الفضول.. الشاعر الثائر

> هو الشاعر اليمني عبد الله عبد الوهاب نعمان ولد عام 1917م في قضاء الحجرية لواء تعز ثاني أصغر أبناء الشهيد الشيخ عبدالوهاب نعمان الذي كان أول الثوار على حكم أسرة حميد الدين منذ بداية تسلمهم الحكم من الأتراك عام 1918.م وكان والده الشيخ عبدالوهاب بيك نعمان قائم الحجرية بمرسوم من الباب العالي في الأستانة.
انتقل مع بقية زوجات وأبناء الشيخ عبد الوهاب نعمان إلى صنعاء للإقامة إلى جانبه وتلقى وإخوته جزءا من تعليمه على يد والده الشيخ عبد الوهاب نعمان في صنعاء حيث كان معتقلاٍ بها منذ عام 1923م عندما طلبه الإمام يحي حميد الدين إلى صنعاء بعد ثورته عندئذ ضد ابن الوزير نائب الإمام في تعز لرفض الأتاوات التي أراد أن يفرضها على المواطنين “الرعية”.
ثم درس على يد ابن عمه الأستاذ أحمد محمد نعمان في ذبحان بالحجرية ودرس بعد ذلك في مدينة زبيد على يد عبد الله المعزبي من أشهر علماء زبيد.
وفي أوائل الأربعينيات كان ضمن الشباب المستنير الذين تجمعوا في تعز حيث عمل بالتدريس بالمدرسة الأحمدية في الفترة من العام 1941م إلى 1944م .
وأثناء وجوده في ذبحان أبرق الإمام أحمد إلى عامله لاعتقاله غير أنه علم بذلك من أحد الأحباب وهو القاضي عبد الجبار المجاهد ونصحه بالهروب قبل أن يرسل العامل في اعتقاله وفر عبدالله عبد الوهاب نعمان إلى عدن لينضم بعد ذلك إلى مجموعة الأحرار وكان إلى جانب آخرين من مؤسسي حزب الأحرار اليمنيين. ويعتبر الفضول من أوائل رجال حركة الأحرار ومن أبرز كتابها فقد كان سياسياٍ وأديباٍ وشاعراٍ وصحفياٍ بارزاٍ.
وفي عدن عمل في سلك التدريس وقام بتعليم اللغة العربية في مدرسة بازرعة الخيرية ثم ترك التدريس ليصدر جريدة (صوت اليمن) الناطقة باسم الجمعية اليمنية الكبرى عام 1947م, وكانت مقالاته الساخنة فيها تمثل رداٍ على جريدة الإيمان المتوكلية التي تهاجم الأحرار. كما كانت له مقالات سياسية في جريدة (فتاة الجزيرة) بتوقيع (يمني بلا مأوى).
وبعد فشل ثورة 1948م في إقامة النظام الدستوري وبعد إعدام قادة الثورة ومنهم والده الشهيد الشيخ عبد الوهاب نعمان والشهيد السيد حسين الكبسي رأسا ثورة 1948م قام في عدن في ديسمبر 1948م بإصدار صحيفة “الفضول” وهي من المحطات الهامة في حياة شاعرنا. وتعود هذه التسمية إلى الحلف الذي كان قائما في الجاهلية مهمته إنصاف المظلومين وهو “حلف الفضول”. وقد اشتهر شاعرنا وعرف في الأوساط الأدبية بلقب “الفضول” نسبة إلى صحيفته.
وفي نهاية العام 1953م قامت سلطات الاحتلال البريطاني بإغلاق صحيفة “الفضول” من خلال رفض تجديد ترخيصها بضغوط من النظام الملكي في شمال الوطن بعد أن أقلق عبدالله عبدالوهاب نعمان مضاجع الإمام أحمد حميد الدين بما تنشره “الفضول”. (راجع الوثيقة رقم 14 من الوثائق البريطانية بشأن الفضول) وهجر الفضول مع بداية العام 1954م الكتابة والشعر وانخرط في هذه الفترة في الأعمال الحرة لتأمين لقمة العيش لأسرته.
