عام 1965م اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لا يزال هناك من لم يستوعب مرارة وثمن الكفاح الذي دفعه أسلافهم
الثورة / جمال الظاهري
لقد كانت عدن ولا زالت محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحرين العربي والأحمر ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والهيمنة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة، حيث توالت على عدن الكثير من القوات والدول المستعمرة، ففي 26 فبراير 1548م استولى العثمانيون على عدن بقيادة سليمان القانوني، بغية استخدامها قاعدة لشن غارات ضد الممتلكات البرتغالية على الساحل الغربي في الهند.
فشل العثمانيون أمام البرتغاليين في سبتمبر 1538م ولكن بعد ذلك عادوا إلى عدن.. حيث حصنت المدينة بـ 100 قطعة مدفعية، ومن هذه القاعدة، تمكن سليمان باشا من السيطرة على اليمن كاملة، بما فيها صنعاء.
بدايات التواجد البريطاني
بدأت بريطانيا نفوذها في اليمن باحتلال جزيرة بريم في مدخل البحر الأحمر سنة 1799م, ونظرا لأهمية عدن كمفتاح البحر الأحمر قامت بريطانيا عام 1839م باحتلالها بعد مقاومة عنيفة من السكان.
في عام 1821م عقدت بريطانيا مع إمام اليمن معاهدة تقضي بالسماح لبريطانيا بتصريف متاجرها في أسواق البلاد, إلا أن محمد علي رأى في ذلك تهديداً لمصر ومصالحها الاستراتيجية حيث ستؤدي إلى سيطرة انجلترا على مياه البحر الأحمر ولذا فقد عقد العزم على فتح اليمن لاستئصال النفوذ الأجنبي منها قبل أن يستفحل أثره ويصعب اقتلاعه.
قام محمد علي بفتح اليمن 1835م فيما عدا عدن التي قام الانجليز بالاستيلاء عليها 1839م لضرب محمد علي وإرغامه على الانسحاب من اليمن وهو ما تم بالفعل عام 1940م.
وهنا انفردت بريطانيا وحدها بمقدرات جنوب اليمن كله وبدأت إنجلترا عشية احتلالها لعدن بتنفيذ سياسة التهدئة في المنطقة حتى تضمن استقرار الأمور في عدن بما يحقق مصالحها الإستراتيجية والتجارية والبحرية، حيث عقدت معاهدات مع شيوخ المنطقة ومن ثم دفع الرواتب المجزية ومنح الألقاب والنياشين ومنح الهدايا لهؤلاء الشيوخ والسلاطين إلا أن هذا لم يجد نفعا حيث حاول سلطان لحج استعادة عدن ثلاث مرات في عامي 1840و1841م لكن تلك المحاولات لم تنجح نظراً للفارق الهائل في تسليح القوتين.
لم يكن الاستيلاء على عدن هو كل ما تريده بريطانيا في المنطقة، وإنما كان هذا الاستيلاء بمثابة نقطة للتوسع وبداية الانطلاق لتأكيد النفوذ البريطاني في جنوب اليمن والبحر الأحمر وعلى الساحل الشرقي الإفريقي وكذلك لإبعاد أي ظل لقوى أخرى حيث كانت عدن محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي والساحل الشرقي الأفريقي والتجارة الشرقية.
أما عن الشعب اليمني فقد حاول مرارا وتكرارا القيام بالانتفاضات المسلحة في العديد من أرياف الجنوب اليمني والتي تعامل معها الانجليز بكل وحشية, ومع بداية خمسينيات القرن العشرين بدأ تأسيس التنظيمات السياسية والنوادي وقام اليمنيون بعمل الإضرابات العامة واخذ الكفاح أشكالاً متعددة لتحرير البلاد من المستعمر الانجليزي الذي حاول التصدي لكل ذلك إلا انه لم يستطع أمام شعب مؤمن بحرية بلاده ومن ثم أرغم المستعمر أخيرا في 30 نوفمبر 1967م على الانسحاب .
مقدمات للاستعمار
استغل الانجليز حادثة في عام 1837م حين جنحت سفينة هندية (دوريادولت) ترفع العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن وادعوا أن سكان عدن هاجموا السفينة ونهبوا بعض حمولتها وأن ابن سلطان لحج وعدن كان من المحرضين على نهب السفينة.
ارسلت الحكومة البريطانية الكابتن هينز لإجراء مفاوضات مع سلطان لحج ولكنها باءت بالفشل بعد محاولة سلطان لحج إعادة البضائع المسروقة ودفع قيمة ما تلف منها إلا أن هينز لما يوافق لأن بريطانيا كانت تريد عدن نفسها, ويظهر ذلك في تقرير ارسله لقائد سفينة في البحر الأحمر إلى مدير البحرية الهندية في 6 يوليو 1837م جاء فيه التالي (يشرفني أن أعلمكم أنه لدى وجودي في عدن خلال شهر ابريل تبينت أن البضاعة التي تمت استعادتها من السفينة المحطمة (دريادولت) التي تحمل العلم الإنكليزي والعائدة إلى مدراس كانت مطروحة في السوق بأقل من ثلث قيمتها).
