“كاد المعلم أن يكون رسولا”
عبدالفتاح علي البنوس
المعلمون والمعلمات مشاعل تنوير وهداية وتثقيف ووعي ، هم أعداء الجهل ، ويعول عليهم في بناء الأجيال وتنشئتهم التنشئة الحسنة ، ليكونوا أدوات بناء للأوطان ، وسر نهضتها وتعميرها وتطويرها ، حيث كانوا أهم أسباب نهضة وتطور دول النمور السبع الآسيوية التي باتت في أعلى سلم الدول المتطورة ، ولعظمة وقداسة مهنة التعليم كان أول ما أمر به الخالق عز وجل الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو القراءة بقوله تعالى ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)) ، وحبا الله العلماء مكانة عظيمة وجعلهم ورثة الأنبياء وهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبين فضل العلم والعلماء ، والمكانة التي يحتلونها في أوساط المجتمع.
وفي بلادنا التي تشهد كثافة كبيرة ونسبة إقبال جيدة على التعليم بمختلف مراحله ومستوياته ، هذه الكثافة وهذا الزخم غير النوعي يصطدم بجملة من العقبات والعراقيل التي تحول دون الوصول إلى تعليم نوعي ومخرجات نوعية تسهم في خدمة الوطن والمواطن ،وفي مقدمة ذلك هشاشة المنهج الدراسي والاعتماد على المظهر وإغفال الجوهر ، وغياب التدريب والتأهيل للمعلمين والمعلمات ، وعدم وجود بيئة تربوية وتعليمية حاضنة ، ومحدودية الموازنة الخاصة بالتعليم ، والكارثة العظمى عمل الأنظمة المتعاقبة على إغراق التعليم وإقحامه في السياسة وصبغه بالطابع الحزبي ، وعدم حصول المعلمين والمعلمات على حقوقهم التي تتناسب مع طبيعة عملهم والمهام الموكلة إليهم ، فكيف اليوم في ظل العدوان والحصار وانقطاع المرتبات ؟!!!
ومما لا شك فيه أن المعلمين والمعلمات حجر الزاوية في العملية التعليمية والتربوية ، وينبغي أن يكون الاهتمام بهم في صدارة أولويات الحكومة في حدود الإمكانيات المتاحة ، وأن تعمل الحكومة جاهدة على صرف ما تسنى لها من إيرادات لهم لضمان استمرارية التعليم ، والعمل على البحث عن مصادر دعم وتمويل لهم من قبل المنظمات التي تدعي دعمها للتعليم ، وخصوصا وقد بدأنا نلحظ حصول فجوة في جانب التعليم الحكومي لصالح التعليم الأهلي وهو ما يؤثر سلبا على العملية التعليمية والتربوية ويضاعف من نسبة التسرب في صفوف الطلاب والطالبات ، وهو ما يستدعي القيام بمعالجات ضرورية عاجلة من خلال التدخل المباشر في معالجة الأسباب المؤدية إلى ذلك.
وبالحديث عن التعليم والمعلمين نتوقف أمام قضية شهيد التعليم الأستاذ فيصل الريمي المدرس بمدرسة كيان الأهلية بأمانة العاصمة والذي تعرض للصفع أمام طلابه من قبل أحد أولياء الأمور المتعجرفين المتغطرسين لأنه نهر ابنه لسوء سلوكه داخل الفصل ، فكان الرد الهمجي لهذا الأب المعتوه مؤلماً للمعلم ، وهو ما خلق له أزمة نفسية فارق الحياة على إثرها ، في حادثة تشير إلى غياب الوعي عند الكثير من أولياء الأمور وعدم تقديرهم للمكانة التي يحتلها المعلم ، وهنا يأتي دور وزارة التربية والتعليم المعنية بتكليف الشؤون القانونية بالوزارة بمتابعة ملف هذه القضية والانتصار لمظلومية هذا المدرس المغلوب على أمره ، ومحاسبة المتسببين في ذلك ، ليكونوا عبرة لغيرهم من البلاطجة والمتغطرسين الذين يظنون بأنهم بالمال الذي يدفعونه للمدارس الخاصة قد اشتروا كل شيء حتى مكانة وعزة وكرامة المعلمين والمعلمات فيها.
بالمختصر المفيد، أشدُّ على أيادي قيادة الوزارة ومكتب التربية بالأمانة ومنطقة السبعين التعليمية في التخفيف من مصاب أسرة شهيد التعليم الأستاذ فيصل الريمي ، وأتمنى بأن تكون هذه الحادثة المؤلمة والمحزنة الأولى والأخيرة التي تشهدها العاصمة وبقية المحافظات ، فالحزم مطلوب ، ولا بد أن تكون التحركات الرسمية بمستوى الحدث ، ليشعر الجميع بهيبة التعليم والمعلم ، وأن الأخير بالنسبة للطلاب والطالبات في مقام الأب.. هكذا تربينا ، وعلى هذه الثقافة نشأنا ، ويجب العمل على ترسيخها اليوم ، فالتربية قبل التعليم ، ومهمة التربية مهمة مشتركة بين الأسرة والمدرسة ، ولا مجال للاتكالية على طرف دون آخر في هذا الجانب.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.