استطلاع/ أمين رزق العبيدي
الخلاف من أخطر أسلحة الشيطان الفتاكة التي يوغر بها صدور الخلق، لينفصلوا بعد اتحاد، ويتنافروا بعد اتفاق، ويتعادوا بعد اخوة، فكيف اهتم الاسلام بهذه المسألة وما هو الأجر المترتب للمصلحين؟.. كل هذا وأكثر يطرحه العلماء والمرشدون في ثنايا الاستطلاع الآتي:
في البداية يوضح لنا العلامة عبد الله المهدي – خطيب مسجد عثمان بن عفان -أن الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة يحبها الله تعالى، فالمصلح هو ذلك الذي يبذل جهده وماله وكذلك يبذل جاهه ليصلح بين المتخاصمين، ويعد قلبه من احسن القلوب ونفسه تحب الخير وتشتاق إليه ببذل ماله ووقته ويحمل هموم إخوانه، ليصلح بينهم ..
وأضاف المهدي: كم من بيت كاد أن يتهدم بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجه وكاد الطلاق أن يقع فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة ونصيحة غالية ومال مبذول يعيد المياه إلى مجاريها ويصلح بينهما، وكم من قطيعة بين أخوين أو صديقين أو قريبين بسبب زلة أو هفوة وإذا بالمصلح يرفع خرق الفتنة ويصلح بينهما، كم عصم الله تعالى بالمصلحين من دماء وأموال وفتنة شيطانية كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم المصلحين، فهنيئاً لمن وفقه الله للإصلاح بين متخاصمين أو زوجين أو جارين أو صديقين أو شريكين أو طائفتين هنيئاً له، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة – أي الصيام النافلة والصدقة النافلة وكذلك الصلاة النافلة – فقال أبو الدرداء :قلنا بلى يارسول الله، قال : إصلاح ذات البين ».
واكد المهدي أن ديننا عظيم ينظر إلى المصلح ويسعى وينادي إليه فأخبرنا الله سبحانه تعالى أن الصلح خير حيث قال تعالى: « فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ » وقال: أنس رضي الله عنه « من أصلح بين اثنين أعطاه الله عتق رقبة » وقد قال كثير من العلماء والصالحين انه ما من خطوة أحب إلى الله من خطوة المصلح بين الناس والساعي بالخير بينهم ..
وأشار المهدي إلى أن الإسلام أجاز الكذب للإصلاح بين أهل الخصومة فقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول وينمي الخير » وقال الصالحون :إن الله أحب الكذب في الإصلاح ويبغص الصدق في الإفساد وعلينا أن نعلم بأن الأعمال لا ترفع حتى يصطلح المتخاصمان ..
ونوه المهدي بأن المسارعة إلى تصفية القلوب مع كل من حوله من أعظم القربات إلى الله .. وأردف المهدي قائلاً: البعض قد يؤخر .. فإذا توفى الله أحد اخوانه أو أحد أقاربه ..وهذا البكاء لا ينفع وقد رأيت مرة رجلاً يبكي عند قبر .. فسألت عنه قال: هذا قبر اخي ..فقلت ادع الله له، فقال: فلما كان أخي حياً كنت في قطيعة معه خلال مدة تزيد عن 10 سنوات .. لا أزوره ولا أسلم عليه أيام العيد ولا أمازحه»» وبعد الموت يأتي ويبكي على قبره ..وماذا ينفع البكاء وقد يقول قائل: اذهب إلى فلان لأتصالح معه، ولكن أخشى أن يردني أو لا يستقبلني أو لا يعرف قدر مجيئي إليه ..لكن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لك: اذهب إليه ولو طردك ولو تكلم عليك، اذهب إليه المرة الأولى والثانية والثالثة وسارع إليه بالهدية ابتسم في وجهه تلطف معه حيث يقول صلوات الله عليه وعلى آله : «وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً »فأنت إذا عفوت زادك الله عزاً واذا أصلاحت زادك الله عزاً.. وإن طردك ولم يفتح لك الباب، فإن هذا دليل على طهارة القلب وزكاته .. قال تعالى « وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ»
أما الدكتور خالد الحوباني – أستاذ علم التفسير، وخطيب مسجد الأنوار -فيقول: -حذر الإسلام من التخاصم والتهاجر والتدابر والتقاطع بين المسلمين، فقد أمرهم وحثهم على وجوب الإصلاح بينهم، قال تعالى: « فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ»،وقال تعالى: « وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»وقال سبحانه: « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» وذلك حفاظاً على أمن الناس من الخلافات التي تفكك المجتمع، وتحدث شرخاً في بنيانه المتماسك، ولقد جعل الإسلان الإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال، قال الاوزعي رحمه الله: ما من خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب له الله براءة من النار ..
والإصلاح يكون بين الأفراد وبين الجماعات ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال إن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذالك فقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم »ويكون بين الزوج وزوجه والإصلاح واجب شرعي بين الأقرباء والأرحام .
وأشار الدكتور الحوباني إلى أن سبل الإصلاح كثيرة جدا، وطرق التوفيق بين المسلمين ممكنة، ومتاحة وخاصة إذا صلحت النيات ويجب التوسط بين المختلفين عند حصول الاختلاف والنزاع والفرقة وإياكم يا أيها الوسطاء أن تتركوا المختلفين لشيطان وجنده من قرناء السوء ورفاق الباطل .. ونوه الحوباني بأن وقعنا المعاصر يفرض علينا أن يكون في كل مجتمع ومدينة وقبيلة وجماعة مصلحون من أهل الخير والصلاح والعلم والعقل والحكمة والروية وأصحاب المنزلة الاجتماعية ليقومون بمهمة الإصلاح بين الناس وحل مشكلاتهم وتذكيرهم بما في حولهم من نعم من اكبر صورها أن تسود الألفة والمحبة والمودة في ما بينهم قال تعالى: ?لا خَيرَ في كَثيرٍ مِن نَجواهُم إِلّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ فَسَوفَ نُؤتيهِ أَجرًا عَظيمًا?.