قوبلت تصريحات وزير الخارجية العماني “يوسف بن علوي” في الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بالغضب من جانب قادة الإمارات، وفي هذا الصدد ادّعى المسؤولون ووسائل الإعلام في الإمارات في أحدث هجومهم على وزير الخارجية العماني، بأنه لا يعرف مصالح العرب، وأنه بقي صامتاً خلال كلمته في الأمم المتحدة حيال أحداث اليمن والهجوم على أرامكو.
لكن لا يخفى على أحد أن دولة الإمارات قد اختلفت مع سلطنة عمان منذ فترة طويلة، وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها تصريحات وزير الخارجية العماني ردود فعل وغضب الزعماء السياسيين في الإمارات.
بشكل عام، يمكن العثور على السبب الرئيس للخلافات بين الإمارات وسلطنة عمان، في سياسة عمان الخارجية المحايدة.
على مدى السنوات القليلة الماضية، ومع حدوث التطورات الإقليمية، بما في ذلك الأزمة الدبلوماسية القطرية، وقبل ذلك الحرب التي شنّها “التحالف العربي” بقيادة السعودية على اليمن، اتبعت الحكومة العمانية مقاربةً مستقلةً ومختلفةً عن الدول العربية الثلاث وهي البحرين والسعودية والإمارات.
لم تدافع عمان عن الحرب ضد اليمن فحسب، بل سعت أيضاً إلى تقليص الخلافات العربية كوسيط خلال الحصار الدبلوماسي والسياسي على قطر.
من ناحية أخرى، وسط معمعة الهجوم الإماراتي الإعلامي على سلطنة عمان بسبب تصريحات وزير خارجيتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، صدرت تقارير تفيد بعقد اجتماع بين وزيري دفاع عُمان وقطر، وكان الأمر أشبه ببنزين يرشّ على النار المشتعلة في الجمعية العامة في نيويورك.
وفقاً للمصادر العربية، التقى وزير الدفاع العماني “بدر بن سعود بن حارب بن البوسعيدي” بنائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع القطري “خالد بن محمد العطية” في مسقط، وبحسب تقارير وسائل الإعلام في البلدين، وصف الجانبان العلاقات الثنائية بالأخوية، ودعيا إلى تعميق هذه العلاقات.
وأثار هذا اللقاء وسط الحصار الاقتصادي والجوي والمالي على قطر من جانب السعودية والإمارات، وفي ذروة التوترات في منطقة الخليج، الغضب الإماراتي من نهج السياسة الخارجية العمانية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تتجلى فيها الخلافات العمانية الإماراتية في وسائل إعلام، ففي العام الماضي كشف “يوسف بن علوي” وزير الخارجية العماني عن انقسامات بلاده العميقة مع الإمارات، لا سيما فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، وبسبب عدم مماشاة عُمان للإمارات والسعودية في الحرب على اليمن.
في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن تاريخ التدخل الإماراتي الخطير في الشؤون الداخلية العمانية ليس قصة الأمس أو اليوم، إذ أنشأت الإمارات شبكات تجسس في عُمان قبل عدة سنوات، ولهذا السبب كانت هناك خلافات بين الجانبين من قبل بما فيه الكفاية.
وعلى الرغم من أن اكتشاف عصابة التجسس التابعة لحكومة الإمارات يعود إلى عام 2011، إلا أن عواقب الحادث لم تنته بعد.
لقد كشف هذا الحادث في الواقع عن وجود خلافات بين عُمان والإمارات، بحيث كان العمانيون لا يزالون واثقين من أن جوهر التجسس في جهاز الأمن التابع للحكومة الإماراتية كان قد استهدف الحكومة العمانية ومؤسساتها الحكومية والعسكرية.
من ناحية أخرى، بعد الكشف عن التجسس الإماراتي ضد عمان، اتهم بعض العمانيين الإمارات بالتدخل، وإن كان بشكل غير رسمي، في التورط في أحداث “صحار”، وهي نفس الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي وصلت إلى مسقط في فبراير 2011، على الرغم من أن عمان حاولت ألّا تدوم طويلاً، وتمكّنت من تهدئة المتظاهرين ببعض الإصلاحات الاقتصادية.