ولكنه وفي نفس الوقت ظل يقاوم الأوضاع في ظل الإحتلال في الجنوب والملكية في الشمال من خلال كتابة صفحة باسم “البسباس” في صحيفة “الكفاح” التي كانت تصدر في عدن للأستاذ حسن علي بيومي.
في غمرة قسوة الحياة في عدن قبل الثورة عزف عن كتابة الشعر حتى أثاره المرض العضال الذي أصاب رفيق دربه وصديقه السيد محمد بن يحي الوريث وكن من الأحرار المهاجرين في كينيا وعينه أمير الكويت الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح قنصلاٍ فخرياٍ للكويت في كينيا عندما أصاب المرض صديق عمره وكان يتعالج في الكويت في كنف الأمير كتب قصيدة مدح يشكر فيها الأمير وفيها إشارة إلى هجره الشعر حيث قال: “قد كنت ودعت القريض ترفعاٍ إذ كل ما حولي يروم هجاءْ”. وقد كانت هذه القصيدة في العام 1963م أو 1964م وقبل وفاة الوريث.
عاد إلى كتابة الشعر الغنائي في بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م في عدن وقبل انتقاله النهائي منها إلى شمال الوطن وكتب قصيدتين لحنهما الفنان الكبير محمد مرشد ناجي وسجل الأغنيتين في إذاعة عدن باسم ابنه مروان ليتخفى لأنه لم يكن يريد أن يعرف الناس أنه عاد إلى كتابة الشعر. وهاتان الأغنيتان هما أغنية “شبان القبيلة ” وغناها الفنان المرحوم محمد صالح عزاني والفنانة فتحية الصغيرة وأغنية ثانية غناها الفنان المرحوم أحمد علي قاسم.
وبعد ذلك ظل لفترة قصيرة بعد الثورة يعيش ما بين عدن وشمال الوطن. وبدأ يعاود كتابة الشعر الغنائي ومن أوائل القصائد “دق القاع دقه” و “عدن عدن” وهما من بدايات تعاونه الفني والغنائي مع الفنان الكبير أيوب طارش العبسي.
عبر صديقي المرحوم جازم الحروي وأمين قاسم سلطان أخذت سيدة الغناء العربي أم كلثوم قصيدة “لك أيامي” للفضول لتغنيها من جملة أغانيها التي اعتزمت غناءها لشعراء من كل الوطن العربي غير أن ذلك لم يتحقق لوفاتها. قام بعد ذلك الفنان أيوب طارش بتلحين تلك القصيدة وغنائها. وسيلاحظ المتصفح القارئ أن قصيدة “لك أيامي” تلك التي غناها أيوب طارش تختلف عن النص النهائي الذي ظل الفضول يجدد فيه إلى ما قبل وفاته وترد هذه القصيدة في الموقع باسم “أحلام السنين”.
وفي العام 1966م وبينما هو في تنقله بين عدن وصنعاء اعتقل الفضول مع مجموعة من السياسيين الآخرين في سجن “الرادع” الشهير عندما قامت السلطات المصرية باعتقال حكومة الأستاذ أحمد محمد نعمان في القاهرة وذلك لمعارضة التدخل المصري في الشئون اليمنية. ولم يطلق سراح من سجنوا في القاهرة ومن سجنوا في الرادع إلا بعد هزيمة 1967.م وهناك قال رائعته “أرض المروءات” التي عاتب فيها مصر على ما حدث في اليمن.
وبعد ذلك استقر مقام الفضول في شمال الوطن في صنعاء وتقلد بعد انقلاب 5 نوفمبر 1968م منصب مدير مكتب الإقتصاد والجمارك في تعز ثم منصب وزير الإعلام في حكومة عبد الله الكرشمي التي لم تعمر أشهر.
