مبدآن وموقفان
طاهر محمد الجنيد
يستقبل اليمن العام الخامس من العدوان بعزيمة لا تلين، وإصرار تزول عنده رواسي الجبال، عزيمة تقهر المستحيل، وتتمثل شواهد ذلك في مختلف الجبهات والميادين والتي أثبت فيها رجال الرجال أنهم قادرون على مواجهة التحديات وتجاوزها، بل والتفوق عليها، وهو الأمر الذي أربك حسابات المعتدين ودول التحالف ومن سار في ركابهم، فلم تشفع لهم أحدث المعدات والأسلحة ولا استراتيجيات الخطط المرسومة من جهابذة العلوم العسكرية، ولا الرتب والنياشين التي تناثرت في مواجهات الحسم وميادين الشرف والعزة.
لقد سطر الرجال المؤمنون أنصع الصفحات في التاريخ اليمني الحديث، حينما واجهوا آلة الحرب لدول العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي المتصهين، وكانوا بحق هم الأبناء الأحرار لهذا الشعب الأبي الذي يستعصي على كل مشاريع الإهانة والإذلال.
نعم مضت أربع سنوات سقطت خلالها الأقنعة التي تستر خلفها آل سعود وأطماعهم، وأطماع آل نهيان وأشياعهم، ومن لف لفهم، ونهج نهجهم، وظهرت النوايا الحقيقية للمستعمرين الجدد، ومشاريعهم التي يريدون تحقيقها على حساب اليمن أرضاً وإنساناً وحضارة، إلا أن هناك جملة من التساؤلات التي تثار وبحاجة إلى إجابات ترضي وتقنع أبناء الشعب اليمني على كافة المستويات، ويمكن الإشارة إلى بعض منها وهي:
أولاً: صحيح أن دول التحالف بدأت العدوان واستمرت فيه، لكن قرار إيقاف هذا العدوان لا تملكه ولا تستطيعه مما يدل على أن أجندة الحرب فرضت عليها تحقيقاً لمشاريع وأهداف أكبر من حساباتها، وبالتالي فما هي إلاَّ أداة طيعة في أيدي تجار الحروب والشركات المصنعة للسلاح، وهنا نجد المفارقات بين طرفين الأول : يدافع عن دينه ووطنه وعرضه، ورغم إمكانياته القليلة والمحدودة، إلاَّ أنه استطاع أن يكون رقماً مهماً، ومعادلة تستعصي على التجاوز والتهميش، فها هو يصنع أسلحته، ويلقن الأعداء دروساً قاسية في مختلف الجبهات، برغم الحصار والتفوق النوعي والكمي للطرف الآخر، فخلال السنوات الماضية لم يتم استيراد بندقية أو مدفع، بل ولا طلقة واحدة، وإنما اعتماده الأساسي على ما يكسبه من أيدي أعدائه.
ثانياً: كلما نفدت صفقة أسلحة جاءت الأخرى أحدث منها، ومع ذلك فهو عاجز عن أن يرمم مآثر الأبطال في ساحات القتال، وكلما اطمأن إلى نصر يدعيه إذا به كالسراب الذي يحسبه الضمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، بل وجد الأبطال والرجال يدكون آلاته وترسانته العسكرية رغم إمكانياتهم المتواضعة والقليلة والمحدودة.
ثانياً: لقد أدرك المعتدون على بلادنا أن حسم المعركة ليس بمقدور عتادهم، ولا جيوشهم، وذلك لأن الاستراتيجية العسكرية قائمة على حماية العروش، وليس حماية الأوطان، ما بالك بأن تعدى إلى محاولة السيطرة على شعوب أخرى، نعم تستطيع السعودية وحلفاؤها تطويق واحتواء مملكة البحرين، وفرض الحصار على قطر، ومثل ذلك الكويت، لكنها لا يمكن لها أن تمد نفوذها على شعب اليمن حتى وإن حشدت لذلك كل إمكانياتها، واستعانت بشياطين الإنس والجن، ومحاولة فرض سيطرتها ونفوذها على اليمن مجازفة كبيرة عليها، وعليها أن تتعلم الدروس، وتأخذ العظات من مصير كل القوى الاستعمارية القديمة والحديثة التي وقفت على أرض اليمن وأصبحت ذكرى عابرة في التاريخ.
