أهمية القراءة المتمعنة في عالم الاختصارات
محمد أحمد المؤيد
تعد القراءة المتمعنة للمواضيع الهادفة على كثرتها وتشعبها وتعدد المجالات والتخصصات فيها من أهم الأشياء التي تنهض بالفكر البشري عموما ًوترتقي به نحو الوعي المتقد بالنورانية , التي تكسب الفرد رؤية ثاقبة لجميل الحياة وبديعها , كونها – المعرفة والعلم – قد أودعها الله في العقل البشري لا سواه .
وهو الأمر الذي يوجب على كل فرد متلهف للمعرفة وخاصة أولئك التواقين لحياة يملؤها الوعي الذي يورث الطمأنينة في التعامل مع كل الأشياء والمواقف في هذه الحياة الصاخبة والمتلاطمة أمواجها بحيث توجد رؤية يستطيع معها الشخص التفريق بين أمور الحياة التي لطالما حيرت الحليم .
أمور كثيرة جلبت لقل المعرفة فيها نتائج قد لا يحمد عقباها , والذي جعل من حياة الكثيرون يمضون جل مواقف حياتهم بالحظ وبالصدفة وأحياناً يتعمد الواهمون بالرجوع للتكهنات وتصديق المنجمين والمشعوذين والدجالين والذي دائما ًما يفقد الكثيرين جماليات الحياة كونها تمضي بهذه الطريقة إلى السراب والتوهان الذي قد يؤدي إلى حالات عكسية في حياة الإنسان عموما ً يصعب البرء منها .
ولذا كان العلم والمعرفة الذي لا يكون إلا عبر القراءة المتمعنة والمتأملة للأسباب والمسببات لحدوث الأشياء وما يقع من نتائج جراء التقاء الأشياء بما يسبب حدوثها لشيء آخر وهو الأمر الذي تقوم عليه الحكم والنظريات والقواعد التي عمل ويعمل بها منذ لخصها لنا علماء وحكماء وخبراء ومكتشفون أو تعلمها الناس بعفوية وتوارثوها أباً عن جد وهو ما تدعى اليوم بالأعراف والتقاليد التي يكتسبونها من مجتمعاتهم وتواريخهم التي مضى عليها الناس في ذلك المجتمع أو ذاك.
عرفت بهذه المصطلحات وهو الشيء الذي يتميز بموجبه مجتمع ما عن غيره وبما يتناسب مع عامل المكان والزمان وهو ما يتعدد ذكره في القرآن الكريم بقوله سبحانه : ” بالمعروف ” أي ما تعارف الناس عليه وهو الأمر الذي ترك للفقهاء والحكام أمر الاجتهادات وبما تتناسب شريعة الله مع الزمان والمكان الذي لو فهمه علماء الدين والمتفقهين فيه لما حدثت الأمور المشككة لأمور الناس في دينهم ولما قدح أحد في رأي الآخر مادامت فتواهم لم تتعد أموراً تعد كثوابت وقواعد تدخل في حيز الوجوب , فالصلاة أمر وأجب وثابت وهي ما تميز المؤمنين عن الكافرين وكذا الصيام والزكاة وو ولكن مهر المرأة يبقى بالمعروف والنفقة , غير أن النكاح يبقى شروطه كما هو النكاح عبر صحة العقد الشرعي وموافقة الزوج على الزواج من أبنة فلان ووموافقة ولي المرأة على القبول بتزويجه بفلانة الموكلة له وعلى هذا فقس , والأمور بالتيسير ووفق الشرع والعرف ولا أقل ولا أكثر .
وهكذا يفهم من التعلم والمعرفة والعلم بالأشياء والذي لن يصير إلا بالإطلاع والقراءة وتلقي العلم والمعرفة من مصادرها كما هو الحال مع المدرس والأستاذ والمربي والعالم والفقيه وأي مصدر ينساب منه المعلومة لقوله سبحانه: ” ن والقلم وما يسطرون ” وقوله جل من قائل : ” عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” وقوله جل في علاه :” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” صدق الله العظيم, ولكن أخر آية في ما ذكرنا هنا قوله ” عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” أي أن الله يعلم الناس بمشيئته ما لا يعلمون وهذا لن يكون إلا كما قال في أول السورة لقوله سبحانه: ” أقرأ ” أي أن القراءة بمشيئة الله تعلم الناس مالم يعلموه وتعلم الناس مالا يعلمون هو جاء ذكره من بعد كلمة ” أقرأ ” أي وجوب أمر ” أقرأ وسبحان الله الذي قال في سورة أخرى :” وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ” والتطبيق في الحياة العملية قال عنه سبحانه وتعالى ” وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” صدق الله العظيم.
