,انتصار ثورتي سبتمبر وأكتوبر وتحقيق الاستقلال و”ملحمة السبعين” صنعه اليمنيون والإعلام
, إذا صدق ” المتحاورون ” مع الله والوطن سنخرج من النفق المظلم إلى رحاب الدولة المدنية
, سوء الإدارة والإقصاء والفساد سبب أزمة اليمن وليس الوحدة.. والعودة للماضي خيانة للشهداء
, لولا أمر “القاضي الإرياني” لِمِا أصدرت “الرسالة”.. وهذه قصة “رفض الرقابة والترحيب بإغلاق الصحف”
, “اللوزي” استدعاني ليلاٍ إلى صنعاء لتعييني رئيساٍ لــ”الجمهورية” بمطابع متهالكة وبدون محررين
, عرفنا أن “الجمهورية” مؤسسة مستقلة عن “الثورة” بعد عام من “جرهوم”.. وهذه أسباب الخلاف مع “الزرقة”
, الإعلام الحزبي والخاص مرتهن لأصحاب المصالح السياسية.. وقضايا المجتمع لا تهمه
,* خلق إعلام يمني حر يتطلب مؤسسات استثمارية مستقلة.. وحان الوقت لتحرير الصحافة من “المْتشِعبطين”
في القسم الأول من الحوار المنشور بعدد “الثورة” الثلاثاء الماضي تحدث الأستاذ الكبير محمد عبدالرحمن المجاهد السياسي والكاتب الصحفي عن حالة اليمن المخيفة والمخلفة والمعاقة في ظل نظام الإمامة والاستعمار وصورتها بعد الثورة.. وبرغم مرور أكثر من نصف قرن على الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) لازال هذا الحدث يمثل واحدا من أهم أحداث التاريخ الإنساني الذي غير وجه الحياة في هذه المنطقة.. وقال: إن الذين ينكرون إنجازات الثورة هم ممن فقدوا مصالحهم.. أو أنهم يجهلون تاريخ اليمن.
وأكد “المجاهد” أن صراعات الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم اليمن قد أضرت بالوطن وأخفقت في قيام العدالة وتأسيس الدولة العصرية وسواها من تطلعات الشعب المشروعة. وأضاف: اليمنيون كانوا أيام المحن والملمات متحدون رغم الخلافات السياسية والفكرية.. وبوحدتهم النضالية انتصروا على الرجعية والاستعمار.. وأن إرادة الشعب لم ولن تقهر مهما كانت المؤامرات الداخلية والخارجية.
وتوقف حديث الذكريات مع الأستاذ “المجاهد” أمام منغصات خاصة تعرض لها في حياته الباكرة سواء في اليمن أو أثناء تواجده في مصر للدراسة وأدت إلى ترحيله ليلا من القاهرة “مطرودا” !!.
وفي هذه الحلقة الثانية والأخيرة.. نستكمل مع الأستاذ “المجاهد” قراءة المشهد السياسي اليمني الراهن وتصوراته للمستقبل في ضوء الخيارات المطروحة أمام مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. وقال “إذا صدق المشاركون بالحوار مع الله والوطن فسوف يخرج اليمن من النفق المظلم وتحقيق الدولة المدنية.. وأكد “المجاهد” أن الأزمة التي يعيشها الوطن سببها سوء الإدارة والإقصاء والفساد وليس الوحدة باعتبارها فعلا إنسانيا عظيما وهدفا ساميا حلم به الأجداد. وقال “المجاهد” إن جيل الشباب الذي هو أمل المستقبل بحاجة لمعرفة التراث النضالي لشعبه وهذه مهمة عاجلة تقع على عاتق النظام الجديد وكل مؤسسات المجتمع الرسمية والشعبية..
وفي جزء آخر من الحوار نتوقف مع الأستاذ “المجاهد” أمام صورة الصحافة اليمنية بعد الثورة وأوجاعها ومدى تأثيرها وكواليس العمل الصحفي الحكومي وأسباب المعاناة.. كما حاولنا التعرف على تجربته العملية الطويلة الشاقة والشائقة في ميدان الصحافة الأهلية والرسمية وقراءته لواقع الإعلام الإلكتروني والصحافة التقليدية ورؤيته الناقدة لأداء الإعلام الخاص والحزبي وأسباب فشله في معالجة قضايا المجتمع وكذا تصوراته لكيفية خلق إعلام حر ومستقل.. وفيما يلي تتابعون تفاصيل الحوار:
* أستاذ محمد المجاهد.. الحديث عن الماضي المؤلم يضعنا أمام مشكلة اليوم.. هناك من يرى أن الكثير من اليمنيين وخاصة الشباب لا يعرفون صورة اليمن المتخلفة قبل الثورة¿ وكيف قاوم أجدادهم التجزئة والعزلة.. فمن المسئول عن هذا التجهيل¿ وكيف لهم أن يعرفوا تاريخ وطنهم بعد كل هذه السنوات¿
– المسئولية في اعتقادي تقع على كافة السلطات والحكومات التي تعاقبت منذ قيام ثورتي 26سبتمبر و14 أكتوبر لأنها لم تقم بالدور التوعوي المستمر للأجيال الجديدة من خلال الوسائل الإعلامية والثقافية من إذاعة وصحافة وتليفزيون ومسرح وسينما ومحاضرات وندوات مكثفة ومعارض صور لكل جوانب السلب ومظاهر التخلف في العهود السابقة.. ولذلك يصبح من الواجب والضروري أن تتلافى السلطة الجديدة جوانب القصور وتعمل على توعية وتثقيف الجيل الحاضر والأجيال القادمة بواقع الحياة المؤلمة التي كان يعشها الآباء والأجداد ووضع المقارنات العادلة والصحيحة وما تحقق من إنجازات ومكاسب بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر.. ولأن الشباب اليوم يمثلون الشريحة الكبرى من سكان اليمن فإن مستقبل وطنهم مرهون بمدى وعيهم وتسلحهم بالعلم والمعرفة والتاريخ.
* وما السبيل لتجاوز الأخطاء القاتلة وخطايا الأنظمة والأحزاب والقوى التي قادت البلاد إلى ما هو واقع اليوم¿
– بالطبع.. إذا خلصت النوايا وصدق العزم نستطيع أن نخلق المعجزات مع الصدق مع النفس ومع بعضنا بعضا وتوافقنا جميعا على هدف واحد وعملنا على خلق دولة مدنية ترتكز على العدل والمساواة وعلى النهج الديمقراطي السليم لا امتيازات لأحد ولا مفاضلة إلا بحسن العمل والأداء عند ذلك سنتخلص من كل الأخطاء والشوائب التي تعيق مسيرتنا أما ما عدى ذلك فسنظل ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها..
