“صفقة القرن” ..بين الموقف اليماني والوعد الإلهي
د. عبدالإله الصلبة
مثًل إعلان الرئيس الأمريكي برفقة رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني لبنود ما يسمى بصفقة القرن نهاية شهر يناير الماضي منعطفاً كبيرا تكشفت فيه حقيقة المواقف للأنظمة العربية على وجه التحديد باعتبارها المعني الأول بالقضية ، وفيه تمايز الخبيث من الطيب و تبوأت اليمن الجريحة والمكلومة والمعتدى عليها صدارة الرفض النظري والعملي لهذه المؤامرة الكبيرة ، بل وتجاوزت صنعاء العروبة والعزة كل منغصات المرحلة لتعلن نفسها في مقدمة الذائدين عن الحق العربي والفلسطيني المغتصب والمتآمر عليه.
إن الرفض اليمني لبيع فلسطين ومقدسات الأمة لم يبدأ فقط عند تلك الحشود المليونية التي خرجت إلى الساحات في صنعاء ومعظم محافظات اليمن معلنة رفضها لهذه الصفقة وتضامنها المطلق مع الشعب الفلسطيني في وجه محاولة خبيثة لتصفية قضيته ، بل أن الحرب الذي تدخل عامها السادس على شعبنا وأرضنا ليست إلا مسعى امريكي صهيوني استباقي لضرب كل مفاصل القوة العربية والإسلامية التي سترفض هذه الصفقة وتسعى إلى إفشالها ، وهذه الحقائق لم تعد غريبة على كل من يتعمق في معرفة كيف تطبخ سيناريوهات الأجندة والبروتوكولات الأمريكية الصهيونية مخططاتها الاستراتيجية في المنطقة والمبنية على نبوءات التوراة وكهنة التدين اليهودي الباطل..
لطالما كانت اليمن هاجساً صهيونيا أمريكيا حرصت على أن تبقيه عبر مراحل الصراع العربي الصهيوني طي الكواليس لتتمكن من القضاء عليه دون ضجيج ، فالموقع الاستراتيجي الهام لليمن وارتباطه بالمصالح والمطامع الحاضرة والمستقبلية لدولة إسرائيل المزعومة ليس وحده من يقض مضاجع هذا المشروع ، بل أن الوعد الإلهي المنصوص في القرآن والذي يعرفه الصهاينة كما يعرفون أنفسهم هو من دفعهم إلى استشعار الخطر القادم من اليمن بعد انتصار قراره عقب ثورة الـ 21 من سبتمبر الخالدة ، وتبوأ دفة قيادة مسيرته القائد الرباني الشجاع السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، فدفعوا بأدواتهم المرتهنة بالمنطقة إلى تبني مشروع العدوان على اليمن..
وبالإشادة والشكر لكل المواقف العربية والإسلامية التي أصدرتها الشعوب وحركات المقاومة العربية والإسلامية ، فقد تناغم الموقف اليمني الرسمي والشعبي غير المفاجئ من الصفقة ، فهب اليمنيون من كل فج كعادتهم عند كل استحقاق عروبي إسلامي، وعلى رغم استمرار العدوان والحصار لم يجد اليمنيون بدّاً من إعلاء أصواتهم كلما تعلق الأمر بفلسطين ، والذين يرونه واجباً لا مّنة ، معلنين استعدادهم لمواجهته وهم يفعلون هذا أصلاً بمقارعة العدوان على بلادهم ..
لقد مثل الموقف اليمني ملحمة جديدة في وجه تحالف جنّد كلّ طاقاته لكسر الفقراء، ولم يتوانَ في المقابل عن تأدية ما أوجبه عليه دونالد ترامب في بازار «صفقة القرن». هكذا، تصير المعادلة: «من غزة إلى صنعاء، دم واحد ومصير مشترك في مواجهة أعداء الأمة»، موقفان مفخرة لكل أحرار العالم وفي مقدمتهم الفصائل الفلسطينية المقاومة التي خاطبت قياداتها عنوة شعب اليمن ، بل وعاهدته هي على أن لا تترك بندقيتها حتى نصلي معا في المسجد الأقصى ، وأكدت على أنها ترى في صنعاء صور النصر القريب الذي أخبرهم به الدين الإسلامي ..
ولأن وعد الله كقضائه لا مرد له ، فشل وسيفشل الطغاة وأذنابهم من كبح جماح القدرات اليمنية التي جاءت بها التحولات العظيمة في ظل قيادة ربانية تنهل حكمتها وحنكتها وصبرها و بأسها من روح القرآن ، و سنكون معها بعون الله على موعد مع النصر على كل مراحل هذا المشروع الأمريكي الصهيوني وفي مقدمته النيل من اليمن ، وهاماتنا شامخة دوما نحو قضيتنا الأولى وقضية الأمة المركزية فلسطين .
*الوكيل الأول للهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية