ثقافة الخيانة …
أحمد يحيى الديلمي
من قرأ خطاب تكليف الدنبوع للمدعو علي محسن سيجد أن التردي لم يتوقف عند البشاعة والاستهانة بالنفس بقدر ما كشف عن حالة الاستسلام والخنوع المهين ممن يسمون أنفسهم بالشرعية لدولة العدوان الأساسية ممثلة في النظام السعودي فالدنبوع وهو يعلم علم اليقين أنه مجرد رئيس صوري بلا مهام ولا مسؤوليات تُذكر تجرد من قيم الانتماء للوطن وأهمها صيانة السيادة والاستقلال وكرامة الذات لم يتحرج عن توقيع التكليف المذيل بعبارة بعد التشاور مع محمد ال جابر السفير السعودي لأنه تشرب الخيانة منذ زمن مبكر وكان عميلا لبريطانيا العظمى ، مما اضطر حكومة الثورة في عدن الى محاكمته والحكم عليه بالإعدام لذلك لا نستغرب إن لم يشر الخطاب الى مكان عمل السفير للدلالة القطعية على انه الحاكم الفعلي لليمن – عفوا – للمساحة الجغرافية الواقعة تحت نير الاحتلال – أليست مفارقة عجيبة ان تتعمد دولة العدوان الأساسية فضح الرجل الذي أمضت أعوام تتباكى على شرعيته المزعومة لينتهي به الحال الى هذا الواقع المزري والإمعان في تشويه الصورة باعتبار الرئيس والمرؤوس المتسكعين في أورقة الفنادق مجرد مرتزقة وعملاء وفي اعلى حد لما يمكن اعتباره احتراما للبعض منهم التعامل معهم لاجئين سياسيين تابعين لإدارة السفير السعودي وبالتالي فإن توزيع المهام وصياغة خطابات التكليف وقرارات التعيين في مناصب الحكومة الهلامية تُصاغ في غرف خاصة يتولى السفير الجابر صياغتها وأخذها إلى الدنبوع للتوقيع عليها دون مناقشة أو اعتراض ، المشهد برمته يكشف عن مستوى السقوط الأخلاقي والانحدار القيمي الذي ارتضاه هؤلاء الناس لأنفسهم وقبلوا بان يتحولوا إلى أحجار شطرنج يحركها المعتدون كيفما يحلو لهم وانىّ شاءوا ، أفضل توصيف لهذا الواقع قول الشاعر العظيم المتنبي :
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
علق احدهم (ارحموا عزيز قوم ذل ) رد أخر هؤلاء القوم لا يستحقون الرحمة لأنهم باعوا الوطن واستهانوا بكرامة المواطن ومكنوا الأعداء من استباحة الأرض وانتهاك الكرامات والأعراض بلا حياء أو خجل .
السجال والأخذ والرد أعاد الذاكرة إلى الماضي لاستحضار مشاهد مماثلة أهمها موقف الصلابة والتحدي من اليمنيين عقب حالة التسلط والاستبداد من القوات المصرية مع أنها جاءت لنصرة ثورة 26 سبتمبر والدفاع عنها وكانت حكومة الثورة في أمس الحاجة إليها لأن زحف القوى المعادية كان قد اقترب من العاصمة، إلا أن وصول الاختلالات إلى أسلوب التعاطي مع الخيارات الثورية واستهداف كرامة المواطن أحدثت انتفاضة عارمة بلغت أعلى مستويات المسؤولية مما آثار غضب الجانب المصري وكان رد الفعل مفزعاً اقتضى أخذ الحكومة وكبار المسؤولين إلى القاهرة وإيداعهم في السجون في ظروف صعبة جعلت الأستاذ المرحوم احمد محمد نعمان يطلق عبارته الشهيرة (كنا نبحث عن حرية القول أصبحنا نبحث عن حرية البول) بالمقابل ظلت المظاهرات والاحتجاجات تتصاعد في المدن اليمنية إلى أن تم إطلاق السجناء في القاهرة والداخل والإعلان عن انسحاب القوات المصرية أما من جارى القوات المصرية من اليمنيين فقد وُجهت إليه تهمة الخيانة منهم من تم إيداعه السجن وآخرون فروا إلى خارج الوطن حتى من خرج من السجن بعد ذلك ظلت اللعنة تلاحقه إلى حد ان احدهم توفى فرفض الناس تشييعه والصلاة عليه مما اضطر أولاده إلى القيام بالمهمة منفردين .
دلالات الواقعة واضحة تؤكد ان اليمنيين قد يسامحون عن أي شيء إلاّ الخيانة والعمالة .
من جانب آخر تتضح خطورة التحولات السيئة التي أحدثتها السعودية في الواقع منذ أن فرضت وجودها على اليمن عقب ما سُمي بالمصالحة الوطنية فلقد هزت المعنويات وأفسدت قيم الانتماء الصادق للوطن ، وأسقطت كل معاني الوطنية والشموخ ومعنويات الانتماء وصيانة الأعراض للأسف من يتابع أفعال وتصريحات أولئك النفر يُدرك مدى الخطورة لأنهم باتوا يتباهون بالتبعية والذل والإهانة وكأن الأمر تحول إلى ثقافة وسلوك مقبول وهذه هي قمة المأساة وتتطلب تحصين الواقع بثقافة واعية تُعلي شأن ثقافة الموروث الحضاري وتعاليم الدين السامية التي تًنعش مشاعر العزة والإباء والشموخ وترفض الاستسلام والخنوع ، وهذا هو المعول على أبناء الوطن الشرفاء بالذات أولئك المرابطين في جبهات القتال . والله من وراء القصد..