حروب أمريكا الخاسرة في فيتنام وسوريا واليمن
أحمد الحبيشي
يتميز موقع اليمن البحري بأنه يتكون من ضفتين مائيتين بالإضافة إلى تحكّمه بمضيق باب المندب ، وهو أحد المضائق المائية المهمة في العالم ، باعتباره عنق الزجاجة بالنسبة للبحر الأحمر الذي يتحكم بالطرق التجارية بين الشرق والغرب ، ويمر عبره 6 ملايين برميل نفط يوميا بما نسبته 8% من الطلب العالمي على النفط ، كما تمر عبره نحو 40 ألف سفينة سنويا.
وتمثل الشحنات التجارية التي تمر عبر الممر ما يعادل 10% من الشحنات التجارية العالمية ، بما يجعله يحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد مضيق هرمز ومضيق ملقا من حيث كمية النفط التي تعبره يوميا ، الأمر الذي زاد من أهميته الاستراتيجية ، وقيمته الاقتصادية ، حيث يتيح لليمن التوسع في علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية ، ويمنحها حدوداً طبيعية مثالية لما يشكله البحر من عازل طبيعي بين اليمن وغيرها من البلدان ، باعتبار أن حماية الحدود البحرية أقل كلفة إذا ما قورنت بمتطلبات الحماية للحدود البرية الواسعة التي تحتاج إلى قوة كبيرة للدفاع عنها ، كما يعطيها الأمان على تجارتها الدولية إذا ما تعرضت جبهاتها الأخرى لأي تهديد.
كما يمتلك اليمن العديد من الجزر اليمنية ذات الموقع الهام والتي تُضاعف من الأهمية الإستراتيجية لموقعه البحري ، بما تمنحه من ميزة الانتشار، والتوزيع للمراكز التجارية والقواعد البحرية والجوية. فجزيرة سقطرى مثلا تشكل عتبة للقفز إلى البر الآسيوي (الجزيرة العربية) وإلى البر الإفريقي بالإضافة إلى وقوعها على طريق هام لنقل النفط العالمي عن طريق باب المندب وقناة السويس.
نقاط القوة الطبيعية
تتكون الجمهورية اليمنية من 23 محافظة على النجو التالي: أمانة العاصمة صنعاء / محافظة عدن / محافظة صنعاء / محافظة عمران / محافظة ذمار/ محافظة صعدة / محافظة تعز/ محافظة محافظة إب/ محافظة الحديدة / محافظة ريمة/ محافظة المحويت/ محافظة حجة / محافظة حضرموت / محافظة أرخبيل سقطرى / محافظة شبوة / محافظة المهرة / محافظة مارب / محافظة البيضاء / محافظة الجوف / محافظة أبين / محافظة لحج / محافظة الضالع.
وترتبط اليمن بجوارها الجغرافي والعالم الخارجي من خلال المنافذ الجوية والبرية والبحرية التالية :
اولا / منافذ جوية:
مطار صنعاء الدولي / مطار عدن الدولي/ مطار تعز الدولي/ مطار الحديدة الدولي/ مطار المكلا الدولي/ مطار سيئون الدولي.
ثانيا / منافذ برية:
منفذ حرض/ منفذ البقع/ منفذ الطوال/ منفذ علب/ منفذ شحن/ منفذ صرفيت/ منفذ الوديعة.
ثالثا / منافذ بحرية:
ميناء عدن/ ميناء كالتكس بالمنصوره/ ميناء الزيت بالبريقة/ منفذ رأس العارة على الساحل الغربي بلحج/ ميناء المخا/ ميناء الحديدة/ ميناء المكلا/ ميناء الضبة/ ميناء نشطون/ ميناء قشن سيحوت/ ميناء بير علي/ ميناء بلحاف/منفذ بروم/ منفذ ذباب/ ميناء الخوخة/ ميناء الصليف/ ميناء رأس عيسى/ ميناء الخوبة/ ميناء اللحية/ ميناء رضوم/ ميناء ميدي.
المطامع الأمريكية الاستراتيجية في اليمن
يمكن فهم أبعاد الدور الأمريكي في دعم العدوان السعودي الاماراتي على اليمن ، من خلال التعرف على المصالح الأمريكية المتنامية في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أي في جنوب غرب آسيا.
