الرقابة المجتمعية تطوير لمؤسسات الدولة ومكافحة فسادها

 

عبدالرحمن علي الزبيب

الفساد يتوغل باستمرار في أعماق ومفاصل الدولة ليسيطر عليها ويعطلها عن تحقيق المنفعة العامة ويحولها لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة .
الجميع متضرر من الفساد وكافة أفراد المجتمع يدفعون ثمناً باهظاً بسبب الفساد ،التعليم يتعطل ويتوقف، الصحة تنهار انتهاكات حقوق الإنسان ترتفع وخدمات مؤسسات الدولة تتراجع .
مكافحة الدولة للفساد ضعيفة جداً ليس بسبب تقصير الأجهزة الرقابية الرسمية بل لأن الفساد أكبر وفساده أخطر وأثقل يصعب على الأجهزة الرقابية مكافحته بمفردها خصوصاً وأن الفساد قد سبق وقيد الأجهزة الرقابية والقضائية بقيود وكوابح وصنع الفساد حصوناً وحصانات ومتارس يصعب اختراقها الا بقوة كبيرة ،يشارك جميع افراد المجتمع فيها .
نعم الرقابة المجتمعية هي المعالجة لخلل الفساد والرافعة الكبيرة تقوم بتحويل الجميع الى نابذ للفساد ومحارب وكاشف يعري الفساد ويقلم مخالبه البشعة التي تنشب بأظافرها في وطني الحبيب .
الرقابة المجتمعية تسعى لتطوير أداء مؤسسات الدولة ومكافحة فسادها و رديف ومعاون للأجهزة الرقابية الرسمية تتحرك بلاقيود لتقتلع الفساد دون الاكتراث إلى حصاناته ومتارسه التي يحتمي خلفها سيكون دورها كاسحة الغام التي تفتح الطريق لمحاربة الفساد وتزيل العوائق والعراقيل لتقوم أجهزة الرقابة بدورها دون أي الغام تعترض طريقها قد تكون تلك الألغام التي تعيق دور أجهزة الرقابة الرسمية نصوصاً قانونية شاذه تحصن الفساد قد تكون قيوداً شاذة شرعنها الفاسدون ليستمروا في الفساد بلاخوف ولاوجل، قد يكون خللاً أوفشلاً أو عجزاً اوقصوراً جميعها ستكتسحها الرقابة المجتمعية وتسقط بروج الفساد .
يستطيع الفساد تقييد الأجهزة الرقابية والقضائية الرسمية ولكنه لايستطيع تقييد الرقابة المجتمعية لأنها بلاقيود ولاتستسيغ الرقابة المجتمعية حصانة لفاسد .
أوجعنا الفساد بوقاحته ابتلع جميع الإمكانيات الوطنية وأصبح غولاً كبيراً يصعب الوقوف في مواجهته ناهيك عن مقارعته ومحاربته.. الرقابة المجتمعية ستسقط التابوه الذي يحتمي خلفه الفساد بسقوط هيبة الفساد سيمرغ الشعب أنف الفساد في التراب الخوف والفوبيا من قساوة وعنف الفساد هي من تكمش وتحجم دور المجتمع في مكافحة الفساد، إزالة الخوف من قلوب الشعب ستقزم الفساد ليتم سحقه بسهولة .
رغم التصريحات الرسمية القوية بإرادة مكافحة الفساد ولكن هذه التصريحات لم يتم ترجمتها إلى آليات عمل تنفيذية حتى ولوتم ذلك فإن عبء الفساد اصبح كبيراً ويحتاج الى وسائل جديدة مبدعة تكافح الفساد بكفاءة وسرعة بعيداً عن روتين الدولة الممل والبطيء جداً خصوصاً وأن الفساد يتفشى بسرعة البرق وأجهزة الرقابة الرسمية تتحرك ببطء شديد حتى لو حاولت التحرك بسرعة يتم عرقلتها وتأخير عملها .
وفقاً للتصريحات العالمية بمؤشرات الفساد نتفاجأ كل عام أننا ضمن أكثر الدول فساداً رغم إنشاء منظومات رسمية جديدة لمكافحة الفساد .
الحل لتفعيل مكافحة الفساد يكمن في تفعيل الرقابة المجتمعية وفقاً لمنظومة مجتمعية تتلاقى مع إرادة رسمية حقيقية لمكافحة الفساد بلاتمييز ولا استثناء ولاحصانات لفاسد .
