عند قدوم عيد الأضحى المبارك في الزمن الماضي تكون صنعاء على موعد مع خروج أفواج بشرية ضخمة من سكانها والعاملين فيها مغادرة باتجاه قراها وعزلها المنتشرة على طول الوطن وعرضه بغية الاحتفال بالعيد بين الأهل والأصحاب فيترتب على مغادرة تلك الأفواج نحو قراها جملة من السلبيات عاصمة شبه مهجورة مواصلات مشلولة مخابز ومطاعم ومحلات تجارية مغلقة..
أما في السنوات القليلة الماضية وفي هذا العام فقد اختلف الوضع عن سابقه كثيراٍ فصنعاء خلال أيام عيد الأضحى المبارك هي ذاتها قبل وبعد هذه المناسبة عامرة بأهلها وساكنيها ومطاعمها ومحلاتها التجارية وشوارعها في حركة ونشاط دائمين بعكس الماضي.
حول هذا الموضوع قامت «الثورة» بإجراء هذا الاستطلاع:
> في البداية تحدث الأخ خالد علي السعواني أحد أبناء محافظة صنعاء بالقول: يختلف عيد الأضحى في العاصمة صنعاء خلال هذه السنة والسنوات القليلة الماضية عن أيام زمان فالعيد أيام زمان كان مجرد ما يهل علينا العيد نشاهد الغالبية من العمال والموظفين وأصحاب المحلات التجارية وغيرهم من سكان العاصمة يحزمون أمتعتهم ويولون وجوههم نجو قراهم وعزلهم المنتشرة في جميع المحافظات الجمهورية بهدف قضاء إجازة العيد مع أقاربهم وأهاليهم فتصبح صنعاء كمدينة أشباح مهجورة السكان وشوارعها خالية على عروشها من المارة والمركبات تلك المغادرة الجماعية في موعد واحد تسبب معاناة لمن يقضي العيد في صنعاء في تلك الفترة من الماضي لكون المحلات التجارية والمطاعم وأغلب الدكاكين مغلقة نتيجة لسفر أصحاب وعمال تلك المحلات والمطاعم إلى قراهم بالإضافة إلى سفر أغلب إن لم يكن جميع أصحاب التاكاسي والباصات فكان ذلك يصعب علينا شراء متطلباتنا الأساسية ويؤدي إلى الشلل التام للحركة في الشوارع وما يترتب عليه من صعوبة في التنقل والمواصلات.
حركة ونشاط دائمين
وأضاف السعواني: غير أن عيد الأضحى المبارك بالعاصمة صنعاء خلال السنوات القليلة الماضية وهذا العام بالطبع مختلف عن الأعياد أيام زمان حيث أننا لم نعد نرى صنعاء خاوية ولم نعد نرى أغلب المحلات التجارية مغلقة ناهيك عن توفر الباصات والتاكسي في الشوارع بالإضافة إلى أن الكثير من الأسر من المحافظات الأخرى تفضل قضاء إجازة العيد في صنعاء فتكون العاصمة عامرة بأهلها وساكنيها وشوارعها في حركة نشاط دائمين بعكس ما كان يحصل قبل عقد من الزمن.
الظروف الصعبة
الأخ مروان سالم اليريمي أدلى بدلوه في هذا الموضوع بالقول: أنا أحد المقيمين في صنعاء مع أفراد أسرتي منذ (30) عاماٍ تقريباٍ وكان في الماضي حين يهل علينا عيد من الأعياد الدينية العظيمة كعيد الفطر وعيد الأضحى أغادر مع أسرتي إلى القرية للأحتفال بالعيد بين الأهل والأصدقاء ولم يكن يهنأ لنا قضاء إجازة العيد إلا بين الأهل والأصحاب في القرية غير أنني منذ خمس سنوات لم استطع الذهاب إلى القرية لقضاء إجازة العيد بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي نمر بها ولكوني من أصحاب الدخل المحدود غير القاردين على توفير تكاليف السفر الباهظة فالسفر إلى القرية خاصة في الوقت الراهن يحتاج لموازنة ضخمة يستحيل على شخص مثلي توفيرها أو حتى ربع تلك الموازنة فإيجار السيارة لوحدها 20 ألف ريال بالإضافة إلى تكاليف شراء الهدايا للأهل خاصة بعد غيابنا عنهم فترة طويلة كل ذلك حتم علي أن أقضي وأفراد أسرتي هذا العيد كسابقه في صنعاء بعيداٍ عن الأهل والأقارب فارتفاع الأسعار وأجور النقل تقسم ظهر الكثير من ذوي الدخل المحدود وهو ما يجعل الكثير يقضون إجازة عيد الأضحى في المدن والعزوف عن الذهاب إلى القرى.