عام 1839م أعدت حكومة الهند البريطانية الإجراءات للاستيلاء على عدن وقامت ببعض المناوشات في عدن وبعض جنود السفن البريطانية المسلحة التي رابطت بالقرب من ساحل عدن انتظارا لوصول السفن الباقية والتي قصفت عدن في 19 يناير 1839م بالمدفعية التابعة للأسطول البريطاني.
لم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة بين أسطول وقوات الإمبراطورية البريطانية من جانب وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر.
وفي 19 يناير 1839م، هبطت شركة الهند الشرقية البريطانية ( Royal East India) في عدن الملكية في عدن تحت مبرر وقف هجمات القراصنة على السفن البريطانية المتجهة إلى الهند .
ومنذ ذك التاريخ أصبحت عدن مركزا تجاريا هاما بين الهند البريطانية والبحر الأحمر، وبعد افتتاح قناة السويس في عام 1869م، وأصبحت محطة لتزويد السفن المتجهة إلى الهند بالفحم.
حكمت عدن كجزء من الهند البريطانية حتى عام 1937م، ومن ثم أصبحت مستعمرة بريطانية.
بعد الاستقرار في عدن توسع النفوذ البريطاني إلى بقية المناطق التي تضم حضرموت من الجهة الشرقية, وبقية السلطنات والمشيخات في الجهة الغربية من اليمن الجنوبي سابقاً.
لم تخضع بقية المناطق لعدن مباشرة ولكن تم ربطها ببريطانيا بموجب معاهدات حماية مع حكام محليين للسياسات التقليدية التي أصبحت تُعرف باسم محمية عدن, اهتم المستعمر بعدن المدينة، فيما ظلت بقية المحميات سلطنات ومشيحات جنوب اليمن تعاني من التخلف والركود.
بداية الثورة ومحطاتها المفصلية
شهران فقط مضيا على عودة الثوار من الشمال كانا كافيين لتحضير ميدان المعركة وانطلاق الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر 1963م في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني، من جبال ردفان، بقيادة أول الشهداء غالب راجح لبوزة، وشنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل، واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة “الأرض المحروقة”، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة.
نفذ خليفة عبدالله حسن خليفة في 10 ديسمبر 1963م عملية فدائية بتفجير قنبلة في مطار عدن في إطار الكفاح ضد الاحتلال البريطاني أسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة الاتحاد الذين كانوا يهمون بصعود الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت بريطانيا من خلاله الوصول مع حكومة الاتحاد إلى اتفاق يضمن الحفاظ على المصالح الإستراتيجية لها في عدن.
وفي11 ديسمبر 1963م صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي قضى بحل قضية الجنوب اليمني المحتل وحقه في تقرير مصيره.
وبدأت في 7 فبراير 1964م أول معركة للثوار اليمنيين استخدموا فيها المدفع الرشاش في قصف مقر الضابط البريطاني في ردفان (لحج)، وفي 3 أبريل 1964م شنت ثماني طائرات حربية بريطانية هجوماً عدوانياً على قلعة حريب، في محاولة للضغط على الجمهورية العربية اليمنية، لإيقاف الهجمات الفدائية المسلحة التي يشنها فدائيو الجبهة القومية من أراضيها.
وفي 28 أبريل 1964م شن مجموعة من فدائيي حرب التحرير هجوماً على القاعدة البريطانية في الحبيلين (ردفان) ، وقامت طائرات بريطانية في 14 مايو 1964م بغارات ضد الثوار في قرى وسهول ردفان، أدت إلى تدمير المنازل في المنطقة، كما أسقطت منشورات تحذيرية للثوار الذين أسمتهم بـ”الذئاب الحمر”، وفي 22 مايو 1964م أصاب ثوار الجبهة القومية في ردفان طائرتين بريطانيتين من نوع “هنتر” النفاثة.
كما انطلق الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وأعوانه في إمارة الضالع بتاريخ 24 يوليو 1964م بقيادة علي احمد ناصر عنتر، عقب عودة عدد من الشباب من تعز الذين خضعوا فيها لدورة تدريبية عسكرية دامت شهرين لينضموا إلى صفوف الرجال العائدين من شمال الوطن بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في صفوف الحرس الوطني، وقد تلقى الثوار كل الدعم من إخوانهم في الشمال، فعاد قادتهم من تعز ومعهم السلاح والذخائر والقنابل اليدوية.
