لا يختلف اثنان حول أهمية اتخاذ القرارات المناسبة والمدروسة في حياة الفرد والمجتمع كونها تتعلق بحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم.
وبما أن مصير القرارات التي يتخذها أي فرد في حياته تتحدد من خلال طريقة تفكيره وتعامله مع تلك القرارات فإن من الضرورة أن لا يخطئ الفرد في تفكيره وتعامله مع المواقف والأعمال التي تتطلب منه اتخاذ قرارات حيالها.
في الاستطلاع التالي ننقل تجارب العديد من المواطنين الذين وقعوا ضحايا لقراراتهم المتسرعة وغير المدروسة.
< بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمها الذي ظل يراودها منذ الصغر جاءت الأقدار بما لا تشتهي السفن - كما يقول المثل الشائع - ويرجع ذلك بسبب قرار متسرع وغير مدروس اتخذته في لحظة فارقة في حياتها هكذا تلخصت لنا قصة الأخت ميادة عباس وهي تتحدث عن المستقبل الذي حلمت به منذ الطفولة وحتى بلوغها سن الزواج حيث قالت:
منذ طفولتي وأنا في بداية المرحلة التعليمية الأساسية وأنا اتمنى أن التحق بكلية الطب وأصبح في المستقبل طبيبة أساعد الناس المرضى وهو الحلم الذي عاش معي إلى أن أكملت الثانوية العامة بتفوق وحصلت على المعدل الذي يسمح لى بالالتحاق بكلية الطب فكانت أسعد أيام حياتي في تلك الفترة.
جنيت على نفسي
وأضافت: إلا أنه وخلال عطلة ما بعد الثانوية العامة حصل ما لم يكن في الحسبان حيث تقدم أحد الجيران وطلب من أسرتي الموافقة على زواجي به وكان من أسرة ميسورة الحال وفي تلك الفترة خانني توقعي بأن وافقت على الزواج بتسرع ودون تفكير والأصعب من ذلك أنني عرضت على والدة العريس شرط أساسي للموافقة على الزواج من ابنها وذلك الشرط هو بالتأكيد أن يسمح لي ابنها بالالتحاق بالجامعة إلا أن الرد كان صريحاٍ وسريعاٍ من قبلها حين أكدت لي بأن ابنها لا ولن يوافق على مثل هكذا شرط نهائياٍ كونه من الأشخاص المتشددين الذين يرفضون الاختلاط في الجامعات وغيرها إلا أنني بتسرعى لم أعط ذلك الرد حقه في التفكير والتأمل بل أنني جنيت على نفسي بمبرر أنه بمجرد دخولي عش الزوجية سأستطيع إقناع زوجي بالسماح لي بدخول الجامعة وأن لا شيء مستحيل في هذه الحياة غير أن ما توقعته كان مجرد سراب ويشير إلى تهوري في اتخاذ القرار وثقتي الزائدة بمن هم حولي خاصة وقد صارحتني والدته باستحالة موافقة ابنها على التحاقي بالجامعة قبل ان ارتبط به وما زاد من مأساتي انه بعد مرور حوالي شهرين من الزواج فاتحته بموضوع دراستي والحلم الذي اتمنى ان احققه فكان رده مفاجئاٍ وقاسياٍ للغاية وبدا كالوحش الكاسر لا يعرف في قاموسه المناقشة أو الحوار ولو في أدنى صوره ووصل به الامر إلى منعي من الخروج من المنزل وكذلك منعي من استخدام ابسط حقوقي مثل استخدام الهاتف او زيارة اسرتي وجعلني اسيرة له وحبيسة بين اربعة جدران وقضى على حلمي واصابني بالاحباط الشديد وبعد مرور عامين من الزواج وجدت نفسي مضطرة لفراقه بعد ان اشتد عذابه وزاد قساوة وتعنتا وكثر غيابه عن المنزل فطلبت منه الانفصال وديا فلم يوافق على طلبي مما اضطرني إلى اللجوء إلى المحكمة لفسخ عقد الزواج منه والخروج بالمعروف كونه يظل والد طفلتي التي رزقنا الله بها بعد عام ونصف من زواجنا الذي كاد ان يقضي على حلمي بسبب تسرعي في اتخاذ قرار ذلك الزواج الفاشل الذي تسبب في تأخري عامين كاملين من الالتحاق بالدراسة.
زواج فاشل
الأخ اديب رشوان ادلى بدلوه في هذا الموضوع بالقول: ان كثيراٍ من الحالات النفسية التي يصاب بها البعض سببها التسرع في اتخاذ القرار كما ان ذلك سبب ايضا لكثير من المشاكل والمآسي الاسرية التي تعرقل الحياة الاجتماعية للافراد.
وأردف قائلاٍ: ان تجربتي في ذلك واضحة فبعد تجربة زواجي بالأولى التي انتهت بالطلاق بسبب الفارق المادي بين اسرتي واسرة زوجتي التي تنتمي للطبقة الغنية فيما اسرتي تنتمي إلى الاسر محدودة الدخل كذلك الفارق في المستوى التعليمي والحياة الاجتماعية فزوجتي ريفية مبتدئة بالتمدن وانا ابن مدينة منذ ولادتي ولا اعرف غير المدينة وبالنسبة للمستوى التعليمي فأنا حاصل على مؤهل علمي جامعي وهي نصف متعلمة ومع ذلك فأنا لا أبرىء نفسي من المسؤولية فحدة الطبع والعناد ملازمتان لي وكذلك هي كانت تتصف بهما ايضا وهذا ساهم هو الآخر في أن تنتهي علاقتنا بالطلاق وضحية ذلك طفلة تعيش مع امها بعيدا عني.