* أفهم من حديثك أن الرهان على مخرجات الحوار الوطني الشامل¿
* نعم.. هذا ما قصدته لأن الشعب لم يعد يتحمل المزيد من الأزمات المعيشية والانقسامات والحروب العبثية فالوقت قد حان إن لم يكن قد تأخر على مغادرة الماضي بكل سيئاته والتفكير الجاد والصادق والمسئول بالمستقبل.
* كيف تتصور مستقبل اليمن في ضوء نجاح الحوار الذي يوشك على النهاية¿
– بصراحة إذا نجح الحوار وصدق المتحاورون مع الله والوطن وغلبوا المصلحة العليا على مصالحهم ومصالح أحزابهم وتركوا الارتهان للخارج ونجحوا بالخروج بوثيقة تؤسس لدولة مدنية حديثة فإني أتصور أن يخرج اليمن من النفق المظلم وأن يتجاوز كل مشكلاته التنموية والاقتصادية وسيحقق الحكم الرشيد الذي يصبو إليه كل مواطن..
* قلت “إذا نجح.. .” وهل من بديل آخر غير الحوار¿
– لا.. ليس هناك بديل عن الحوار ولكن ليس الحوار الحاصل الآن حيث يبدو أن كل طرف وكل مكون سياسي أو قبلي أو عشائري يريد فرض أجندته ورؤاه وأفكاره فالحوار الصحيح والمثمر يجب أن يتم تحت مظلة الثوابت الوطنية ثوابت النظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية والدولة المدنية والحكم الرشيد بعيداٍ عن الأجندات الضيقة والمصالح الذاتية والاستقواء بالخارج حوار يكرس المساواة والعدالة في جوانب الحياة في تكافؤ الفرص والثروات بين كل المواطنين وليس بين شمال وجنوب كما يريد البعض الآن..
* هل يمكن أن نحقق الوفاق المجتمعي في اليمن.. إن كانت الإجابة بـ”نعم”.. فكيف.. ومن يحققه¿
* نعم.. يمكن أن نحقق الوفاق الوطني وهذا يتطلب أن نزيل الفوارق المجتمعية ونحقق المساواة والعدل بين الناس فلا يكون هناك مواطن تحت ومواطن فوق وأن يكون الخير للجميع في الثروات وفرص العمل بحسب الكفاءة والخبرة لا بالوساطة والمحسوبية ومن سيحقق ذلك فلن يكون إلا القوى الوطنية التي تغلب مصلحة الشعب والوطن على كل المصالح الذاتية والحزبية الضيقة..
* ونحن نتحدث عن اليمن الجديد.. البعض يريد بنا العودة إلى ما قبل عام 62 و67.. ماذا تقول¿
-أولئك لهم عقليات (دينا صورية) لا تتطور مع ذلك فهم بلا شك منقرضون وسيتجاوزهم الزمن رضوا أم أبوا..
* هناك من يعتقد أن الوحدة هي سبب الأزمة وآخرون يرجعونها لسوء إدارة الحكم والإقصاء.. فماذا ترى¿
– فعلا لا تكمن أزمة اليمنيين في الوحدة.. فذلك قول يراد به باطل.. فالوحدة فعل إنساني عظيم وهدف سام كان يطمح إليه الشعب شمالا وجنوبا وطمح لتحقيقه من قبلنا كل آبائنا والأجداد وبذلت في سبيلها الأرواح والدماء والأزمة فعلا هي أزمة فساد وأزمة إدارة وسلطة وإقصاء من جانب من حكموا بعد حرب صيف 1994م ومن فجروا الأزمة وأوصلوها إلى الانفصال ثم خلق قضية جنوبية ليزايد بها البعض لتعود الحالة إلى ما كانت عليه قبل 22 مايو1990م.. والتفكر بالعودة إلى الماضي يعدْ خيانة لدماء الشهداء اليمنيين الذين سقطوا في مختلف المراحل من أجل الوحدة والحرية والاستقلال.
* ما السبيل لخلق إعلام حر مستقل مهنياٍ وسياسياٍ ومالياٍ وإدارياٍ يخدم المواطن ويقدم المعرفة¿
– خلق إعلام حر مستقل مهنيا وسياسيا وماليا وإداريا لن يكون إلا بوجود إعلام مؤسسات استثمارية مساهمة لا تخضع لا لسلطة ولا لأحزاب كما هو حاصل في دول الغرب وأمثالها أما إعلام رسمي وحزبي فلا حرية له ولا استقلال..
* ولكن الحديث هذه الأيام يكثر حول الفدرالية والدولة المدنية أو الاتحادية.. هل الفدرالية مناسبة لليمن في ظل الانقسام هنا وهناك¿
– الفدرالية طريق متعرج نحو انفصال جديد خصوصا إذا تم بحسب ما يطرحه البعض. وبرأيي الشخصي المتواضع أن الأنسب هو الدولة الموحدة كما هو حاصل الآن مع حكم محلي كامل الصلاحيات وفي ظل دستور جديد يضع النقاط على الحروف ويخلق دولة مدنية فيها المساواة والعدالة لكل المواطنين دون تمييز لا لشيخ ولا لمسئول أو ضابط أو ذي جاه.
* وأي نظام سياسي مناسب¿
– من وجهة نظر خاصة أرى أن النظام الرئاسي مناسباٍ لوضع اليمن ولكن بشرط أن لا تكون هناك سلطة للرئيس على البرلمان سواء كان بغرفة أم غرفتين فلا يحق له إلغاء البرلمان ولا تجميده أي أسوة بما هو حاصل في نظام الحكم في عديد من الدول فيكون رئيس الجمهورية هو أيضا رئيس الوزراء ومسئول عنهم فلا تتعدد الجهات التنفيذية وتضيع أمور البلاد بينهم..