جميع ملفات الفساد يجب فتحها مهما كانت روائحها كريهة ومهما كان صفة وشخص الفاسد، الكبير والصغير سواء امام القانون الحقيقي وأمام الرقابة الشعبية .
رقابة شعبية تقوم على مكتب يضم أشخاصاً مؤمنين بمكافحة الفساد يستقبلون شكاوى الفساد من الشعب ومن مصادر متعددة وتقوم بإحالتها إلى الجهات الرسمية لمعالجة وتصحيح انحرافات الفساد وبمتابعة مستمرة من منظومة الرقابة المجتمعية حتى استرداد أموال الشعب المنهوبة وإدخال الفاسدين خلف القضبان .
متابعة الرقابة الشعبية للجهات الرسمية لتصحيح انحرافاتها ومتابعتها أيضاً للأجهزة الرقابية الرسمية للقيام بدورها في مكافحة الفساد ليس فقط بمذكرات بل أيضاً بنشر إعلامي مستمر لتلك الملفات لتضع الأجهزة الرسمية في مواجهة ضد الفساد أو ضد الشعب ولها أن تختار والأفضل لها اختيار مكافحة الفساد .
لايتوقف دور الرقابة المجتمعية في استقبال الشكاوى وبلاغات الفساد بل يستوجب على الرقابة المجتمعية أن تنزل إلى جميع مرافق ومفاصل أجهزة الدولة لتنقب عن منابع وثقوب الفساد المتخفية لتظهرها للعلن وتكشفها حتى يتم ردمها ،تشخصها وتحدد معالجاتها وتضع أجهزة الدولة امام مسؤوليتها في تحقيق مصالح الشعب العامة وعدم الانحراف عنها بالفساد لتحقيق مصالح شخصية .
وأهم واجبات الرقابة المجتمعية هو رفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر الفساد ووجوبية مكافحته والوقوف الجاد أمام أي مبررات شاذه تطالب باستمرار الفساد وتأجيل معركة مكافحته والتي يغذيها الفساد ليتيح له التفشي والاستمرار .
الرقابة المجتمعة ستغلق جميع بوابات تبرير الفساد وستضع الجميع أمام خيارين لاثالث لهما إمّا مع الفساد والوقوف في مواجهة الفساد ومكافحته أو مع الفساد وهنا يتكشف القناع عن الفساد ويسهل اقتلاعه لأن الصعوبة في تخفيه وراء أقنعة الوطنية وعند انقشاعه وكشفه سيتم اقتلاعه من جذوره .
وفي الأخير :
نامل ان يكون تقرير مؤشرات الفساد العالمي والذي وضع وطننا ضمن قائمة اكثر الدول فساداً في العالم حافزاً للشروع في جهود دؤوبة لمكافحة الفساد في جميع مؤسسات الدولة بلاتمييز ولا استثناء ولن يتحقق ذلك إلا بوسائل إبداعية مختلفة عن الوسائل السابقة وأهم تلك الوسائل الإبداعية الرقابة المجتمعية التي تخوض معركة ضد الفساد كرأس حربة يقف جميع افراد المجتمع خلفها لتقتلع الفساد بلارحمة وتقذف بالفاسدين خلف قضبان السجون لإعادة تأهيلهم وإصلاحهم ليعودوا مواطنين صالحين بلافساد ولاسلطة ولاقرار .
واهم جبهات مكافحة الفساد التي تخوضها الرقابة المجتمعية جبهة الوعي المجتمعي التي ترفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر الفساد ووجوبية مكافحته من جميع افراد المجتمع بالتعاون والتنسيق الإيجابي مع الأجهزة الرقابية الرسمية ليتسابق الجميع نحو اقتلاع الفساد وقطع مبرراته .
الرقابة المجتمعية وسيلة ناجعة لمكافحة الفساد ووقاية المجتمع من تفشيه وتعزز من دور أجهزة الرقابة الرسمية والقضائية بكشف الفساد المتفشي في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة وتجفف منابعه ومستنقعاته التي تشكل بيئة خصبة لنموه وبتجفيف منبعه سيختنق الفساد كما تختنق السمكة عند خروجها من وسط مياه المحيطات باعتبار دور الرقابة المجتمعية تطويراً لمؤسسات الدولة ومكافحة فسادها .

قد يعجبك ايضا