صحيح أن تحالف العدوان قد استمال إلى صفه بعض أبناء اليمن ليكونوا عوناً له على تنفيذ مخططاته ومشاريعه؛ كونه يدرك أن ذلك هو الأسلوب الأمثل لمواجهة أبناء اليمن بعضهم ببعض، لكن ذلك لن يستمر طويلاً خاصة وقد تكشفت النوايا الخبيثة لدول العدوان ومرتزقته وجنوده المستأجرين، لذلك حتى أن الذين استمالهم للوقوف معه قد أبادهم بآلته العسكرية في أكثر من موقع وموقف وجبهة وميدان، مما يؤكد على أنه مشروع يستهدف كل أبناء اليمن، وليس طائفة أو حزباً أو فصيلاً سياسياً بذاته، فقد قصفت طائرات العدوان حلفاءها في معظم مواقع المواجهة، وامتدت أيادي الغدر والتصفية الجسدية لكثير من المؤيدين والمناصرين له في المناطق التي سيطر تحالف العدوان عليها، وامتلأت السجون بأنصار المؤيدين له، ونالهم أنواع العذاب والسحل والتصفية الجسدية.
كان بإمكان تحالف العدوان أن يقدم نموذجاً يحتذى به في احترام آدمية الإنسان، خاصة أنهم يدَّعون مجيئهم لحماية الشرعية، وتحت رعاية دولية، لكن ذلك ليس بمقدورهم، ولن يستطيعوا ذلك؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، أما مسألة التدخل بدعوى الحفاظ على هوية اليمن الدينية، فمعلوم أن السعودية لا تتدخل إلا إذا أرادت زرع الفتن بين الجماعات الدينية، والمذاهب الأخرى، أما الإمارات فيمكنها أن تدعم اليهود والنصارى والمجوس، أما الإسلام فهو متهم لديهم ومحارب، إذاً فالتدخلات والعدوان إنما هو للسيطرة والاستيلاء على مقدرات أبناء اليمن، والاستفادة من موقعه الاستراتيجي الذي يمثل أساس التدخل وفرض الحرب والعدوان.
لقد أدت الوفرة المالية التي تراكمت بفعل استغلال البترول واستخراجه إلى السعي الدائب إلى تنصيب أدوات بشرية وكتل متحركة أوكل إليها تبديد تلك الثروات، وحرمان الشعوب من الاستفادة من خيراتها، بل وتسخيرها فيما لا يعود عليها بفائدة، فكان هؤلاء الدمى هم أنسب المخلوقات للقيام بهذا الدور، أما اليمن فقد أصبح مواطنوه بين خيارين لا ثالث لهما، إما الاغتراب، وبالتالي فرض الوصاية عليه من قبل تلك الأنظمة القمعية والإذلالية، أو البقاء في ظل ظروف معيشية غير لائقة؛ بسبب السياسات المفروضة على أبناء اليمن.
ثالثاً: المقاومة والشهادة طريق العزة والكرامة : طالما والعدوان الهمجي وآلته الإجرامية قد استهدفت كل مقومات الحياة الأساسية لأبناء اليمن، ولم تفرق بين الأهداف العسكرية والمدنية، فإن مقاومته ودحره واجب على كل يمني حر، وها هم أبناء اليمن يتدافعون إلى ميادين البذل والعطاء والتضحية باذلين أنفسهم رخيصة في سبيل عزة وكرامة بلادهم، وصون أعراضهم وحرياتهم، وبذلك أسقطوا رهانات الأعداء في التخذيل والتضليل، ما يؤكد أن الوعي الحقيقي قد غادرته تلك الغشاوة والدعاية الزائفة للمعتدين وأعوانهم، فها هي سنوات أربع مضت، وما زالت المفاجآت تتوالى، والمبادرة النوعية يثبتها الأبطال في مواقع الشرف والرجولة.
ورغم مرور هذه السنوات الحافلة بالأحداث المتوالية، إلاَّ أن ما يؤسف له أن المعتدين لم يفقهوا ولا درساً واحداً، وما زالوا يعملون برهاناتهم الخاسرة، وأوهامهم التي لا تعدو كونها أمنيات تذرها الرياح، فكل هذه الدماء الطاهرة التي تراق في سبيل حماية الوطن لن تسفك عبثاً، ولن تضيع هباءً؛ لأنها في سبيل الله، ومن أجل إعلاء كلمة الله، وصون هذا الشعب الأبي الذي باركه الله ومنحه رسول الهدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرفع الأوسمة.
نعم ستنتهي الحرب يوماً، وسيكون هناك مبدآن وموقفان يحددان، طرفاهما: الأول استشهد وبذل أغلى ما يملك حماية لشعبه وأمته، وآخر فرط وكان ألعوبة في يد أصحاب المطامع والأهواء.