– هذه تفاصيل أطول ليلة في تاريخ عدن عشية اجتياح الجيش لمدن وقرى أبين في 14مايو 68


-” قحطان” قال لنا: إذا كنتم تحبون سالمين أمامكم 48 ساعة لتسليمه لي.. وهو في وجهي
– لقاء تعز أنهى أزمة مارس..وقادة اليسار عاشوا في صنعاء أحداث أغسطس 68
– قمنا بحركة يونيو69 لتصحيح مسار ثورة أكتوبر..وهذا سر وضع “الشعبي” تحت الإقامة الجبرية
– تصفية فيصل عبداللطيف جريمة ..وسالم ربيع رفض التخلص من عبدالفتاح إسماعيل
– المشكلة المالية كادت تركع الجميع ..وهذه أسباب “انتفاضة الأيام السبعة”
– شاهدت “الحاج” ينفجر باكيا لحظة التوقيع على بيان طرابلس الوحدوي
– الذين اغتالوا إبراهيم الحمدي عشية سفره إلى عدن أضاعوا فرصة تاريخية لتحقيق الوحدة اليمنية
– عندما قال “سالمين” لأعضاء المكتب السياسي.. سأذهب إلى صنعاء لتشييع “الحمدي” على مسئوليتي
-استخبارات دولة كبرى تورطت في إعدام سالم ربيع .. وهو بريء من دم أحمد الغشمي
– متفائل بالمستقبل.. واليمن لن يعود إلى زمن التشطير وعلى الجميع اغتنام فرصة الحوار
– الصحافة اليمنية تحتاج لشجاعة الرجال والنساء لتحريرها من الاتباع والابتزاز

أستاذ سالم باجميل ..كثيرون يذكرون – ومنهم أحمد عطية المصري في كتابه “تجربة اليمن الديمقراطية – “أن الجناح اليساري في الجبهة القومية تعرض للاعتقالات والمطاردات والضرب والاتهامات. ولهذا كانت “حركة 14 مايو68”.. البعض رآها “تمردا” وآخر اعتبرها “انتفاضة” ..فما هي من وجهة نظرك¿ وما تفاصيل الأحداث التي قد لا يعرفها كثيرون¿.
– هناك أشياء كثيرة غائبة عن أذهان من لم يعايش تلك الفترة العصيبة .. وفي واقع الأمر أن ما جرى من أحداث في 14 مايو 1968م كانت بحق انتفاضة على ممارسات عقداء الجيش والأمن العام الذين يعدون أبرز تركات الإدارة البريطانية وحكومة اتحاد الجنوب العربي حيث مارست تلك الشلة اعتداءات على مناضلي الجبهة القومية.. ولهذا مثلت انتفاضة 14مايو1968 رداٍ طبيعياٍ على حركة 20 مارس 1968 الرجعية التي استهدفت الصف القيادي الأول والثاني في يسار الجبهة القومية وكانت الانتفاضة خطوة تمهيدية لابد منها على درب الوصول إلى الخطوة التصحيحية يوم 22 يونيو1969 التي أطاحت بطغيان عقداء الجيش والأمن العام والمتواطئين معهم من الجبهة القومية (تيار اليمين).. وهي الحركة التي أعادت للثورة بهاءها ونورها الذي كاد عقداء الجيش والأمن أن يطفئوه وتردد (اليمين) أن يغرقوه في ظلمات من فوقها ظلمات.. ومن تفاصيل ما حدث أن الرئيس قحطان محمد الشعبي وعقداء الجيش والأمن كانوا يريدون سالم ربيع علي (سالمين) حياٍ أو ميتاٍ على الطريقة الأمريكية اليوم مع أصدقائها الذين يناصبونها العداوة والخصومة لسبب أو لآخر..
وفي تلك الأثناء شهدت قرية “القرو” التي تقع في الطرف الشمالي لمدينة زنجبار عقد اجتماع تنظيمي ترأسه المناضل “سالمين” الذي خاطب الحضور بقوله:”إن عقداء الجيش والأمن يقتربون من النجاح في تفجير الجبهة القومية.. وإنهم يعتدون على اليسار ويهددون اليمين ومرادهم أن يطيحوا بالجبهة القومية وأنتم كما ترون هنا تمثلون أغلبية القيادة العامة .. والرفيق عبدالفتاح إسماعيل في بلغاريا يتعالج جراء جراحاته في 20 مارس.. وقحطان يريدني أن أصل إلى عدن للتفاهم وأنا أحببت أن أتشاور معكم بهذا…” فرفض المتواجدون من أغلبية القيادة وقيادات المليشيات بالإجماع ذلك ..فاقترحت أن يشكل وفد لإقناع الرئيس قحطان بالكف عن مطالبته بمجيء”سالمين” إلى دار الرئاسة في عدن لأسباب تتعلق بموقف عقداء الجيش والأمن.. ووافق الحاضرون على المقترح وتشكل الوفد برئاسة ناصر علي صدح وعضوية كل من: سالم محمد باجميل وحسين عبدالله ناجي والشيخ محمد ناصر جعدني والخضر الصوفي.. وذهب الوفد إلى عدن والتقى الرئيس قحطان حيث تحدث الرفيق ناصر علي صدح الذي لديه صفة رسمية وكان مأمور زنجبار فقال لقحطان:” نحن واسطة خير تنظيمية وأهلية بينك وبين سالمين ونطمع في استجابتك لنا حتى نكف الخلاف بينكم على أن تعطى للرفيق فيصل عبداللطيف فرصة للحوار التنظيمي والتفاهم وتعزيز لحمة التنظيم بعد أن كاد عقداء الجيش والأمن يقتربون من تمزيقنا..ما رأي سيادتكم بعرض رغبة سالمين عليكم¿ ” فأجاب قحطان: “إذا كنتم تحبونه لديكم 48 ساعة أقنعوه بتسليم نفسه لي وأنا أعمل فيه ما بدا لي “.. قلت: ” لا نستطيع أن نقول له ذلك ولكن بعد إذنك سنقول له إنك لم تتمكن من مقابلتنا..” قال :” لا.. قولوا له : أن يأتي إلى دار الرئاسة وهو في وجهي..” ثم ساد صمت بيننا برهة من الزمن ..ولكن قحطان بدده قائلاٍ : ” ذلك أقصى ما أستطيع والسلام عليكم” ثم قام وقمنا معه إلى عتبة باب مكتبه فسلمنا عليه ثم عدنا في الساعة الثالثة والنصف فجرا إلى زنجبار.. ووصلنا إلى” حصن القرو” الساعة الرابعة واستقبلنا سالم ربيع علي- رحمة الله عليه- قائلا :” نسر أم غراب¿”. فرد الشيخ محمد ناصر جعدني: “غراب والله الساتر” ..وزاد ناصر علي صدح بقوله :” قحطان يريدنا أن نضع أمرنا في يد غيرنا”.فأخذ سالمين يد ناصر وقال: اذهبوا للصلاة والراحة واتركوا لنا متابعة التطورات.
