يا حكام السعودية.. أليس فيكم رجل رشيد!!
د. حبيب عبد الله الرميمة
“ عندما لا تتعظ من التجربة فأنت تؤمن فقط بالمجازفة ” مثل صيني قديم ، كثير من الدول في علاقاتها الدولية تقوم بتطبيقه -حتى الأمريكان انفسهم – ولكن بطرق وبمفاهيم أخرى.
تعلمت روسيا من تجربة الأفغان ، وتعلمت امريكا من تجربة غزو العراق وسحبت جنودها في ٢٠١١م ، وحاولت أن تقدم تجربة مختلفة بدلا عن الدخول المباشر في حرب العراق التي تورطت فيها ٢٠٠٣م ، مباشرة. النماذج كثيرة لا يتسع هنا المجال لذكرها. حتى آل سعود منذ نشأة مملكتهم ، استفادوا من التجارب، خصوصا فيما يتعلق بالصراع مع اليمن ، ولم يتورط أحد منهم كما تورطت الإدارة الحالية بالصراع مع اليمن. حيث أن هناك الكثير من الموقف التاريخية الشهيرة التي تعلمها آل سعود في خضم السياق التاريخي والجغرافي لليمن ، استفاد من تلك التجارب كثير من قادتهم ابتدأ بالملك عبدالعزيز نفسه ، في حربه مع الإمام يحيى في ثلاثينيات القرن الماضي ، فعندما ابلغه قائد الجيش أنه احتل نجران ، والجيش على جبال صعدة، كتب أليه ارجع فورا بالجيش… ، وعقد اتفاقا مع الإمام يحيى.
نفس الأمر لعبته السعودية في استخدام التأثير القبلي والديني عقب ثورة ١٩٦٢م، حيث اكتفت بإسناد لوجستي لحلفائها من الملكيين والحركات الدينية ذات المرجعية الوهابية، واستطاعت أن تغرق خصمها اللدود التيار القومي المدعوم من الزعيم جمال عبد الناصر ، وأن تلحق به هزيمة كان لها أثرها التاريخي في نفوس الأجيال المصرية إلى اليوم.
ظلت السياسة السعودية تعتمد على استخدام النفوذ السياسي والمال ، واستغلال نفوذها داخل اليمن عن طريق ادواتها القبلية والدينية المعروفة ، وشراء الولاءات السياسية، وتتعامل بحذر شديد من أي تدخل مباشر ، وتحاول أن تظهر بمظهر الجامع لكل الأطراف ، حتى في بعض الفترات التي زج الإخوان المسلمين بالسعودية في حرب صعدة ، وتحديداً في الحرب السادسة عام ٢٠٠٩م، وأوهموا الراحل عبد الله بن عبد العزيز أن ما يحصل من حروب في صعدة هي مسرحية بين الرئيس السابق علي صالح و“الحوثيين” بهدف استنزاف علي صالح للسعودية مالياً ، وأن دخول السعودية مباشرة سوف ينهي “الحوثيين” ويحسم المعركة — حينها ولازال العهد قريبا والكل يتذكر — لم تسيطع السعودية حسم الحرب وأدرك الملك عبد الله أنه ينزلق إلى حرب استنزاف كبرى خصوصاً بعد سقوط عدد من المناطق في جيزان ونجران ، واستطاع أن ينهي تلك الحرب، ويخرج منها خروجاً مشرفا، فعقد اتفاقا مع انصار الله على أساس حسن الجوار وتأمين حدود المملكة من الجهة الجنوبية، خصوصا من تجارة المخدرات، وظل انصار الله على هذا الاتفاق حتى بعد شن العدوان في ٢٠١٥ م، حيث كانوا يعلنون على شاشاتهم مشاهد القبض على تجار مخدرات من القارة الأفريقية، وبعض اليمنيين، وإحراق أطنان من المخدرات كانت متجهة إلى السعودية.، واستطاع الملك عبد الله أن يحفظ المملكة من ذلك الانزلاق مسترشدا بنهج أسلافه، ونصائح العقلاء.
لكن ما هو مشاهد اليوم ، التهور الشديد والتخبط الواضح في تعامل المملكة ، سواء داخل الأسرة الحاكمة أو مع اليمن منذ وصول سلمان بن عبد العزيز وابنه إلى سدة الحكم!!