ومن خلال مشاهدة الخريطة يتضح لنا جلياً أن الـيَـمَـن تُعتبَرُ أحَدَ أهمِّ بوابات المنطقة ، باعتبارها المتسيّدةَ على البوابة الجنوبية للشرق الأوسط. وما يضاعفُ أَهَميَّةَ موقعها ، إطلالتُها المباشرة التي منحتها السلطة على أهم مضيقٍ في العالم وهو مضيق باب المندب الذي يتحكم بالمنطقة المائية البحرية التي تفصلُ قارة آسيا من ناحية الشرق وإفريقيا من ناحية الغرب ، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط.
ومن خلال التمعُّن في الخارطة ، نلاحظُ انتشارَ الجزر اليمنية في مياهها الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وهذا ما عزز سلطتها على هذا المضيق الحيوي.
واكتسب هذا المضيق أَهَميَّتَه الاستراتيجيةَ منذ افتتاح قناة السويس عام 1869م، ووفَّرت طبيعة الجغرافيا للـيَـمَـن بامتلاكه هذا الموقع سلطةَ التحكم به ، دون أن تكونَ بالضرورة تملك القوة لذلك؛ باعتباره المدخلَ الوحيدَ للبحر الأحمر، إضافةً إلَـى التداخل الوثيق بين مضيق باب المندب ومضيق هُرمُز، باعتبارهما طريقَين للناقلات المحمّلة بنفط الخليج باتجاه أوروبا ، ناهيك عن اعتباره الحزامَ الأمني للجزيرة العربية، وهمزة وصلٍ بين إفريقيا والجزيرة والخليج.
ووفقاً للإحصاءات، يمُـــرُّ في مضيق باب المندب حوالي 6 ملايين برميل نفط يومياً، وهذا ببساطة يؤكّد مصلحة الدول الكبرى ودول الإقليم في أَهَميَّة السيطرة على هذا الشريان الدولي الذي تتدفَّقُ منه الطاقة لأهم وكُبرى الدول الصناعية الأوروبية ، مما دفعها لممارسة دورٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ وعسكريٍّ في الأرض الـيَـمَـنية، من خلال فرض تدخلٍ واضحٍ في أزمات البلاد وتوجيه مساراتها وشراء الذمم ، باتساقٍ متوازٍ مع مصالح تلك الدول منفردةً أو متحالفة.
رُبَّـمَا لا يدركُ البعضُ أن معركةَ السيطرة على الدول التي تمتلكُ موقعاً جغرافياً مهماً كالـيَـمَـن وفرْض الهيمنة عليها، يأتي في سياقِ تمدد نفوذ الدول الاستعمارية لتضييق الخناق على مصالح دولٍ استعماريةٍ أخرى تتصارع معها.
ولأن أمريكا تعتبر من دول العالم الجديد، فيما تكمن مراكز الثروة في العالم القديم ، فقد كان عليها إيجادُ طريقةٍ لحلِّ هذه المشكلة الكامنة في موقعها الجغرافي البعيدِ عن مواطن تلك الثروات ، فلم تجد حلاً غيرَ سيطرتها وفرض هيمنتها على الدول المطلة على أهمِّ الطرق التجارية والمضائق الدولية لتتحكَّم بسَيْرِ عمليةِ نقل الطاقة والتجارة الدولية، وتمارِسُ من خلالها أقوى الضغوطات لإخضاع القوى العالمية التي تنازعها زعامة العالم.
كانت الـيَـمَـنُ ولازالت ضمن دائرة الأطماع الأمريكية كونها تتمتعُ بمواصفات الموقع الاستراتيجي الذي يمنح أمريكا امتيازات السيطرة على أهم مفاصل طرق التجارة الدولية ونقل الطاقة، مضافاً إليها مخزونَ الثروات الهائلة فيها، فتضمن بذلك أوراقَ الضغط على تجارة الصين الذاهبة إلَـى القارة الأفريقية والأوروبية وضمان قطع الطريق على خطوط نقل الطاقة الروسية التي تطمح روسيا لإنشائها من خلال الاستثمار في مجال الغاز والنفط في الـيَـمَـن ، وربطها بخط غاز المتوسط وتوصيله إلَـى أوروبا، أو تحويله إلَـى آسيا ، كما تضمنُ بقاء دول أوروبا العظمى في دائرة التبعية لها، وبذلك تكون أمريكا صاحبة اليد العليا في التحكم بالمصير العالمي أمام أقوى الخصوم الدوليين.