* أستاذ محمد المجاهد.. دعنا نعود بالحديث عن ذكرياتك مع صاحبة الجلالة وكواليسها ومتاعبها.. ما صورة الصحافة اليمنية في الشمال بعد الثورة¿
– عندما قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 لم يكن هناك وجود لأي مظهر من مظاهر الثقافة والإعلام في الشمال.. وبعد قيام الثورة صدرت في تعز صحيفة الثورة في 29 سبتمبر 1962م ثم صحيفة الجمهورية في 20 أكتوبر 1962م بعدها بعام أو أكثر صدرت صحيفة الأخبار اليومية.. وبعد عام انتقلت “الثورة” من تعز لتواصل صدورها في صنعاء واستمرت “الجمهورية” تصدر أسبوعيا في تعز إلى جانب “الأخبار” اليومية.. والمعروف أن صحافة الثورة السبتمبرية كانت تصدر في ظروف صعبة جدا وبإمكانيات إدارية وفنية متواضعة وضعيفة.. فالمطبعة متخلفة ومتهالكة والأموال معدومة والمبنى صغير.. فلا وجود لوسائل حديثة كتلك التي نراها اليوم من مؤسسات صحفية ومطابع حديثة وإعلام إليكتروني.. وقد تصدر لتلك المهمة العديد من الزملاء الأساتذة.. منهم: أحمد طربوش حزام الشرجبي ومحمد حمود الصرحي ومطهر علي الإرياني وسالم زين محمد ومحمد حسين شجاع الدين وعبدالله أحمد الوصابي ومحمد أحمد الشرعبي وعباس محمد باعلوي ومحمود محمد الحكيم وعلي عبدالله العمراني ومبارك محمد بامحيرز وجعفر عيدروس وسعيد هيثم الشرعبي وأمين مأمون الشميري وعبدالعزيز محمد اليوسفي وغيرهم لا تحضرني أسماؤهم.. ولا أنسى بالمناسبة الإشارة إلى أن الصحف كانت تصدر في تعز وليس في العاصمة صنعاء لتوفر الإمكانيات المتواضعة كما قلت ولهذا السبب أنشئت حكومة الثورة ممثلة في وزارة الإعلام والإرشاد أول مكتب للصحافة والنشر في تعز وذلك في تاريخ الإعلام اليمني مهمته الإشراف على إصدار تلك الصحف وقد تعاقب على إدارته خلال الأعوام الأولى للثورة الأساتذة: عبدالله أحمد الثور وسعيد أحمد الجناحي وأحمد قاسم دهمش ومحمد علي الربادي وآخرون.. وكان تكريس نشاط تلك الصحف يتركز على الدفاع عن ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر وحث الجماهير للالتفاف حولهما.. وأيضا المنافحة عنها ضد الإعلام المعادي.
* متى وكيف بدأت علاقتك بالصحافة¿
– البداية كانت في الثامن عشر من أبريل عام 1967م في تلك الفترة كنت موظفا في فرع وزارة الزراعة بتعز.. وذات يوم قرأت في”الجمهورية” إعلانا لتوظيف محررين في الصحيفة.. فتقدمت ولم أكن الوحيد فقد بلغ عدد المتقدمين نحو أربعين شخص.. تم اختبارنا شفويا وتحريريا أمام لجنة برئاسة الأستاذ المرحوم عباس محمد باعلوي مدير مكتب الإعلام بتعز وعضوية الأستاذ محمد حسين شجاع الدين أحد رؤساء تحرير “الجمهورية” التي صارت تصدر يوميا بعد أن أوقفت “الأخبار” التي كان يرأس تحريرها الأستاذ المرحوم عبدالله أحمد الوصابي وكان أيضا عضوا في لجنة الاختبار الخبير الإعلامي المصري الأستاذ محمد عبدالله المهم وبحمد الله نجحت ومعي الزميل عبد الرزاق البراق وعملت في ” الجمهورية” محررا.. وهكذا بدأت علاقتي مع الصحافة.
* كان عام 1967م عصيبا ومتفجرا.. فالعرب يعيشون مرارة نكسة خمسة حزيران واليمنيون يتعرضون لأقسى حرب إعلامية غربية وإقليمية مع بدء حصار العاصمة صنعاء. والاقتتال الأهلي بين الجبهتين القومية والتحرير, قبل بدء مفاوضات الاستقلال بين الجبهة القومية والحكومة البريطانية في جنيف فكيف تعامل الإعلام اليمني مع تلك الأحداث¿
– كان التعامل عند مستوى المسئولية وكرس الإعلاميون كل طاقاتهم وإمكاناتهم المتواضعة دفاعا عن الثورة في شطري الوطن وذلك انطلاقا من شعار: “إما نكون أو لا نكون” فنحن مثلا في صحيفة الجمهورية كنا لا نذهب إلى منازلنا إلا كل ثمانية وأربعون ساعة ونحن معسكرون في موقع العمل نتابع الأحداث أولا بأول حتى تحقق النصر وسقط الحصار في الثامن من فبراير 1968م بفضل تلاحم القوات المسلحة والمقاومة الشعبية وسطر اليمنيون أعظم ملحمة وطنية.. وفي المقابل أثمر نضال اليمنيين بالإعلان عن استقلال الشطر الجنوبي من الاستعمار يوم الثلاثين من نوفمبر عام 1967م وذلك بعد أن حسمت الجبهة القومية الصراع لصالحها.
* في يوليو 1968م أصدرت في تعز “الرسالة” كمطبوعة أهلية.. حدثنا أولا عن واقع الطباعة والصحافة وحريتها قبل وبعد عام التأسيس¿
– أصدرت مجلة الرسالة وواقع الطباعة رديء جدا سواء في المطابع الحكومية أو المطابع الخاصة فجمع الصحف أو أية مطبوعة أخرى كان يتم جمعها بالحروف المتقطعة اليدوية أي كل حرف لحاله والفواصل بين الأعمدة أو المقالات وغيرها من محتوى الصحف قطع من الحديد أو الرصاص وهكذا تجمع لتصبح صفحات ثم تأخذ لتتم الطباعة على آلات عتيقة وبطيئة جدا وتلك الآلات لم يكن موجود منها إلا في دول قليلة فقيرة ومعدودة حتى أننا اكتشفنا أن الشركة التي اشتريت منها تلك الآلات لم تعد تصنعها وإنما تصنع قطع الغيار لها بحسب الطلب وعلى ضوء ذلك كان واقع الصحافة أما مسألة حرية الصحافة فلم تكن هناك حرية ومع ذلك كان الواقع أفضل من واقع العهد الإمامي المباد ولذلك لم تكن الصحف الأهلية والخاصة تستطيع الالتزام بمواعيد صدورها.