محلات مغلقة
لا يمكنك الحصول على الروتي أو رغيف الخبز إذا كان لديك عائلة تطهي لك الطعام أما إذا كنت «عزوبي» فإنك تنام خاوي المعدة ذلك نتيجة حتمية لأفران ومطاعم ومحلات تجارية مغلقة الأبواب هذه قصص من الماضي لمن كانوا يقضون أيام عيد الأضحى بصنعاء يرويها الأخ عبدالحليم الطبري بالقول: تعودنا مع قدوم عيد الأضحى المبارك في صنعاء أن نشاهد أفواجاٍ ضخمة من السكان والأْسر يغادرون العاصمة متجهين نحو عزلهم وقراهم للاحتفال بالعيد بين الأهل والأقارب والأصحاب هذا ما تعودنا عليه نحن أهالي صنعاء الأصليين من إخواننا أبناء المحافظات المختلفة الذين يقطنون صنعاء والذين يعملون فيها خلال فترة الثمانينيات وما قبلها وتقريبا خلال النصف الأول من التسعينيات وقد كانت تشكل مغادرتهم تلك باتجاه قراهم في وقت واحد من العام أزمة تشل حركة ونشاط وحيوية العاصمة فلا نستطيع الحصول على تاكسي أو باص للتنقل وكذلك إذا ما أردت شراء رغيف الخبز أو الروتي فإنك لا تجده فالمخابز مغلقة وحين تحاول البحث عن بديل آخر للمخابز تأخذ منه وجبة الطعام جاهزة كالمطاعم فإنك تنصدم بأبوابه الموصدة وعندها يستوجب عليك تقدير الموقف والتفكير بأخذ بسكويت وعلبة عصير كبديل لوجبة الطعام إلا أنك تتفاجأ بسفر صاحب الدكان إلى قريته ذلك هو حال من كان يقضي أيام العيد في العاصمة في تلك الفترة وأضاف الطبري: أن تلك الفترة كانت تعرفنا بمدى أهمية وقيمة العاملين بصنعاء من إخواننا أبناء الحافظات الأخرى فهم يسهمون في توفير جميع المتطلبات والاحتياجات التموينية والغذائية للسكان ويكون لمغادرتهم صنعاء باتجاه مناطقهم وقراهم الأصلية آثار سلبية على القاطنين في العاصمة غير أن ذلك الأمر تغير في وقتنا الراهن فصنعاء اليوم عامرة وفي حركة دائمة طوال العام وفي أيام عيدي الفطر والأضحى ولم يعد قضاء العيد فيها بتلك المعاناة أو تلك الصورة التي اعتدناها في ثمانينيات القرن الماضي.
طقوس خاصة
الأخ محمد الزهدمي قال من جانبه: إن قضاء أيام عيد الأضحى في صنعاء خاصة واليمن بشكل عام فرصة للتواصل والتزاور وإشاعة المحبة والألفة بين الأهل والأصحاب والأطفال والشباب والكبار ولقد كان لي طقوس معينة أقوم بها مع أفراد أسرتي خلال عيد الفطر المبارك أو الأضحى أيام زمان وأقصد بذلك فترة التسعينيات حيث أنني كنت أستغل مغادرة الكثير من الأسر والعمال والموظفين لصنعاء باتجاه قراهم بأن أجعل من ذلك فرصة لأخذ أسرتي في السيارة ونقوم بالتجول في شوارع صنعاء التي تكون خالية وحركة المرور فيها قليلة بعكس الأيام العادية الأخرى التي كانت تشهد زحاماٍ شديدا فنذهب لنتعرف على المتاحف والأسواق الشعبية والتنزه في الحدائق وغيرها.
وأردف قائلاٍ: غير أنني خلال السنوات القليلة الماضية لم أعد استطيع أن أمارس تلك الطقوس مع الأسرة كالسابق وذلك بسبب أن صنعاء لم يعد قضى العيد فيها مثل تلك الفترة لجملة من الأسباب منها الهجرة من الريف إلى المدينة بشكل كبير والتي جعلت أغلب الأسر تقطن العاصمة بشكل دائم وكذلك العمال والموظفون الذين جلبوا أسرهم وأولادهم وسكنوا صنعاء واستقروا فيها وهو ما جعل من صنعاء مركز تجمع سكاني كثيف ومعه لم تعد كسابق عهدها في أيام عيدي الفطر والأضحى وهو ما جعلني أعزف عن ممارسة تلك الطقوس التي كنت أقوم بها في الماضي.
مغادرة القرية
أما عبدالعزيز الآنسي فتحدث قائلاٍ: العيد مناسبة دينية عظيمة لتجديد أواصر المحبة والمودة بين الأهل والأحباب وفرصة لزيارة الأهل والأرحام والأصدقاء وقد كنت أجسد هذه المعاني والقيم على أرض الواقع قبل أكثر من عقد من الزمن حيث أنه كان لا يمر عيد من الأعياد الدينية إلا وأذهب بالأولاد والعائلة إلى القرية لنقضي إجازة العيد مع كبير الأسرة والأقارب الآخرين غير أن هذه العادة الحميدة السنوية في كل مناسبة عيدية تغيرت لأن الوالدين وكذا الكثير من الأقارب تركوا القرية بسبب انعدام مياه الشرب ونضوب الآبار في منطقة آنس واتجهوا للسكن والإقامة الدائمة في صنعاء مما جعلني وأفراد أسرتي نقضي أيام العيد بصنعاء ومعنا الأسر التي غادرت المنطقة واستقرت في العاصمة صنعاء.
العيد عيد العافية
ويقول الآنسي: إن محاولتي لقضاء العيد مع الأسرة في المحافظات السياحية كالحديدة أو عدن مستحيل لظروفنا المعيشية الصعبة كما أن غلاء الأسعار وارتفاع أجور مواصلات النقل تجعلنا مضطرين للبقاء في بيتنا المهم أن نفرح بالعيد ونفرح من حولنا وخاصة الأطفال والحمد لله على كل حال وعلى رأي المثل القائل “العيد عيد العافية”.