بعد وزارة الإعلام قام فخامة القاضي عبد الرحمن بن يحي الارياني رئيس المجلس الجمهوري حينها بتعيين عبد الله عبد الوهاب نعمان مستشاراٍ لشئون الوحدة نظراٍ لطول خبرته بأحوال جنوب الوطن ورجالاته. وظل في هذا المنصب مع الرئيس إبراهيم الحمدي والرئيس أحمد الغشمي والرئيس علي عبد الله صالح إلى أن وافت شاعرنا المنية.
وظل يكتب الشعر الغنائي والأناشيد الوطنية وكثيراٍ من القصائد السياسية التي لم ينشرها. فبدأ في هذه الفترة مرحلة جديدة كونت النصف الآخر من شخصيته الإبداعية وهي قصائده العاطفية. وشعر الفضول العاطفي أروع ما نظم وكتب وقيل. فقد كان عاشقاٍ ومعشوقاٍ من الطراز الأول.
والفضول لم يكتب للحبيب وللمهاجر والمزارع والأرض والوطن والغربة فقط بل ألهب مشاعر الناس بأجمل الأناشيد الوطنية مثل : “هذه يومي فسيروا في ضحاها” و “أملؤوا الدنيا ابتساما” و “هتافات شعب” و “ياسماوات بلادي باركينا” و “عطايا تربتي” وغيرها الكثير. لكن أروع هذه المجموعة من الأناشيد الوطنية النشيد الذي اختير نشيداٍ وطنياٍ لجنوب الوطن قبل الوحدة والذي أعيد اختياره ليكون النشيد الوطني لليمن الموحد بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وإعلان الجمهورية اليمنية وهو :
رددي أيتها الدنيا نشيــدي
ردديه وأعيدي وأعيـدي
وأذكري في فرحتي كل شهيد
وامنحيه حللاٍ من ضوء عيدي
وكان اختيار النشيد نشيداٍ وطنياٍ لجنوب الوطن قبل الوحدة بناء على اتفاق في الكويت حيث اتفق الرئيسان في الشمال والجنوب أن يكون النشيد هو النشيد الوطني للشطرين ولليمن الموحد. وذلك الاتفاق هو أساس إقرار “رددي أيتها الدنيا نشيدي” كنشيد وطني لليمن الموحد.
بعد ذلك قلده عدد من رؤساء اليمن السابقين بشطريه وسام الآداب والفنون.
حرص على جمع أشعاره استعداداٍ لطبعها كما كان ينوي إصدارها في عمل يجمع فيه بعض كتاباته في الصحف منذ الأربعينيات إلا أن الأجل وافاه قبل تحقيق ذلك حتى أن ديوانه الوحيد (الفيروزة) صدر له بعد وفاته بجهد فردي من أحد أبنائه المهندس عبدالكريم عبد الله عبد الوهاب نعمان. لكن اعماله الشعرية الكاملة وهي تقارب المائة قصيدة لم تطبع. وستتاح الآن على هذا الموقع.
توفي الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان الفضول في 5 يوليو 1982م على فراشه في تعز بالسكتة القلبية عن عمر يناهز الخامسة والستين بعد مرحلة طويلة من الكفاح الوطني والأدبي مثلت رافداٍ هاما من روافد الحركة السياسة والثقافية في بلادنا. وقد كان الفضول ولا يزال علما من أعلام الشعر الوطني والغنائي العاطفي في اليمن بل وفي الوطن العربي لن تكرر.
رحل الشاعر عن زوجته آسية الغوري وله منها 6 أبناء وابنتان وله 5 أبناء وأبنة واحدة من زوجة سابقة هي عزيزة نعمان عبد القادر نعمان. كما رحل عن زوجتين لم ينجب منهما هما نفيسة رفعت إبراهيم وعزيزة أمين عبد الواسع نعمان. وأبناؤه هم: سكينة محمد سامية مروان هشام وليد (متوفي) هاني أيمن (متوفي) عبدالكريم صخر يمنى منذر شبيب طريف.

قد يعجبك ايضا