البحث عن المستحيل في إطار التعامل مع الممكن!

عبد العزيز البغدادي​

يقولون السياسة فن الممكن فهل للمستحيل فن وماهو؟؟!!
وينسب إلى نيكولو برناردوميكافيلي مؤلف كتاب الأمير نظرية خادعة اسمها (الغاية تبرر الوسيلة)! وكلتا النظريتين أو المقولتين يصبهما السياسيون في مصب واحد هو مصب التلاعب بالعقول والأفهام خدمة لأهداف السياسة والسياسيين الذين جندوا ويجندون طاقاتهم ومهاراتهم لتبرير الظلم والمظالم التي تملأ الأرض وفي خدمتها ، ولكي لا نظلم بعض السياسيين والمشتغلين بالسياسة الذين يتمسكون بالمبادئ في ممارسة عملهم السياسي نقول خدمةً لبعض السياسيين لأن الخير والشر بين البشر عنوان اختبار أزلي من الله للإنسان أي إنسان منذ استخلافه في الأرض ليعمل بمقتضى العقل والرسالات التي تخاطب العقل ، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في الآيات 30، 31، 32من سورة البقرة (وإذقالً ربُّكً للملائكةِ إني جاعلٌ في الأرضِ خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفكُ الدماء ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون (30) وعلّمَ آدم الأسماءَ كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ماعلّمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32) ، إلى آخر الحوار القرآني بين الله والملائكة المتضمن إشارات إلهية حول بداية خلق الإنسان وهو حوار يحتوي على إشعار من الله للملائكة باختياره خلق الإنسان ليكون خليفته في الأرض وإعلام الإنسان بأنه قد اختاره خليفة لإعمار الأرض وجعلها وماتصل إليه طاقة علمه وقدرته موضعا لاختبار مدى التزامه أي الإنسان بسلوك طريق الخير والابتعاد عن طريق الشرِّ، وميزه بالعقل عن بقية الكائنات ليفرق بين الخير والشر على ضوء القيم والمبادئ التي جاء بها الرسل واجتهد فيها من توفرت وتتوفر عنده القدرة والمعرفة على خوض غمار الاجتهاد ؛
فن الممكن إذاً هو أن تبذل طاقتك وما في وسعك لإنجاز ما تخطط له من عمل في سبيل خدمة المبادئ والقيم التي تؤمن بها لا أن تستسلم لأصحاب القيم المنحرفة من الظَّلمة الذين يدعون الناس في مختلف الظروف للاستسلام لأمزجتهم وأهوائهم تحت عنوان (ليس في الإمكان أفضل مما كان) والمفهوم غير الصحيح للآية الكريمة (ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به) بمعنى لا تجهد نفسك بكثرة الاجتهاد والمثابرة! وهذه دعوة غير مباشرة للتخلي عن رسالة (الأمر بالعروف والنهي عن المنكر) وهي رسالة مكلّف بها كل مسلم حريص على أن تكون أمته خير أمة أخرجت للناس بل وكل إنسان سوي!،
وللإمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام أوجه متعددة اجتهد في تعريفه فقهاء الدين النقي وفقهاء البلاط اجتهادات مختلفة بين مضيق في مفهومه يحاول حصره في دعوة الناس للصلاة في أوقاتها والالتزام بظاهر الفرائض مع التشديد في منع الناس من التفكير في شؤون الحياة والحكم وزجرهم ومعاقبتهم على معارضة الحاكم ولو كان ظالماً مستبداً أو كما تقَوّلُوا على الرسول (ولوجلد ظهرك وأخذ مالك ) .
وبين موسع يشمل مجمل مفهوم المعروف والمنكر ويدعو للخروج على الحاكم الظالم والمستبد والثورة عليه وتقويم اعوجاجه بكل الطرق الممكنة والشرعية، وهذا هو السياق الطبيعي لتحقيق العدل وهو جوهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل وجوهر الإسلام.
ورسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة في حدود الممكن والمستطاع، وهي حدود تتسع وتضيق باتساع وضيق القدرات والهمم والإيمان بالله وبقدرات الإنسان والصبر على المتاعب هي أقوى الطرق وأسلكها للوصول إلى أعلى درجة ممكنة من الاستطاعة.
وأما المستحيل فهو كل مالا يقدر الإنسان على فعله بعد بذل ما في الوسع كأن يخلق شيئاً من العدم أو أن يجبر إنسانٌ إنساناً آخر على الاعتقاد بما يعتقده هو وأن يتحد معه بالقوة اتحادا عضوياً أو اعتبارياً معنوياً وذلك مما يخلق النفاق ويزيد من المنافقين !!، صحيح أن الوحدة فريضة غايتها نبيلة وهي طريق اكتساب القوة ولكنها لا تقوم على الإكراه والإجبار وإلاّ عدّ ذلك عملا إرهابياً يؤدي إلى الضعف لا إلى القوة التي هي غاية الوحدة ، والأمثلة على ذلك كثيرة شاهدناها ونشاهدها في ما تلقته وتتلقاه الجماعات التكفيرية الإرهابية من هزائم بعد أن حاولت إكراه الناس في الكثير من المناطق التي استولت عليها في سوريا والعراق واليمن وارتكبت قيها أفظع الجرائم لإجبارها على الاعتقاد بعقائدها المنحرفة ، ولعل في ظهور داعش واختفائها أوضح الأمثلة على عقائد ادعاء التوحيد تحت قيادة خليفة المسلمين المسمى (أبو بكر البغدادي) الذي مارس ومورست باسمه وباسم الإسلام والدولة الإسلامية جرائم يندى لها جبين الإنسانية ، وكل ذلك كان بإدارة صهيوأمريكية وحماية القوات الأمريكية المحتلة لأجزاء من العراق وسوريا واليمن .. ولأن المقاومة في هذه البلدان قد نسقت في مقاومتها مادياً في سوريا والعراق ولبنان بالاختيار لمواجهة خطر هذه الجماعات ومن يديرها فقد تمكنت من تحقيق الممكن بهزيمة داعش شر هزيمة فإذا كان هذا نتيجة التنسيق فكيف ستكون نتيجة الوحدة إذا قامت على الاختيار والحب والوعي بالمصالح المشتركة المشروعة .
رسالة الإنسان المؤمن القوي دائماً أن يسعى لجعل المستحيل ممكناً.
تعلّم من الأرضْ
من نسمات الصباحْ
من الليل والفجرِ
من بسمة الطفلِ
ومن قطرات الندىْ
أيقِن بربِّك
تقهر المستحيل