دراسة تُحذِّر من خطورة النقص الكبير الذي تشهده اليمن في التخصصات النادرة

دول الخليج تسرق العقول اليمنية

الهجرة تمتد من أكاديميي الجامعات إلى هجرة الأطباء الذين اكتظت بهم المستشفيات الخليجية
ما تبقى من ذوي التخصصات الهامة في البلاد لا يزيد عددهم عن 10 آلاف متخصص

خمس سنوات من العدوان، سرقت كفاءات اليمن وعقولها وعلماءها، حيث تمتلئ جامعات الخليج ومراكزها ومستشفياتها بالكوادر اليمنية المؤهلة منهم أطباء، أكاديميون، مخترعون، مهندسون، لتدفع اليمن فاتورة مؤلمة جراء هجرة كفاءاتها، ضمن استقطاب ممنهج لتفريغ البلاد من عقولها وطاقاتها.
فالعدوان لم يدمر المدارس والجامعات ويقتل التلاميذ والمعلمين فقط، بل أنه خطف عقول اليمن، مقدما الكثير من الإغراءات، تحت وطأة الحاجة بعد أن دمر اقتصاد البلد وقطع الرواتب.
الثورة / محمد شرف

تُشير الدراسات إلى أن ظاهرة هجرة العقول أو الأدمغة اليمنية ازدادت بشكل كبير في السنوات الخمس الماضية، كما لا يمكن النظر اليها بمعزل عن الكثير من الظروف الموضوعية والتفاعلات التي لم تسهم في تحقيق معدلات تنموية مرتفعة وخلق بنية وبيئة جاذبة تحد من وقف هذا النزيف للعقل اليمني، الذي آثر البقاء في بلد المهجر أو الانتقال لدول أخرى بحثاً عن مستوى معيشي أعلى ومستقر، يضمن له حياة كريمة ويحقق طموحاته وآماله، الأمر الذي يشكل في الأعم الأغلب خسارة كبيرة على صعيد الموارد والطاقات البشرية، أدى إلى إنهاك ونخر البنى الارتكازية التحتية المطلوبة لعمليات التنمية الشاملة لضمان غد واعد لمستقبل الأجيال القادمة.
قال تقرير حديث صادر عن وزارة التعليم العالي بصنعاء، اطلعت عليه (أحوال التعليم)، ” أن الكثير من مؤسسات التعليم العالي خسرت الطلبة الوافدين إضافة إلى هجرة كثير من العقول اليمنية ذات المؤهلات العلمية العالية ما أدى إلى زيادة الأعباء على الجامعات وتحمل تكاليف أجور أعضاء هيئة التدريس لتشجيعهم على الاستمرار في العملية التعليمية في الظروف الطارئة والاستثنائية التي تمر بها اليمن، نتيجة العدوان السعودي الأمريكي”.
وأكد التقرير “أن مؤسسات التعليم العالي الحكومية والأهلية فقدت أيضاً معظم الأساتذة والعاملين الذين تم تدريبهم وتأهيلهم واكتسبوا خبرة كبيرة جراء تركهم لوظائفهم أو الاستغناء عنهم بسبب عدم قدرة هذه المؤسسات خاصة الأهلية على تحمل رواتبهم في ظل توقف نشاطها فضلاً عن ارتفاع تكاليف مدخلات العملية التعليمية من مستلزمات وأدوات ومواد وأجهزة وانعدامها أحياناً في السوق”.
ينظر إلى اليمن على أنها مولدة ودافعة ومغذية لظاهرة الهجرة نحو مناطق الجذب الأخرى في العالم، فاليمن لديها العديد من الإشكاليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وضعف عام وترهل في الهياكل التعليمية والبحثية، وانفجار سكاني هائل، الأمر الذي خلق بيئة طاردة دفعت إلى هجرة الكثير من المحترفين اليمنيين، حيث حذر تقرير رسمي من هجرة الكفاءات وذوي الاختصاصات العلمية والنادرة، وما يترتب عليه من خسارة اقتصادية لليمن، ووفقًا للتقرير فإن العشرات من الخريجين وأصحاب الكفاءات يغادرون اليمن سنويًا للبحث عن العمل وتطوير المهارات.
وتشير إحصاءات التقرير إلى أن أكثر 30 ألف شخص من حملة المؤهلات الجامعية وحملة الشهادات العليا يعملون في دول الجوار وبعض الدول الأخرى.
