الثورة اليمنية الأم 26سبتمبر
محمد ناجي أحمد
عند تناولنا للثورة اليمنية الأم (26سبتمبر 1962م) ينبغي لنا ألاَّ نسقط في وهم أنها ثورة تخص فئة عرقية ضد فئة أخرى ،أو أنها تعبير عن صراع نفوذ إقليمي ودولي ،فمثل هذا التفكير يستسهل إجهاض آمال وطموحات واحتياجات الشعوب-بإحالتها إلى عامل إقليمي أو دولي ،وكأن الشعب اليمني بإرادته وتطلعاته نحو المستقبل غير موجود في معادلة الصراع الاجتماعي والقومي والدولي!
لم تكن الثورة اليمنية الأم 26سبتمر ثورة فئة القضاة والمشايخ ضد فئة السادة ،فهذه من الأحكام التي تواري الحقيقة الساطعة ،ولا تكشف أو تبين سوى عن مكنونات تعمل على تقسيم المجتمع اليمني عموديا كي يكون عدو نفسه بنفسه.
فتنظيم الضباط الأحرار الذي تأسس في ديسمبر1961م ، كغيره من التنظيمات التي تأسست أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات كان بلا شك متأثرا بالتحولات الوطنية وحركات التحرر الوطني في المنطقة العربية ،لكن دوافع نشأته كانت منطلقة من حتمية التغيير للنظام السياسي الملكي آنذاك .ولهذا ذابت انتماءات جميع الضباط الشباب ،حديثي العهد بالتخرج من الكليات العسكرية،بمشاربهم الاجتماعية المختلفة -في بوتقة هذا التنظيم،ومنهم من كان ينتمي للسادة ومنهم من ينتمي لفئة القضاة ،ومنهم ابن الشيخ ،ومنهم ابن الفلاح ،ومنهم من كان يساعد أباه في دكان الحلاقة بصنعاء القديمة ،فمختلف الفئات الاجتماعية من سادة وقضاة ومشايخ فلاحين ومستضعفين ،ذاب أبناؤهم في تنظيم الضباط الأحرار ،وتحركوا لإنجاز أهداف الثورة السبتمبرية ،ابتداء بتغيير النظام الملكي إلى نظام جمهوري ديمقراطي تعاوني عادل.
لقد شملت قيادة التنظيم سواء(الخلايا الأساسية)أو (الخلايا الفرعية)أو (القاعدة التأسيسية ) أو (اللجنة القيادية )مشارب متعددة جاء منها الضباط الشباب.
تحركوا بهم مشترك نحو تغيير النظام الملكي إلى نظام جمهوري عادل ،وكانوا باختلاف انتماءاتهم الاجتماعية يعيشون حالة فقر وعوز ،بما في ذلك الضباط الهاشميون ،الذين دخلوا الكليات العسكرية لفقرهم،أملا بمساعدة أسرهم .
جميعهم أقسموا بالمصحف والمسدس على أسس الوطنية والعروبة والدين الحنيف ،أن يغيروا من الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي لليمن .
كانت المملكة المتوكلية في هزيعها الأخير ،فالتناقضات داخل الأسر المتنافسة على الحكم قد أنهكتها ،ووصلت مرحلتها الدموية في حركة 17شباط/فبراير 1948م .
لم تكن صراعات الأسر المشاركة في الحكم ،الذين كانوا أمراء للألوية ،فعزلهم الإمام يحيى ليُحِلَّ محلهم أبناءه-فقط ولا موقف القضاة الذين كانوا يرون أنفسهم أحق بحكم اليمن تحت لافتة القحطانية، ولا موقف مشايخ القبائل الذين يرون أنفسهم شركاء للحكم بحكم نصرتهم لها ،قيامه على بنادقهم.ولا موقف مشايخ الزراعة ،الذين كانوا يعانون من سطوة عسكري الإمام على الفلاح ،ويطالبون بإصلاح النظام (هدنة بين الفلاح وعسكري الإمام)على حد تعبير الأستاذ أحمد محمد نعمان ،حين تنبه مبكرا إلى اختلاف الدوافع في الثورة على الإمام يحيى في أربعينيات القرن العشرين-بل إن هذه التناقضات كانت قد تسللت إلى داخل البيت المتوكلي ،وذلك بتنافس سيوف الإسلام على وراثة حكم أبيهم ،وكان موقف الحسن مبكرا في توافقه مع بيت الوزير لمناقشة من يخلف أباه ،خوفا من أن يصل إليها سيف الإسلام أحمد،وكذلك سيف الإسلام علي ،وعبد الله ،والعباس …
وكان سيف الإسلام إبراهيم على رأس المعارضين ،فقد عينوه عند وصوله إلى عدن رئيسا لـ(الجمعية اليمانية الكبرى ) ،وكان يصف حكم أبيه بأقذع الصفات ،وحين قامت حركة 1948م مر إبراهيم على تعز مصطحبا محمد البدر معه إلى صنعاء ،مبايعا ومشاركا في الحكومة في التعيينات الأخيرة لحكومة حركة 1948م.
لتسقط حركة 17شباط/فبراير1948م بعد ثلاثة أسابيع ،ولتطير بضع وعشرون رأسا في مقدمتهم عبد الله الوزير وعلي الوزير ،ثم توفي سيف الحق إبراهيم ،قيل مسموما في سجنه .
وصولا إلى الصدام الدموي بين الإخوة في انقلاب 1955م ،وانتهاء هذا الانقلاب في (العرضي)المقابل لقصر الإمام بتعز ،والذي كان على رأسه سيف الإسلام عبد الله وأخوه العباس،وانتهى الانقلاب بإعدام عبد الله بن يحيى حميد الدين وأخيه العباس.
إذا نحن نتحدث عن مملكة أثخنت بالتناقضات والشيخوخة ،وأنهكت بفعل التناقضات داخل بنيتها الحاكمة ،واحتكار السلطة ،وانكفائها عن العصر،لتبدأ مرحلة أخرى ،كان مبتدأها التحضير للثورة من ديسمبر 1961م وتفجيرها في 26سبتمبر 1962م.لتعلن أهدافها الستة الخالدة ،التي ينبغي أن نزيل عنها الغبار ،وأن نعمل على تحقيقها في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري ،وحدويا في الإطار اليمني والعربي ،لا أن ننجر وراء حماقات بعض الإعلاميين ،الذين يعملون على محو أهداف الثورة اليمنية بغرض خبيث وهو محو شرعية أي حكم ،كي تظل اليمن على فوهة بركان دون استقرار ،ومستقر لها ،خدمة للأطماع الإقليمية والغربية.
لم يتم تسمية 26من سبتمبر بالثورة الأم اعتباطا ،ولم يكن إطلاقها تحيزا جهويا،بل كان من أطلقها هم ثوار جنوب اليمن ،وكان توصيفا دقيقا ومعبرا عن حقيقة التحولات والتثوير السبتمبري ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن،وصولا إلى دحره ليحمل عصاه ويرحل من جنوب اليمن في الـ(30)من نوفمبر 1967م.