* ما الهدف من “الرسالة” في واقع صعب كما ذكرت¿
– كان الهدف من إصدار “الرسالة” المساهمة في الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري اللذين كانا يواجهان حملة شرسة في الداخل والخارج من أعداء البلاد فكان لا بد من وجود صحافة وطنية تقدمية تتشارك المسئولية الوطنية مع ما يقوم به الإعلام الرسمي..
* وكيف بدأت الفكرة¿
– بدأت الفكرة عند ما كلفت من قبل وزير الإعلام حينها الأستاذ المناضل المرحوم محمد عبده نعمان الحكيمي ومدير عام الإعلام بتعز الأستاذ مطهر علي الإرياني بالإشراف على مطبعة “دار القلم” بتعز التي كان هناك خلاف حول ملكيتها بين الدولة ممثلة بوزارة الإعلام والشيخ قاسم غالب وزير التربية والتعليم في عهد المشير السلال الذي كان يدعي أن المطبعة أهديت له في أثناء إشرافي على المطبعة وفي يوم كنت مع الأخ محمد يحيى المسعودي المسئول عن إدارة المطبعة التي كانت مكوناتها آلة طبع (بلاتين) صغيرة ومقص للورق وصندوقين خشب موزع عليها الحروف اليدوية التي تجمع بها المطبوعات يعمل فيها ثلاثة عمال وهم مقبل راوح وهذا عامل متميز في جمع الصحف وإخراجها بقالب فني متميز بل وكاتب مقالات يمتلك موهبة التحليل والإبداع وبجانبه شاهر الطباع وعبدالوهاب عامل المقص والمسئول عن التجليد المهم أني في ذلك اليوم وبجانبي المسعودي وصديق آخر وهو رفعت الشامي وقد كانت في تلك الأيام تطبع في المطبعة مجلة (الحياة الجديدة) صاحب امتيازها ورئيس تحريرها الأستاذ المرحوم حسين السيد محمد فقد حفزني وجعلني أفكر بإصدار مجلة خاصة وفعلا طرحت الفكرة على أولئك الأصدقاء فاستحسنوها وأبدى الأخ المسعودي بذل تعاونه في إخراج الفكرة إلى حيز الواقع.
* وهل كان الترخيص يأتي بسهولة¿
– قد لا يعرف كثيرون من اليمنيين وخاصة جيل الشباب من الصحافيين اليوم أن التفكير بإصدار صحيفة خاصة أو مستقلة في تلك الأيام يعد ضربا من الخيال أن لم يكن مغامرة.. فلا وجود لإدارة مختصة في وزارة الإعلام تمنح الترخيص. فكان أن وضعت تبويب المجلة وفكرة عن محتواها وأرفقت ذلك بطلب مرفوع إلى القاضي الفاضل المرحوم عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري وما هي إلا يومان فقط حتى جاء جوابه بشكل استفسار موجه للأخ الأستاذ مطهر الإرياني مدير عام الإعلام في تعز يسأله عني وعن هويتي: “حياكم الله للإيضاح عن هوية المذكور” فما كان من الأستاذ مطهر جزاه الله خيراٍ إلا الإجابة على الرئيس أطنب وأشاد بالعبد لله ومواقفه الوطنية.. فعاد الرد من الرئيس الإرياني “إذا كان كذلك فلا مانع” وهي إشارة بالموافقة على منحي ترخيص إصدار المجلة.
* وهيئة التحرير¿
– في البداية كانت هيئة التحرير مكونة من محمد المجاهد صاحب الامتياز ورئيس التحرير والمرحوم عبدالإله عبدالله عثمان مديرا للتحرير والأخ محمد يحيى المسعودي سكرتيرا للتحرير وبعد بضعة أعداد ولظروف خاصة بالمرحوم عبدالإله عثمان صار الأخ المرحوم عبدالكريم حمود الصوفي مديرا للتحرير والأخ عبدالله محمد عبدالولي المجاهد (أبو سهيل) سكرتيرا للتحرير..
والذي ظل سندي سنوات عديدة حتى سافر إلى الخارج للدراسة.. وهؤلاء شاركوني أيضا في خطوات التأسيس إضافة إلى آخرين. في العدد الأول والثاني عندما طبعناها في مطبعة دار القلم كان المخرج هو المبدع مقبل راوح.. وبعد إعادة صدور “الرسالة” عام 1975تولى إدارة تحريرها الأستاذ عبد الله أحمد أمير.
* ماذا عن قصة العدد الأول وما بعده.. التكلفة.. عدد النسخ المطبوعة¿ المشتركين¿ الإعلانات¿
– بعد شهر من حصولي على الترخيص أصدرت العدد الأول من المجلة يوم 15يوليو1968.. أما التكلفة فلم أتذكرها.. في البداية كنا نطبع من العدد الواحد من المجلة من إلى ألفين نسخة. وبعد تحول “الرسالة” من مجلة إلى صحيفة أسبوعية ارتفعت الكمية إلى ستة آلاف نسخة وكنا نطبعها في مطابع الجمهورية وبمقاس صحيفة “الثقافية” سابقا بالنسبة للمشركين لم نكن نقبل الاشتراك لأننا عاجزون أن نفي بالتزاماتنا بتوصيل الصحيفة لهم بسبب انعدام وسائل المواصلات والإعلانات لم نكن نحصل عليها إلا بشق الأنفس وذلك لغياب الحس الإعلاني عند التجار حينها.. وصعوبات كهذه كانت وراء توقف كثير من الصحف الخاصة أو عدم الانضباط في مواعيد صدورها ومنها صحيفة الرسالة..
* في عددها الصادر يوم 16 أبريل 1972 نشرت (مأرب) خبراٍ ورد فيه أن: الأستاذ احمد قاسم دهمش وزير الإعلام عقد اجتماعاٍ مع رؤساء تحرير الصحف الرسمية والأهلية مناقشة منهج جديد للإعلام اشتمل على العديد من الخطوط منها بلورة أهداف ثورة سبتمبر والتأكيد على مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وإشاعة ثقافة الحوار والوحدة والأمن والاستقرار وإنجاح معركة السلام وتبصير المواطنين بالأخطار الناجمة عن استمرار الصراع من أبناء الوطن.. إلى أي مدى عملت الصحف على تطبيق ذلك¿
– لم أعلم بذلك اللقاء أو الاجتماع ولا بما جرى فيه هذا جانب.. أما نحن أصحاب الصحف الخاصة فلم نكن ملزمين بما تمليه وزارة الإعلام وإلا لما اختلفت عن الصحف الرسمية فنحن في الرسالة كنا لا نهتم إلا بالنهج الذي رسمناه لأنفسنا وهو الحقيقة وليس غير الحقيقة وتبني القضايا العامة للوطن وأمنه واستقراره ولذلك تعرضنا لكثير من المضايقات كالإيقاف والمصادرة والسجن والملاحقة بينما صحف أخرى سارت على درب المهادنة واستمرت سنوات كثيرة لم يجر لها شيء وأعتقد أنها معروفة لكثير من الناس..
* ولكن.. وبعد أيام من تأكيد الوزير على استعداد الوزارة لتقديم الدعم للصحف الأهلية بما في ذلك تسهيل عملية الطبع في مطابع الشركة اليمنية للطباعة والنشر في صنعاء وفروعها توقفت الصحف في تعز عن الصدور لمدة أسبوع (أكتوبر 1972) ثم عادت بعد مطالبة رؤساء التحرير آنذاك لرئيس الوزراء الأستاذ محسن أحمد العيني والأستاذ أحمد قاسم دهمش وزير الإعلام بالتدخل لوقف إغلاق فرع الشركة لأن ذلك يحرم تعز من الصحف.. وجاء رد الأستاذ دهمش برقياٍ لرؤساء التحرير: “موضوع إغلاق فرع الشركة اليمنية للطباعة والنشر في تعز تحت الدراسة وأن الأولويات تشير إلى عدم إغلاقه” في حين رد الأستاذ محسن العيني في برقيته : “لا نوافق على إغلاق فرع الشركة في تعز وقد أمرنا باستمرار العمل فيه”.. وهذا ما نشرته {مأرب في عددها 27 -1972} بماذا ترد¿
– أولا: في ذلك الحين لم يكن هناك أي دعم للصحف الخاصة من الوزارة ثانيا : لم يحدث وفي ذلك التاريخ أن أبلغنا بتوقيف فرع الشركة اليمنية للطباعة أو إغلاقه ولا أدري متى حصل ذلك ولا من أين جاء ذلك الخبر الذي تحدثت عنه صحيفة مأرب فما حدث أن مدير مكتب الإعلام محاولة منه لفرض الرقابة على الصحف اجتهادا منه حرر بلاغ إلى فرع شركة الطباعة بعدم طبع الصحف إلا بعد خضوعها للرقابة ونحن أصحاب الصحف رفضنا ذلك الإجراء وكان ذلك قبل حركة 13يونيو بأيام قليلة وعند حدوث الحركة بعثنا نحن في صحيفة الرسالة برقية نشكك ذلك الإجراء بفرض الرقابة وجاء الرد من الشهيد الحمدي يستغرب فرض الرقابة على الصحف وعدنا بإصدار الرسالة دون رقابة التي كانت تفرض بحسب الأهواء لا بقانون ولا يحزنون..
* نعود بالحديث إلى مسألة قمع الحريات الصحفية بين (68-1974)م وهذا ما ردده عدد من رؤساء تحرير صحف تلك المرحلة إلى حد أن الأستاذ عز الدين ياسين محمد رئيس تحرير”الوحدة”.. كتب في افتتاحية العدد (22) الصادر يوم 19/يونيو/1979م مهاجما فرض الرقابة على الصحف الأهلية وقال : “.. إذا كان البعض لا يطيق الكلمة الحرة الهادفة إلى المراجعة وتصحيح الأخطاء بأسلوب النقد البناء فإن من الأصلح أن يأمر بإغلاق الصحف الأهلية بدلاٍ من فرض الرقابة عليها وكفى المؤمنين شر القتال”.بماذا تعلق¿ وهل موقف كهذا جاء بتنسيق بينكم¿
* ما قاله الزميل المرحوم الأستاذ عز الدين ياسين في صحيفته تعبير عن واقع تلك الأيام.. وهو شعور عام لدى الزملاء رؤساء تحرير الصحف الأهلية بأن هناك جهات لا تريد للصحافة الأهلية أن تمارس دورها في معالجة قضايا الناس.. والوطن.. فمجلس الشورى يتدخل وأعضاء في المجلس الجمهوري ورؤساء الحكومات يتضايقون من نقد ما يوجه لتقصير مسئول في معالجة السلبية وارتفاع الأسعار والإخلال بالأمن.. ومسئولون الإعلام أيضاٍ يتدخلون.. وكثيراٍ ما كانت صحفنا تتعرض للمنع والمصادرة واعتقال لرؤساء التحرير.
* وعن التنسيق.. وطبيعة العلاقة¿
* لا.. لوجود لأي تنسيق.. بين الزملاء رؤساء الصحف الأهلية في تعز وصنعاء.. حب الوطن وتبني هموم الناس وقضية الوحدة والديمقراطية والمطالبة وترسيخ دولة القانون والعدل.. ومحاربة المحسوبية وغيرها من القضايا هي التي تجمعنا..
العلاقة بيننا كانت قائمة على الاحترام المتبادل.. لم نكن نحرض السلطات ضد بعضنا.. ولا نمارس الابتزاز.. ولم نتورط في الصراعات السياسية.. كنا نمارس المهنة بشرف ونكتب بمسئولية وبما يتوافق مع مبادئ وأخلاقيات الصحافة المستقلة.
* في العدد 54 الصادر 6/7/1974م وتحت عنوان “العام السابع” نقرأ في افتتاحية “الرسالة “ما يلي: “في شهر سبعة من عام 1968م كان ميلاد صحيفة (الرسالة) واليوم وبعد مرور ستة أعوام على بداية صدورها فإنها تدخل عامها السابع. وللمرة الثانية فقط منذ تأسيسها حتى الآن يصادف شهر ميلادها وهي طليقة أما الخمسة الأعوام التي مرت من حياتها فقد كانت تأتي وهي موقفة عن الصدور فلم تتح لها فرصة للاحتفال بميلادها السنوي وخلال أعوام ستة لم تتمكن الصحيفة من إصدار أكثر من 53 عددا فقط وقد يستغرب القارئ أمام هذا حينما يجد ستة أعوام توارت على ميلاد الصحيفة ولا يجد أمامه غير الرقم 54 ذلك بالنسبة لمن لا يعرفون طبيعة الأوضاع الصعبة التي عاشتها هذه الصحيفة خلال الفترة الزمنية الممتدة من 68 إلى 76م. حدثنا عن الأسباب¿ وهل كنتم تلجؤون إلى القضاء¿
– ما ورد أعلاه عبر عن معاناة عاشتها صحيفة الرسالة طوال بقائها فلم يكن يصدر عدد منها إلا وتعرضنا للمساءلة والاستدعاء من قبل الأجهزة الأمنية أو غيرها محافظ وإلا وزبر وإلا مسئول كبير وهلم جرا ولا يخلو أحيانا من احتجاز أو اعتقال أو مطاردة أو توقيف أو مصادرة الصحيفة وحرقها ولذلك كتبنا ونشرنا ذلك الكلام وأي قضاء نلجأ إليه وهل الدولة كانت تحترم القضاء أو تحترم القوانين¿..