أعلنت اليمن بعد قيام ثورة 21 سبتمبر 2014م تبنِّي مشروع التحرر من أيَّة وصايةٍ إقليميةٍ أو دوليةٍ، في سعيها لبناء دولة وطنية مستقلةٍ حديثة ، وتطهير البلاد من أدوات النفوذ الخارجي، ومراكز الفساد والأوليغارشيات المشائخية والعسكرية والدينية التي رعنت البلاد بالتبعية للوصاية الأمريكية السعودية، وأدركت أمريكا بأن هذه الثورةَ تستهدف بمشروعها الوطني وجودها ومصالحها ، ووجدت نفسَها أمام خيار إعادة الـيَـمَـن الى بيت الطاعة الأمريكي السعودي بالقوة العسكرية ، فشنَّت عُـدْوَانها البربري بواسطة أذنابها وأدواتها في المنطقة، بعد ان أوعزت للنظام السعودي ومشيخات الخليج بإعلان الحرب على الـيَـمَـن واحتلالها عسكرياً ، حتى وصل الأمرُ الى مشاركتها فعلياً في العمليات العسكرية، سواءً على الأرض أو بالضربات الجوية؛ ، لاستعادة نفوذها الذي هدَّدته هذه الثورة بالضياع.
وتأسيساً على ذلك يمكن القول إن العُـدْوَانَ على الـيَـمَـن لم يكن من أجلِ إعادة شرعية الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي ، أو كما تدّعيه دولُ العُـدْوَان في تبريراتها له ، بل من أجل إبقاء هيمنتها على الـيَـمَـن كي تمتصَّ ثرواتها وتستغلَّ موقعَها الاستراتيجي خدمةً لمصالحها التي سيقضي عليها مشروع الدولة الـيَـمَـنية الحديثة المستقلة والقوية الذي تسعى ثورة 21 سبتمبر لتحقيقيه ، تلبيةً لطموحات وآمال الشعب في بناء هذه الدولة المنشودة.
اليمن والبحر الأحمر
يتميز البحر الأحمر بموقع جغرافي واستراتيجي مهم، لأنه ملتقى ثلاث من قارات العالم القديم ، وهو حلقة وصل بين مناطق بحرية إقليمية حيوية هي : البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والقرن الأفريقي والمحيط الهندي وخليج هرمز ومنطقة الخليج.
وتطل على البحر الأحمر ثماني دول منها ست دول عربية هي: المملكة العربية السعودية ومصر والسودان والأردن واليمن وجيبوتي ، ودولتان غير عربيتين هما إسرائيل وإريتريا، وتقع أربع دول منها في قارة أفريقيا وهي مصر والسودان وجيبوتي وإريتريا، والأربع الأخرى في آسيا هي السعودية والأردن واليمن وإسرائيل.
يكتسب البحر الأحمر أهمية إستراتيجية للأمن القومى العربى في ثلاث دوائر تمثل الأمن العربي والأفريقي والأمن العالمى مركزها القرن الأفريقي. فهو يعتبر قناة وصل بين البحار والمحيطات المفتوحة ومن هنا تزيد أهميته الإستراتيجية سواء من الناحية العسكرية أوالاقتصادية أو الأمنية. ناهيك عن أنه الطريق الرئيسي الذى يمر من خلاله نفط وغاز الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا ، إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60 % من احتياجاتها للطاقة عبر البحر الأحمر ، فيما تحتاج الولايات المتحدة الأميركية لنقل نحو 25 % من احتياجاتها للنفط عبره.
يوجد في هذا البحر العديد من الجزر والخلجان ذات الأهمية الاستراتيجة ، مثل خليج السويس الذي يشكل ممراً ملاحياً حيوياً ، وهو الامتداد الطبيعي لقناة السويس وفيه معظم آبار النفط المصرية ومدخله مضيق مهم هو مضيق جوبال.
أما مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر فيمتد في المياه الإقليمية لثلاث دول هي اليمن وجيبوتي وإريتريا ، ويستمد أهميته من كونه المنفذ الوحيد المتحكم تماماً في البحر الأحمر من الناحيتين العسكرية والتجارية.
ويعتبر خليج العقبة المنفذ الوحيد لإسرائيل نحو أفريقيا وآسيا وزاد من أهميته لمصر وجود الخط الملاحي بين نويبع وميناء العقبة ويعد المنفذ الوحيد للأُردن.
أهمية البحر الأحمر لأمن الكيان الإسرائيلي
ركزت إسرائيل على البحر الأحمر في نظرية أمنها القومي ، على الرغم من قصر ساحلها عليه والذي يبلغ طوله سبعة أميال، وأعطت اهتماماً كبيراً للبحر الأحمر باعتباره من مقتضيات أمنها القومي بوصفه يقع ضمن اتجاهها الاستراتيجي الجنوبي ليشمل الدول العربية المشاطئة له ودول القرن الأفريقي المتحكمة في مدخله الجنوبي، بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى ومنابع نهر النيل، لذلك خططت إسرائيل منذ نشأتها للسيطرة على البحر الأحمر بجميع منافذه وإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى الممتدة بحسب زعمهم من النيل إلى الفرات.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، عززت الولايات المتحدة الأمريكية ثقلها في منطقة البحر الأحمر بحجة حماية طرق الملاحة الدولية في إطار حملتها الدولية على ما يعرف بالإرهاب.
ويمكن القول إن اسرائيل هي المستفيد الأول من ذلك ، حيث ألقت بكل ثقلها في ما يسمى “الحرب ضد الإرهاب” وأصبح هناك تمركز إسرائيلي إلى جانب التمركز الأمريكي في أرض الصومال وجيبوتي، وخصوصاً بعد تفجير الفندق المملوك لإسرائيل في مومباسا في كينيا، مما أعطى لإسرائيل الذريعة للبقاء في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
التواجد الصهيوني في البحر الأحمر
في الخمسينات قال الأدميرال ايلفي كانستلون، قائد البحرية الصهيونية آنذاك:
” نحن نملك أسطولاً بحرياً يعمل في جميع موانئ العالم وسيرتفع عدده في عام 1956م. ولهذا فعلينا أن نعد العُدة لمستقبل تستطيع فيه أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار المفروض علينا وأن نفرض الحصار بدورنا على بعض الدول العربية بشكل أقوى مما فرضوه علينا. أي باختصار، مطلوب منا أن تكون لدينا خطة نستطيع عن طريقها تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بالتدريج “.
من هنا كانت السيطرة على البحر الأحمر هدفاً للسياسة الصهيونية. وبدأ منذ وقت مبكر الاهتمام الصهيوني في أفريقيا وخاصة بإريتريا.
وقد احتلت إسرائيل مرفأ إيلات (أم الرشراش المصرية) في مارس 1949م بعد توقيع اتفاقية رودس ليكون مدخلها إلى خليج العقبة والبحر الأحمر لإقامة العلاقات مع الدول الأفريقية والآسيوية. ونجحت في استثمار علاقتها مع أثيوبيا قبل انفصال إريتريا عنها حيث على جزيرة دهلك في البحر الأحمر عام 1975م، كي تُقيم عليها أول قاعدة عسكرية. وتلا ذلك استئجار جزيرتى “حالب وفاطمة”، ثم سنشيان ودميرا.
وأكدت مصادر دبلوماسية غربية في أسمرا وأديس أبابا وجود طائرات إسرائيلية مجهزة بمعدات تجسس متطورة في دهلك مما يحقق لها الإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر ومراقبتها من الجنوب حتى إيلات، وتأمين التحرك التجاري الإسرائيلي وضمان إغلاق باب المندب في وجه العرب في أي وقت.
النزاعات السياسية في البحر الأحمر
تدور في البحر الأحمر مجموعة متداخلة من النزاعات السياسية ذات الطابع الدولي أو الاستراتيجي أو الإقليمي أو الحدودي أو الثقافي أو الاجتماعي أو العرقي أو العنصري. وتساعد الجغرافيا السياسية والاقتصادية ومقاصد الدول الكبرى على فهم أعمق لطبيعة النزاعات في البحر الأحمر.
ويمكن تقسيم هذه النزاعات إلى فئتين: النزاعات المباشرة والنزاعات غير المباشرة. وتضم الفئة الأولى مجموعة من النزاعات الدائرة بين طرفين من الدول المطلة على البحر الأحمر وتشمل الصراع العربي الإسرائيلي، وتوتر العلاقات المصرية السودانية، والتوتر السوداني الإثيوبي، ومشكلة جنوب السودان، واحتلال إريتريا جزيرة حنيش اليمنية، والوجود الفرنسي في جيبوتي، ونزاع أوجادين بين إثيوبيا والصومال.
أما النزاعات غير المباشرة فهي التي تقع بين طرفين أحدهما أو كلاهما ليسا من الدول المطلة على البحر الأحمر وهذه النزاعات هي:
حرب الخليج، والعلاقات السودانية الكينية، والعلاقات السودانية الليبية، والسودانية التشادية، والصومالية الكينية، حيث كان البحر الأحمر ومضائقه وخلجانه وجزره جزءاً من الحروب العربية – الإسرائيلية (1956 – 1967 – 1973م) وذا علاقة مباشرة بحربي الخليج الأولى 1980 – 1988م والثانية 1990–1991م.
التنافس الدولي على النفوذ في البحر الأحمر
يشكل البحر الأحمر محوراً مهماً لأي عمل عسكرى محتمل يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة وما حولها ، وكذلك ضمان أمن إسرائيل التي تتعهد به الولايات المتحدة الأمريكية، لمنع سيطرة قوى معادية على البحر الأحمر وخاصة مضائقه المهمة.
وقد ظل البحر الأحمر موضع اهتمام الإدارة الأمريكية على اختلاف عهودها منذ مبدأ نيكسون عام 1969م ومبدأ كارتر عام 1976م ومبدأ ريغان عام 1982م حتى مبدأ بوش عام 1990م.
بدورها، تسعى روسيا الاتحادية ليكون لها نفوذ في منطقة البحر الاحمر والدول المطلة عليه والقرن الإفريقي، وذلك لفرض النفوذ الروسي على الملاحة البحرية في البحر الأحمر وتقويض المصالح الأمريكية والغربية وتقليصها في البحر الأحمر وما حوله واحتواء دول القرن الافريقي (الصومال وإثيوبيا) وإدخالها في حلف أو اتحاد، مما يتيح لها السيطرة على باب المندب. وسعت روسيا للتوسع في عقد اتفاقيات الدفاع المشترك والحصول على التسهيلات البحرية والجوية في بعض دول منطقة البحر الأحمر.
أما فرنسا فهي أيضاً من الدول ذات النفوذ في البحر الأحمر لتأمين وارداتها من النفط وإثبات وجودها في تأمين طرق المواصلات والممرات المهمة وضمان عدم انفراد الولايات المتحدة الأمريكية في التحكم في الأوضاع في المنطقة. وفي جيبوتي احتفظت فرنسا بقاعدة عسكرية وبحرية ، وتتمتع بأكبر وجود عسكري فرنسي خارج فرنسا، بالإضافة إلى الإسهام في تسليح دول مطلة على البحر الأحمر مثل جيبوتي ومصر والسعودية واليمن.
في هذا الاتجاه لم تتجاهل بريطانيا أهمية البحر الأحمر وضرورة أن يكون لها نفوذ فيه فصَدرت نظم التسليح البريطانية في بعض الدول المطلة عليه (مصر – السعودية – إسرائيل). واتجهت نصف التجارة البريطانية لدول شرق البحر الأحمر (دول الخليج العربي بشكل رئيسي). كما حافظت على دورها في الجهود الدفاعية لحلف شمال الأطلسي حيث تحتفظ ببعض القطع البحرية في البحر الأحمر ضمن الإطار العام للحلف واستراتيجيته في المنطقة.
وشاركت بريطانيا في الأحداث التي تهدد أمن وسلامة المصالح الغربية في المنطقة، مثل تطهير ألغام البحر الأحمر 1984م، وأزمة الخليج الثانية وحرب تحرير الكويت. كذلك تتواجد قواتها ضمن القوات المشتركة في منطقة الخليج والبحر الأحمر.
ولم تتوانَ الصين ــ العملاق القادم ــ في البحث عن نفوذ في هذا الشريان البحري المهم حيث توجهت نحو مصادر الطاقة في أفريقيا وتأمين خطوط الملاحة فعقدت اتفاقيات مع السودان وكينيا واريتريا ، وانشأت خط أنابيب لنقل النفط من جنوب السودان إلى ميناء بور سودان على البحر الأحمر. وتشير التوقعات إلى أن تتجاوز التجارة الخارجية الصينية مع دول حوض البحر الأحمر حجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية مجتمعة.
الأهمية الاقتصادية لمضيق هرمز لدول الخليج وإيران
تستخدم ايران مضيق هرمز لنقل وشحن البترول للصين والعديد من الدول الاخري ، كذلك فإن السعودية ودول الخليج تعتمد على مضيق هرمز الذي تمر عبره 20 – 30 ناقلة نفط عملاقة يوميا بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في مواسم ذروة تجارة النفط.
تمر عبر مضيق هرمز سفن محمّلة بنحو 40 % من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم ، اما عن دول الخليج العربي فهي تصدر ما يقرب من90 % من نفطها بواسطة الناقلات التي تعبر مضيق هرمز ، كذلك يمر الكثير من واردات الخليج عبر المضيق نفسه.
الصين واليابان ودول شرق آسيا بشكل عام ستكون الاكثر تضررا من غلق مضيق هرمز ، حيث تعتبر دولة اليابان من أكبر دول العالم استيرادا للنفط عبر مضيق ” هرمز ، وبجانب النفط وشحنات البترول العملاقة يمر نحو 22 % من السلع الأساسية في العالم (الحبوب وخام الحديد والأسمنت) عبر هذا المضيق.
تصدر المملكة العربية السعودية 88 % من إنتاجها النفطي عبر المضيق، بينما تصدر العراق 98 % من انتاجها النفطي عبره ، فيما تصدر الامارات 99 % من انتاجها النفطي.
وفي حال إغلاق مضيق هرمز لأي سبب فإن إيران ستكون المتضرر الأكبر لكونها تعتمد عليه في تصدير النفط الخام إلى دول آسيا، خاصة الصين التي تُعد أكبر المستوردين منها.
يذكر ان فكرة بديل ملاحي لمضيق هرمز عبر قناة مائية تربط بين الخليج العربي وخليج عمان طرحت من قبل عدة مرات ، لكن تكلفتها الاقتصادية وصعوبتها من الناحية التنفيذية التي قد تأخذ الكثير من السنوات لانشائها حالت دون تنفيذ ذلك.
الأبعاد الاستراتيجية لمشروع ميناء غوادور الكبير
كان منفذ غوادار البحري في جنوب باكستان ولا يزال ، ميناءً عميقاً يقع على بحر العرب في منظقة جوادر بمقاطعة بالوشيستان في باكستان. ويبرز الميناء بشكل بارز في استراتيجية الممر الاقتصادي والتجاري لطريق الحرير بين الصين وباكستان والمحيط الهندي وخليج هرمز وخليج عدن والقرن الأفريقي.
وقد لوحظ لأول مرة إمكانية منقذ جوادر في أن يكون ميناءً بحرياً عميق المياه في عام 1954م، كانت المدينة تحت سيطرة سلطنة عُمان في خمسينيات القرن العشرين، ولم تتحقق خطط بناء الميناء حتى عام 2007م، عندما تم افتتاح الميناء من قبل بارفيز مشرف بعد أربع سنوات من البناء، بتكلفة 248 مليون دولار بقرض من الصين.
في عام 2015م، أعلن أن المدينة والميناء سيتم تطويرها بتكلفة 1.62 مليار دولار، بهدف ربط شمال باكستان وغرب الصين بموانئ المياه العميقة. وسيكون الميناء أيضا موقعا لمرفق غاز طبيعي مسال عائم سيتم بناؤه كجزء من مشروع ميناء غوادر الذي سيتكامل مع مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني.
بدأ البناء في يونيو 2016م على منطقة جوادر الاقتصادية الخاصة، التي يجري بناؤها على 2992 فداً في الموقع المتاخم لميناء جوادر.
حددت باكستان مدينة جوادر كموقع لبناء الميناء عام 1954م عندما كان منفذ غوادر لا يزال تحت سيطرة سلطنة عُمان. وبعد اربع سنوات من المفاوضات اشترت باكستان جوادر من سلطنة عُمان بمبلغ 3ملايين دولار امريكي ، في 8 سبتمبر 1958م. وأصبحت مدينة جوادر رسميا جزءا من باكستان بعد 200 عام من الحكم العُماني. وقد تم الانتهاء من بناء رصيف صغير في جوادار في عام 1992م، وتم الكشف عن مقترحات رسمية لميناء بحري عميق في جوادر بعد عام واحد في عام 1993م. ووافقت الحكومة الفدرالية على بناء الميناء في ديسمبر 1995م، حيث بدأ البناء بالمرحلة الأولى من المشروع في عام 2002م بعد أن تم التوقيع على اتفاق لتشييده خلال زيارة لرئيس مجلس الدولة الصيني تشو رونغ جى في عام 2001م. وبعد الانتهاء من المرحلة الأولى في عام 2007م، كانت أول سفينة شحن تجارية في الميناء هي “بوس غلوري” مع 70.000 طن متري من القمح في 15 مارس 2008م.
في أواخر عام 2015م، تم تأجير الميناء رسميا للصين لمدة 99 عاما، بعد ان بدأت باكستان تتعرض لضغوط سعودية واماراتية تستهدف افشال مشروع تطوير منفذ غوادور البحري الى ميناء استراتيجي كبير يخدم المصالح المشتركة للصين وباكستان وايران ودول البحر الأحمر وجنوب البحر المتوسط.
تم افتتاح ميناء جوادررسميا في 14 نوفمبر 2016م بعد تأجيره للصين، عندما افتتحه رئيس الوزراء الباكستاني محمد نواز شريف ، وأعلنت الصين انها سوف تستثمر 3 تريليونات من الدولارات لبناء مدن سياحية واقتصادية وقواعد عسكرية بحرية وجوية وبرية !!
ويقع ميناء جوادر على شواطئ بحر العرب في مدينة جوادر على بعد 533 كم من كراتشي أكبر مدينة في باكستان، وحوالي 120 كم من الحدود الإيرانية. وعلى بعد 380 كم (240 ميلاً) من سلطنة عمان، وبالقرب من ممرات الشحن الرئيسية للنفط من الخليج العربي. وتعد المنطقة المحيطة به الموطن الأكبر لنحو ثلثي احتياطات النفط والغاز المؤكدة في العالم. وهو أيضا أقرب ميناء بحري للمياه الدافئة وجمهوريات آسيا الوسطى ودول بحر قزوين الذي تطل عليه روسيا وايران وبعض دول آسيا الوسطى ، فضلا عن أفغانستان.
الأطماع السعودية والاماراتية في اليمن
تكتسب الإطلالة البحرية لليمن على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي على ضفاف المحيط الهندي أهمية استراتيجية لا تنافسها فيها سوى قلة قليلة من الدول العربية، ما جعلها مثار أطماع توسعية لتحالف العدوان السعودي الاماراتي وداعميهم الدوليين منذ بدء العدوان على اليمن في مارس 2015م.
ومما له دلالة على ان ما قامت به القوات السعودية والاماراتية من استحداثات عسكرية وإعادة تموضع عسكري في جزيرة سقطرى وحضرموت والمهرة بعد العدوان على اليمن ، كشف الأهداف الحقيقية للعدوان الذي يتستر بشعار اعادة الشرعية الى اليمن ، لاسيما بعد إعادة توزيع مناطق نفوذهما في محافظات الساحل الجنوبي وأجزاء من الساحل الغربي.
الثابت أن ثمة أبعاداً جيوسياسية وأهمية استراتيجية لموقع اليمن البحري الذي يتوزع على مناطق بحرية حيوية تشمل خليج عدن ومضيق باب المندب الإستراتيجي والجزر وأرخبيلات الجزر اليمنية الهامة ، وصولا الى عدد كبير من الموانئ والمنافذ البحرية البارزة التي تقع على طرق الملاحة الدولية ، وتربط بين أعالي البحار التي تشهد صراعات على النفوذ والمصالح بين القوى العظمى القديمة والجديدة في النظام العالمي الراهن.
ما من شك في ان الموقع الاستراتيحي لليمن كان ولا يزال هدفا للأطماع والغزوات الخارجية في حقب تاريخية مختلفة، مع بلوغ الموانئ والمنافذ البحرية اليمنية مكانة منافسة لغيرها من الموانئ، حيث كانت بعض الإمبراطوريات والدول الكبرى ، تلجأ إلى اتخاذ تدابير وإجراءات عملية صارمة بقصد محاربتها، وشل حركتها. بل بلغ الأمر حد الاستيلاء عليها بالقوة.
وتُعدّ الأطماع السعودية المفترضة في الشرق اليمني، غير جديدة في الواقع، إذ كانت أحد أسباب عدم استقرار العلاقات السعودية – اليمنية على مدى العقود الماضية. ولطالما كانت حضرموت على وجه التحديد، بما تُشكّل من مساحة تقارب ثلث اليمن، محور حديث الأهداف السعودية ذات الطابع المتعلق بالأطماع في اليمن.