اجتياح أبين
> وكيف تطور الموقف بعد انتهاء مهلة الـــ 48 ساعة¿
– حدث ما لم نكن نتوقعه ..فبعد مضي 48 ساعة من إنذار الرئيس قحطان فوجئنا باجتياح الجيش والأمن لمدن وقرى دلتا أبين وزنجبار وخنفر وذلك في محاولة غاشمة لطرد وتشريد مناضلي الجبهة القومية عندما استعصى على عقداء الجيش والأمن وسلطة اليمين خطة إلقاء القبض على قائد المليشيا (سالمين) بكل الوسائل والطرق. وفي هذه الأثناء اعتقد نظام 5 نوفمبر 67 قي صنعاء أن الظروف مواتية لوضع نهاية لنظام الجبهة القومية فأخذ في تجميع عناصر من جبهة التحرير وزج بها في الصراع تحت شعار: (الوحدة الوطنية) كان ذلك في يوليو 1968م الأمر الذي دفع قيادات اليسار واليمين في الجبهة القومية إلى أن تتواصل لتدارس ذاك الخطر المستجد ..فجاء فيصل عبداللطيف على رأس وفد تنظيمي إلى مدينة الضالع وجاء سالمين على رأس الوفد الآخر من مدينة قعطبة..وكان اللقاء تمهيدا للمصالحة .. وأنا أرى أن ‘تفهم ضرورة الدفاع عن حكومة الاستقلال برغم وجود الخلافات مع من يديرونها على الأفضل النافع للشعب والوطن قد أوجد في المستقبل خطوط عريضة للتقارب والتعاون وحجم فكرة تطور صراع مسلح وهكذا استطاع اليسار القفز إلى السلطة بطرق سلمية تنظيمية.
لقاء المصالحة في تعز
– ولكن .. أمين محمد رضوان قال لي في حوار أجريته معه في القاهرة في أغسطس 1992 (نشر جزء منه في “الثورة” في سبتمبر من نفس العام): إن عبدالفتاح إسماعيل عاد من بلغاريا إلى تعز وحدث لقاء جمعه مع فيصل عبداللطيف الشعبي وسيف أحمد الضالعي وعلي أحمد عنتر .. وقال “رضوان” أنه كان معهم في ذاك الاجتماع الذي انتهى بالاتفاق على وضع مخرج لأزمة مارس 1968م تضمن عودة الذين ذهبوا إلى الجبل في أبين إلى السلطة في عدن والبدء بتنفيذ البرنامج الوطني لاستكمال مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية الذي تمت صياغته من قبل اليسار..فكيف عادت الأزمة من جديد لتؤدي في نهاية المطاف إلى أن يقدم الرئيس قحطان استقالته يوم 22 يونيو 1969م¿.
– الرفيق عبدالفتاح إسماعيل عاد إلى تعز بدعوة من رفاقه أغلبية القيادة العامة للجبهة القومية التي وصلت إلى شمال الوطن بعد اجتياح الجيش والأمن لأبين يوم 14 مايو 1968م كما أسلفت في الإجابة السابقة وفي نفس العام حدثت أزمة أغسطس في صنعاء وكانت بمثابة استكمال لانتكاسة الخامس من نوفمبر1967م في شمال الوطن ..أما برنامج استكمال مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية في جنوب الوطن فقد احتوى على مبادئ وقواعد سياسية واقتصادية تمثل حدوداٍ دنيا لتلاقي اليسار واليمين داخل الجبهة القومية على أساس من توجهاتها..لكن اليمين بعد عودة عبدالفتاح إلى عدن عمل كل ما في استطاعته لعرقلة العمل به وحرك مثقفيه للدعاية والتحريض بأن البلاد والعباد لم يتجاوزوا بعد نصوص الميثاق الوطني.. وتمكن اليمين من الانقلاب الصامت على كل ما اتفق عليه في مدينة تعز..ولهذا بقيت بواعث وأسباب الأزمة حتى 22 يونيو 1969م.
كتاب “أزمة الثورة”
> أسمح لي أستاذ سالم باجميل أن نبقى أمام ما قاله أمين رضوان من أن كتاب “أزمة الثورة في الجنوب اليمني” الذي كتبه نايف حواتمة رئيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيروت نهاية 1968م كان السبب في تفجير أزمة داخل القيادة العامة للجبهة القومية حيث انقسمت إلى تيارين: “يميني ويساري”.. فما هي معلوماتك¿.
– الصراع النظري في حركة القوميين العرب كان منذ مطلع الستينيات وتجلى داخل الجبهة القومية خلال المؤتمر العام الأول ووجدت له انعكاسات في أدبياته ووثائقه عام 1965م..ففي الميثاق الوطني والقرارات ملامح لتكوين اليسار واليمين.. ومن وجهة نظري الخاصة.. أن كتاب نايف حواتمة لم يوجد اليسار واليمين داخل الجبهة وإنما ساعد على تأطيرهما.. وظل حكماء الجبهة القومية في اليسار واليمين يتحكمون في مساراته المختلفة.. وكان عقداء الجيش والأمن داخل الجبهة القومية يلعبون على ذلك الخلاف ويحاولون الدفع به إلى أن يصير انقساماٍ هائلاٍ يفجر كيان الجبهة القومية ويطيح بتجربتها الفذة في قيادة وريادة الكفاح المسلح وإحراز الاستقلال الوطني الناجز وبناء دولة المستقبل ذات الآفاق التقدمية والوطنية في ذلك الوقت ولكن الله سلم وكتب للجبهة القومية أن تمضي في مسار الاستقلال السياسي والاقتصادي وحققت انتصارات عظيمة لا ينكرها إلاِ حاسد أو حاقد على الوطن والشعب.. لا تثريب على المرحوم الأستاذ أمين محمد رضوان فيما ذهب إليه لأنه كان أقرب إلى قائد الثورة والدولة المناضل فيصل عبداللطيف.. وكان فيصل قد واجه نايف حواتمة واتهمه صراحة بتفجير الجبهة..ولهذا فقد خطط لإيجاد رد جماعي موضوعي على كتاب نايف حواتم : أزمة الثورة في الجنوب..» كان أبرز المكلفين من اللجنة «التنفيذية: فيصل عبداللطيف وعبد الفتاح إسماعيل.