هاتان الركيزتان الأساسيتان ( التوازن داخل الأسرة ، والتعامل بحذر تجاه اليمن ) كسياقين تاريخيين كان لهما الدور الأبرز في حفاظ آل سعود على ملكهم ردحا من الزمن، لكن تم تجاهلهما، بل تريد الادارة الجديدة القفز عليهما، واللعب على تناقضات ورهانات لا يستطيع العاقل فهمها!
فعلى ماذا تراهن الإدارة الجديدة في المملكة !!
— هل تراهن على ”الشرعية الإخوانية” في اليمن؟
فمعظم القيادات الاخوانية التي كانت تحرض الملك عبد الله للانزلاق في حرب صعدة آنذاك ، وتصور له الأمر بأن المملكة قادرة على حسم الحرب ببساطة ، وأن ما حصل ويحصل في صعدة من حروب هي تضخيم إعلامي ومسرحية بين الرئيس علي صالح والحوثيين سيتم حسمها خلال أيام…
هذه القيادات كانت مدعومة من قطر، وكانت من أولى القيادات التي أعلنت خروجها عن نظام علي صالح والانضمام إلى ساحات الثورة واعلنت ”جمعة رفض التدخل السعودي الرجعي ”متهمة نظام شريكها علي صالح بعد أن ادركوا انه قد استنزف في الحروب بصعدة، وارتكب الجرائم بحق أبناء صعدة وينبغي الاعتذار لهم، وكان أول من ذهب إلى صعدة للاتفاق مع انصار الله هو عبد الوهاب الآنسي وقيادات المشترك الذين هم الآن في أحضان السعودية.
أي متابع سياسي بسيط يستطيع ان يدرك تماما مشهد إخوان اليمن والقوميين الناصريين والاشتراكيين يتكرر مع السعودية كما حصل مع نظام علي صالح، الفارق الأوحد أنهم نجحوا بالانتقام وإضعاف خصمهم علي صالح باسم اللعبة الديمقراطية ثم انقلبوا عليه في الوقت المناسب، والآن ينتقمون من نظام آل سعود بلعبة ”الشرعية ”. والعجب العجاب ان آل سعود وهم في خضم حربهم مع الاخوان والذي وصل الصراع بينهم إلى مستوى غير مسبوق ، يزجون بقيادات وعلماء الاخوان المسلمين من أبناء المملكة في السجون، ويقومون بحملات شرسة ضدهم بحجة الخوف من التنظيم الدولي للإخوان الذي تتزعمه قطر وتركيا ، على الرغم ان تلك القيادات والعلماء قد لا يكون عندهم الخبرة السياسية الكافية لخوض غمار معركة مع النظام السعودي، وما يستتبع ذلك من تحريض وتمزيق للمجتمع داخل المملكة بينما يحتضنون أكابر قيادات الاخوان التي لها باع طويل في العمل السياسي للتنظيم الدولي داخل اليمن بل ومعظم ”حكومة هادي” من حصة الاخوان!
بل إن المعطيات على الأرض تكاد أن يتطابق نفس السيناريوا وكأننا قبل ثورة ١١فبراير بسنة واحدة ، حيث بدأ الصف الثاني من قيادات الاخوان ( توكل كرمان ، حمود المخلافي ، خالد الآنسي… ) يحضرون الشارع على شريكهم نظام صالح، وهو ما يحصل الآن تجاه آل سعود.
— هل تراهن على حليفتها الإمارات ؟
فالإمارات التي تدعي أنها حليفتها تواصل إضعاف المملكة وإغراقها في اليمن ، وهي ماضية في تكريس هيمنتها على جنوب اليمن وتهميش السعودية ، وخلق حُزم ونُخب تابعة لها ، وهو مشروع تفتيتي يحاكي نموذج الحكم في الامارات ويهدد أمن اليمن والسعودية وسلطنة عُمان ، ويُدخل الجنوب في صراعات وانقسامات لا طائل لها. فمشروع الإمارات كدولة فدرالية والسعودية كدولة مركزية كخطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا. بالإضافة إلى ذلك أن مصلحة كل من البلدين تختلف عن الأخرى ، وهناك من المؤشرات التي تبرهن ان ساحة الجنوب المحتل ستكون ساحة تصفية حسابات بين البلدين ، فقبل أسبوع أعلنت الإمارات عن مفتل ستة من جنودها فيما عبرت عنه ” بحادث تصادم آليات عسكرية على الأرض ” وقد فهم بعض المحللين السياسيين ان هذا الكلام يتضمن إشارة ضمنية إلى وقوف آليات السعودية ( مرتزقتها) وراء هذا الحادث ، وأن هذا سيقابل برد مماثل يستهدف جنود سعوديين ، وما هي إلا أيام حتى تم الإعلان عن مقتل ضابط سعودي كبير مع مرافقيه في حضرموت نتيجة لغم أرضي… ومن يدري هل تسكت السعودية عن هذا الحادث أم ترد.
