض أي شكل من الوصاية أو الانتقاص من استقلال اليمن والتحكم في قراره الوطني، وهنا نجد كيف نصت الوثيقة على ضرورة إنهاء التواجد الأجنبي في جميع أراضي الجمهورية اليمنية وجزرها وموانئها، وأجوائها وفي المقابل إنهاء أي تواجد عسكري يمني في الأراضي السعودية..
وبما أن الحصار يظل قرينا للعدوان وأحد أشكاله ووسائله الحربية ضد الشعب اليمني نصت الوثيقة على إنهاء الحصار بالتزامن مع إعلان وقف الحرب والعمل الفوري باتخاذ التدابير والمعالجات الاقتصادية والإنسانية وذلك في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا الوبائي وما تحمله من مخاطر لن تستثني أحدا وهو ما يجعل الحاجة أكثر إلحاحاً في تنفيذ التدابير الإنسانية والاقتصادية وغيرها من تدابير ضرورية لرفع المعاناة عن الشعب اليمني، وضمان حرية حركة الناس والسلع الإنسانية والتجارية إلى البلاد في جميع أنحائها، ولذلك نصت الرؤية الوطنية على اتفاق الطرفين على إنهاء الحظر الجوي وفتح جميع المطارات في اليمن بما فيها مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الدولية المباشرة، وإعادة تشغيل المطارات اليمنية كما كان الوضع عليه قبل عام 2015م .
وان تلتزم الجهات اليمنية المختصة بإجراءات السلامة والأمن الدولي ومعاييرها وفقاً لاتفاقية شيكاغو للطيران، والاتفاقية ذات الصلة وبما يتوافق مع القانون اليمني.
وكذلك التزام الجهات المختصة في المنافذ الجوية بتنفيذ الإجراءات الاحترازية للسلامة واجبة التطبيق إزاء فيروس كورونا المستجد – COVID-19.
الى جانب إنهاء الحصار البري وإعادة فتح جميع المنافذ البرية للجمهورية اليمنية أمام جميع المدنيين والحركة التجارية، وضمان إزالة الصفة العسكرية عنها.
ويتضمن ذلك جملة من الخطوات والإجراءات التفصيلية كفتح الطرقات الرئيسية الداخلية بين المحافظات الأمر الذي سيساهم إلى حد كبير في تخفيف معاناة اليمنيين
.إلى جانب إنهاء الحصار البحري ورفع القيود عن جميع الموانئ اليمنية، بما فيها (الحديدة – الصليف – رأس عيسى) وجميع موانئ البحر الأحمر، بما يضمن إعادة تشغيلها بقدرتها التشغيلية المعمول بها قبل عام 2015م وعدم اعتراض أو منع أو حجز السفن السفن التجارية والمشتقات النفطية والمستلزمات الطبية والسلع ومواد الغذاء وغيرها
مع التعزيز العاجل لآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) وتفعيلها من خلال تعزيز وجود المراقبين في ميناء الحديدة وحسن تجهيزها بالمعدات، على أن ينتهي العمل بها بعد انقضاء ستة أشهر.
ومن أهم القضايا التي تضمنتها الرؤية الوطنية في الجانب الاقتصادي والإنساني تلك المتعلقة بـ دفع المرتبات حيث نصت الوثيقة على دفع رواتب جميع منتسبي قطاعات الدولة في الجمهورية اليمنية حسب قوائم رواتب عام 2014م لدى الطرفين.
وان يتم تسليم جميع المرتبات المتأخرة غير المسلمة لجميع منتسبي قطاعات الدولة في الشمال والجنوب وعموم محافظات الجمهورية اليمنية، وبما يشمل مرتبات المتقاعدين.
وتسليم مخصصات الضمان الاجتماعي المتأخرة لجميع مستحقيها في الجمهورية اليمنية.
وعلى أن تفتح قيادة دول التحالف اعتماداً مستندياً خاصاً بصرف المرتبات لمدة عشر سنوات قادمة، حتى تعافي الاقتصاد اليمني.
وكذا تخصيص عائدات النفط والغاز للتوزيع على جميع الأسر اليمنية المسجلة في سجلات الأحوال المدنية للجمهورية اليمنية للوفاء باحتياجاتها الإنسانية من غذاء ودواء وغيره.