واشتدت العمليات الفدائية على قوات الاستعمار وأصدرت قانون الطوارىء في 19 يونيو 1965م وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، واعتبرتها حركة إرهابية، وقامت بإبعاد 245 مواطناً من شمال اليمن.
وعقدت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل مؤتمرها الأول في تعز بتاريخ 22 يونيو 1965م، وأعلنت فيه موقفها الثابت لمواصلة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حتى جلائه عن أرض الوطن، واعتبرت نفسها الممثل الوحيد لأبناء الجنوب اليمني المحتل، وأقرت في هذا المؤتمر لائحتها الداخلية والميثاق الوطني.
وفي 30 يوليو 1965 هاجمت فرقة ثورية بقيادة علي احمد ناصر عنتر سرية بريطانية كانت قد تمركزت بنفس اليوم حول دار أمير الضالع، لتعزيز الحراسات لحمايته من هجمات الثوار، وأصيب خلالها القائد الميداني علي شائع هادي بثلاث طلقات رصاص.
وفي 25 أغسطس 1965م رفضت الجبهة القومية نتائج مؤتمر جدة بين الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، والملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، ونعتته بـ”مؤتمر الخيانة”، ورفضت أي حلول أو تسوية مع الملكيين باعتبار ذلك تهديدا للنظام الجمهوري وإضعافا للثورة في الجنوب.
وفي عام 1965م اعترفت الأمم المتحدة بشرعية كفاح شعب الجنوب طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أعلنت بريطانيا في 2 أكتوبر 1965م عن عزمها البقاء في عدن حتى عام 1968م مما أدى لانتفاضة شعبية عنيفة ضد البريطانيين في المدينة أسفرت عن خسائر كبيرة بشرية ومادية.
وقد أصدرت الخارجية البريطانية “الكتاب الأبيض” في 22 فبراير 1966م الذي أعلن رسمياً قرار بريطانيا القاضي بمنح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال مطلع 1968م.
جمع التبرعات
شكلت الجبهة القومية في 5 أبريل 1966م، لجنة لجمع التبرعات من المناطق الشمالية، استهلت اللجنة عملها من لواء إب حيث بادر المسئولون والمشايخ والمواطنون بالتبرع بالمال والحبوب بأنواعها وأسهموا بنقلها إلى قعطبة.
وفي 22 أبريل 1966م أسقط ثوار جيش التحرير طائرة بريطانية أثناء قيامها بعملية استطلاعية لمواقع الثوار في الضالع والشعيب، فأرسلت السلطات الاستعمارية للغاية نفسها طائرة أخرى، فكان مصيرها كسابقتها، ما جعل القوة الاستعمارية وأعوانها تشدد من قصفها للقرى وتنكل بالمواطنين فيها.
وفي 28 يوليو 1966م نفذ فدائيون في حضرموت عملية قتل على إثرها الكولونيل البريطاني جراي، قائد جيش البادية, وكان هذا الضابط هو الذي نفذ عملية اغتيال المناضلة الفلسطينية رجاء أبو عماشة عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين.
وقد أعلنت الحكومة البريطانية في أغسطس 1966م اعترافها بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965م الذي أكدت فيه حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره.
وفي 31 ديسمبر 1966م قام ثوار جيش التحرير بهجوم مباغت على القاعدة البريطانية في الضالع، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثمانية آخرين، وتدمير ثلاث سيارات “لاند روفر” وإحراق عدد من الخيام بما فيها من مؤن ومعدات, في غضون ذلك وحد ثوار الضالع وردفان والشعيب هجماتهم على القوات الاستعمارية وأعوانها من خلال تشكيل فرقة قتالية مشتركة أسموها “الفرقة المتجولة” بقيادة علي شايع هادي.
في 5 أكتوبر 1966م قدم ثوار الشمال الدعم الشعبي والعسكري الكبير لإخوانهم في الجنوب، وذلك بدأً من الضالع وحتى وصولهم إلى عدن، مما أدى إلى إلحاق الضرر الأكبر في صفوف القوات البريطانية، والهزيمة الساحقة في نفوس قوات الاحتلال البريطاني.
عدن، الشيخ عثمان 1967م.
في 15 فبراير 1967م خرجت جماهير غفيرة في عدن في مظاهرات حاشدة معادية للاستعمار البريطاني وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.
وقد أصدرت الجامعة العربية في 8 مارس 1967م قراراً تشجب فيه التواجد البريطاني في جنوب اليمن.
وفي 2 ابريل 1967 حدث إضراب عام شل كافة أجهزة العمل في مدينة عدن، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير في وقت واحد.
وفي 3 أبريل 1967م نفذ فدائيو حرب التحرير عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين.
وتمكن الفدائيون في 20 يونيو 1967م من السيطرة على مدينة كريتر لمدة أسبوعين.
وفي 21 يونيو 1967م سيطر ثوار الجبهة القومية في إمارة الضالع على عاصمتها ومعهم آلاف المواطنين الذين دخلوها في مسيرة حافلة يتقدمهم علي أحمد ناصر عنتر.