> عودة إلى يونيو 69 ..لماذا برأيك تم وضع الرئيس قحطان تحت الإقامة الجبرية وقد قبلت اللجنة العامة استقالته¿.
– لأن الرئيس قحطان حاول استغفال أعضاء اللجنة العامة وأراد أن يمرر استقالته إلى الشعب لكي يخلق بها حالة من الجدل الصاخب والفوضى العارمة بين صفوف الجبهة القومية وفي وسط الشارع السياسي والجماهيري..لاعتقاده بأن اللجنة العامة مارست عليه شيئاٍ ما من الإرغام.
تصفية “فيصل “جريمة
> يقول عبدالملك إسماعيل في مذكراته المنشورة في صحيفة “الأيام” يوم 25 سبتمبر1991م أن” فيصل عبداللطيف الشعبي رفض بقناعة تامة تولى منصب رئاسة الدولة بعد قحطان باعتبار أن ما تم من تغيير كان في جوهره بعيداٍ عن الشرعية والأسلوب التنظيمي الذي تعودت عليه الجبهة القومية..”فلماذا تم التخلص من فيصل عبداللطيف¿.
– المناضل عبد الملك إسماعيل كان من المحبين للمناضل فيصل عبداللطيف وقد كلفه هذا الحب معاناة لا حدود لها أثناء استيلاء اليسار على الحكم.. وهو إنسان لديه شجاعة للتعبير عن رأيه في القضايا المعروضة عليه وأنا لا أعتقد إلا أنه صادق في ما قاله عن رفض فيصل لمنصب رئاسة الدولة.. لأن فيصل ليس من السهل أن يمرر عليه تلاميذه لعبة من لعب الحكم والسياسة.. وكانت مأساة المناضل فيصل عبداللطيف في نظري دفاعه الداعم عن المناضل قحطان الذي كانت له زلات وعثرات مع بعض رفاقه كونه يتصرف مع الجميع كأخ أكبر.. وفي رأيي أن التخلص التنظيمي من فيصل كان خطأ كبيراٍ.. أما أخذه وهو في إقامة جبرية إلى السجن ومن ثم تصفيته فإنني أرى ذلك جريمة بكل المقاييس الرفاقية والإنسانية.
القيادة الجماعية
> لو انتقلنا إلى ما حدث بعد يونيو 1969م نجد أهم معالم المرحلة تتمثل في تشكيل قيادة جماعية تجسدت في قيام مجلس رئاسة برئاسة سالم ربيع علي وعضوية: عبدالفتاح إسماعيل ومحمد علي هيثم ومحمد صالح عولقي وعلي احمد ناصر عنتر ..ما تقييمك لهذه التجربة وتوزيع مهام القيادة في الدولة والتنظيم¿.
– بموجب قرار اللجنة العامة للجبهة القومية كان مجلس الرئاسة على هذا النحو:
1- سالم ربيع علي: رئيس مجلس الرئاسة
2- عبد الفتاح إسماعيل: عضو مجلس الرئاسة الأمين العام لتنظيم الجبهة القومية
3- محمد علي هيثم :عضو مجلس الرئاسة رئيس مجلس الوزراء
4- محمد صالح عولقي :عضو مجلس الرئاسة
5- علي أحمد ناصر عنتر: عضو مجلس الرئاسة
وأصبح كل من محمد صالح عولقي وعلي أحمد ناصر في التشكيل الوزاري الأول بالترتيب ..الأول وزير دفاع والثاني نائب وزير الدفاع ..أما رأيي الشخصي في توزيع المهام على مستوى الدولة والحكومة والتنظيم فأستطيع القول إنه كان مثالياٍ وحافظ على روح جماعية جديدة في الحياة.. ولكن جاءت التجربة بما لا تشتهي سفن الرفاق فمنهم من قفز إلى اليم ومنهم من فضل الموت غرقاٍ على ظهرها.
بين “سالمين” و”عبدالفتاح”
> هل تسمح لي أن أسألك عن بعض الحقائق التي رافقت الأوضاع قبل وبعد المؤتمر العام الخامس للتنظيم السياسي الجبهة القومية المنعقد في عدن..وأعود بك إلى ما ذكره لي أمين رضوان من أن أطرافاٍ حاولت إثارة “نزعة غريبة” هدفها الإيقاع بين عبدالفتاح إسماعيل وسالم ربيع علي..وأن خبراء حاولوا إقناع سالمين للتخلص من قرارات المؤتمر والحزب الذي جاء بـ” عبدالفتاح “أميناٍ عاماٍ للتنظيم وبـ”سالمين” أمينا مساعداٍ..فما هي الحقيقة باعتبارك كنت قريباٍ من الرجلين ومسئول التنظيم في عدن ¿.
– في الرواية التي أوردها المرحوم الأستاذ أمين رضوان تخيلات كثيرة عن العلاقة بين عبدالفتاح وسالمين..أما الحقيقة التي أعرفها أن عدداٍ كبيراٍ من الرفاق في الصف الأول كان يرى في عبدالفتاح بعض السلبيات وجاءوا إلى سالمين يريدون منه أن يخلصهم من عبدالفتاح لا لشيء إلا أن أصوله من الشمال ولكن سالمين قال لبعضهم في حضوري: “عبد الفتاح سيظل أمينا عاما ما بقيت رئيساٍ لكم”.. ولما شعر سالمين أن موقف عبدالفتاح ضعف واهتزت مكانته بعد المؤتمر العام الخامس ذهب إلى التنظيم السياسي الجبهة القومية في أبين وقدمه للمناضلين هناك تقديم رفاقي حار قائلاٍ:”هذا أبو صلاح ..عبدالفتاح رفيقي في النضال” ثم أخذ يده ووقف الاثنان أمام الحاضرين من الرفاق وإذا بسالمين يقول في عبدالفتاح شعراٍ على طريقة قبائل أبين ومعظم قبائل اليمن على هذا النحو:
بو صلاح اليوم علم رفاقك وجيشك المدفع وشعبك ذخيرة
وردد بعده الحاضرون بصوت واحد ذات الشعر..وفي تقديري أن سالم ربيع علي كان أخلاقياٍ مع عبدالفتاح..ولكن حدث عبدالفتاح اثبت أنه كان سياسياٍ قليل الاكتراث بهكذا مواقف فلما لجأ إليه منتقدوه بالأمس دفع بهم في وجه سالمين وتخلص منه.
