القدس المحتلة/وكالات
وجَّه وزير خارجية الکيان الإسرائيلي ووزير الأمن “يسرائيل كاتس” مؤخرًا تهديدًا عسکرياً ضد إيران، وأعلن عن استعداد کيانه لقصف المنشآت النووية الإيرانية.
لقد اعتاد القادة الصهاينة من مختلف الأحزاب والتيارات منذ سنوات، الحديث عن الهواجس والمخاوف من البرنامج النووي السلمي الإيراني، وکون الخيار العسكري لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية مطروحاً علی الطاولة.
لذلك: هل يجب أن تؤخذ هذه التهديدات الجديدة على محمل الجد؟ هل الصهاينة مستعدون لمهاجمة إيران كما يزعمون؟ وما هي الأهداف والدوافع الرئيسية وراء مثل هذه التصريحات؟
يتحدث قادة الکيان الإسرائيلي عن استعدادهم لبدء الحرب مع القوة المتنامية لمحور المقاومة، في حين أنه إذا نظرنا إلى الوضع الحالي المحلي والإقليمي الذي يعيشه الکيان، والتحديات الكثيرة التي يواجهها، فسيتضح لنا أن هذا الکيان يتجنب الدخول في الحروب الکبری أكثر من أي وقت مضى منذ 70 عامًا من تاريخه.
على الجانب الداخلي، أدت الصعوبات الاقتصادية المختلفة للکيان والظروف الأمنية الهشة، إلی تزايد الهجرة المعکوسة لليهود من الأراضي المحتلة. ويجب أن نضيف إلى هذه الأزمات المتجذرة، قضية الانقسامات السياسية الکبيرة بين الأحزاب والتيارات السياسية، والتي أدت إلى عدم الاستقرار في تشكيل الحكومة.
وفي الجانب الإقليمي أيضاً، بات الوضع الأمني للکيان معرضاً لأخطار کبيرة نتيجة تشديد حصار محور المقاومة له، من لبنان إلى سوريا وغزة. ولم يعد هذا الکيان قادراً حتى على تكرار الحروب الكبيرة في الماضي ضد أعدائه للتخلص من هذا الوضع.
حالياً، هنالك قواعد صاروخية كبيرة في لبنان وغزة وحتى سوريا، تستهدف عمق الأراضي المحتلة، ولم يفعل الصهاينة شيئًا سوى الرضوخ لهذه الحقائق الجديدة.
في الحقيقة، منذ عام 2015م حين أعلن “غادي أيزنكوت” (قائد الأركان المشتركة السابق للجيش الصهيوني) رسمياً عن الاستراتيجية العسكرية الجديدة للجيش الصهيوني، أعلن الصهاينة أنهم سيحاربون في عدة جبهات في أي حرب مستقبلية.
كان هذا التوقع موجودًا دائمًا في الأوساط العسكرية والسياسية للکيان الإسرائيلي على مدار السنوات الأربع الماضية. وقد تکوَّن الأداء العسكري للکيان في هذا الاتجاه أيضًا.
والأمثلة علی ذلك، امتناعهم عن خوض حرب كبيرة على الجبهة الجنوبية (قطاع غزة)، توجيه ضربات علی أهداف محددة في سوريا، توحيد الجبهة الشمالية (الجولان وحدود لبنان الجنوبية)، مناورات المحاكاة المستمرة في مواقع مختلفة، وأخيراً عملية “الدرع الشمالي”.
تبعاً لذلك، يجب تحليل طبيعة تهديدات القادة الصهاينة في سياق أهداف أخرى، غير المغامرات وارتكاب الحماقات ضد إيران.
خلق أجواء إعلامية بالتزامن مع الضغوط الأوروبية
أحد أهم أهداف الکيان الإسرائيلي من التهديدات الأخيرة، يمكن تقييمه بأنه خلق جو إعلامي بالتزامن مع الانتقادات الأوروبية الأخيرة لبرنامج الصواريخ الإيراني.
ففي أواخر الأسبوع الماضي، قامت ثلاث دول أوروبية – ألمانيا وفرنسا وبريطانيا – في إجراء مخادع وبينما لم تنفذ تعهداتها تجاه إيران بموجب الاتفاق النووي، باتخاذ موقف ضد برنامج إيران للصواريخ الدفاعية والتقليدية، عبر رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
هذه الخطوة الأوروبية حظيت بترحيب كبير من قبل الصهاينة، ولکنها لم تلق موافقةً علی المستوى الدولي، بسبب الخداع الواضح للدول الغربية في الصفقة النووية مع إيران. لذلك، تسعى السلطات الصهيونية إلى إبقاء برنامج الصواريخ الإيراني على قمة الأخبار الدولية من خلال خلق جو إعلامي.
الهدف الرئيسي الآخر للقادة الصهاينة من بدء جولة جديدة من التهديدات العسكرية ضد إيران، هو صعود مواقف وهمسات حول رغبة جيران إيران العرب في الخليج الفارسي في بدء محادثات مع طهران، على أساس خطة السلام الإيرانية المقترحة التي تدعی خطة “هرمز” للسلام.
الصهاينة، مثلهم مثل المسؤولين الأمريكيين الذين يعملون بجد لمنع ذلك، بالتزامن مع الإعلان عن الخطة الإيرانية في اجتماعات الأمم المتحدة، سارعوا إلى الکشف عن خطة لإبرام اتفاق أمني مع دول مجلس التعاون، ولکنها لم تلق الترحيب علی الإطلاق.
ولکن الآن ،فإن الولايات المتحدة أيضًا قد دخلت علی الخط بشکل جاد، لإجبار الدول العربية على قبول هذه المعاهدة، حيث دعت الإدارة الأمريكية الأسبوع الماضي أربع دول عربية ليست لديها علاقات دبلوماسية مع الکيان الإسرائيلي، وهي الإمارات والبحرين وسلطنة عمان والمغرب، إلى إبرام اتفاقية عدم اعتداء مع هذا الکيان.
يجب اعتبار إيران فوبيا العنصر الرئيسي في هذا السيناريو، تمامًا كما كانت الولايات المتحدة تنتزع لسنوات عدة الدولارات النفطية الضخمة من هذه الدول، عن طريق بيع الأسلحة.
وفي هذا السياق، قال وزير الحرب الصهيوني ومن أجل إظهار الدول العربية إلى جانب “إسرائيل” في جبهة مشتركة في العداء لإيران، إنه: “إذا تجاوزت إيران الخطوط الحمراء في برنامجها النووي، فستواجه جبهةً موحدةً من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، تطلق مئات الصواريخ على طهران.”
بصرف النظر عن كل هذه المناقشات، يدرك الكيان الإسرائيلي جيدًا أنه إذا ارتكب أي حماقة، فسوف يواجه رد فعل من إيران لم يتخيله مطلقاً؛ لذلك، يجب اعتبار مثل هذه التصريحات القوية في الظاهر، أنها ناتجة عن يأس وخوف كبير ومستمر، لا يترکان هذا الكيان المحتل والمرتكب لجرائم حرب فظيعة بحق الأطفال.