وبعد ذلك سيطرة الجبهة القومية على مشيخة المفلحي في 12 أغسطس 1967م بعد أن زحفت عليها بمظاهرة كبيرة شارك فيها أبناء القرى والمناطق المحيطة بالمشيخة، وتوالى بعد ذلك سقوط السلطنات والمشيخات بيد الجبهة.
وفي 5 نوفمبر 1967م أعلنت قيادة الجيش الاتحادي في جنوب الوطن المحتل وقوفها إلى جانب الثورة ودعمها للجبهة القومية، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها.
نيل الاستقلال
أعلن وزير الخارجية البريطاني (جورج براون) في 14 نوفمبر 1967م أن بريطانيا على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967م وليس في 9 يناير 1968م، كما كان مخطط له سابقاً.
بدأت المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية في 21 نوفمبر 1967م من أجل نيل الاستقلال وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن، وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا) برئاسة اللورد شاكلتون.
بدأ انسحاب القوات البريطانية من عدن في 26 نوفمبر 1967م، وغادر الحاكم البريطاني هامفري تريفليان.
وفي 30 نوفمبر 1967م تم جلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن، وإعلان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، بعد احتلال بريطاني دام 129 عاماً، وأصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إبان حرب التحرير تتولى مسؤولية الحكم، وتولى أمين عام الجبهة قحطان محمد الشعبي رئاسة الجمهورية وشكلت أول حكومة برئاسته.
أطماع المستعمر، ومفارقات المرحلة!!
لسنا هنا في وارد المقارنة بين احتلالين، بقدر ما نحن بحاجة إلى التذكير بواقعنا دون رتوش كي نستفيد من التجارب الدالة على ذاتها بذاتها.
57 عاماً على نيل الجنوب استقلاله عن «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»، لكن ذكرى «30 نوفمبر» لهذا العام جاءت واليمنيون لا يزالون ينشدون «استقلالاً ثانياً»، لأن فيهم من لم يستوعبوا مرارة وثمن الكفاح الذي دفعه إسلافهم، ولأن المستعمر هذه المرة جاء عبر أبناء جلدتهم.
يعيش اليمن اليوم استقلالاً غير منجزٍ في مفاهيمه الجغرافية والسياسية والسيادية، كل ما في الأمر، أن بريطانيا الدولة التي احتلت عدن سابقاً، تحولت إلى دولةٍ راعيةٍ للاحتلال، ببصمة عربية ومشروعية أممية ظالمة.
نعم مستعمر الأمس حاضر وإن كان عبر أدواته في المنظفة حاضر بقوة ولنفس الغايات والأهداف إذ تدعم دول الاستعمار والاستكبار دول العدوان «التحالف الذي تقوده السعودية» في حربها وتوسعها جنوباً وشمالاً، موكلة ومساندة لها في قضم الجغرافيا اليمنية، ونهب ثرواتها خدمة لمصالحها ونفوذها، وتنفيذاً لأجنداتها الخاصة، بعيداً عن أي اعتباراتٍ أخرى.
نعم تبدّلت الوجوه وتغيرت الأدوار، فالاحتلال قائم بأساليبه المباشرة وغير المباشرة، ينهب الثروات ويشتت القوى ويدمر الإنجازات، ويختلق المبررات ويعيد الكرة في التفرقة بين مكونات اليمن السياسية، يزرع الفتن والخلافات، «فرّق تسُد» للحؤول دون التصالح وتوحّد الجهود.
نعم هناك تباين بين العديد من القوى والمناطق ومنها الشمال والجنوب وكل ذلك مقدور على حله ومعضلتنا الأكبر لا تكمن في من يدعم الانفصال، أو في من يعارضه، بل صارت في من يرى في قوى «الاحتلال» داعمةً لمطالبه، بغض النظر عن تلك المطالب وتوجهاتها، لأن الأهداف والمطالب التي تتحقق بدعمٍ من محتلٍ، ستسقط سريعاً أمام التبعية وسترتبط حكماً بمصالح المحتل لا المصالح الوطنية.
لم تأت بريطانيا لاحتلال الجزء الجنوبي من اليمن من أجل رفع مستوى حياة ابنائه أو للنهوض به وانتشاله من حالة التخلف، ولم تخرج منه على هواها، بل دخلته محتلة ناهبة لخيراته، وخرجت منه بقوة السلاح الذي رفع بوجهها.
الحال اليوم، لا يختلف عما كان عليه قبل نيل الحرية والاستقلال، فلم تأت القوات الإماراتية والسعودية داعمة أو من أجل مصلحة أبناء عدن والجنوب واليمن بشكل عام كما يحاولون تصوير احتلالهم للعديد من المحافظات والمناطق اليمنية.