قصة “الأيام السبعة”
> في عام 1973م شهدت عدن ما عرف بـ “انتفاضة الأيام السبعة”.. ورفعت شعارات عديدة من ضمنها: “تخفيض الراتب واجب”.. و”تحريق الشيدر واجب”..و”تحرير المرأة واجب.”.من صاحب القرار.. ولماذا¿.وكيف تقبل الشعب تلك القرارات¿.
– صاحب القرار المكتب السياسي للتنظيم السياسي الجبهة القومية.. والمكلف بالتنفيذ سالم ربيع علي وبعض أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية..المشكلة كانت هي المشكلة المالية التي خططت لها الإدارة البريطانية ولم تستطع حكومة الاستقلال أن تضع لها حلولاٍ مناسبة..خرج سالمين إلى الشعب وواجهه بالمشكلة المالية التي كادت أن تركع الجميع..واستجاب له الشعب وعولج جزء من المشكلة بواسطة تخفيض الرواتب والجزء الآخر تمثل في مسألة الإسكان والإصلاح الزراعي.. أما تحرير المرأة من العادات والتقاليد البغيظة كان واجب الجبهة القومية..كل ذلك وجد له تقبل من جماهير الشعب نتيجة الثقة المتبادلة بين القائد والجماهير..وحاول بعض أدعياء القيادة الجماعية داخل وخارج الجبهة القومية أن يصوروا تلك النجاحات بأنها تعزز دور سالمين في الحياة.. وسالمين كان يرى فيها تعزيز للدور القيادي والريادي للتنظيم السياسي الجبهة القومية.
“ربيع” والحزب الطليعي
> لو عدنا إلى ما جرى من نقاشات مطولة حول الحزب الطليعي يجد الباحث حواراٍ وجدلاٍ مطولاٍ حول هذه المسألة بين عام 71 ـ 1974م وقد توقف النقاش عند تصورين. تصور للجبهة القومية يقضي بانصهار الفصائل الوطنية في تنظيم واحد كتمهيد لقيام الحزب الطليعي..وتصور آخر للاتحاد الشعبي الديمقراطي “منظمة السلفي” يقضي بقيام الحزب الطليعي ممثلاٍ بجميع الفصائل الوطنية في الشطر الجنوبي..قبل توحيد أداة وحدة فصائل العمل الوطني في الإقليم وفي الأخير حسم الأمر لمقترح الجبهة القومية..وقام التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي.. أين تقرأ إيجابية وسلبية التجربة في ظل ظروف السبعينيات حين كانت التعددية السياسية محظورة في شطري اليمن¿.
– كلا المقترحين كانا يناسبان واقع الحال في اليمن ولكن في تقديري أن مقترح تنظيم الجبهة القومية كان فيه واقعية وملامسة موضوعية لحاجيات وضرورات الحال اليمني في ذلك الوقت ولأن التنظيمات الثلاثة كانت تتمتع بوحدة أيديولوجية وتنظيمية وشكل اتحادها زخم وطني وسياسي كبيرين في الساحة اليمنية وفتح آفاق رحبة في رؤية البحث الجدي عن أداء ثورية وطنية في إقليم اليمن.. لولا أن بعض قيادات الجبهة القومية أرادت أن تجعل من مناسبة التحضير لانعقاد الحزب مجالاٍ للانتقام من بعضها البعض ومالأتها عناصر قيادية من منظمة البعث التابعة لسوريا ووجد الجميع في رغبة الاتحاد السوفيتي الكامنة في التخلص من قيادة سالم ربيع علي وتياره فرصة سانحة بعد أن توهم مستشارو الاتحاد أنهم قد عثروا على قيادات بديلة لديها استعداد للاستجابة لكل ما يراه السوفييت صواباٍ وهكذا تم تأليب وتكتيل في الصف القيادي الأول والثاني للتنظيم السياسي الموحد ـ الجبهة القومية وكانت أحداث مقتل الغشمي والتخلص من سالمين الذي كان شديد الحرص على صداقة الاتحاد السوفيتي واستقلال القرار الوطني.. كل ذلك كان مجرد لعبة من لعب الأمم السياسية بتدبير وتخطيط من الخبراء السوفييت ومشاركة في التنفيذ من الدائرين في فلكهم بالمجان أو بالأجر المؤجل والوعود.
> في عبارة منسوبة للرئيس سالم ربيع علي.. هي أن «أطول حوار يجري في أصغر بلد” البعض قال إن هذه المقولة الساخرة تشير إلى عدم تحمس سالمين لقيام الحزب الطليعي..ما تعليقك¿.
– هذه العبارة قالها سالمين بعد المؤتمر العام السادس للجبهة القومية.. نتيجة انتقادات كانت تنزل في نشرات منظمة البعث وكذا نشرة منظمة السلفي ثم انتقلت إلى صحيفة “14 أكتوبر” حول عدم وجود “بصل” في أسواق عدن.. ولكن ماذا يمكنك أن تقول لأناس اعتادوا أن يولدوا معاني خاصة بهم من تصريحات غيرهم لأغراض في نفوسهم وهي عبارة مأخوذة من السياق العام لخطاب ألقاه الرئيس سالمين طالب فيه بالإسراع في توحيد فصائل العمل الوطني حتى يكون الجميع عند المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الجميع.. ولو كان لدى سالمين موقفاٍ سلبياٍ من قيام الحزب الطليعي أو حتى وحدة فصائل العمل الوطني ما حثهم على تحديد المؤتمر التوحيدي بأسرع ما يمكن.
من موسكو إلى طرابلس
> كنت من ضمن الوفد مع الرئيس سالم ربيع علي في زيارته لموسكو ثم لقاء القمة اليمنية مع القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني الذي تم فيه التوقيع على “بيان طرابلس” وتشكيل اللجان الوحدوية بين الشطرين بعد حرب سبتمبر عام 1972م.. أريد أن أسألك عن موقف سالمين من الوحدة في تلك اللحظة ¿ وما الذي لا نعرفه من مواقف مازلت تتذكرها¿.
– مواقف سالمين من الوحدة تزكيها أحداث تاريخ العمل الوطني الوحدوي الذي يحمل بصماته وتوقيعه على العديد من أدبيات ووثائق العمل الوطني الوحدوي مع القاضي الإرياني ومع الرئيس إبراهيم الحمدي..ومن المواقف التي ستظل حية في ذاكرتي ما حيت دموع الرجال الوحدويين عندما وقع الرئيسان على بيان طرابلس وكنت أنا وعبدالله الخامري وأحمد جابر عفيف وعلي أحمد السلامي وآخرون قد كلفنا بإعداد ومراجعة البيان في سفارتنا في طرابلس.. وإن نسيت كل شيء جرى في هذا المقام لا أنسى بكاء الأستاذ عبدالله أحمد الحاج (أحد القيادات التاريخية لحزب الرابطة) وهو قاعد على أحد كراسي المشلولين لأنه كان كذلك.. وهو يهتف: الليلة ولادة تاريخية جديدة للشعب اليمني العظيم وقواه السياسية والوطنية الخلاقة.. لأول مرة في تاريخ العمل الوطني الوحدوي تشكل لجان متخصصة لإنجاز مهام العمل الوطني الوحدوي.