وكان لافتاً، أن كلاً من شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، جاءت بالتقسيم الفيدرالي المقترح لليمن إلى ستة أقاليم، كإقليم واحد يحتل مساحة تزيد عن75 % من مساحة اليمن، وفيه المناطق الأقل كثافة سكانية. لكن، كيف استقر حلم “الأنبوب النفطي” السعودي، عبر اليمن، إلى المهرة؟
مشروع القرن السعودي
لا ينحصر الحديث حول المشروع السعودي في شرق اليمن، بميناء نفطي وأنبوب يمر عبر اليمن، بل يصل إلى “قناة بحرية”، وهو ما أطلقت عليه مجلة “المهندس”، الصادرة عن الهيئة السعودية للمهندسين السعودية خلال العام 2015م، اسم “مشروع القرن”. فيما قالت صحيفة “عكاظ”، في إبريل 2016م، إن السعودية أكملت “الخطوات الإجرائية لدراسة مشروع القناة البحرية، التي تربط الخليج العربي مروراً بالمملكة، إلى بحر العرب، للالتفاف حول مضيق هرمز، ما يمكّن المملكة من نقل نفطها عبر هذه القناة المائية الصناعية الأكبر في تاريخ القنوات المائية الصناعية الكبرى في العالم.
وتتلخص “الفكرة الرئيسية في فتح قناة بحرية من بحر العرب، مروراً بالحدود العُمانية واليمنية ، وتمتد إلى داخل المملكة في الربع الخالي ثاني أكبر صحراء في العالم ، وتحتل الثلث الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية. ويقع الجزء الأعظم منه داخل الأراضي السعودية، بمساحة 600 ألف كيلومتر مربع، وتمتد ألف كيلومتر طولاً، و500 كيلومتر عرضاً”.
وتطرقت المجلة السعودية، حينها، إلى تفاصيل مثيرة حول مشاريع نووية وصناعية ضخمة تقوم في ضوء المشروع.
وفي ظل مختلف المعطيات التي تؤكد وجود أهداف اقتصادية واستراتيجية سعودية في شرق اليمن، تبرز التساؤلات عن السبب الذي يدفع الرياض للعمل على هذه الأهداف بغياب دولة يمنية قوية ، وليس من خلال الدعم والتنسيق مع الجانب اليمني ، إذا كان ذلك يعود بفوائد للطرفين. إلى جانب تساؤلات أخرى، وثيقة الصلة بالحرب الدائرة في اليمن، بما فيها محاولة تفسير السياسات السعودية بالإبقاء على الحرب في المناطق الشمالية وحتى الفوضى جنوباً في ظل حكومة يمنية ضعيفة ، بما يحقق الأهداف الاستراتيجية – الخفية للحرب، وفقاً للمعطيات المذكورة سابقاً
من نافل القول في ظل هذه المعطيات أن ثمة أخطارا جيوسياسية ستنجم عن الوصاية غير المعلنة على مضيق باب المندب وبعض الجزر اليمنية، وقيام دول العدوان والاحنلال ببناء قواعد عسكرية في جزيرة ميون بباب المندب واسنحداتات عسكرية في جزيرة سقطرى وميناء نشطون ، وجزر يمنية أخرى.
ولعل انكشاف الأهداف االخفية للعدوان على اليمن، بالتزامن مع تهافت دول العدوان على تطبيع علاقاتها باسرائيل ودخول جزيرتي تيران وصنافير المصريتين في بورصة التطبيع بين اسرائيل ودول العدوان على اليمن ، يرفع من قيمة ودور المجال البحري اليمني، بما يزخر به من مميزات جيوسياسية وأهمية إستراتيجية بالغة، ما سيجعله يشكل رقما مؤثرا في مفاعيل الصراع القادم على أعالي البحار.
في هذا السياق يمكن استشراف التحديات الخطيرة التي ستواجه مستقبل اليمن و سيادته على بعض الجزر والموانئ والمنافذ البجرية والجوية والبرية وبضمنها موانئ البحر الأحمر في الحديدة ، في حال نجاح مخطط دول العدوان الذي يستهدف تقسيم الجمهورية اليمينية الى كانتونات ضعيفة ومتناحرة، قد تنتجها تسويات سياسية مشبوهة للأزمة الراهنة، بموجب مرجعيات القرار سيئ الصيت رقم 2216 ، وبضمنها بعض مخرجات مؤتمر الحوار الوطني غير المتفق عليها.