* أستاذ محمد المجاهد.. كيف أصبحت رئيساٍ لتحرير “الجمهورية” لأول مرة في عام 1982 م وذلك عندما كانت فرعاٍ لمؤسسة سبأ العامة للصحافة والأنباء منذ تأسيسها عام 1976¿
– لهذا الموضوع قصة.. ففي مساء يوم 8 أبريل 1982م وأثناء تواجدي في مكتبي في المركز الثقافي بتعز كمدير له تلقيت اتصالا تليفونيا من الأخ وزير الإعلام والثقافة حينذاك الأستاذ حسن أحمد اللوزي يطلب مني التواجد في مكتبه وبصحبتي المرحوم الأستاذ محمد حسين شجاع الدين الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي ولم يفصح عن الغرض من ذلك وفعلا لم يأت الوقت المحدد حتى كنا أمامه في مكتبه في صنعاء حيث وجدنا الغرفة مليئة بالحاضرين فقد استدعى الوزير وكلاء الوزارة ومدير عام مؤسسة سبأ للصحافة والأنباء المرحوم الأستاذ محمد ردمان الزرقة والأستاذ حسن العلفي المدير العام المساعد لوكالة سبأ للأنباء وغيرهم من مدراء عموم وزارة الإعلام وكل ذلك الحشد كان الغرض منه محاولة إقناعي بتولي مسئولية إدارة فرع مؤسسة سبأ للصحافة بتعز ورئاسة تحرير صحيفة الجمهورية لتوقعهم أني سأرفض ذلك العمل وبعد شد وجذب وافقت على تحمل المسئولية رغم صعوبتها ومتاعبها وذلك لمعرفتي المسبقة بوضع الفرع وبوضع صحيفة الجمهورية حينها ولكن بشروط أهمها العمل على تطوير الآلات والأجهزة في الفرع وتأهيل وتدريب الكوادر من عمال وصحفيين وموظفين وتخصيص ميزانية للفرع تصفى مركزيا كل ثلاثة أشهر أسوة بما يحصل مع كل فروع المؤسسات العامة وتمت الموافقة على الشروط وقد فوجئت أن قرار التعيين قد أعد مسبقا مطبوعا وموقعا ومختوما استلمته من الوزير الذي ألح علي أن أعود إلى تعز في ذلك اليوم لمباشرة العمل الجديد..
* وما ملامح الوضع الصعب في “الجمهورية” الذي أشرت إليه ¿
* في حقيقة الأمر الوضع الذي وجدته لم يكن غريبا علي فأنا على معرفة به بحكم التصاقي بالجمهورية منذ بداية عملي في الإعلام فهو ذلك الوضع الذي كان قبل قيام الثورة لم يتغير فيه إلا آلات الجمع (الإنترتيب) الرصاصية وانضمام قليل من الموظفين الشباب غير المؤهلين.. المبنى يشمل كل الآلات والغرف المبنية بوسائل بدائية وهي لا تتعدى ست غرف أرضية لا غير خلاف الغرف الكبيرة البدائية أيضا والتي فيها آلتي الطبع والجمع والقسم التجاري الذي يحتوي أيضا على وسائل بدائية موروثة من العهد السابق للثورة أما الكادر البشري فلم يكونوا مؤهلين لا إعلاميا ولا فنيا ولا إداريا ومما زاد الطين بلة أن الأخ الوزير بقرار تعييني وتعيين مدير التحرير وسكرتير التحرير لم يكتف بإبعاد الزملاء الذين كانوا قبلنا وإنما أبعد كل المحررين العاملين معهم ولم يترك لي إلا المرحوم الأستاذ عبدالعزيز اليوسفي رئيس التحرير الأسبق وقد كان مريضا بالمرض الذي أدى إلى وفاته والمرحوم الأستاذ عبدالله صالح الحربي الذي كان يعاني أيضا من مرض قضى عليه في آخر أيامه والذي هو والأستاذ المرحوم عبدالعزيز اليوسفي لولا مرضهما لكانا خير عون لي في المهمة التي أسندت إلي ولم يخفف عني صعوبة المهمة إلا تعيين المرحوم الأستاذ عبدالرحمن سفيان سكرتيرا للتحرير فهو فعلا كان عند مستوى المسئولية والمهنية وكان عونا كبيرا لي حتى انتقاله في آخر عقد ثمانينات القرن الماضي إلى مؤسسة الثورة وأيضا لكي أواجه العجز في الكوادر الصحفية اضطررت للاستعانة بالشباب الإداريين والفنيين العاملين في الفرع والصحيفة كأمثال الأخ الأستاذ علي ناجي الرعوي الذي كان حينها يعمل فنيا في جمع الصحيفة وفرغته محررا ومعدا للصفحة الرياضية يوميا بعد أن كان يعدها أسبوعيا.. والأخ المرحوم الأستاذ عبدالحبيب سالم مقبل الذي كان حينها أحد مصححي الصحيفة حيث جعلته أحد محرري الصحيفة لما وجدت لديه من ملكة كتابية.. وأيضا كنت أكلفه بعمل تحقيقات وروبرتاجات صحفية ثم انضم لـ”لجمهورية” الأستاذ المرحوم عبدالله سعد محمد بعد دراسته للصحافة في روسيا وكان يساهم في الكتابة أثناء تواجده أيام جازته السنوية. كما استعنت بأشخاص آخرين للكتابة كالأستاذ المرحوم عبدالكريم هاشم المرتضى والدكتور محمد أحمد النهاري وغيرهما بعد أن تخلصت من الطفيليين الذين لا يفهمون من الصحافة إلا أنها أداة ارتزاق بمدح فلان وقدح علان ومن جملة من استقطبتهم من الشباب الأستاذ عزالدين سعيد أحمد الأصبحي الذي استعنت به كاتبا حينما كان يؤدي خدمة الدفاع الوطني ثم أصبح عاملا صحفيا بعد انتهاء فترة تجنيده ولا أنسى الأستاذ عبدالواحد أحمد صالح الذي أسندت له مسئولية الأخبار هذا وبعد فترة قصيرة استطعت إقناع الوزير بإعادة الزملاء الأستاذ زيد الغابري والأستاذ عبده سلام سعيد والمرحوم الأستاذ محمد بن محمد الكاظمي للعمل في الصحيفة لعدم مسئوليتهم عن تدهور وضع الصحيفة قبل ذلك ولخبرتهم الإعلامية الطويلة وقد كانوا مع من ذكرتهم من الشباب لهم الدور المهم في سير تطور الصحيفة والمؤسسة لاحقا بعد إنشائها.