قوى أعاقت الوحدة
> لكن الأمور لم تجر كما خطط لها في ” بيان طرابلس”.. هل هناك أطراف خارجية وداخلية كانت تعرقل الوحدة¿
– في الداخل كان هناك إرادات ورؤى متقاطعة فيما يتعلق بإقامة الوحدة.. بعض اليمنيين يريدها تخدم تعميم الاشتراكية في اليمن والبعض يريد الوحدة بلا شروط.. وهناك أطراف إقليمية لا تحبذ الخير لليمن.. ومن الناحية الدولية الأمريكان يريدون الوحدة بشروط تكون أقرب إلى تصوراتهم والسوفييت بالمثل يريدونها لتسهيل وتعميم الاشتراكية في الإقليم.. وكل ذلك تسبب في إرباك العمل الوطني الوحدوي.. أعتقد أن الرئيس إبراهيم محمد الحمدي شهيد المسار الوحدوي الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز مع سالمين.. ولكن المتآمرين كان يعز عليهم أن يروا ذلك فحاولوا إيقاف حراك التاريخ الوطني بإقدامهم على اغتياله- رحمه الله عليه.
> نشرت صحيفة الوحدة الصادرة في تعز بعددها يوم الأول من ديسمبر 1973 خبراٍ حول وصول الرئيسين القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني وسالم ربيع علي إلى الحديدة في طائرة واحدة قادمان من قمة الجزائر ..وربما أول سابقة بين قيادتي الشطرين وقتذاك.. فكيف عشتها¿.
– أنا لم أكن مع الرئيس سالم ربيع علي في قمة الجزائر.. ولكنني اعتبرتها بادرة طيبة من الرئيسين تحمل رسالة قوية إلى الداخل والخارج أن لا خلاف بين الرئيسين على العمل الوطني الوحدوي في اليمن.. الأمر الذي لم يسر بعض اليمنيين المرتبطين مع مراكز الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو..وما أعرفه أن الرئيسين التقيا مع الرئيس الجزائري هواري أبو مدين واتفقا على تنشيط أعمال لجان العمل الوطني الوحدوي طبقاٍ لبيان طرابلس.
> في 13 يونيو 1974م قامت حركة تصحيحية في صنعاء طوت حركة الخامس من نوفمبر1967..وأصبح المقدم إبراهيم محمد الحمدي رئيسا لمجلس القيادة في الشطر الشمالي من الوطن ..وقد لوحظ انفراج العلاقة بين صنعاء وعدن على نحو غير مسبوق..كيف عشت هذا التحول¿ ومتى بدأ التواصل بين سالمين والحمدي¿ وما هي الخلفيات التي تعرفها¿.
– من مؤتمر طرابلس تم استئناف العلاقة بين سالمين والحمدي .. والعلاقة بين سالمين وعبدالله وإبراهيم نجلي محمد الحمدي كانت منذ ستينيات القرن الماضي منها ما هو تنظيمي يتعلق بحركة القوميين العرب ومنها ما هو أخوي ووطني يتعلق باليمن.. وكان رفاق سالمين المزيفين مرعوبين من ذلك ويتمنون أن يحدث شيء ما يعرقل أو يجمد هذه العلاقة.
“الملف الأحمر”
> ونحن نتحدث عن مرحلة ما بعد يونيو 1974..لابد أن نتوقف معك أمام لقاء قعطبة الذي عقد بين الرئيسين سالم ربيع علي وإبراهيم محمد الحمدي عام 1977م والذي اعتبره كثيرون خطوة هامة لتقريب يوم الوحدة..ما الذي رصدته أنت في تلك الأيام وما بعدها حتى أكتوبر سنتئذ¿
– تم لقاء قعطبة بين رئيسي الشطرين فعلاٍ في 15 فبراير عام 1977م.. وكنا نطلق على ذلك اللقاء (لقاء الربيع) بين سالمين والحمدي ..وحضر اللقاء أحمد حسين الغشمي وعبدالله حمود حمران واحمد قاسم دهمش وصالح مصلح قاسم وعلي سالم لعور ومنصور الصراري..وناقش اللقاء قضايا اقتصادية على درجة كبيرة من الأهمية في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة..واتفق الرئيسان على تشكيل مجلس لإدارة المشاريع المشتركة يتكون من الرئيسين ووزراء الدفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية يجتمع كل ستة أشهر بالتناوب مرة في صنعاء وأخرى في عدن.. وكنا ننتظر على أحر من الجمر أن يعقد أول اجتماع للمجلس يوم 15 من يوليو من نفس العام..وعرفت في ما بعد من سالمين أن الرئيسين تهاتفا واتفقا على أن يأتي الحمدي إلى عدن لحضور احتفالات العيد الرابع عشر لثورة 14 أكتوبر 1977م..كان الرئيس سالم ربيع علي يشرف بنفسه على أعمال اللجنة التحضيرية لعيد الثورة واستقبال ضيفها الكبير إبراهيم محمد الحمدي وكنت على علم أن قراراٍ استراتيجياٍ هاماٍ سيعلنه الرئيسان في احتفالات الذكرى 14 لانطلاق ثورة 14 أكتوبر عام 1963م.
