هل فعلا ستنسحب الإمارات من اليمن؟
وما هو الهدف من تصاعد الحروب العرقية والمناطقية في المناطق التي يسيطر عليها العدوان؟
د. عبدالرحمن راجح
تطور جديد تشهده المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة السعودية والإمارات، ففي ظل تصاعد الانقسام والوضع غير المستقر والمتأزم في هذه المناطق ترددت أنباء عن نية الإمارات سحب قواتها وتأتي هذه الإنباء في ظل تفاقم الأزمة بين الإمارات وحزب الإصلاح في العديد من المناطق خاصة في شبوة وسقطرى وتعز. تصاعد الخلافات أدى على ما يبدو إلى تسريب أبوظبي أخبارا عن مساعيها لتقليص وجودها العسكري ومغادرة قواتها مدينة مأرب الواقعة شمال شرق البلاد ومناطق في عدن والساحل الغربي.
الخطوة الإماراتية هذه التي لازال يشكك فيها العديد من اليمنيين جاءت على لسان مصادر دبلوماسية أمريكية وغربية حيث تحدثوا لوسائل إعلامية غربية وأمريكية عن نية الإمارات تقليص تواجدها العسكري مضيفين ان هذا الموقف الإماراتي يأتي في خضمِ التوتراتِ في منطقةِ الخليج مؤكدين ان الانسحاب سوف يكون من عدن جنوب البلاد والساحل الغربي. وذكرت مصادر يمنية محسوبة على حكومة المستقيل هادي والإخوان في مأرب أن الإمارات قامت بسحب قواتها من محافظة مأرب شرق اليمن وتعد مأرب أهم مدينة لجماعة الإخوان باليمن.
ويرى العديد من المحللين السياسيين في اليمن أن الخطوة الإماراتية هذه قد لا تكون حقيقية خاصة وأنها جاءت بعد أيام قليلة من حملة كبيرة أطلقها العديد من الناشطين والإعلاميين اليمنيين للمطالبة بإخراج وطرد الإمارات من بلادهم وقد تصدر هذه الحملة العديد من الناشطين والإعلاميين المحسوبين على الإخوان وسلطة عبدربه منصور هادي. وشددت الحملة التي هاجمها الإعلام الإماراتي بشدة على أن الجنوب واليمن بشكل عام ضاق ذرعا بممارسات أبو ظبي ودورها السلبي والاستعماري والتخريبي وممارساتها الاقصائية وسيطرتها على الجزر والموانئ والمواقع النفطية وتسليم هذه المناطق لقوات ومليشيات تابعة لها وتهميش وطرد كل من هو محسوب على الإخوان وحكومة المستقيل الفار عبدربه منصور هادي. واستطاعت الحملة إخراج تظاهرة حاشدة في جزيرة سقطرى وطالبت بإخراج وطرد القوات الإماراتية.
التطورات المذكورة دفعت بالإمارات على ما يبدو إلى إيصال رسالة للسعودية بان الهجوم من قبل المحسوبين على «شرعية هادي» وحزب الإصلاح وسكوت الرياض عن ذلك سوف يدفعها إلى تقليص تواجدها العسكري في اليمن وفي هذه الخطوة الإماراتية تهديد واضح للرياض التي لم يعد لديها أي حليف في عدوانها على اليمن وأصبحت تحتاج للإمارات أكثر من أي وقت مضى نظرا للهزائم التي لحقت بها وسقوطها في مستنقع حرب اليمن الاستنزافية التي أنهكتها وهدت قواها وإمكانياتها.
ولكن العديد من المحللين اليمنيين يرون أن الإمارات لن تترك اليمن بهذه السهولة خاصة وأنها بنت جيوشاً جرارة من المرتزقة في العديد من المناطق وأبرزها ما يسمى بقوات الحزم الأمني والنخب وكذلك من يسمون أنفسهم حراس الجمهورية التابعين لطارق عفاش. وقد استخدمت الإمارات هذه الجيوش من المرتزقة لآمرين الأول لسيطرة على السواحل اليمنية والموانئ والمنافذ والثاني لإضعاف ما يسمى بالجيش الوطني التابع للإخوان في بعض المناطق خاصة بالجنوب.
والجيش الوطني المذكور هو عبارة عن جماعات عقائدية اخوانية بنتها السعودية وقطر للإخوان في اليمن ويعتبر هذا الجيش امتدادا للفكر الطائفي للقاعدة وداعش وتستخدمه السعودية في إطار حربها المذهبية والعرقية التي تروج لها في اليمن غير أن الإمارات تتوجس منهم في ظل الصراع على مناطق الجنوب والمناطق النفطية وترى ابوظبي فيهم خطراً يهدد وجودها في هذه المناطق على المدى المنظور في إطار حربها على جماعات الإخوان.