* وما هي الأوضاع المالية.. أقصد الموازنة الخاصة بالجمهورية كفرع لمؤسسة سبأ¿
* الموازنة.. مشكلة عويصة لطالما عانينا منها.. فقد حاول الأستاذ الزرقة التهرب من تخصيص موازنة الفرع وقد ظل يماطل عاماٍ كاملا حتى جاء يوم طلبت فيه من الأخ الوزير التوجيه بشراء جهازي تسجيل للعمل في قسم أخبار الصحيفة فأجابني بأن أواجه ذلك من موازنة الفرع وعندها أخبرته أن الإدارة العامة لم تخصص موازنة للفرع طوال عام فما أصبح صباح اليوم الثاني حتى وجدت الأستاذ محمد الزرقة والأستاذ عبد الجليل أحمد محمد المدير العام المساعد ومحمد علي هادي المدير المالي للمؤسسة يدخلون مكتبي والأُستاذ الزرقة يحلفني بالله ماذا قلت للوزير حتى ألزمهم أن يكونوا صباحا في الفرع بتعز فضحكت ولم أشبع فضوله وخلال ثلاثة أيام تم وضع موازنة متكاملة في الباب الأول بكل بنوده والباب الثاني والثالث بكل بنودهما بما فيها الإنتاج الفكري والأجور الإضافية والحوافز والمكافآت..
* هل بعد الصحيفة عن المركز والظروف آنذاك كانت سبباٍ في تفاقم المشكلات¿
– نعم.. بعد الصحيفة عن المركز كان أحد أسباب تفاقم المشكلات وبالذات في ما يتعلق بتوزيع الصحيفة فقد كنا نحرص أن نرسل الصحيفة برحلات الطائرة صباحا ويوميا قبل عودة الوحدة حتى ألغيت تلك الرحلات الجوية ولكن الإدارة العامة كانت تتعمد أن لا توزع “الجمهورية” إلا متأخرا أو في صباح اليوم التالي وبالذات لو وصلت “الجمهورية” قبل صدور صحيفة “الثورة” مع أن تعاملنا كان عكس ذلك فما أن تصل الثورة إلى المطار أو عبر الباصات حتى يستلمها مندوب الفرع ويقوم مباشرة بتوزيعها على المكاتبات والأكشاك..
* وهل تغير الحال عندما أصبحت “الجمهورية” مؤسسة مستقلة بعد مايو 1990 وكنت رئيساٍ لمجلس الإدارة والتحرير¿
– من الطبيعي أن يتغير الحال.. فقد صرنا منفصلين عن أية جهة أخرى إلا التبعية لوزارة الإعلام بحكم الإشراف ليس إلا وصار تعاملنا مباشرة مع وزارات المالية والخدمة المدنية والتخطيط كشخصية اعتبارية وهذا ساعدنا كثيرا في تخطي أغلب المشاكل والمعيقات التي كانت تواجهنا وإن لم نستطع حل كل إشكالاتنا بحكم بعدنا عن مصدر القرار وقلة الموارد المالية سواء دعم الحكومة أو العمل التجاري والإعلاني.
* دعني أعود وأسألك عن قصة الخلاف مع الأستاذ محمد الزرقة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة في سنة أنشأ مؤسسة الجمهورية¿
– هذه المرة كان الخلاف حول الموازنة العامة للمؤسسة التي لم نعلم أن “الجمهورية” قد صارت مؤسسة مستقلة إلا بعد عام واحد وذلك عند ما شكونا لوزير الإعلام الدكتور محمد أحمد جرهوم عن مماطلة الأستاذ الزرقة بصرف اعتمادات الفرع وإذا به يفيدنا بأن “الجمهورية” لم تعد فرعا وإنما أصبحت مؤسسة مستقلة عملا بالاتفاقية الإعلامية الملحقة باتفاقية الوحدة اليمنية بعد ذلك تحركت وبصحبتي الأخ علي ناجي الرعوي إلى صنعاء وهناك وجدنا أن الأستاذ الزرقة يريد إعطاء مؤسسة “الجمهورية” ما كان يعطى للفرع سابقا وحرماننا من حصتنا من المخزون العام لمؤسسة سبأ العامة للصحافة والأنباء.. وبعد شد وجذب وبتدخل الأستاذ علي الحوثي أحد وكلاء وزارة المالية حينذاك زادونا الشيء اليسير عما كان يريد الزرقة إعطاءه للجمهورية خصوصا ونحن لم نلقِ أية مساندة أو دعم لا من وزير الإعلام ولا من نائبه وظل ذلك الوضع غير الطبيعي هو الهم الدائم لنا في مؤسسة الجمهورية..
* ومن المسئول عن تدني الأخلاقيات المهنية.. وكيف تعاد الروح الحقيقية للصحافة¿
– نعم هناك تدنُ في الأخلاقيات المهنية الصحافية إلا أني أؤكد أن الصحافة وضعها كأي مهنة إذا صلح المنتمون إليها صلحت سمعتها وإذا لم يحترم منتسبوها مهنتهم وأنفسهم أولا ساءت سمعت مهنتهم وكذلك الصحافة حالها كحال غيرها من المهن ولذلك كنت حريصا أثاء رئاستي لـ”الجمهورية” وقبلها “الرسالة” التي كنت صاحب امتيازها ورئيس تحريرها أن أنزه نفسي وأنزه جميع من يعملون معي حرصا على سمعة الصحيفة وعلى الصحافة بشكل عام وأعتقد أن دور نقابة الصحافيين ووزارة الإعلام لا يستهان به لو فهموا دورهم ومسئوليتهم في تخليص العمل من الطفيليين و”المتشعبطين” على الصحافة..