في الوقت نفسه، لا يقتصر نطاق الخلاف الإماراتي العماني على التوترات الأمنية والسياسية فحسب، بل هنالك خلافات بين الجانبين تاريخياً وثقافياً أيضاً.
على سبيل المثال، في يناير 2018، أثارت الإمارات غضب العمانيين من خلال تزوير الخريطة وضم محافظة “مسندم” العمانية لها، خلال افتتاح فرع متحف اللوفر في أبو ظبي.
كذلك، ادّعت الإمارات في مسلسل تلفزيوني رمضاني لها، أن “المهلب بن أبي صفرة الأزدي” الذي هو أحد الشخصيات التاريخية العمانية ومن زعماء “الإباضية”، والمولود في العصر الأموي وفجر الإسلام في سلطنة عمان، ادّعت أنه إماراتي، وقد قوبل ذلك برد فعل قوي من جانب الشعب والمسؤولين في سلطنة عمان.
أيضاً في فبراير 2018، نشر نشطاء الشبكة الافتراضية في عمان صورةً مقتبسةً من أحد الكتب التاريخية في الإمارات، تزعم أن حضارة “مجان” هي ملك الإمارات وليس عمان.
وفي مارس 2018، بُثَّ فيلم وثائقي من قبل وسائل الإعلام الإماراتية تحت عنوان “زايد الأول …ذاكرة ومسيرة”، أثار غضب الشعب العماني بسبب ما احتواه من قضايا تاريخية غير واقعية ومحرَّفة.
في ظل هذه الظروف، يعتقد المسؤولون العمانيون أن الانتهاكات الإماراتية وحتى السياسة الرسمية لدولة الإمارات، في سرقة الآثار العلمية والتاريخية والثقافية العمانية، تشكل نوعاً من الغزو السياسي والجغرافي للتراث الثقافي والتاريخي لسلطنة عمان.
ومن الناحية التاريخية أيضاً، المنطقة التي تقع فيها دولة الإمارات تسمى ساحل عمان، وهي جزء من الملكية العمانية التي يمتد تأثيرها إلى إفريقيا الشرقية في تنزانيا وزنجبار وأجزاء كبيرة من ساحل كينيا، التي كانت تحت سيطرتهم أيضاً.
لكن تصرفات السلطات الثقافية في الإمارات تتناقض حتى الآن مع هذه الوثائق التاريخية، وهو ما أثار رد فعل السلطات العمانية، بما في ذلك العام الماضي حيث قال “عصام بن علي الرواس” نائب رئيس الهيئة العامة للصناعات الحرفية في عمان، في مقابلة مع إذاعة “الوصال” المحلية، إن صبر بلاده حيال سلوك جيرانه قد نفد، ويجب على الإمارات التوقف عن تشويه التاريخ.
استمرار الانقسام في مجلس التعاون
التوتر الأخير بين الإمارات وسلطنة عمان بعد كلمة وزير الخارجية العماني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوضح من ناحية أخرى استمرار الفجوات في المنطقة بين الدول الخليجية.
منذ ما يقرب من عامين، حين بلغت التوترات في الخليج بشأن الأزمة الدبلوماسية مع قطر ذروتها، تستمر هذه التوترات حتى يومنا هذا.
من ناحية أخرى، على الرغم من بعض التفاؤل الذي أثير مؤخراً بشأن تراجع التوتر واحتمال استئناف علاقات قطر مع الدول العربية الثلاث أي السعودية والبحرين والإمارات، لكن ردة فعل الإماراتيين الحادة حيال لقاء وزيري دفاع قطر وعمان، تشير إلى أن مسألة قطر لا تزال قائمةً كقضية ساخنة ومثيرة للتوتر بين الدول العربية في مجلس التعاون، واستمرار هذه الظروف لا يعني سوى الانقسام العميق في المجلس المذكور.
هذا المجلس الذي كان من المفترض أن يكون رمزاً لتحالف الدول العربية الخليجية مقابل الدول غير العربية، غارق الآن أكثر من أي وقت مضى في الانقسامات والصراعات الداخلية، وفقد وظيفته في الممارسة العملية.