شكرا ترامب
عباس الديلمي
من المعروف أن الإنسان بحكم اجتماعيته وما تحكم مجتمعه الإنساني من أخلاقيات وقيم، وقوانين عيب.. يعمل بكل جد أن يخفي عن الناس أي عمل يقوم به خارج عن تلكم القيم وقوانين العيب، وأنه قد لا يكترث لذلك في حالة واحدة، هي انكشاف أمره، أي إذا ما أصبحت ممارساته الخارجة عن الضوابط الأخلاقية والقيم النبيلة المتعارف عليها معروفة ومكشوفة للآخرين، حينها لا يبالي بما سيقال عنه، ولا يتردد في الإقدام علنا على ما هو مخل حتى بمكانته وسمعته.. وفقا لقول الشاعر (انا الغريق فما خوفي من البلل) هذا ما جاء عند بعض علماء النفس، وهذا ما نجده في تصرفات الرئيس الأمريكي ترامب، وخاصة منذ جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.. وتعرضه – أي ترامب – للنقد واللوم لا من الصحافة الأمريكية وحدها بل ومن ساسة أمريكيين بما فيهم زملاء له في إدارته وحزبه.. كما قال أحدهم بأنه لم يكن يعلم أن البيت الأبيض الأمريكي أصبح شركة علاقات عامة تعمل لصالح السعودية إلاّ في عهد الرئيس ترامب..وكما قالت صحيفة أمريكية كبرى عن ترامب بانه وبخصوص الجريمة البشعة التي ارتكبها النظام السعودي في حق خاشقجي وحرية الرأي قد فضل محفظته على سمعة ومصلحة أمته.
بعد ذلك وبعد أن رأى الرئيس ترامب أنه قد كشف وهو يمرق على ما تسعى أمريكا للتحلي به من قيم ومبادئ وحقوق إنسان صار لا يخشى ما يقال وما سيقال عنه وحسب، بل ولا يتورع في الإساءة إلى أهم أعمدة النظام في أمريكا وهي وكالة الاستخبارات المركزية.
فبعد أن فضح المزايدة الأمريكية بالإنسان وحقوقه – اينما كان – وقال (ان خاشقجي ليس مواطناً أمريكياً) وكأن من ليس أمريكيا ليس بإنسان كما فهمت عبارته عند الناس حتى في الولايات المتحدة، أقدم على التشكيك في قدرات ودقة جهاز أمريكا الاستخباراتي العالمي فبعد قرابة الشهرين على عمل ذلك الجهاز في البحث عن عوامل الجريمة وَمَنْ خلفها، يأتي ترامب ليقول عن تقاريره التي وصلته كرئيس بأنها غير دقيقة وتحتمل أكثر من تفسير، متناسياً أن البيت الأبيض كثيراً ما أقام الدنيا ولم يقعدها استناداً إلى تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية وبأسرع وقت وآخر شاهد على ذلك ما بدر من الرئيس ترامب نفسه إزاء قضية أو محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج في بريطانيا وبعد أيام فقط على الواقعة ورفضه أن يشارك الروس في التحقيق كون استخباراته (لا تنطق عن الهوى).
وكما لم يأبه الرئيس ترامب بمكانة وسمعة بلده ولا وكالتها الاستخبارية، لم يراع فضح وكشف النظام الذي يدافع عنه.. فلم يتوقف عند تفسير العلاقة معه على أنها مصلحية مالية أو علاقة راع ببقرة حلوب بل ذهب إلى مالم يكن حليفه يرغب في سماعه منه – كشاهد من أهله – فربط وجود وبقاء إسرائيل بوجود وبقاء النظام السعودي ولا داعى لسرد ما قال، فالجميع على علم به .. وكيف فهم الأمر على ان التحالف ضد إيران هو تحالف لحماية إسرائيل حتى لا تصبح في مأزق أو ورطة.
هنا هل تقول أن انكشاف أمر المرء لا يجعله غير مبال بسمعته فقط، بل وبسمعة ومكانة غيره ومن يحرص عليه، هذا ما تم استنتاجه ونحن نقول شكرا ترامب لقد وفرت الكثير والكثير.