قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مخاطبته تجمعا لأنصاره في ولاية تكساس؛ عن الدوافع التي حدت به لإعطاء الضوء الأخضر للجيش التركي ليعبر الحدود داخل سوريا ويهاجم الأكراد..الجمعة الماضي –حسب ما ينقل عنه مقدم البرامج والكوميدي الأميركي من أصل فلسطيني دين عبيد الله- إنه أراد بذلك أن يجعل الطائفتين المسلمتين تذبحان بعضهما بعضا.
وكتب عبيد الله -في مقال بموقع “ديلي بيست” الإخباري الأميركي- أن ترامب قال لأنصاره “المعجبين” -دون أن يصدر منه ولو لمحة إنسانية عن المعاناة التي ستلحق بالمدنيين- “أحيانا يتعين عليك أن تتركهم يتقاتلون مثل طفلين قبل أن تبعدهما عن بعضهما البعض”.
يأتي ذلك بعد تعليقات أخرى الأربعاء الماضي من الرئيس الأميركي نفسه عندما حاول جاهدا “وبغلظة” تبديد المخاوف التي أبداها كثيرون من مكروه يصيب الأكراد.
فقد رد ترامب أولا باستخفاف أن الأكراد “ليسوا ملائكة”، ثم بذل ما في وسعه لتجريد طرفي الصراع (الأتراك والأكراد) من إنسانيتهما حين أعلن أن الفئتين ظلوا يتقاتلون طيلة مئة عام.
ويمضي الكاتب في نقل تصريحات ترامب التي ذكر في إحداها “أنني لا أبالغ حين أقول إن الاحتراب والاقتتال ليس من طبيعتنا، لكنه جبلة من جبلاتهم (المسلمين)”.
يقول عبيد الله إن تصريحات ترامب تلك “أصابت كثيرين بالذهول، ما عداي”. ويضيف أن الرئيس -بتلك الأقوال- إنما كان ببساطة يضفي تحديثا على المفهوم القديم القائل “اقتلهم جميعا ودع الرب يتدبر الأمر”. لتصبح بعد ذلك على النحو التالي “دع المسلمين يذبحون بعضهم بعضا، واترك الله يتدبر أمرهم”.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي اقترح فيها أحد المنتمين للتيار المحافظ أن تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن سوريا، وتترك المسلمين هناك يقتلون بعضهم بعضا.
ففي عام 2013 عبرت السياسية الأميركية سارة بالين عن المفهوم نفسه عندما انتقدت الرئيس السابق باراك أوباما حين كشف عن أنه يفكر في إرسال قوات أميركية إلى سوريا لإنهاء الحرب الدائرة هناك.
وعلقت بالين آنذاك بأن في موقف كهذا حين “يهتف الطرفان أن الله أكبر، عندئذ علينا أن ندع الله وحده يتدبر الأمر”.
ووفقا لعبيد الله، فإن الرأي القائل إن على أميركا البقاء بعيدا عن سوريا، وتكتفي بجني ثمار اقتتال المسلمين فيما بينهم؛ عبر عنه بطريقة أكثر ذكاء دانيال بايبس، الباحث الذي ينتمي لليمين، والمعروف عنه تعصبه الأعمى ضد المسلمين.
فقد كتب بايبس مقالا عام 2017 بصحيفة “ناشيونال ريفيو” ينتقد فيه الضربة العسكرية التي شنها ترامب ضد نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا عقابا له على استخدامه أسلحة كيميائية ضد المدنيين؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من ثمانين شخصا.
حينها كتب بايبس قائلا “إنني أرى أن هذا العمل العسكري خاطئ؛ فليس في الدستور الأميركي ما يوجب خوض القوات الأميركية قتالا في كل الحروب الدائرة حول العالم”. وتابع “يجب الامتناع عن المشاركة في هذه الحرب، وترك أعداء الولايات المتحدة يتقاتلون في ما بينهم إلى حد الإنهاك”.
إن عبارة بايبس الأخيرة لا تعني –حسب رأي عبيد الله- سوى “دع المسلمين يقتلون بعضهم بعضا”. وهذا بالضبط ما فعله ترامب حين منح تركيا الضوء الأخضر لشن عملية عسكرية في سوريا، وفقا للكاتب.
واعتبر كاتب المقال أن دفاع ترامب عن قراره التخلي عن الأكراد كشف عن خلو قلبه من أي تعاطف معهم، بل حتى مع المسلمين كبشر، مشيرا إلى أنه ليس من المستغرب إذن أن يعمد الرئيس الأميركي إلى تقليص عدد المهاجرين المسلمين المسموح لهم بدخول بلاده إلى حد كبير.
ونوه عبيد الله إلى أن عدد المسلمين الذين حصلوا على الإذن بدخول أميركا انخفض من نحو أربعين ألفا عام 2016 إلى 4900 فقط في العام المالي 2019.
وتنفيذا لوعد قطعه في الأسبوع الأول من رئاسته، منح ترامب الأولوية للمسيحيين على المسلمين من حيث النسبة المئوية للمهاجرين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة.
فقد كانت القسمة عام 2016 بين المهاجرين المسلمين والمسيحيين تكاد تكون متساوية، إذ بلغت 46% بالنسبة للمسلمين، بيد أن الميزان مال بشدة عام 2019 لصالح المسيحيين بنسبة وصلت إلى 80% من إجمالي المهاجرين.
وقال عبيد الله إن هذه الإحصاءات تساعد على فهم الأسباب التي دفعت ترامب للنيل من سمعة الأكراد بأكاذيبه التي تراوحت بين وصفهم بأنهم “ليسوا ملائكة”، إلى تصريحه للصحافة بأن الأكراد “لم يساعدونا في الحرب العالمية الثانية، إذ لم يقدموا لنا يد العون في نورماندي”. في إشارة إلى عملية الإنزال التي نفذتها قوات الحلفاء بإنزال قواتها على شواطئ النورماندي بشمال فرنسا، والتي كانت بداية العد العكسي للحرب العالمية الثانية.
وفي واقع الأمر، لم تكن للأكراد دولة خاصة بهم، وما زالوا من دونها حتى اليوم. وفي رأي كاتب المقال فإن تصريح ترامب كان محاولة واضحة منه لإقناع بعض الأميركيين بألا يكترثوا للأكراد إذا قتلت القوات التركية المدنيين منهم.
وبينما كتب ترامب في تغريدة الاثنين الماضي أن “من يريد مساعدة سوريا في حماية الأكراد فهذا أمر جيد بالنسبة لي، سواء كانت روسيا أو الصين أو نابليون بونابرت. أرجو أن يبلوا جميعا بلاء حسنا، فنحن على بُعد سبعة آلاف ميل”.
ويعلق عبيد الله على هذا التصريح بالقول إن سبعة آلاف ميل ليست مبررا لعدم الاكتراث بأزمة إنسانية متفاقمة يتحمل ترامب المسؤولية الأخلاقية في اندلاعها، بينما لم ير مشكلة مؤخرا في إرسال نحو ألفي جندي أميركي للسعودية التي تقع على مسافة أبعد من سوريا.
ويخلص مقال ديلي بيست إلى اعتبار اكتفاء ترامب وآخرين من التيار اليميني بالتفرج على المسلمين وهم يقتلون بعضهم بعضا، ويدعون الأمر لله ليتدبره، موقفا يدعو للاشمئزاز.
وأنهى الكاتب مقاله بإبداء أسفه على أن ترامب أضفى على السياسة الأميركية الراهنة رؤية من القرون الوسطى.
المصدر : وكالات