قراءة /عفاف محمد
يُقال إن الشعر هو ذلك الفن الذي يمتلك القدرة على التأثير والامتاع وإثارة البهجة الحسية، عبر رؤية تجسد تفاعل الشاعر مع العالم.. ومن شأن الشاعر أن يبعث الحياة في كل ما حوله، ويعيد صياغتها بشكل متجدد وجذاب، وقد عبر الشعراء عن مشاعرهم، ورغباتهم، وفخرهم، بأنسابهم وقبائلهم، وانتصاراتهم، وحروبهم ،وكرمهم، وصفاتهم الشخصية، كالقوة والغيرة والمروءة.. وغيرها، وقد أعطى شعراء اليوم لشعرهم المزيد من التألق وروح الحداثة، وشارك الشعر في المشهد اليمني الحاصل واندفع كصوت ثائر هادر ليصور المشهد بدقة…
وساهم الشعراء في نصرة القضية اليمنية ودفعوا بها إلى الأمام، ومثلوا بقصائدهم الاتجاه الديني، والسياسي، والقومي، والإنساني، والوطني، والاجتماعي، وقللوا من الفخر بالذات والعشيرة والقصص الخرافية، وكانت مشاركة شعراء المرحلة قد ظهرت من خلال الجانب الجهادي الذي كان حافزاً للتحشيد ومحاربة الظلم، والنهوض بالقيم والمبادئ التي تعيد أمجاد الدين والقبيلة العربية والتي تأبى الضيم والسكوت عن قول الحق في وجه الطغاة.. وكان لشعرائنا في اليمن أسلوبهم الخاص المتلائم وإيقاع العصر حيث بات اسلوباً أكثر فاعلية وجمالاً ، وتميّز شعر المرحلة بخصائص كثيرة ومتعددة.
وشاعرنا الذي سنقف في رحابه ونلقي نظرة خاطفة على درره الأدبية وإنتاجه الفني الحافل بالعطاء والتميز، شاعرٌ مقتدر لحضوره الأدبي سمةٌ خاصة تدل على ذاته التي كابدت الأوضاع وتطلعت لغد أفضل ومستقبل مزهر..
وقد استند شاعرنا في إنتاجه الإبداعي إلى ثقافة عميقة وجهد كتابي وبحثي دؤوب، فهو يجيد الشعر الفصيح، بكافة أشكاله: العمودي، والتفعيلة وقد لفت الانتباه إلى طريقته الحديثة في قول الشعر ،فقصائده حافلة بالإشارات والإيماءات والاستدعاء التاريخي الديني وإسقاطه على الواقع.. وقد انعكست طوايا نفسه الصلبة الثورية المؤمنة على أعماله الفنية لكنك بين الحين والآخر تلمس أن لتلك النفس زوايا خفية من الرقة واللين…
يمتاز أسلوب شاعرنا بجزالة اللفظ وقوة الرصف وبلاغة التراكيب ورصانة العبارة…
لسانه أقطع من السيف، وشعره بمنأى عن غواية الشهوات، حاله حال ثلة الشعراء المجاهدين الذين طُبعت أشعارهم بروح العزة والإباء…
لا أطيل عليكم فشاعرنا ونجم هذه الإطلالة السريعة:
الشاعر: حسن شرف المرتضى
المرتضى من مواليد محافظة/ عمران في العام 1983م
سالت إبداعاته الشعرية منذ عام 2000م
له ثلاثة دواوين مطبوعة وكتاب نقدي
عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين
حائز على المركز الثاني في مسابقة جامعة صنعاء عام 2008م
قال عنه الدكتور: عبدالعزيز المقالح في مقدمة ديوانه رواق جلجلة المجيء في مجموعة أناجيل: إنه يؤسس مع رفاقه لمدرسة شعرية جديدة اسمها التعميدة.
دواوينه المطبوعة هي ديوان :(فهارس الفراغ) والذي تم نشره عام 2008م
وديوان :(فتاكِ الشقي) في مجموعة سماوات عام 2010م
وديوان رواق جلجلة المجيء في مجموعة أناجيل
وكتاب نقدي طبع في دار الرواق بالقاهرة بعنوان : (فكرة العدالة ما بين أهم فلاسفة الغرب القدماء وشعراء الجاهلية)
كذلك له ديوان شعراء( القدس والمقاومة) طُبع في اليمن .
وديوان شعراء الولاية والغدير اليمانيون من القرن الأول الهجري حتى الخامس عشر من جمعه وإعداده
وله كتابان من جمعه وإعداده جاهزان للطباعة لمن أراد تبني طباعة أي منهما وحقوق الطبع محفوظة له وهما:
الأول: ديوان عن كل ما كتبه الشعراء العرب عن اليمن من مظلومية وانتصار .
الثاني: عن كل شعراء المسيرة الشهداء وأهم قصائدهم الشعرية .
كان شاعرنا قد أخصب أعماله المتعلقة بمحور المقاومة ولجودة قصائده أُنشد معظمها ومنها «القدس موعدنا «.