وبينما كنا في المسرح الوطني محلقين حول سالمين مساء الـ11 من أكتوبر 1977م وهو يدير الندوة إذا بـ علي سالم لعور وزير الدولة لشؤون مجلس الرئاسة يدخل حاملاٍ» الملف الأحمر” وعلى وجهه تكشيرة توحي بحادث جلل قد حصل.. أخذ سالمين يقرأ محتويات الملف ويكفهر وجهه بالغضب.. ثم يعتذر عن مواصلة الجلسة ويوجه عبدالله أحمد غانم وير العدل وطه أحمد غانم محافظ محافظة عدن وكاتب هذه السطور باعتباره سكرتيرا للجنة التنظيم السياسي الموحد- الجبهة القومية.. وجهنا بالاستمرار في استكمال جلسات الندوة.. ثم طلب منا الحضور إلى الرئاسة وجئت وهو مجتمع بالمكتب السياسي.. وهم على رأي رجل واحد يطلبون منه عدم الذهاب إلى صنعاء..إلا أن سالمين حسم الجدل بقوله: على أي حال أنا سأذهب للمشاركة في تشييع جثمان الشهيد إبراهيم والشهيد عبدالله أبناء محمد الحمدي على مسؤوليتي الشخصية.. ومن يريد أن يذهب معي أكون شاكراٍ له ومن أبى فلا بأس عليه”.. وهكذا انفض اجتماع المكتب السياسي.. وفي فجر اليوم الثاني توجه الرئيس سالمين وعقيلته ورئيس اتحاد نساء اليمن وعلي سالم لعور وعبدالله أحمد غانم وآخرون إلى صنعاء لتقديم العزاء والمواساة لأهل الحمدي ورفاقه وأصدقائه المحبين له.. وكان وقع خبر استشهاد إبراهيم محمد الحمدي وأخيه عبدالله شديداٍ على الرئيس سالم ربيع علي ورفاقه لأن الذين أقدموا على اغتيالهما أضاعوا فرصة تاريخية وعملية على الشعب اليمني ما كان لها أن تسنح إلا في 22 مايو عام 1990م.
لعبة الاستخبارات
> هناك روايات متضاربة قيلت حول مقتل المقدم أحمد حسين الغشمي بواسطة الشنطة المفخخة في 24 يونيو 1978م كاد أن يؤدي إلى انفجار الموقف عسكرياٍ بين الشطرين. وبعد يوم من الحادث حصلت تحركات في عدن بين أوساط قادة التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية.. وفي يوم 26 يونيو1978م جرى ذلك الحادث المأساوي الذي انتهى باتهام سالمين وإعدامه.. ما الحقيقة من وجهة نظرك ¿.
– حقيقة الأمر أن الذي جرى كان لعبة من لعب الاستخبارات السوفيتية في ذلك الوقت حيث تخلصت من رئيسي الشطرين لتخلي مسرح الحياة لعملائها ليسرحوا ويمرحوا في إقليم اليمن.. ولقد فهم أنور السادات الرئيس المصري هدف أغراض الإطاحة برئيسي اليمن وتخريب أمن واستقرار اليمن.. وسالم ربيع علي بريء من دم الغشمي براءة الذئب من دم ابن يعقوب والدليل أن “رفاقه” المزيفين أهدروا دمه بأوامر من المخابرات السوفيتية.. وطالبوا رفاقه بإيجاد اتهامات باطلة وجهت إليه بعد إعدامه منها أنه كان لديه ميول صينية.. وأنه معاد لفكرة الحزب الطليعي.. وأنه كان لديه نزعة فردية.. وأنه زعيم اليسار الانتهازي.. وأنه كان يمهد للانفتاح على الطريقة المصرية إلى ما هنالك من الترهات الدعائية.
زعماء عاصرتهم
> لو طلبت منك وضع عناوين أو جمل برقية لوصف من عاصرتهم وعملت معهم من قادة ومناضلين وفدائيين رافقتهم في تلك المرحلة فماذا تقول ¿.
> فيصل عبد اللطيف الشعبي.. قائد تنظيمي وسياسي وفدائي جسور.. وصاحب رؤية ناظمة ورؤية منظورة في اتخاذ القرار بالتقدم أو الانتظار حتى تنضج الظروف.. إنني أعده القائد الفعلي للحراك الشعبي السياسي والمسلح من حركة إلى ثورة إلى دولة.
> عبد الفتاح إسماعيل ..كان نجماٍ متألقاٍ بالضياء في سماء كفاح الشعب المسلح وثورة التغييروهو كاتب وشاعر ومعروف في السياسة والأدب لدى اليمنيين والعرب ..أتذكر أنني ذات يوم مازحته بقولي له هكذا: كم تمنيت أن تكون مخرجاٍ سينمائياٍ في هوليود لتتحف عشاق هذا الفن الجميل بتقديم أفلام من الواقع والخيال..فقال لي: أيش معنى¿ قلت: تريح وتستريح ..ثم غرقنا في الضحك .
> سالم ربيع علي الشهير باسمه الحركي (سالمين).. مناضل ثوري جريء في الحق.. ورجل دولة وحكمة.. عاش الثورة والتغيير محباٍ لليمن واليمنيين.. شخصية مهابة.. لديه كاريزما ويملك تأثيراٍ متزايداٍ على أقرانه وسائر جماهير الشعب.. محبوب وقريب من نفوس الناس.. وهاجسه في استقلال القرار الوطني ليس له مثيل.
> علي صالح عباد (مقبل).. مناضل متفرد.. وقائد تنظيمي مقتدر قاد جبهة عدن في فترات حاسمة من تاريخ كفاح الجبهة القومية.. يحاول دائماٍ أن يحل المهام الموكولة إليه بشيء من العلم.. وهو شخصية سقراطية محبة للحوار والتميز.
> محمد صالح (مطيع).. شخصية فدائية هادئة خارج المعارك.. ولكنه أسد هصور في المواجهات.. جاء إلى وزارتي الداخلية والخارجية بأقل ما يمكن من الإعداد ولكنه ترك بجده واجتهاده وإخلاصه آثاراٍ طيبة في نفوس أفرادهما على اختلاف مواقعهم في الوظائف والرتب.
> علي أحمد ناصر عنتر.. يظهر للناس مثل كتاب مفتوح يمكن أن تقرأه بقليل من الانتباه .. مناضل مقدام إلى درجة المغامرة.. لديه صولات وجولات أثناء مراحل الثورة والتغيير.. ساهم في إعادة بناء جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
> علي ناصر محمد.. محبوب ومرهوب.. لا يظهر في السياسة إلاِ كرأس جبل الثلج.. يستطيع النظر إلى خلف المشهد على مسرح الحياة السياسية.. له صداقات في الداخل والخارج وصداقته غير مشروطة.. مناضل وقائد سياسي مرموق ليس من السهل أن يلعب معه أحد مهما كان قدره (هذا الأحمر).. خيره كثير وشره قليل.. فيه وجاهة ورجاحة مبهرتان.
> علي سالم البيض.. مناضل عنيد.. لا يقبل الجبر على المواقف من عدو أو صديق.. فيه قدر كبير من المشاكسة والتمرد.. لم يفارقاه طوال حياته.. وهذا النوع من القادة تكون خياراته متضاربة إلى حد التناقض.. وهو من القادة المعدودين في تاريخ نضال الشعب اليمني وأحد أحرار ورجال الثورة اليمنية في التاريخ على حد تعبيره.