إلى جانب اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز عملية تنسيق السياسة النقدية على المستوى الوطني، وإتلاف العملات غير المتوافق عليها، وعدم إصدار أي عملات إلا وفق السياسة النقدية من خلال لجنة مشتركة.
وان تقوم الأمم المتحدة بدعوة الدول الدائنة للجمهورية اليمنية بإسقاط جميع الديون وأي فوائد أو آثار ترتبت عليها.
وهذه الخطوات الهامة لتحسين الوضع الإنساني إنما جاءت امتدادا لحرص القيادة السياسية على إنهاء معاناة اليمنيين الذين عانوا الويلات طوال السنين الماضية وتعرضت مقومات حياتهم للتدمير الممنهج من قبل العدوان وأدواته وهنا كان لابد أن تتطرق الرؤية الوطنية لقضية إعادة الإعمار والتعويض
حيث نصت على ضرورة أن تلتزم دول التحالف بإعادة الإعمار وتعويض المتضررين وبمعالجة الآثار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالمواطن اليمني، وجبر الضرر، ودعم الاقتصاد، ومعالجة وتعويض الجرحى والمعاقين والمرضى وأسر الشهداء ممن تم استهدافهم وسواءً كان ذلك بمجازر أو غيرها، وذوي الاحتياجات الخاصة، وتجهيز مراكز العلاج والتأهيل النفسي.
وكذلك إعادة الإعمار وتعويض كل من تم قصف منازلهم من قبل دول التحالف أو من ينتسب إليها.
وإعادة الإعمار وتعويض مالكي وعمال المصانع والشركات والهيئات والمنشآت والأسواق والمطاعم وغيرها.
وعلى تشكيل لجنة عليا مشتركة برعاية الأمم المتحدة لتنفيذ إعادة الإعمار والتعويض للمتضررين، على غرار ما تم العمل به في دولة الكويت والذي أقره مجلس الأمن الدولي عام 1991م.
وفي الأخير وفي الملف الإنساني نصت الرؤية الوطنية على الإفراج عن كافة المعتقلين والأسرى وكشف المفقودين وتبادل الجثامين حسب الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين برعاية الأمم المتحدة وكذلك إعادة التيار الكهربائي من المحطة الغازية بمارب إلى الأمانة وجميع المحافظات التي كانت تصل إليها الطاقة الكهربائية قبل الحرب.
وتنفيذ الجهود المشتركة لمواجهة فيروس كورونا المستجد
وتأسيس خلية عمليات مشتركة من الجهات المعنية في الجمهورية اليمنية لمواجهة فيروس كورونا لتنفيذ التدابير على المستوى الوطني ومراقبتها للتصدي للجائحة.
وفي المجال السياسي نصت الرؤية الوطنية على انطلاق عملية سياسية يمنية – يمنية تؤسس مرحلة انتقالية جديدة عقب تنفيذ بنود هذه الوثيقة وعلى أساس المبادئ الآتية:
– ضمان وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه.
– دستور الجمهورية اليمنية وقوانينها.
– ما تم التوافق عليه من مخرجات الحوار الوطني.
– احترام سيادة الجمهورية اليمنية على جميع أراضيها وأجوائها ومياهها بما تكفله القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية.
وان يلتزم مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بعقد الحوار في أجواء حرة ومستقلة، وبعدم تدخل أي دولة في مجرياته أو التأثير في المتفاوضين، وعدم الاعتراض على مقرراته.
وعلى أن تطرح مخرجات العملية السياسية للاستفتاء الشعبي وفقا للدستور اليمني.
وفي الأخير يرى المحللون السياسيون بأن هذه الوثيقة اليمنية للسلام وإعلانها في هذا الوقت العصيب الذي تعيشه دول العدوان يظل بمثابة الفرصة والمخرج المناسب الذي يقدمه الطرف الوطني للطرف والآخر وسيكون من الحماقة على هذا التحالف عدم استثمارها أو المضي في ألاعيبه وممارساته الصبيانية لأن مثل هذه الفرصة لن تتكرر مرة أخرى وسيجد نفسه مجبرا على تجرع هزيمة مدوية وسقوط غير مسبوق ولن تفيده شيئا تلك المبادرات العبثية في إعلان الهدن من جانب واحد فتلك الممارسات صارت مفضوحة ومكشوفة ولم تعد تنطلي على أحد.