ولشاعرنا المرتضى أعمال فنية كثيرة اشترك بها مع عمالقة الشعراء منهم الشاعر المتمكن: نشوان الغولي والشاعر المبدع: أحمد المؤيد وقد اجتمعت أعمالهم في أوبريت بعنوان «روح الشهيد «..ومما أفاض به على الساحة الشعرية القصيدة القائلة:
لا شيءَ كالنصرِ يا اللهُ يحييني
لا شيءَ لا شيءَ إلا الخلدَ يعنيني
من آدم طينتي لا نارَ تهزمني
يا آلَ إبليسَ ذوقوا من براكيني
مهما احتميتم بمكةَ سوف نخرجكم
فمكةٌ لي ولي أيضاً فلسطيني
من خلف جدرانكم أرنو هزائمكم
فالنصرُ جيناتُ روحي قبل تكويني
لم يخلق اللهُ شعبي حينَ أنشأه ُ
عبداً لآلِ سعودٍ أو لصهيونِ
في هذه القصيدة البديعة المليئة بالإيحاءت والإشارات (الخلد يعنيني …من آدم طينتي… يا آل إبليس.. من خلف جدرانكم …- تظهر بجلاء روح التفاني والإباء والأنفة والاعتزاز التي يحملها المرتضى….
ولتتضح صورة الروح الأبية الثائرة المعتزة بدينها وعروبتها أكثر نتأمل هذا المقطع:
لهم مرسى ولي مرسى ولا ينسون! هل أنسى؟!
لهم في خيبرٍ ذكرى ولي أنْ أذكرَ القدسا
ولي أنْ أذكرَ الجولانَ والبحرينَ والأحسا
ولي أنْ أذكرَ الأيتامَ والشهداءَ والبؤسا
ولي أنْ أحملَ الصاروخَ لا الزيتونَ والرّمسا
إذا نامَ السلاحُ فقد جهلتُ الأمسَ والدرسا
مآتمنا هي البارودُ حتى ننجبَ العرسا
ليشرقَ من دمِ الشهداءِ فجرٌ أخجلَ الشمسا
وتفضح كل من خرسوا ومن في صفنا اندسّا
ويا صنعاءُ يا بغدادُ مكّةُ أوّلُ المرسى
وأنت دمشق يا بيروتُ سوف نعانقُ القدسا
وفي هذا المقطع أيضا نلاحظ الصور البديعة والخيال المجنح ونلمس جمال الألفاظ وعذوبتها وانسيابها وقد أضفت عليها قافية السين جرس موسيقي يطرب الأذان ويتسلل إلى القلوب….
…
ومن خلال أعماله القيمة نجد امتزاج روحه الشاعرية بكل ما حوله فهو يتأمل ويفكر ويكتشف ويترجم المعنى الصحيح للحياة وصدرت عنه نبرة موسيقية متفردة، متناسبة مع طبيعة المواقف، وبالأخص منها المواقف الانفعالية الثورية التي عبر بها عن تمرده وتذمره ضد الظلم الحاصل والجور على بلاده وبني جلدته.
ومن بديع أعماله ما تجسد فنيا من خلال الاناشيد التي يعشقها الجمهور وتطبع في الذاكرة لجودتها وكثرة ترديدها ورقة ألفاظها …من هذه الأعمال: المدائح النبوية الشهيرة لفرق معروفة كفرقة أنصار الله التي طالما تغنت بكلماته العذبة والتي منها هذا العمل المعنون:
«مـَـــوْلـــِـدُ النـــّـصْــــر»
….
إنَّ نـــورَ الــلــهِ لــمّــا مِــنْ مُـحيّـاكَ تجلّى
خـَلَـقَ الــلـهُ البِـرايـا وعـليكَ الـلــهُ صـلّى
آدمٌ صـلّـى عليـكَ مـع المـلائـكِ واسـتـهـلّا
كنتَ في الأسماءِ نورًا منهُ باقي النورِ يُتْلى
إلى آخر الآبيات …
من خلال قراءة هذا المقطع نلاحظ أن المرتضى متفنن في صياغة المقاطع الشعرية الإنشادية وهو ما يسمى لدى النقاد بالسهل الممتنع وهذه خاصية يتفرد بها فئة قليلة من الشعراء قد تصل لحد الندرة…
وكذلك أبت روحه القومية إلا ان تشارك الإخوة العرب قضاياهم وهمومهم فقد كتب الشاعر قصيدة بديعة بعث بها الى إخواننا في العراق وقد جاءت تحت عنوان «الحشدُ الكاظميّ»..
نأخذ منها هذا المقطع:
وَيْ كأنّي على السّماءِ أسيرُ
وفؤادي بلا جناحٍ يطيرُ
في دروبٍ كأنهنّ ضياءٌ
وعلى النّجمِ مثلهنّ أدورُ
ألحقُ الضوءَ في المزارِ إليهِ
والتقيتُ الغيومَ خلفي تزورُ
هرولَ البرقُ بالتّحيةِ لمّا
راقبَ الرعدَ في يديهِ النّذورُ
وصدى الرّعدِ والبروق ينادي:
كاظميون ردّدتها الطيورُ
كاظميون إنّنا زرعُ طه
تربةُ الأرض نحن فيها البذورُ