منارة علم تخرَّج منها الكثير ويرتاده مئات اليمنيين يوميا
تدخل من البوابة الجنوبية للجامع الكبير وهي أبواب فولاذية ترجع لقصر غمدان القصر التاريخي الشهير وعليها كتابة بخط المسند تبدأ الروحانية تدب فيك مع أول خطوة إلى الداخل، عيناك تعانق كل شيء هنا، كل التفاصيل وحركات الرواد.. يزور المسجد بشكل يومي المئات من الناس لحاجات مختلفة، منها للعبادة ومنها للتفقه ومنها لقراءة القرآن ومنها للدعاء، ملجأ كل محتاج إلى جرعة من الشعور بقرب الله وحبّ الله.
هناك.. مألوف أن ترى الكثير من الأنشطة.. أن ترى وبشكل يومي حلقات متنوعة متفاوتة العدد ومتفاوتة الأعمار في أجزاء الجامع الكبير الأربعة.
نبض الحركة، ونبض الإقبال والانتباه إلى كبير الحلقة من معلّم أو مقرئ أو قاضٍ وشيخ وعالم ينقلك إلى عوالم روحانية.
حالة مصغرة لما كان عليه اليمنيين السلف يستعيده الأبناء حفاظا على ذاك الحضور الذي شغله وسجله اليمنيون منذ بواكير الإسلام.
هناك في الأرجاء حلقة يلتفّ فيها البعضُ حول مقرئ يستمعون منه إلى شيء من القراءات، وحلقة أخرى لعالم أو شيخ يلقي على من حوله شيئاً من تعالم الدين وشيئاً من الذكر وتفسير القرآن وإحياء السيرة النبوية، وعلى مسافة قريبة منه تجد المفتي يعين بعض رواد الجامع من طالبي المعرفة في شأن من شؤون الحياة.
يرتاده الكثير من الناس يوميا من مختلف المناطق، أبوابه مفتوحة منذ الفجر وحتى الساعة الثامنة مساء على نحو متواصل بعكس بقية المساجد التي تغلق أبوابها عقب كل فرض.. حركة لا تنتهي وإقامة صلوات جماعات جماعات، ورجال أمن يؤمنون حركة الدخول والخروج بصورة سلسة.
وفي الجامع تقام دورات صيفية سنوية تشهد إقبالا كبيرا لمئات الطلاب تنفذ خلالها أنشطة دراسية وبرامج ثقافية لطلاب العلم الوافدين إلى الجامع من مختلف محافظات الجمهورية.. يقول العلامة عبدالفتاح الكبسي في إدارة الجامع “يشهد الجامع زخما في إقبال طلاب العلم وحرص العلماء الملازمين للجامع طوال العام على إعداد منهج تعليمي للوافدين يشتمل على تعليم القرآن الكريم وعلومه”.
حلقات تعليم
عبدالخالق حمود اللوزي- معلم في الجامع الكبير- كان يوزع أوراق امتحان على مجموعة من الطلاب عرفت منه أنهم في مستوى الصف الرابع.. يقول اللوزي “نقوم بتدريس شقين من التعليم الأول يرتبط بالتعليم الحكومي من انجليزي ورياضيات والمواد الأخرى، والثاني أمور شرعية تتضمن الفقه وعلوم القرآن وغير ذلك”.
ويلفت اللوزي إلى أن هذه الحلقات مستمرة منذ زمن لطالبي العلم من خلال الجامع الكبير وقد خصص لهم سكن في الجامع.. وينقسم التعليم حسب اللوزي على فترتين، الفترة الأولى صباحية وفيها تقدّم الدرّوس الاعتيادية من بعد صلاة الفجر، والفترة الثانية من بعد الظهر وفيها يتم عمل حلقات قرآن حتى الساعة الثامنة مساءَ.
مثل هذه الحلقات شهدت تخرّج الكثير من الأسماء البارزة في العلوم المختلفة منهم من رحل ومنهم من تولى دفّة التواصل للحلقات ليصير معلماً خلفاً لمن رحل.. يذكر لنا المعلم عبدالخالق حمود اللوزي أن من هؤلاء العلماء: القاضي عبدالحميد بن معياد والسيد العلامة محمد بن محمد بن اسماعيل المنصور رحمه الله، والسيد أحمد بن احمد الكبسي، الذي كان قاضياً في الاستئناف، والقاضي العلامة قائد الجراش، والسيد العلامة عبدالفتاح بن اسماعيل الكبسي، والسيد العلامة عبدالكريم اللاحجي، وهؤلاء ممن لا يزالون يقومون بهذا الدور في هذا المسجد.
ووالد المُعلّم عبدالله وهو حمود اللوزي كان واحداً ممن درس في هذه الحلقات ثم صار معلما فيها حتى توفاه الله وقد أورث ابنه عبدالله ذات الشغف بالعلم وبالجامع الكبير.
عل الجانب الآخر نجد المعلّم محيي الدين علي محمد الحكمي يرد على بعض استفسارات طلبته في بعض من أمور الفقه.. يشير إلى إن القسم الذي يتم فيه تدريس المواد المدرسية تتضمن كل المواد التي تُدرس في المدارس الحكومي، فيما الشق الثاني هو يهتم بعلوم الفقه والقرآن الكريم والنحو والصرف.
وقال اللوزي: نهتم بالطلاب ونعمل على تأهيلهم بشكل جيد ليكونوا فاعلين في المجتمع، ووجودهم في الجامع الكبير يساهم في تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة والارتباط بالله وتعاليمه.
القاضي احمد الضيعة من مواليد 1945م وهو من تلاميذ الحلقات التي تقام من قبل قيام الجمهورية.. يقول القاضي الضيعة: كنا هنا تلاميذ ندرس على أيدي مشايخنا الأجلاء رحمهم الله، وتدرجنا في المراحل ثم تولينا دورنا في محاولة إنارة درُوب الأبناء بالعلم والفقه، وفي عمل القضاء.
وتتبع الجامع الكبير عدد من الأبنية الصغيرة التي كانت أعدّت كمنازل لطلاب العلم من خارج مدينة صنعاء.