* لو انتقلنا بالحوار إلى المستقبل يدور الحديث عن إعادة بناء المؤسسات الإعلامية الرسمية.. هناك من يريد إلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بمجلس أعلى للإعلام والصحافة.. كيف يمكن تحقيق هذه الفكرة¿
– رأيي الشخصي وقد قلته في عدة تقارير مرفوعة لوزارة الإعلام أحدها رفعته في عام 1995م طالبت فيه بإلغاء الإعلام الرسمي وإلغاء وزارة الإعلام أيضا عملا بما هو حاصل في كثير من الدول الديمقراطية في العالم ولكن لم ينتبه لذلك المقترح لأن المسئولين بحاجة لإعلام رسمي يحسن أعمالهم ويبرر أخطاءهم وسلبياتهم ولم أكتف بتلك التقارير بل كتبته مرارا في مقالات نشرت في الصحف..
* لماذا برأيك فشل الإعلام الخاص والحزبي في قيادة حوار وطني والتركيز على كل ما هو سياسي وإغفال قضايا المجتمع¿
– الإعلام الخاص والحزبي لم يفشل ولكن فشلت الأحزاب التي تسيطر على إعلامها وكذلك الإعلام الخاص لأن أصحابه مرتهنين لقوى سياسية معينة وليسوا مالكين لقرارهم فكيف لا يفشل إعلام مثل هذا¿ وتلك القوى أو الأحزاب ما يشغل بالها هو الجانب السياسي فقط وماذا سيكون لها وأين سيكون موقعها أما قضايا المجتمع فهي آخر ما تهتم به الأحزاب أو القوى السياسية..
* ما أبرز ما تم من إنجازات خلال فترة توليك المؤسسة¿
– أبرز إنجاز خلال تولي المؤسسة هو خلق مؤسسة من عدم حيث لم أتركها إلا وقد أصبح لها مبنى ضخم مكون من أربعة طوابق خلاف البدروم وقاعة كبيرة لآلات الطبع وهنجر كبير مخزن للمؤسسة إضافة إلى غرف للحراسة وغيرها وكذلك صار للمؤسسة آلات حديثة للطبع وأجهزة حديثة للجمع والإخراج كما صار هناك كوادر صحفية وفنية يمثلون أهم إنجاز للمؤسسة والصحيفة التي صار لها ملحقات أحدها صار صحيفة مستقلة تحت عنوان (الثقافية)..
* ما هو الفارق الذي عشته بين صحافة الأمس واليوم¿
– صحافة الأمس كانت تصدر في ظروف صعبة وواقع متخلف ومع ذلك ناضلت وأدت دورها بنجاح لأن صحافيي الأمس كانوا يشعرون أنهم يناضلون لتطور الوطن وتقدمه وبلا شك أنهم ليسوا كلهم ملائكة ولكن الأغلب أستطيع أن أقول أنهم كانوا مناضلين رغم واقعهم المهني والاقتصادي أما صحافة اليوم مع احترامي لكثير من العاملين فيها فهي لا ترقى إلى ما صنعته صحافة الأمس وصحافيي الأمس رغم تطور الوسائل الإعلامية وحداثتها وذلك لأن صحافة اليوم صارت مطية يركبها كل أمي متحذلق فلم يعد للكلمة قداستها ولا حرمة للحقيقة فيها فكل يكذب ويزيف دون خجل أو حياء حتى اختلط الحابل بالنابل..
* في أي ظرف تركت مؤسسة الجمهورية.. وما حالها¿
– تركت المؤسسة بعد إحالتي للتقاعد عام2005.. وقد صارت تنافس مثيلاتها من المؤسسات الصحفية الرسمية سواء في الأداء أو في التأثير ولم يكن ينقص المؤسسة والصحف الصادرة عنها سوى شراء آلة كبيرة بعدة رؤوس شبيهة بما هو حاصل في مؤسسة الثورة وقد سعينا كثيرا بطلب اعتماد شراء تلك الآلة وفي كل عام مالي جديد كانت المالية تعاكس طلبنا حتى حصل لقاء شخصي مع الأستاذ عبدالقادر باجمال رئيس مجلس الوزراء شفاه الله الذي تفهم وضع مؤسسة الجمهورية وأصدر أمره باعتماد الآلة المطلوبة التي تم إنزال المناقصة عنها عبر الصحف الرسمية وتقدم وكلاء آلات الطباعة بعطاءاتهم وفتحت الظروف ورست على أحدهم ولا أدري ماذا تم بعد ذلك فقد تقاعدت عقب ذلك ولكني أعرف أن الآلة اشتريت وهي الآن تطبع عليها صحيفة الجمهورية..
* تعرضت للعديد من المشكلات والمنغصات أثناء تحملك رئاسة تحرير الجمهورية.. ماذا تقول عنها اليوم¿
* من الطبيعي أن يتعرض كل من يتولى مسئولية تحرير صحيفة سواء كانت حكومية أو أهلية لكثير من المنغصات والمشكلات أهمها عدم استيعاب أكثرية الناس وبالذات المسئولين منهم لدور الصحافة وأهميتها في المجتمع ولذلك تعرضت وتعرض كثير من الزملاء لكثير من المتاعب والمضايقات كانت تمثل عبئا مضافا إلى متاعب العمل في ظل ظروف فنية متدهورة وخصوصا عندما تجد أن كل مسئول في السلطة يريد أن يكون وزير إعلام آخر يوجه ويشطح وينطح على الصحافيين ويريد من الصحافة أن تكون مجرد بوق يمدح ويمجد بحمدهم فلا تنتقد ولا تعري الأخطاء والسلبيات وكم واجهنا من أمثال هؤلاء وكم تعرضنا للمساءلات والاستجوابات لأتفه الأمور ومع ذلك كنا نصبر ليقيننا أن الصحافة قي مجملها هي مهنة المتاعب..
* في نهاية هذا الحوار اسمح أن أسأل: ما الذي أعطته صاحبة الجلالة للأستاذ محمد عبدالرحمن المجاهد بعد أكثر من خمسين سنة خدمة في بلاطها¿
– لم تعطني شيئاٍ سوى مرض السكر والتهابات المفاصل والزوائد العظمية في الركب وما عدى ذلك فقد خرجت نظيفاٍ لا أملك من حطام الدنيا شيء سوى راتبي التقاعدي فلا سكن ولا أي شيء أستعين به على مواجهة متطلبات الحياة وحسبي الله ونعم الوكيل..