وقد سارعت السعودية حسب العديد من المصادر إلى إرسال تعزيزات وقوات سودانية وسعودية إضافية إلى كل من مأرب وعدن خاصة منظومات صواريخ الباتريوت تحسبا لأي خطوة إماراتية في هذا الإطار.
ولا تختلف السياسة الإماراتية والسعودية بشكل كبير في اليمن على ما يبدو حيث يكمل بعضهم البعض خاصة وان الرياض تحتاج لأبوظبي بشكل كبير في هذه الحرب غير ان هناك اختلافات حول كيفية احتواء المرتزقة من اليمنيين الذين يعملون معهم حيث تراهن السعودية على حزب الإصلاح باعتباره حزباً عقائدياً له امتداد قبلي خاصة في المناطق الشمالية لذلك تستطيع من خلاله ان تحقق طموحها ومطامعها باليمن حتى لو كان ذا عقيدة اخوانية لكونه يملك امتداداً عشائرياً استطاعت السعودية من خلالها تحشيد قوة عسكرية كبيرة وزجت بهم في المعارك كجنود مقاتلين على حدودها وفي الجبهات الداخلية واستخدمتهم كدروع بشرية حامية ومحافظة عن جنودها وحدودها من هجمات القوات اليمنية المشتركة لذلك ترى السعودية أن التخلي عن الأخوان في هذه الفترة سوف يعجل بهزيمتها وسوف يكون له أضرار بليغة على تواجدها في اليمن وترى الرياض أن الأخوان في اليمن حلفاء اثبتوا إخلاصهم للسعودية خلال هذه الأعوام الماضية وكانوا سلاحها الرخيص في خاصرة اليمن. غير أن ابوظبي تختلف مع الرياض في هذه النقطة وتعتبر الإخوان قوة غير مؤتمنة وغير منضبطة أو موثوق بها خاصة وان لها رؤية سياسية وعقائدية قد تستطيع من خلالها ادعاء الاستقلالية في المستقبل خاصة في مناطق الجنوب والمحافظات الشرقية وسيؤدي ذلك إلى تضارب المصالح في هذه المناطق التي تريد الامارات الاستقرار فيها والبقاء فيها لذلك فضلت ابوظبي التعامل في اليمن من خلال بناء قوات خاصة بها من السلفيين والجنوبيين وبعض المرتزقة التابعين لحزب المؤتمر والحزب الناصري واستخدمتهم لتحقيق مصالحها في اليمن. وترى الإمارات أن إقصاء وطرد الأخوان واجتثاثهم من جميع المناطق هو الطريق الأنسب والأساسي لتثبيت إقدامها في هذه المناطق التي تسيطر عليها.
ويرى العديد من اليمنيين أن الإمارات والسعودية من اجل تثبيت تواجدهما في اليمن يسعون الآن إلى رسم خارطة جديدة للبلاد على أسس مناطقية ومذهبية وعرقية حيث دفعت هذه الدول بالجماعات والأحزاب التابعة لهم منذ البداية إلى تهجير الأسر الهاشمية والصوفية والزيدية من عدن والعديد من مناطق الجنوب وقامت في البداية بهدم حي كامل ومسجد كبير تابع للشيعة الهنود في عدن وتسعى هذه الجماعات خاصة الإصلاح والسلفيين في إطار هذا المخطط إلى العبث بالتركيبة السكانية والديمغرافية للبلاد وقد تزايدت عمليات الطرد والاستهداف الممنهج في الآونة الأخيرة وكانت آخر عملية عرقية ما حصل من قتل لساده في منطقة الأزارق بالضالع كما عملت هذه الجماعات على تهجير آلاف السكان من الهاشميين والصوفيين من تعز والسيطرة على منازلهم ومناطقهم وتعمل هذه الجماعات اليوم على تنفيذ السياسة نفسها في محافظة مأرب وشبوة وحضرموت حيث يعمل حزب الإصلاح بشكل علني على تهجير أشراف مأرب وشبوة وسادات حضرموت ويقوم بشن حملة عرقية ضدهم استطاع من خلالها السيطرة على العديد من منازلهم وممتلكاتهم وتهجير بعضهم وتخدم هذه السياسة حسب العديد من المختصين اليمنيين المشروع الإماراتي والسعودي الذي يعمل على تفتيت البلاد وتمزيقها على أسس مناطقية ومذهبية من اجل خلق أزمات واختلافات في المناطق الجنوبية والشرقية ويصنع المزيد من حالات الاحتراب والتمزق الداخلي بين اليمنيين وفرز البلاد على أسس عرقية. يستطيع من خلالها الاستمرار في التواجد العسكري باليمن.