> محمد سعيد عبدالله “محسن”.. مناضل وفدائي مقدام.. تتمتع شخصيته بانضباطية آسرة.. وقد أفلحت قيادة الجبهة القومية في اختياره لإدارة المخابرات.. عندما ينظر إليك تشعر بحكم مهنته أن الرجل يفتش في داخلك عن نقاط ضعف.. وهو إنسان ودود ولعله جدير بما نال من مناصب قيادية في التنظيم السياسي الجبهة القومية والدولة.
أين قبور الشهداء¿
> أستاذ سالم باجميل .. بعد هذه الكلمات التي عبرت فيها عن مشاعرك الصادقة تجاه من عاصرتهم من رموز وقادة .. أود أن أسألك عن موضوع ما زال يشغل الناس .. وهو أين أضرحة (قبور) سالم ربيع علي وعبدالفتاح إسماعيل وفيصل عبداللطيف الشعبي ومحمد صالح مطيع ¿
– والله يا عزيزي.. بعد مرور كل هذه السنوات من فقدان الوطن لزعماء وقادة.. لازلنا نجهل قبر سالمين .. فقد حاول كثيرون معرفة مكان دفنه هو ورفاقه جاعم صالح وعلي سالم لعور .. لكن للأسف الشديد .. ونفس الحال ينطبق على قبور عبدالفتاح وفيصل ومطيع وغيرهم ممن تم تصفيتهم في موجات الصراعات التي شهدها الوطن جنوباٍ وشمالاٍ..إلا أن السؤال .. أصبح لغزاٍ محيراٍ لماذا ¿ لا أدري ¿!
– ومن المسئول ¿
– بالطبع .. رفاقهم من الذين ما زالوا على قيد الحياة ..فالوازع الديني والواجب الأخلاقي والوطني وما بقي من قيم النقاء الثوري أن كانت باقية أصلاٍ تحتم على الذين يعرفون إن يكشفوا مواقع أولئك الشهداء لأهلهم أولاٍ وللشعب اليمني الذي بادلهم المحبة والوفاء.. فليس هناك ما يمنع ولا يشكل خطراٍ على أحد الكشف عنها وقد رْدِ الاعتبار لأولئك القادة الأفذاذ.. وكفى بالله شهيداٍ.
لا عودة للماضي
> لو انتقلنا إلى المشهد الراهن ماذا تقول لمن يريد بنا العودة إلى ما قبل الثورة اليمنية والاستقلال والوحدة ويفكر بعقلية الماضي ¿!.
– الماضي الإمامي والاستعماري الذي أطاحت به الثورة اليمنية (26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م) لم ولن يعود.. وعلى أهلنا في اليمن أن يعلموا أن زمن المعجزات ولى مع أهله.. لأن لا نبي بعد محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) ولا نظام إمامي كهنوتي ولا نظام استعماري بريطاني بعد قيام وانتصار الثورة اليمنية ينتظر أحد مجيئه وأن الاستقلال والتوحيد قد تم ولا يمكن أن يعود اليمن إلى زمن التشطير قط.
فرصة الحوار
> أليس منطق كهذا خيانة لدماء الشهداء اليمنيين وتضحيات رواد الحركة الوطنية الذين رفعوا رايات الحرية والاستقلال والوحدة¿.
– أوافقك الرأي أن المنطق الذي يردده البعض منا ويزعمون أن هنا احتلالا يمنيا.. ويطالبون بالاستقلال عن الوحدة.. واستعادة الدولة.. كل هذا الهذيان وذاك يعد أضغاث أحلام وتمنيات منامات لا غير..وإنني اعتقد أن دعاة استعادة دولة الجنوب العربي وكذلك طلاب عودة النظام الإمامي إنما يحرثون في بحر أو أنهم ضالون أو مضللون في الحياة السياسية في الوقت الراهن.. وإنني أدعوهم إلى مراجعة الواقع قبل فوات الأوان وأن يغتنموا فرصة الحوار الوطني وأن يتقوا الله في أنفسهم وفي أهلهم قبل أن يقعوا في مهاوى الندم والحسرة على ما يفعلون.
> من وجهة نظرك ..أين تكمن أزمة اليمن¿
– بصراحة أنا أرى أن أزمة اليمن تكمن في مستوى التطور العام من جهة وفي سوء أداء الحركة السياسية والإدارة من جهة ثانية.. وغير ذلك يجد الكثير من الأسباب والبواعث للأزمة كالفساد والإفساد والإقصاء وعدم احتمال سماع الرأي والرأي الآخر.. الخ.
تفاؤل بالمستقبل
> كيف ترى المستقبل في ضوء الحوار¿.
– الحوار أسلوب حضاري وديمقراطي.. لإيجاد حلول ومعالجات لمشكلات المجتمعات المتقدمة والنامية.. ولا إكراه في الرأي على أحد.
وأنا بطبعي وثقافتي وتجربتي في الحياة أجدني إنساناٍ متفاءلاٍ لهذا فإنني أرى مستقبلا أفضل لليمن واليمنيين في ضوء الحوار الراهن.
> برأيك الفيدرالية في ضوء الاحتقان القائم صيغة مناسبة¿
– الفيدرالية لا تناسب اليمن من وجهة نظري.. وسيترتب على سياسة الأخذ بها لا قدر الله مأساة.. وكان الأفضل والأجدر بالمتحاورين أن يركزوا على إصلاح الأخطاء العالقة بتجربة الوحدة الاندماجية.. لأن الذين يقولون بالاتحادية منهم أناس يضمرون الانفصال.. ولكن إذا هناك ضمانات دستورية وقانونية للاتحادية فلا بأس من الأخذ بها إذا تعذر إصلاح ما أفسده الدهر في ما يتعلق بالوحدة الاندماجية كضرورة وطنية والأهم أن تتوفر إرادة سياسية لدى المتحاورين بالاستمرار في الوحدة اليمنية.
دولة المواطنة
> ما الدولة البديلة التي يمكن الأخذ بها في المرحلة الراهنة¿.
– من ما خرج إلى الرأي العام من أروقة جلسات مؤتمر الحوار الوطني هناك من يرى الأخذ بالدولة المدنية وآخر يرى الأخذ بالدولة الوطنية الحديثة مع عدم إيراد تعريف لماهية كل من الدولتين وكيف يمكن تطبيق هذه أو تلك في واقع اليمن.. وأنا أفضل الدولة التي تحفظ كرامة وإنسانية المواطن ولا أهتم بصفاتها اللفظية.