لو تأمل الناس كيف أن المعجزة التي جاء بها نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه فهي معجزة البيان وسحر الكلمة والبلاغة التي وجدت في كتاب الله المنزل عليه صلى الله عليه وآله وسلم القرآن على عكس الأنبياء والرسل وأولي العزم من الرسل , فموسى جاء بمعجزة العصى التي قضت على عالم السحرة والمشعوذين إبان تلك الحقبة من الزمن فوقع ما كانوا يأفكون , وغيرها من المعجزات لبعض الأنبياء والرسل ولا يتسع المجال لذكرها .
غير أن الذي نريد الإشارة إليه أن معجزة البيان لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هي أعظم معجزة نزلت على بني البشر منذ خلق سيدنا آدم وحتى اليوم , كون هذه عزيمة أختص بها نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم) وهو خاتم الأنبياء والرسل عليهم جميعا ًسلام الله , وهذا ما يجعلنا نقف عند التحقق من إعجاز القرآن والبيان الذي نزل به من رب عظيم حكيم , والذي قال سبحانه في آية وشرحها شرحاً دقيق لنا بقوله جل من قائل : ” الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابهاً * مثاني تقشعر منه جلود الذين الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ” صدق الله العظيم , وهذا إن دل على شيء فهو يدل على وجود شيء من الكلمات أو المثاني كما جاءت عنه سبحانه تؤثر في خفايا النفوس البشرية فتنبه بذلك الشعور والإحساس الإنساني الرائع داخلهم وما لمسوه من حقيقة وروعة في التعبير عن الحقائق الربانية في هذا الكون الفسيح فتقشعر لتلك الحقائق المبينة بالمثاني والكلمات جلود الناس المتمعنين لحقيقة المعاني وجزالة التعبير , والذي بموجبه تستجيب القلوب الإنسانية الواعية لهذه الحقائق فتلين لحقيقة الله وملكوته وسبحانه .
ومن هذا المنطق نذهب إلى حقيقة الكلمات التي نقرأها , والتي قد لا تكون بجزالة وتعجيز القرآن , ولكن هناك من الكتابات والقراءات لكثير من العلماء والعلوم , التي تفسر لنا الحياة وموقفها ومنهم علماء الدين وطريقة شرحهم للقرآن والدين كي يسهل تلقيه بما يتناسب وتقبل عقولهم للكلمات , التي قد يصعب في بعضها فهمها بشكل دقيق لولا شرح وتفسير العلماء الأجلاء والفقهاء الذين يعلمون الناس لوجه الله وليس تباعاً لسياسة الولاة والطغاة والأطماع الدنيوية المقيتة.
, ولذا لنعلم جميعا ًأن القراءة وممارستها بشكل مستمر وشبه يومي يجعل من الشخص في تلذذ واستلهام وتذوق لمعاني الكلام والعلم والكلمات والعلوم عموما ً(أعني العلم الحلال وغير الضار كما السحر اعاذنا الله وأياكم منه ومن كل سوء ومكروه) , وهذا ما يصل بالإنسان إلى رقي حتى في المشاعر على أقل القليل وتقبل الأشياء من حولنا أو رفضها.
وهذا ما يفسر لنا كيف أن العلماء والفقهاء والمثقفين يبدون أكثر وقاراً وطمأنينة ويلاحظ طول أعمارهم مقارنة بجيلهم الذي عاشوا فيه , فسبحان القائل: ” وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ” وقوله سبحانه :” ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” صدق الله العظيم, ما بالنا من نور في البصر والبصيرة من علوم مفيدة وراقية وغير متحجرة ورخيصة.
نرجع القول أننا نحن العرب دائما ً ما نحصل على معلومات مفادها أن سبب تطور الغرب بعد المستشرقين وزمن الاستشراق طبعا ًكان بسبب توجه الغالبية العظماء نحو العلم والتعلم والأخذ بأسبابه وتطوير ذواتهم بما يسهم بترجمة العلم إلى عمل , وليس هذا وحسب فكثيراً ما نسمع أننا نحن العرب أقل قراءة للكتب القيمة والمفيدة وأننا فقط مستهلكو ثقافات تملى علينا ولا نحبذ إلا معلومة على السريع إما عبر تغريدة أو منشور أو تعليق أو غير ذلك من وسائل نعتمد عليها لتلقي العلم والمعرفة وهي رخيصة غالبا ًفي المغزى وعقيمة في الجدوى والمفاد منها ومن تلقيها كمعلومة على الطائر” سفري / كلمتين ويالله هههههههههه ” .
هذه حالنا على عكس الغرب الذين تجدهم يقرأون ويقرأون حتى لكأن كلاً منهم مشغول بعالمه مع القراءة والهدوء على القطار والباص والتاكسي وفي كراسي الانتظار وفي الاستراحة وأثناء القيلولة وفي المتجر والمنزل وقبل النوم وحين الاستيقاظ ونحن لم نعمل بقوله سبحانه: ” إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ” صدق الله العظيم.