فصل جديد من مسرحية دُمَى الشرعية!
عبد العزيز البغدادي
لَسْتُ ممَّن يميل إلى إسناد كل ضعف الشعوب وويلاتها إلى الحكام – وإن كانوا رأس كل مصيبة في كل الأوقات-لأن الله يزع بالسلطان مالا يزعُ بالقرآن، والمعنى واضح، وهو أن القرآن الكريم بحاجة إلى سلطة تحترم مضامينه في العدل والحرية وحماية الحقوق والالتزام بالواجبات، أو بمعنى آخر أي قاعدة أو مبدأ مقدَّس أو دنيوي لن يكون له وجود ما لم يوجد أناس حريصون على نقل هذه القيم والمبادئ من الورق إلى الأرض ، من الفكرة إلى الممارسة من السماء إلى الأرض ولن تكون السلطة في أي شعب جديرة بالاحترام ما لم تكن حريصة على أن تفعل ما تقول وما لم تستمد شرعيتها من الشعب نفسه الذي تحكمه مع احترام المبادئ العلوية، بمعنى أنها تتحلى بالحرص التام على تلمس معاناة الشعب والمجتمع وتضع الخطط والبرامج لإخراجها إلى حيز الوجود ..
في هذه البلدة الطيبة صارت التبعية والعمالة أقرب إلى وجهة النظر في نظر من تحولوا إلى مجرد دمى بيد السفراء سراً وحين ثار عليهم الشعب في 11فبراير 2011 اكتشف أن الحاكم محكوم من خارج الحدود وبانتقال الثورة من محطة إلى أخرى دب الخوف في قلوب التابعين والمتبوعين على مؤسسة الفساد، وهي المؤسسة الوحيدة التي بنوها خلال عقود الفساد الماضية، فانتقلوا إلى مرحلة التدخل المباشر وبوقاحة نادرة ، ومن المحزن حقاً أن التابع يمثل جمهورية لدولة عمرها يزيد على سبعة آلاف عام، والمتبوع يمثل دولة مصطنعة عمر البدء في محاولات إنشائها لا يزيد على مئة عام اسماً وجسماً !؛
مَلِكُها المبجَّل تحول إلى حامي حمى شرعية الجمهورية والجمهوريين الثوريين الديمقراطيين الذين قيل أنهم اختلفوا على السلطة وتطور الخلاف إلى صراع مسلح أغلب ضحاياه من المغرر بهم مهما اختلفت عناوين الأجندة التي يصطرعون باسمها، هذا باسم القضية الجنوبية وحق تقرير المصير ، وذاك باسم الشرعية المعلّبة، وآخر باسم مقاومة التدخل الإيراني الشيعي ومحاربة المليشيات، في الوقت الذي يسعى فيه طويل العمر لتكثيف الوساطات بينه وبين إيران ، وفي غمرة الصراع المسلح يأمرهم الملك الوصي على الشرعية بوقف القتال فيتوقف على الفور ويأمرهم بالمثول بين يديه فيسرعون لتقديم الولاء والطاعة صاغرين مطأطئي الرؤوس إن كانت لهم رؤوس ويعد لهم طاولة ومادة الحوار وما أُسْمِيَ مسودة بيان الحوار لينتهي قبل أن يبدأ، وأهم ما في المسودة تقديم واجب الشكر والثناء للمملكة والملك وولي عهده الميمون على ما قدموه لشرعية الجمهورية والثورة من خدمات وما دمروا وما قتلوا من أطفال اليمن وما أنفقته في سبيل حماية هذه الشرعية من أموال طائلة لا تبتغي المملكة من وراء ذلك سوى وجه الله ، الشرعيون جداً لا أعتقد أنهم يجهلون عمر الدولة التي يستمدون منها العون والمدد لحماية شرعيتهم، وأظنهم قرأوا قول الله تعالى على لسان حاكمة سبأ ( إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) ..
لقد كان الملك كريماً مع رموز الشرعية، إذ وزع عليهم حقائب وزارية ليحكموا في اليمن طبعاً وليس في المملكة وتحت إشرافه المباشر وأجزل عليهم العطايا من فُتات ما يستخرجه من أرض يفترض أنها جزء من وطنهم ثم انصرفوا فرحين مستبشرين بما تفضَّل عليهم وعادوا إلى الفنادق بكل سرور وسيبقى باب القتل والقتال مفتوحاً ليستمر النزيف الذي هو جزء أساس من المشروع وتبقى شرعية الجمهوريين ثابتة في يد الملك وشعارها (ما يهزك ريح يا مركب هوانا) !
أثبت الملك بهذا التدخل السريع قدرة قياسية على حل المنازعات بين أتباعه وأثبت هؤلاء الأتباع تحليهم بقدر قياسي من طاعة ولي الأمر يستوي في ذلك جميع الأطياف السياسية التي قيل إنها شاركت في أوسع دائرة للحوار الذي أطلق عليه (الحوار الوطني)!
وأظن أن الاتفاق سيصمد ما دامت المملكة لديها كل هذا الحرص على استضافة الشرعية في فنادقها ولن تعرضهم للاستنزاف إلا في الحدود المرسومة وبما يحقق رغباتها وأجندتها ومطامعها..
بالمناسبة توافق إعلان مسودة الحوار الذي رعاه الملك بين جناحي الشرعية المباركة ليلة الذكرى التاسعة والعشرين لثورة الرابع عشر من أكتوبر ليتعمق معنى الحرية ويظهر جلياً ما أوصلنا إليه الشرعيون من استقلال وسيادة، فإن كانت هذه صدفة فما أحلى الصدف!
مُرُّوا على جيف الضحايا
مُرُّوا فإن مقامكم يبقى هناك
وذنبكم بين الكبائر
الله ما أخزى كبائركم وما خلفتموه.