أهمية البيانات الإحصائية ودقتها في اتخاذ القرار

 

م. علي محمد عشيش

تلعب البيانات والمعلومات دوراً اساسياً ومحورياً لمتخذي القرارات في الدول المتقدمة والدول النامية وتعتمد صحة القرارات على صحة المعلومات التي بنيت عليها وتكون صحيحة بقدر صحة المعلومات وخاطئة بقدر الخطأ الموجود في المعلومة التي بني عليها القرار، فإذا توفرت لصانع القرار معلومات صحيحة ودقيقة في الوقت المناسب كان قراره أقرب للصحة والصواب والعكس صحيح فإذا كانت المعلومات خاطئة يكون القرار خاطئاً ومكلفاً ايضا …
كما ان البيانات الإحصائية هي أداة للتخطيط والتوجيه وتلعب دورا بالغ الأهمية في تخليص الاقتصاد الوطني من التطور العشوائي وعدم التوازن في نمو قطاعاته المختلفة، ويعتبر الاحصاء أداة تخطيطية فعالة بيد الدولة لتنفيذ سياساتها الاقتصادية إذ لا يمكن التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية دون وجود جهاز احصائي قادر على حصر الموارد والامكانيات المتاحة في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وإذا كان القرار مهماً فمن الضرورة جدا التأكد من ان المعلومات صحيحة وينبغي ان يكون لدى صانع القرار استعداد للاستثمار في عملية جمع وتحليل البيانات بقدر الخطأ المتوقع في غياب المعلومة فالقرارات الخاطئة مكلفة سواء على مستوى الفرد أو الدولة وخصوصا انه يصعب التراجع عن بعض القرارات وخصوصا في القطاع الزراعي .
مفهوم البيانات(Data ) : هي مجموعة الحقائق والقياسات والمشاهدات التي تكون على شكل أرقام وحروف ورموز وأشكال خاصّة، تختصّ بفكرة وموضوع معيّن، والبيانات لا يكون لها معنى، ولهذا يتم تجميعها حتى يتم استخدامها.
مفهوم المعلومات( Information): هي نتاج معالجة البيانات، فالمعلومات عبارة عن البيانات التي تمت معالجتها بتصنيفها وتنظيمها وتحليلها، وأصبح لها معنى لتحقق هدفاً معيناً وتُستعمل لغرض معيّن حتى توفّر ما تسمى المعرفة، ولغوياً المعلومات كلمة مشتقّة من كلمة العلم، أي المادة الغنية بالكثير من المعاني، وهي تعني أيضاً ما يتمّ إيصاله أو تلقّيه، أي المعلومات هي بيانات جاهزة. الاختلاف بين المعلومات والبيانات، تعتبر البيانات هي المدخلات وهي كالمادة الخام عند الحصول عليها، والمعلومات هي المخرجات، وهي كالمادة المصنعة، تمّ تصنيعها بعد الحصول على مواد الخام ومعالجتها، أي البيانات هي التي تدخل إلى النظام أولاً، ثم تتم معالجتها حتى تخرج على شكل معلومات مفيدة واضحة لها معنى وعلى ضوئها يتمّ اتخاذ القرارات. تكون البيانات على هيئة أرقام وأشكال بيانيّة ورموز وأحرف وصور ونصوص، بينما المعلومات تكون على شكل صور توضيحيّة، أو نصوص وعبارات مفهومة المعنى. تُعتبر البيانات والمعلومات مكمّلات لبعضهما، فلولا البيانات لما تشكلت المعلومات، فالمعلومة لا تأتي من فراغ، وإنما من بيانات تم بذل الجهد عليها لتوفيرها، ومن ثمّ يُبذل جهد آخر لمعالجتها، وتحقيق معلومة تصنع منها قرارات، وتحقق غرضاً منشوداً. تعتمد التقارير الإدارية عند إرسالها على معلومات تمّ الحصول عليها من بيانات، فالذي يدخل في التقارير هي معلومات حقيقيّة وصحيحة وليس بيانات غير معالجة بعد.
ومن خصائص المعلومات: انها سلعة عامة –لا يمكن قياسها –أي لا توجد وحدة قياس لها –لا يمكن لشخص واحد امتلاكها لذا يقل الاستثمار فيها..
ومن شروط المعلومات: توفر كمية كافية – توفر نوعية دقيقة – ذات علاقة بالقرار المتخذ – ان تصل لمتخذ القرار في الوقت المناسب …
وتعتبر المعلومات الرقمية التي مصدرها الدراسات والإحصاءات الميدانية من أهم الأسس المرجعية لصنع القرار في الدول المتقدمة التي تتبارى مؤسساتها البحثية في القطاعين العام والخاص في دقة ما تنشر من البيانات الإحصائية التي ترصد متغيرات أنشطة الاقتصاد والمجتمع، ومن النادر أن يكون هناك تفاوت فيما يُنشر من البيانات وإنْ حدث، فَتنشُر المؤسسة التي أخطأت تصحيحاً وتبين سبب الخطأ. ولو تابعنا ما ينشر من معلومات إحصائية من الوزارات والبنوك وبيوت الخبرة ومراكز البحث العلمي والدراسات والشركات في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يوميا وأسبوعيا وشهريا وفصليا وسنويا لتبيّنا تلك الأهمية التي توليها الحكومات والشركات ومختلف الأنشطة الاقتصادية والأعمال لتصويب قراراتها. بل إن هناك قوانين تُجَرِّم من يَنْشُر بيانات مظللة مغرضة هدفها الإساءة للغير في إطار المنافسة والشفافية. ولا تقتصر أهمية دقة المعلومات الرقمية على الاقتصاد والتجارة والأعمال، وتتعداها للشؤون الاجتماعية والتعليمية والصحية وحتى السياسية، فضلا عن المتابعات والتنبؤات لمتغيرات البيئة.