> ما هي تصوراتك للنظام السياسي الأنسب¿
– النظام البرلماني أنسب لنا حسب تقديري لتطورات الواقع اليمني لأن في النظام البرلماني مساحة واسعة للديمقراطية التنافسية أو التوافقية.. والأهم أن نضع أيدينا على مشكلاتنا.
في رئاسة “14 أكتوبر”
> حدثنا عن ظروف توليك لرئاسة مجلس إدارة مؤسسة 14أكتوبر للطباعة والنشر¿.
– جئت إلى مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والنشر من إذاعة وتلفزيون عدن حيث كنت أشغل هناك منصب مدير قسم الأخبار والتعليقات السياسية في الإذاعة والتلفزيون وأشترك في الإشراف على جميع المواد السياسية الموجهة عبر الإذاعة والتلفزيون محاطاٍ بتجربتي المتواضعة في الإعلام السري للجبهة القومية.
> وماذا فعلت لتطوير المؤسسة¿
– خططت للتعرف على مشكلات عملي الجديد في مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والنشر.. وعملت بكل جهدي لإحداث نقلة نوعية في إدارة المؤسسة حسب خطوط عريضة مازلت أذكرها وهي ..الحفاظ على الكادر الإداري والصحفي والفني وتعزيزه بكفاءات كلما كان ذلك متاحاٍ.
وإيجاد خمس إدارات مستقلة ومتعاونة فيما بينها ووضعت مجلس الإدارة على رأس تلك الإدارات واكتفيت بالتخطيط لمهمات المؤسسة ومتابعة التنفيذ من بعيد.. كترجمة عملية لمبدأ (خطط معنا ونفذ معنا).كماوفرت مصادر تمويل متواضعة.ووضعت أسس خطة تأهيل وتدريب القيادات الإدارية والفنية والصحفية للنهوض بعمل المؤسسة.
وقد تعاون معي في تسهيل تنظيم وقيادة المؤسسة بكامل عملها كثيرون من ذوي الخبرات من وقيادات صحفية وفنية وإدارية وطنية عديدة.
وأعتقد أنني أصبت نجاحات مرجوة بدعم كل أولئك الرجال والنساء الذين آزروني في العمل الميداني والقيادي في المؤسسة.
> وكيف تركتها¿
> تركتها في مطلع عام 1978م والكثير من الرفاق كان يتطلع لقيادتها وهي ترفل في ثوب التطور والنماء.
الصحافة تحتاج شجاعة
> رغم مشوارك الطويل في مجال الصحافة.. مازلت مرتبطاٍ بها كرئيس تحرير لصحيفة (22 مايو) في عدن.. كيف تجد العمل اليوم مقارنة بالماضي¿.
– الصحافة هي الصحافة مهنة المتاعب في الماضي والحاضر.. والشيء المؤسف له أنها لم تصبح السلطة الرابعة في بلادنا رغم أنها كذلك في معظم بلدان العالم.
> ما هو تقييمك للصحافة.. الحكومية.. الخاصة.. الحزبية¿.
– الصحافة الحكومية والخاصة والحزبية هي بنت ظروفها الذاتية والموضوعية لم تصل بعد إلى سن الرشد.. والأمل معقود على الشباب في عمل ما ينبغي عمله للقفز بها إلى زمن المعاصر.. الصحافة اليمنية تحتاج إلى رجال ونساء شجعان يحررونها من الإتباع والابتزاز ومن الركاكة والهوان. ثم يدخلون بها عصر صحافة الاستقصاء الذي يعيشه العالم من حولنا.
> ولماذا فشلت الصحافة في إثراء حرية التعبير في زمن التعددية¿.
– الصحافة اليمنية لا فشلت ولا نجحت.. ومن وجهة نظري أن التعددية معلنة في البلد مع وقف التنفيذ.. كما أن أثر حرية التعبير يحتاج إلى إعلاميين مثقفين ثقافة عصرية وإعلام مستقل
> ما السبيل لخلق إعلام مهني حر ومستقل¿.
– الزمن كفيل بتحقيق ذلك وعلينا أن نتعلم ونعمل ونراكم تجارب ذات خبرات.. وسينبثق من بين ركام ذلك إعلام مهني حر ومستقل مع الأيام بكل تأكيد.. وأنا أشاهد ملامح ذلك في كثير من الكتابات المبعثرة هنا وهناك عبر إعلامنا الراهن.
> كيف تفسر انشغال الإعلام بكل ما هو سياسي وإغفال قضايا المجتمع الأخرى¿.
– في رأيي أن مشكل الانشغال بما هو سياسي في اليمن ظاهرة عامة تحتاج إلى بحث من علماء الاقتصاد والاجتماع والفلسفة وتقدير أن السبب المباشر يكمن في الامتيازات السريعة في السياسة نتيجة تقلبات أحوال البلد فالربح في الصناعة أو التجارة يتطلب توفير عوامل عديدة والتطور العام في بلد بطيء والعائد أشد إبطاء.
> ما رؤيتك لتطوير الإعلام اليمني¿.
– الإعلام اليمني سيتطور أكثر فأكثر مع تطور الإنسان اليمني.. ولكن الكفاءة والمال والتكنولوجيا.. كل ذلك يحتاج إليه الإعلام اليمني للتطور.
> هل فكرة إلغاء وزارة الإعلام وإنشاء مجلس إعلام سيخدم تطويره برأيك¿.
– الأمر يتعلق برؤيتنا للإعلام ومهماته في المستقبل.. ماذا نريد من الإعلام¿. وكيف نتصور طبيعة دوره في العهد الجديد¿.. ومن ثم يأتي الأخذ بفكرة المجلس أو الوزارة في رأيي الشخصي أن المجلس أنسب لانطلاقة عهد ما بعد ثورة الشباب.
مدن في حياتي
> ماذا تعني لك المدن اليمنية التالية: زنجبار/ أبين ـ عدن ـ تعز ـ صنعاء¿!
– زنجبار: حضن أمي الثانية.. أحس فيها بالدفء والحنان والأمان.
عدن: التقيت فيها بحقيقتي كإنسان يمني.. مدينة ملهمة.. وأهلها أهل فضل وإحسان.
تعز: حاضنة الحلم اليماني المعاصر.. أبناؤها نجوم في الأدب والسياسة والصحافة والتجارة.
صنعاء: تنسمت فيها عراقة التاريخ اليمني.. ولبست فيها لبوس الوداعة والمحبة.
وهذه المدن الأربع مع تفاوت في مكاناتها لدى اليمنيين.. تشكل في حياتي ذكريات كثيرة.

قد يعجبك ايضا