فيما حذرت دراسة حديثة من خطورة النقص الكبير الذي تشهده اليمن في التخصصات النادرة وهجرة الكفاءات منها، وأكدت الإحصائية أن إجمالي من تبقى من ذوي التخصصات المهمة في اليمن لا يتجاوز (10) آلاف متخصص، وأشارت إلى أن هذا العدد يمثل نسبة ضئيلة بالنسبة لعدد السكان الذين يقترب عددهم من 24 مليون نسمة.
وكشفت الدراسة عن أن الهجرة امتدت من هجرة دكاترة وأكاديميي الجامعات إلى هجرة الأطباء اليمنيين الذين اكتظت بهم مستشفيات دول الخليج في الوقت الذي تعاني المستشفيات اليمنية من نقص حاد في الأطباء.
توضح الدراسات بأن هناك جملة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والأكاديمية والأمنية يتفق عليها العارفون في هذا الجانب تنطبق على الدول المرسلة ومنها اليمن، ساهمت مجتمعة أو منفردة في تزايد حدة النزيف للعقل المبدع اليمني الذي يتلقى التحصيل العلمي في بلد المهجر أو الذي عاد وهم قليل، فالعدوان والقلاقل السياسية والاضطرابات الأمنية لم تساعدهم على المواصلة في البلد الذي أصبح مرسلاً لهذه العقول، إلى جانب انخفاض مستوى المعيشة في بلادنا بالنظر إلى مستوى الدخل الفردي وعلى وجه التحديد النخب الثقافية والعلمية، وتدني مستوى الأجور و المرتبات مقارنة مع ما يدفعه الآخر من أجور مغرية، وسيطرة بعض العادات والقيم منها عدم احترام القدرات العلمية ودروها الايجابي في المجتمع، كما أن هناك قطيعة لا تخطئها العين على مستوى مواكبة الإنتاج العلمي العالمي وفقر البنى التحتية والمناخ العلمي الملائم والمشجع للبحث العلمي، والضعف المشهود في مستوى الإنفاق على برامج البحث العلمي في اليمن مقارنة بالدول الغربية تدعو إلى النفور واليأس لدى عقولنا.
يؤكد أكاديميون لـ(أحوال التعليم)، على أن العدوان المستمر على البلاد، وقطع المرتبات وعدم توفر بيئة بحثية وأكاديمية ملائمة، وتدني مستويات أجور الأكاديميين، والبحث عن فرصة عمل أفضل، والإغراءات التي تقدمها دول الجوار للكفاءات اليمنية، وتدهور الوضع المعيشي بسبب الحرب، وغيرها، اضطرت الكثير من الأكاديميين للهجرة، أو ممارسة أعمال أخرى.
وأشاروا إلى أن ذلك تسبب في نقص في قوام الكادر الأكاديمي بالجامعات اليمنية، مما يؤدي إلى تغيب الاختصاصات العلمية المطلوبة لتسيير العملية التعليمية.
وتشير تقارير إلى أن الثلاث السنوات الماضية من العدوان، هجر اليمن أكثر من خمسة آلاف كادر يمني نوعي، هذا إلى جانب عشرات الآلاف من حملة الشهادات العليا والمتوسطة، الذين يعملون في دول الجوار، يمثل الأطباء والمعلمون نسبة كبيرة من المهاجرين إلى خارج اليمن.
وتصل نسبة العجز في الكادر الطبي في اليمن، بحسب أرقام وزارة الصحة اليمنية إلى 50%، تحديدًا في وقت وصول الحرب لذروتها، وهو ما تسبب فيه كعامل أساسي، هجرة الكوادر الطبية ذات التخصص النوعي، ومنهم العديد من المهاجرين إلى دول الخليج الغنية.
وتشير بعض الأرقام إلى أن من تبقى من ذوي التخصصات الهامة في اليمن، لا يزيد عددهم عن 10 آلاف متخصص، وهو عدد ضئيل للغاية مقارنة بعدد السكان في اليمن الذي يصل إلى حوالي 24 مليون نسمة.
وكان تقرير رسمي قد حذر من استمرار هجرة العقول والكفاءات إلى الخارج، مشيراً في عام 2013 إلى أن اليمن يخسر 5 مليارات ريال نتيجة هذه الظاهرة. فيما يُحذر خبراء من أن الرقم سيتضاعف عشرات المرات خلال سنوات العدوان.

قد يعجبك ايضا