عقيدة أمريكا : إسرائيل أولا “1-2
محمد ناجي احمد
على نهج جورج دبليو بوش يسير الرئيس الأمريكي ترامب ،فالمصالح والقيم الأمريكية شيء واحد.
يعترف الأمريكيون أن كلفة عقيدة بوش الابن المتمثلة بحماية إسرائيل وإسقاط الأنظمة كانت أضخم من أن تُحتمل . فكيف سيكون الوضع مع عقيدة ترامب الشرهة والمندفعة والمهددة بتغريداته في مواقع التواصل الاجتماعي بالدفع إلى “حافة الحرب النووية “!
الحقيقة الأولى في العالم العربي بحسب حسام عيسى ” أن هذا العالم يعيش منذ نحو قرنين حركة نهضوية متعثرة ..ومجهضة دائما .. وهي حركة قامت أمام عدو واحد ،الغرب بجيوشه وأساطيله ،والغرب بتجارته وأمواله ،والغرب بأفكاره وقيمه ،وهو عالم يُسحق ويٌجهض دائما ..بشكل مباشر ..أو غير مباشر من خلال إسرائيل ..ولذلك جسدت إسرائيل في الوعي العربي كل شرور الغرب وآثامه “ص95 أزمة الخليج –اتحاد المحامين العرب 1990م .
لقد كان خروج الشارع العربي مؤيدا لصدام حسين عام 1990م ،واجتياحه للكويت هو في حقيقته عداء للغرب ،ولقد أدرك الرئيس الفرنسي “ميتران ” ذلك فسعى إلى حل لمشاكل الغرب مع العرب ،من خلال الربط بين أزمة الخليج الثانية وقضية فلسطين .
الدعوات الفلسطينية التي يطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من أن أمريكا لم تعد طرفا في السلام ،يخدم ما تريده الإدارة الأمريكية التي بدأت تتخلى عن التزاماتها في اتفاقيات أوسلو عام 1993م وما بعده.
فالقول بعدم صلاحية أمريكا كوسيط في “عملية السلام ” يقتضي إسقاط كل الاتفاقيات التي عقدت مع إسرائيل ،أو مبادرات سلام طرحت من طرف واحد ،كالمبادرة السعودية التي طرحها الملك عبد الله عام 2002م ،وتبنتها الجامعة العربية في قمتها المنعقدة بلبنان ،دون هذا الربط بين التصريح بعدم صلاحية أمريكا لتكون طرفا في الحل وبين إسقاط الاتفاقيات والمبادرات –فإن تصريحات محمود عباس تصبح جزءا مما يسمى بـ”صفقة القرن ” التي تتبناها السعودية بلافتة اقتصادية وعسكرية تشمل إسرائيل ،بل تنطلق منها إلى مصر والسعودية واليمن وصولا إلى جيبوتي !
وهي تصريحات تتفق مع توجه الإدارة الأمريكية في عهد أوباما في التخلص من كلفة مفاوضات السلام الإسرائيلية –الفلسطينية ،وما يترتب على ذلك من التزامات سياسية واقتصادية وأمنية ، لتتفرغ إلى منطقة الباسفيك في آسيا ،فالمستقبل يصنع هناك .
وهذا التحلل من الالتزامات في المنطقة يخدم التوسع في سياسة الاستيطان والقضم والهضم في غزة والضفة الغربية والجولان .بل ويؤدي إلى ما يسمى ب”صفقة القرن ” . فلقد تراجعت أمريكا في عهد بوش الابن عن دورها في “عملية السلام ” ولم تعد من أولويات السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية إقامة دولة فلسطينية ،بل ذهبت أبعد من ذلك في إدارة ترامب بنقل سفارتها إلى القدس ،وربما موافقتها على ضم الجولان نهائيا إلى الكيان الصهيوني .
ليس لدى أمريكا التزامات بالعهود والاتفاقيات ،فهي كما وصفها المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عام 2012م حين قال ” لن نخضع لمجرد ابتسامة على وجه عدونا ،فلدينا خبرة معه تزيد على ثلاثين عاما …ولا يمكن خداعنا بوعودهم وكلماتهم الكاذبة ،هم ينكثون وعودهم بسهولة …ولا يشعرون بالخجل حين يفوهون بالأكاذيب ” لكن العرب ليسوا إيران ، لا يستفيدون ولا يتعظون من سبعين عاما من الأكاذيب ،ومع ذلك لازالوا يخادعون أنفسهم بوعود وأكاذيب الغرب !
يرى كسينجر في مذكراته ” أن فكرة البحث عن موقف عادل للصراع العربي –الإسرائيلي هي فكرة خرقاء ومضللة ،لأن الهدف الأخير من الاستراتيجية الأمريكية هو الدفاع عن حلفائه “ولذلك فهو يرى أن على الولايات المتحدة الأمريكية بدلا من البحث عن فكرة خرقاء اسمها “الموقف العادل ” مساندة “إسرائيل أولا “.
يكتب سيد قطب في أكتوبر 1946م –أي قبل انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين بسنوات -في مجلة الرسالة ،مقالاً بعنوان “الضمير العربي والمسألة الفلسطينية ” ” ها قد اكتشفنا أخيرا الضمير الأمريكي الذي كان أسرّ قلوب العديد من الناشئة في الشرق ،والذي ظنوا أنه مختلف عن الضمير البريطاني والضمير الفرنسي وضمير الآخرين في أوروبا … لقد خُدع الكثيرون بالضمير الأمريكي الذي يبيع مستقبل الشعوب الأخرى وحقوقهم من أجل حفنة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية … وهذه هي أمريكا كما يراها الجميع . وهذا هو ضمير ترومان يكشف حقيقة الضمير الأمريكي الذي هو مثل أي ضمير غربي آخر – بلا ضمير ولا يثق به غير مجنون ” كان هذا المقال قبل أن تحل أمريكا في المنطقة محل الاستعمار البريطاني الفرنسي ! ص55 نقلا عن “أوباما والشرق الأوسط – الدكتور فواز جرجس – صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية 2014م .
لقد حدد سيد قطب في مقاله هذا طريق تحرير فلسطين ب”البدء بالجهاد وتجاهل أي عميل يسعى إلى خداعكم كي تثقوا بالضمير الغربي . على كل العرب وكل المسلمين أن يقفوا وقفة واحدة دفاعا عن فلسطين . إنها الحرب بين الشرق الناهض والغرب البربري ،بين قانون الله وقانون الغاب”.