قمة المهزلة!
الثورة / صنعاء
اختتمت أمس الأحد في تونس قمة الحكام العرب بمستوى هابط وهزيل من النتائج والمخرجات ، فلا الحاضرون لهم صلة بالعرب وقضاياها ، ولا التوصيات العائمة والباعثة على مزيد من الملل والاحتقار عبرت عن تضامن عربي مشترك في مواجهة الأخطار المحيطة بالعرب أنفسهم ، وحتى سنة النوم التي تطأ البؤساء ليست جديدة، فقد تعود جمعهم على أن تكون قممهم نائمة وبلا قضية ولا معنى ، ولا أدق من القول بأن ما حدث في تونس كان إعلاناً رسمياً بوفاة النظام العربي الذي تمثله ما تسمى زورا “الجامعة العربية” ، فمنذ تداعى العرب للحرب على أصل العرب ونسبها الأول ، في مارس آذار 2015 تحت سقف الجامعة العربية بذريعة الأمن القومي العربي ، ومنذ قرروا التآمر على سوريا في ما سبق من سنوات ، لم تتوقف سلسلة الانهيارات وقطار الهرولة نحو التطبيع والصهينة.
الواقع أن قمم الجامعة العربية الثلاثين لم تكن إلا أشكالا مكررة من العبارات والبيانات الإنشائية وبعض الشجب والتنديد والتوسلات المهينة ، لا تخلو من سنة النوم التي يختلسها الحكام في فترات اجتماعاتهم الهزيلة التي صارت أغطية ولبوسا يتمظهر بها أمراء وملوك وزعماء الصهيونية في حلف الخيانة والتطبيع ، لإنفاذ التوجهات الأمريكية وتطبيق الرغبات الصهيونية في المنطقة ، وخوض الحروب الشاملة والمدمرة ضد الشعوب والبلدان العربية التي تتمسك بفلسطين كقضية مركزية جامعة ومقدسة ، وترفض كل مساس بالحق ، أو تفريط فيه.
ومع الانكشاف المتتالي لهؤلاء يبقى الأمل معقوداً على قوى المقاومة والعقول الواعية الوطنية والإنسانية في حفظ ما تبقّى من العالم العربي وإعادة بنائه وتوحيده ، على أن النتائج المفزعة لما أسميت بثورات الربيع والمخيبة للآمال دلت على أن الأزمة عميقة وتتطلب تغييرا شاملا في المفاهيم والتوجهات العامة للشعوب ، وقد جاءت دعوة الرئيس مهدي محمد المشاط في مقابلته مع صحيفة الأخبار اللبنانية التي وجهها إلى كل الشرفاء .. والأحرار في عموم البلدان العربية والمسلمة في مختلف أنحاء العالم لمدّ جسور التواصل والتضامن والتصدي المشترك لكل محاولات المسخ والتطبيع، والانتصار الدائم للقضية الفلسطينية ولمظلومية الشعوب التي تقف في خط الدفاع الأول ، وفي مقدمتها الشعب اليمني ، جاءت لتلقى استجابة جمعية هادفة لإفشال وفرملة المشاريع الخيانية التي يؤسس لها حلف وارسو التآمري المشبوه ، ويريد تمريرها على أنقاض الحروب التدميرية التي يشنها على أكثر من بلد.
غياب سوريا عن مهزلة تونس وهي الطرف المعني الأول بالجولان السوري ، مع حضور لافت لكثير ممن لا يسيطرون على بلادهم ، ولا يمثلون شعوبهم، ولا يملكون حرية القرار أو الاستقلالية ، فماذا يتوقع منهم أن تفعله قمة كهذه للجولان والقدس؟ كلهم عاجزون وخائفون وخونة ، لقد أشعلوا النار في الوطن العربي ، وأباحوا كل شيء لإرضاء الصهاينة والأمريكيين ، ظنوا أن المال يصنع دولاً وزعامات ، وأن الحروب العدوانية تؤسس لإمبراطوريات محترمة ، وأن الهرولة إلى أحضان اليهود تمدهم بحياة أطول ، لكن جردة الحساب آتية لا محالة.
وأما عن موقف اليمن العروبي الأصيل فلا يمكن أن يمثله خائن من منفاه ، فاقد لكل شيء حتى عقله ، وبلا شيء من اليمنية والانتماء ، بل يستخلص من هوية الشعب اليمني وقيمه الوطنية والقومية والإسلامية التي يؤكدها الشعب في كل مراحل نضالاته الكبيرة ، ومع ما أكده فخامة الرئيس المشاط من أن الموقف من القضية الفلسطينية ثابت ومبدئي ، لا يمكن أن تمثله مجموعة من المرتزقة والعملاء الذين لم يعد لهم صلة باليمن وبشعبه العظيم ، لم نعد بحاجة إلى الإشارة بأن حشد الفارين من العملاء والمرتزقة لم يعد لهم أي علاقة باليمن ، فما حضور تلك الأدوات في وارسو وفي القمة المشؤومة أمس ، إلا كاشفا لتلك الحقائق وطبيعة الارتباطات والأهداف المشبوهة التي التصقت بهذه الحرب العدوانية، إذ هي في جانب كبير من أسبابها وأهدافها جاءت خدمةً للمشروع الصهيوأميركي في المنطقة ككل، الذي يهدف في الواقع إلى إقامة شرق أوسط جديد تتربع إسرائيل على قمة نظامه الإقليمي، من خلال تصفية القضية الفلسطينية، وتدمير البلدان الحاضنة والداعمة لها، ومن خلال التطبيع مع الصهاينة، وتقديم المقاومة الإسلامية عدواً بديلاً من العدو الإسرائيلي، وهو ما يعملون عليه اليوم في اليمن.
إذن لا جديد في قمة المهزلة إلا مزيد من الفضائح والانتكاسات ، ومع هذا الانكشاف المريع فإنه ولا بد في كل الأحوال من إيجاد آليات تواصل وتنسيق لتحرك شعبي عربي واسع ، والعمل وفق أولويات مطلوبة تمهد لخلق انتفاضة عربية جماهيرية وإسقاط حلف التطبيع والخيانة ، وتلك ليست بمعجزة إذا ما توفرت الإرادة وتوحدت المواقف وصدقت النوايا.