إذا ساحة الجنوب المحتل أصبحت صراعا واستنزافا كبيرا لقوى الاحتلال وتعميقا للشرخ بين المحتلين.
— هل تراهن على حليفتها مصر السيسي؟
مصر السيسي الذي لم يقدم جندي واحد للدفاع عن السعودية عملاً بوصية المرحوم والمخضرم السياسي محمد حسنين هيكل رحمه الله ، الذي حذر من خطور العدوان على اليمن بعد اندلاع ما تسمى بعاصفة الحزم بعشرة أيام ، وقالها بكل وضوح ” اليمن بركان لو انفجر سيجرف المنطقة كلها” بل وأكد بفشل هذا “التحالف العربي” تحت مسمى عاصفة الحزم ليس من باب النبوءة وإنما من واقع التجربة السياسية ناصحاً السعودية عدم الركون إلى هذا التحالف بقوله ( إذا كانت التحالفات العربية فشلت في وجه إسرائيل وهي عدو للأمة لا يشك فيه فكيف بتحالف ضد بلد عربي مسلم (له من مقومات الصمود ما يكفيه)…
وهي رسائل لم تفهمها السعودية إلى الآن، بل هي بأمس الحاجة الآن إلى سماعها عبر اليوتيوب لتدرك صدق وعمق موقف هذا العملاق الذي دفع حياته بسبب تلك المواقف ( حسب بعض المشككين بوفاته)؟ إذا مصر السيسي تستفيد من هذا التخالف لضمان استقرارها الداخلي، وحماية أمنها القومي خارجيا من خلال مساعدتها في تقوية نفوذها في ليبيا والسودان ، مع الاستفادة من زيادة فرص الاستثمار لرؤوس الأموال الهاربة من الأزمات والتهديدات التي تمر بها السعودية والإمارات.
— قطر : حددت موقفها من التحالف مبكرا ، واستطاعت أن تراجع حساباتها، وكانت محقة في ذلك.
— البحرين والأردن : مغلوب على أمرهما بما يعانيان من أزمات داخلية ، وهما عبء سياسي لا وزن لهما في المعادلات الاقليمية.
— سلطنة عمان والكويت والعراق موقفهما واضح منذ اندلاع العدوان على اليمن بضرورة الدعوة للحوار بين مكونات القوى السياسية اليمنية.
يبقى الرهان الوحيد على الدور الأمريكي والبريطاني !!
وهو رهان خاسر بل قمة الغباء أن يراهن عليهما، فبريطانيا وامريكا دولتان لا تفكران إلا بالربح من مآسي الشعوب، وهما يمارسان دوراً أشبه بتجار الحروب ، فالمال وضمان أمن إسرائيل( التطبيع) هما العينان التي تنظران من خلالهما للسعودية.
اليوم أضحت المنشآت الحيوية السعودية جميعها خاضعة لتقديرات وحسابات الجيش واللجان الشعبية. استطاعت القوة الجوية ان تخرج بعض مطاراتها عن سيرها الطبيعي إن لم يكن التوقف عن الخدمة… بل وصلت إلى اماكن تمثل عصب الاقتصاد السعودي مثل حقل الشيبة ، وارامكو (ابقيق ، وحريص) ولا أحد يعرف أين غدا ؟
فكل حلفاء آل سعود يستثمرون في مأساتهم، نتيجة لهذا العدوان غير المبرر على شعب عُرف بمؤاخاته واحترامه لحق الجوار عبر التاريخ… أمام كل هذه الحقائق الواضحة يحق لنا أن نتساءل:
إلى أين تسير المملكة في ظل هذه الأزمات التي حتماً لو استمرت ستؤدي إلى بروز نزاعات داخلية، وتفلت زمام الأمور من يد الادارة الحالية؟
وما الفائدة التي تجنيها المملكة من هذه الحرب العبثية التي اصبحت تهدد كيانها وأصبح المنطق والعقل يفرضان ضرورة وقفها، وإيجاد رؤية واضحة وحلول تضمن سلامة وسيادة ووحدة وأمن البلدين ؟ “أليس فيكم رجل رشيد يا آل سعود.