مخالفة التوجه الاقتصادي الإسلامي (المتوازن) أدى إلى سيطرة أعداء الإسلام والمنافقين على الثروات الوطنية
د. هشام محمد الجنيد
يقصد بمبدأ التوجه الاقتصادي الإسلامي (المتوازن) بوجوب قيام الدولة والفرد (القطاع الخاص) معا في البناء والتنمية. وبالتالي ترسم الدولة خطط التنمية الاستراتيجية الاقتصادية والمالية والإدارية والاجتماعية على أساس التخطيط المتوازن. ويعد هذا المبدأ أحد المبادئ الاقتصادية والمالية في الدين الإسلامي ومنها: محاربة الاستغلال والاحتكار بكل أشكاله ، تحريم الربا ، حسن التدبير في عمليات الانتاج والاستهلاك بانتهاح الوسطية والاعتدال ، عدالة توزيع الثروة الوطنية ، عدم التفريط والإسراف في الإنفاق ، سير النظام على خطى متزنة تضمن النجاح ، العدالة في الجبايات الضريبية والزكوية ، الجد والمثابرة والعمل على الانتاج. فكرامة المرء في الإسلام أن يستهلك مما ينتج لا أن يعتمد على الآخرين.
لقد ترتب على موالاة عناصر الشر – المسيطرة على النظام السابق – الأنظمة الرأسمالية الغربية العدوانية أن تخلت عن مسئولياتها الاقتصادية على قاعدة التوجه في سبيل الله وفي ظل المبادئ الإسلامية الاقتصادية والمالية المشار إليها. ونتج عن ذلك سيطرت هذه العناصر المتنفذة على السلطة وعناصر شر خارجية من الأنظمة العدوانية على الثروات الوطنية السيادية وانتشار وتعميق ظاهرة الفقر وبنية اقتصادية ضعيفة وغيرها من المساوئ والاختلالات. وقد كانت هذه الأوضاع من أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إعلان اليمن الاستقلال في قراره السياسي في عشية 21 من شهر سبتمبر من العام 2014م. قال الله تعالى في سورة ص ﴿يا داوودُ إِنّا جَعَلناكَ خَليفَةً فِي الأَرضِ فَاحكُم بَينَ النّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذينَ يَضِلّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ لَهُم عَذابٌ شَديدٌ بِما نَسوا يَومَ الحِسابِ﴾ الآية (26). وقد ورد في إحدى كلمات مولانا قائد الثورة السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله أن مفهوم في سبيل الله يعني منظومة من المبادئ والقيم والتعليمات الإلهية الفطرية الإنسانية العظيمة المقدسة. فهو مفهوم واسع وشامل يشمل كل تعاملات المؤمن ومسئولياته الدينية والوطنية في حياته في بيئته التي يعيش فيها ويتفاعل معها إدارية كانت أم سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ، مهنية ، علمية ،.. ،.. وإذا ما وقع الالتزام والإخلاص بهذه التعاملات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الدولة والفرد ووفق المبادئ والأسس والتعليمات المنظمة في نصوص القرآن الكريم ، فهي على ذات التوجه في سبيل الله ، وهي الأعمال الصالحة (المسؤوليات الدينية).
ومن مسؤوليات الجهاد في سبيل الله: القتال في سبيل الله ضد المعتدين للدفاع عن الإسلام والوطن وأبنائه وثرواته ، إعداد الخطط التنموية الاستراتيجية ومنجزاتها ، منجزات التوجهات العلمية في مختلف المجالات ، امتلاك التكنولوجيا وتسخيرها في تطوير الصناعات العسكرية والمدنية للدفاع عن الدين والدولة ولخدمة المجتمع ، بناء جيش وطني ، تطوير منظومة عسكرية متكاملة ، تعليم الطلاب الثقافة القرآنية ، التحرك في مناهج الحياة على أساس المسيرة القرآنية ، ازدهار التنمية الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
يلاحظ أن مفهوم في سبيل الله ورد مرتبطا بالحكم أي الحكومة / الدولة ووفق شروط يجب الإيمان والاقتداء بها وهي: أن النبي داوود عليه السلام خليفة الله ، أي أنه امتداد للقيادة الإلهية في تنظيم أمر الناس على أساس منهج الهدى (الزبور) ، وهو الدستور الإلهي الذي به حكم بين الناس بالحق. فلم يتبع الهوى (سبيل الضلال / الشيطان) ، ولم يضل عن سبيل الله. واتباع النظام السابق طريق الضلال (توصيات وتوجيهات الأنظمة الرأسمالية العدوانية وأدواتها) ، أدى إلى الصد عن سبيل الله ، بمعنى أن النظام لم يخلص في مسئولياته نحو مسار الأعمال الصالحة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تخلي الدولة عن قيامها بدورها الاقتصادي بالاستثمار العام في مجالات المشروعات الاستراتيجية لأجل البناء الاقتصادي التنموي الوطني وعلى أساس الإخلاص.
وفي نهاية الآية ، ورد مفهوم في سبيل الله وكأنه عام ، أي يقع على عاتق العاملين في النظام وخارجه ، ما يتوجب أن يسخر الإنسان نفسه وبحسب حجم السلطات والمسؤوليات والإمكانات المادية والقدرات التأثيرية والمواهب التي يمتلكها للوصول إلى الأهداف: سلامة الدين وتقوية كيان الدولة ومنفعة المجتمع وغيرها من مسئوليات الدولة الدينية والوطنية. والإخلاص فيها للوصول إلى هذه الأهداف ، هو من ذات التوجه في سبيل الله.
والذين لا يخلصون في مسؤولياتهم باتباعهم مسارات عوجاء تتناقض مع منهج الهدى ، هم الضالون عن سبيل الله. قال الله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذينَ يَضِلّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ لَهُم عَذابٌ شَديدٌ بِما نَسوا يَومَ الحِسابِ﴾. فالذين يمتلكون المال ولا يسخروه ضمن واجباتهم الدينية في الإنفاق في سبيل الله ، أي الذين يكتنزون المال ولا ينفقونه في ما يحقق منافع للآخرين ومنها في مجال الاستثمار الخاص ، فذلك هوع الضلال عن سبيل الله. ومثل هذا التوجه يؤدي إلى عدم مشاركة الفرد / القطاع الخاص الدولة لتقوية كيانها ولزيادة إيرادات الدولة الجبائية ، ويساهم في تخفيض الناتج المحلي الإجمالي ، ويؤدي إلى عدم مساهمته في خدمة المجتمع من نقص البطالة وتخفيض مستوى الفقر ، ويؤدي إلى عدم نماء ماله وغيرها من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية والمالية ، أي أنه لم ينفق ماله في سبيل الله. وهو ما يعني الوقوع في دائرة الضلال عن سبيل الله.
إذن يستنتج ضمن مضامين هذه الآية الكريمة مبدأ التوجه الاقتصادي المتوازن بوجوب حضور الدولة والفرد معا في التنمية الاقتصادية ، وفي إطار خطط الدولة الاستراتيجية ورقابتها ورقابة الرأي العام. والله أعلم.
إن انتصارنا على الأعداء في إدارة شؤوننا بشكل مستقل هو طاعة الله ورسوله والعمل وفق منهج الهدى في كل علومه ومبادئه ، ومنها الاقتصادية والمالية ، ما يعني وجوب التزام الدولة بالتوجه الاقتصادي المتوازن. أي عدم السير في الاتجاه الرأسمالي أو الاشتراكي. وهذ لن يتحقق إلا بإخلاص ولائنا وطاعتنا لله ولرسوله. ومن الآيات القرآنية الدالة على ذلك: قال الله تعالى في سورة الحج (واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) آخر الآية الكريمة (78). فطريق النصر والحرية والعزة والكرامة هو إخلاصنا بالولاء والطاعة لمولانا قائد الثورة السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي نصره الله. قال الله تعالى في سورة آل عمران (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) بداية الآية الكريمة (103). ما يجب اتباع توجيهات القائد – فهو امتداد للولاية الإلهية – في تعزيز الثبات والصمود واستمرار التوجه نحو النفير العام للجهاد في سبيل الله ، والتوجه نحو العمل الدؤوب بترجمة الخطط والسياسات والآليات التنفيذية التي أعدتها الجهات المعنية وبالاشتراك مع الفاعلين الاقتصاديين للإنتاج قدر الإمكان ، والتركيز على وجه الخصوص على الانتاج الزراعي ، للوقوف في وجه العدوان والحرب الاقتصادية إيمانا وعملا بالقرآن الكريم. والله ولي النصر والتوفيق.
نسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا المجاهدين الجيش واللجان الشعبية والمقاومة الإسلامية في المنطقة على أعداء الإسلام والأوطان والإنسانية ، إنه سميع الدعاء.