مشاكل وهموم
واضاف: ومع ذلك فانني لم استوعب الدرس في أن أتروى في اتخاذ قرار جديد خاصة بشئ مصيري كالزواج فبعد تجربة زواج فاشلة وقاسية شرعت في الزواج بامرأة اخرى لم أعط نفسي اي وقت للتفكير أو دراسة هذا القرار بشكل جيد حيث كانت الزوجة الثانية امرأة لا تحمل مؤهل علمي أما الجانب المادي فنحن متساوون الا ان حدة الطباع لدى والديها زادت من تفاقم المشاكل بيننا بعد عشرة أعوام من الزواج المثقل بالهموم والصعوبات والمشاكل لينتهي هذا الزواج كسابقه بالطلاق غير أن ضحايا هذه التجرية الطويلة اكثر من سابقتها لكوني انجبت منها ثلاثة اولاد يعيشون لديها في ظروف صعبة.
ويختم أديب بالقول: حالياٍ أنا على وشك إتمام زواجي بامرأة ثالثة بعد خوض تجربتين فاشلتين وأعتقد بأنني قد استفدت كثيراٍ من تلك التجربتين وأنه لن يحصل طلاق مرة ثالثة خاصة بعد أن أمعنت في التفكير كثيراٍ في جوانب عديدة من حياة أسرتي وأسرة من سأتزوجها وأنصح الشباب المقبلين على الزواج بضرورة التفكير جيداٍ قبل اتخاذ قراراتهم بإكمال نصف دينهم حتى لا يقعوا في نفس الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها.
ما خاب من استشار
أما الشيخ علي مبخوت سالم وهو إمام مسجد فيقول: إن القرارات التي يتخذها الشخص في مختلف جوانب حياته يجب أن تكون مدروسة دراسة كافية كما يجب على الشخص المسلم أن يستخير الله سبحانه وتعالى فيما ينوي القيام به أو يتخذ قراراٍ حياله وقد كان السلف الصالح يستخيرون الله حتى في شراء أغراضهم.
وأردف قائلاٍ: كما أنه يجب أن يستشار أهل الفضل والعلم عند اتخاذ القرارات المصيرية في حياة أي مسلم »فماخاب من استشار« فالسملم يجب عليه أن يعمل بالأسباب فأن قدر له خير يحمد الله على ذلك وأن قدر له شر فقد عمل بالأسباب الشرعية.
وأضاف: أما بالنسبة لي في مشوار حياتي فإن قراراتي التي اتخذها لم أندم عليها قط ما عدا قراراٍ واحداٍ اتخذته بدون دراسة أو ترو وندمت ومازالت حتى اليوم على اتخاذي لذلك القرار الذي لا استطيع ذكره بعد أن مرت عليه عقود عديدة ولكن قدر الله وما شاء فعل ولله الحمد.
التفكير والتشاور
الأخ / يحيى محمد علي قال من جانبه: يجب على من يتخذ القرار في جميع مجالات الحياه أن يختار الوقت المنتسب وأن يكون هادئ البال وأن يدرس القرار جيداٍ خاصة إذا كان القرار يتعلق بمصير أحد أفراد أسرته فالأب الذي يتسرع في قبول من يتقدم لطلب الزواج من ابنته دون أن يعطي هذا القرار فرصة في التفكير والتشاور مع بقية أفراد الأسرة بالإضافة إلى أخذ رأي صاحبة الشأن وهي ابنته التي يتعلق القرار بدرجة أساسية بحياتها ومستقبلها يقدم أبنته ضحية لمثل هكذا قرارات متسرعة يتخذها رب الأسرة بطريقة استبدادية وعشوائية.
الاستفادة من الأخطاء
ويرى الأخ / علاء سفيان بأن القرارات المتسرعة والغير مدروسة لا يتم اتخاذها سوى عندما يكون من بيده القرار يعيش ظروفاٍ صعبة أو في حالة غضب فحينها يعتقد بأنه اتخذ القرار الصحيح ولا يفكر في العواقب وقد يكون أحياناٍ تحدياٍ لشخص ما أو قد يكون لعدم رغبة الشخص بالاعتراف بالخطأ لقراره فيرتكب خطأ ثانياٍ يجعل الأمر يزداد سوءاٍ عما كان وفي نهاية الأمر يندم.
ويضيف: كلنا بالطبع نتعرض لمثل هذه المواقف وأنا واحد من الأشخاص الذين تعرضوا لهذه المواقف ولكن الأهم أن نتعلم من أخطائنا ولا نجعل الندم والحسرة تحطمنا بل على العكس نجعلها دروساٍ نتعلم منها وهناك مقولة هي شعاري في الحياة »من شجرة واحدة يْصنع مليون عود كبريت ويمكن لعود كبريت واحد أن يحرق مليون شجرة« لذلك لا ندع أمراٍ سلبياٍ واحداٍ يؤثر على الآف الإيجابيات في حياتنا وحياة الآخرين ممن هم حولنا.