كما أن تحليل الإحصاءات والخروج بالاستنتاجات المبنية على البرهان الرقمي وصياغتها بلغة واضحة مفهومة سيكون مكملا للأهداف التي وضعتها الجهة التي بدأت العملية الإحصائية.
ويؤكد الخبراء أهمية توفر الدقة في المعلومات والبيانات الإحصائية واستخدام التقنية الحديثة تُمَكِّن متخذي القرارات الاقتصادية والاجتماعية التوصل إلى حلول للمشكلات التي تواجه عملية التنمية الاقتصادية أو المجتمع.
فعملية رصد اي متغير في أي موضوع ميداني وتحليل البيانات المحصلة، سيكون بمثابة انعكاس للواقع، وعليه فلابد من أن تكون هذه البيانات على قدر عالِ من الدقة لأنها ستستخدم في صنع القرار، وأن متخذي القرار سيطلعون على نقاط الضعف والقوة في موضوع الدراسة الميدانية.
أما البيانات الإحصائية اللازمة لصنع القرارات وللدراسات والبحوث فمصدرها سجلات المتابعة اليومية الإدارية والمسموحات الإحصائية الميدانية التي تعمل على جمع البيانات من مصادرها الأصلية. وتقاس جودة البيانات ونتائجها بالمقارنة بالبيانات والنتائج التي يتم استحصالها من المسوحات الميدانية التي تجرى تباعا من قبل. ولا بد من التركيز على أهمية جودة البيانات المرتبط بمدى دقة وكفاءة البيانات الاحصائية فأصبحت جودة البيانات الإحصائية تتناول أبعاداً أخرى تقاس من خلالها جودة البيانات الرسمية، من هذه الأبعاد التوقيت المناسب، الاتساق والاكتمال، الترابط والتماسك، البيئة القانونية والمؤسسية. الخ
كما يقصد بدقة البيانات “مقدار انحراف التقديرات التي تبنى على هذه البيانات عن المعلومات الرئيسية للمجتمع الذي تمثله هذه التقديرات”. وعليه فإن البيانات الميدانية هي بيانات إحصائية يتم الحصول عليها نتيجة عمل إحصائي ينفذ ميدانيا من خلال عينة من وحدات المجتمع يتم اختيارها بحيث تكون ممثلة للمجتمع. وان تنفيذ المسح الميداني يمر بعدد من المراحل يبدأ بالمرحلة التحضيرية فمرحلة العمل الميداني ومن ثم مرحلة معالجة البيانات، ويتبعها مرحلة استخراج النتائج وتحليلها.
وللمحافظة على جودة البيانات الميدانية يجب التركيز على دقة الإجراءات ومراحل العمل، وتقليل الأخطاء التي تصنف إلى أخطاء المعاينة والتي تظهر نتيجة تمثيل العينة لوحدات المجتمع ويعبر عنه بالفرق بين قيمة التقدير من واقع البيانات والقيمة الحقيقية للمجتمع. والنوع الثاني من الأخطاء هو الأخطاء الإجرائية التي تأتي نتيجة تراكمات الأخطاء التي يمكن ارتكابها من جميع الفرق العاملة على تنفيذ العمل الميداني سواء فرق التخطيط للمسح أو التجهيز والاعداد أو فرق التنفيذ الميداني ومعالجة البيانات.
وبقدر أهمية دقة البيانات الإحصائية في صنع القرارات فإن تلك المعلومات تعتبر أرقاما صماء إنْ لم تُبيّن دلالاتها وتوضح معانيها، فالكثرة الكاثرة من المطبوعات التي تصدرها الجهات الحكومية عن المتغيرات الإحصاءات السنوية والفصلية والشهرية وغيرها إن لم تُحلل وتُبيَّن دلالاتها بشفافية فإن فائدتها ستكون محدودة.
وفي اليمن فإن نظام الإحصاءات الرقمية الذي يعتمده الجهاز المركزي للإحصاء الذي يوفر المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية الحيوية عن اليمن وطباعتها بدوريات سنوية وفصلية وشهرية وتوفيرها بكتيبات بما يغني الباحثين والمهتمين بمتابعة التطورات الاقتصادية والاجتماعية ملخصة بمؤشرات ترصد التقدم والانجاز ومستوى الأداء في النشاط والقطاع المعني من خلال توفير سلسلة زمنية للبيانات قطاعيا وجغرافيا.
كما أن هناك عدداً من الجهات الحكومية تصدر تقارير دورية تتضمن متابعات إحصائية متخصصة في أنشطتها.
ولعل الأهم في تلك المعلومات الإحصائية دقتها وتطابق ما ينشر منها من مختلف مصادرها، إذ أن أي اختلاف في مؤشر رقمي لبيان محدد مصدره جهتان يفقد الثقة بصدقه.
*وزارة الزراعة والري Ashaish1966@yahoo.com

قد يعجبك ايضا