الجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي ” 7 “
عبدالجبار الحاج
من اجل استكمال صورة الاحتلال البريطاني واهدافه وتلاقي الاطماع مع ما تتفق جميعها من اطماع بريطانية في شمال الشمال وحيث كانت الاطماع السعودية تتحرك بتخطيط وخطط وقرار تنفذه آل سعود في المناطق التي احتىلتها في نجران وجيزان وعسير وقد فصلنا ذلك .. فما لون واطماع الاحتلال البريطاني مباشرة في الجزء الجنوبي للوطن اليمني؟
أخذت بريطانيا تتطلع إلى احتلال مرفأ عدن منذ نهاية القرن السابع عشر، خشية من أن يقطع الفرنسيون عليها الطريق إلى الشرق،
وعندما احتل نابليون بونابرت مصر عام 1798م، قامت بريطانيا باحتلال جزيرة بريم ميون ، الواقعة عند مدخل باب المندب عام 1799م *، ولكنها ما لبثت أن انسحبت منها عقب انسحاب الفرنسيين من مصر**. إلا أن مخاوفها ما لبثت أن تجددت مع بدء محمد علي باشا والي مصر بالتوسع في شبه الجزيرة العربية في ثلاثينيات القرن الثامن عشر، وهي مرحلة قلع الاظافر لما اسمي بالدولة السعودية الثانية التي دجنتها تماما حملات قادها ابراهيم باشا وتحولت السعودية الثانية الى مجرد دمى واراجيز تحركها اصابع الحملات المصرية حتى انه خلال مسمى الدولة السعودية الثانية لم تكن للحركة الوهابية اية مظاهر مصاحبة ما عدا تلك الفترة التي ظهرت محاولتها مع بدايتها على يدي تركي بن فيصل قبل ان تجرفه ومن تلاه حملات ابراهيم باشا …
واستمرارا للحديث عن الحملات حيث وصلت القوات المصرية إلى منطقة الحجرية وأصبحت تهدد بشكل مباشر مدينة عدن، الأمر الذي دفع بريطانيا إلى الطلب من والي مصر سحب جيوشه من اليمن إلا أنه رفض. *
على الرغم من أن السياسات الاحتلالية الكبرى تتقاسم النفوذ الا ان الصراع بين القوتين العظميين بريطانيا والعثمانيين انتج موقفا سياسيا عثمانيا على اساسه لم يعترف العثمانيون بالاحتلال البريطاني وقاموا بتجريد عدة حملات ضد بريطانيا، وفي عام 1902م تم تشكيل لجنة مشتركة لتثبيت الحدود، واستمرت هذه اللجنة في عملها حتى مارس عام 1904م، حيث تم الاتفاق بين الطرفين على خط الحدود، وتمت المصادقة على هذا الاتفاق في 9 مارس 1914م. إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى في الربع الاخير من نفس العام ووقوف تركيا إلى جانب ألمانيا، لم يضع هذه الاتفاقية موضع التطبيق الفعلي، فاندلعت المواجهات بينهما، وتمكنت تركيا من اكتساح معظم أراضي الجنوب، فاحتلت الضالع والحواشب ولحج ووصلت قواتها في 6 يوليو 1915م إلى منطقة الشيخ عثمان. لكن البريطانيين كان لديهم في عدن 14 ألف جندي جيدي التسليح، وكان لديهم * الخبرة والقدرة المالية على شراء وتأليب القبائل ضد الأتراك، بالإضافة إلى الظروف الجوية القاسية، أجبر الأتراك على الانسحاب .. الى ذلك فان تلك الاتفاقات بين القوتين كما اسلفنا كانت موضوع رفض من قبل الامام يحيى ..
ظل جنوب اليمن منذ أقدم العصور جزءاً لا يتجزأ من اليمن الطبيعية، ولم ينفصل عن الشمال إلا في فترات ضعف السلطة المركزية وانحلالها، نتيجة النزاعات القبلية والصراع على السلطة، وهي حالات نادرة، وانفصلت هذه المنطقة عن اليمن نهائياً في سنة 1728م(*)، عندما أعلن سلطان لحج استقلاله عن إمام اليمن أسوة بسلاطين يافع العلياء، ويافع السفلى، والبيضاء، وأبين. وعندما احتلها البريطانيون أطلقوا عليها اسم مستعمرة عدن ومحمياتها، وهي التسمية التي استخدمت في المراسلات البريطانية.
وفي عام 1947م ظهر مسمى الجنوب العربي، وقد تبنتها رابطة أبناء الجنوب العربي، لهدفين أولهما القضاء على النزعة المناطقية الذي يثيرها مسمى تسمية عدن والمحميات، لما تتضمنه من معاني التجزئة، ولمحاولة إزالة الحدود الوهمية بين الإمارات، والتأكيد على عروبة المنطقة* ..وثانيهما رفضها لمبدأ الوحدة مع الشمال. وكرد فعل على هذه التسمية التي تكرس فصل الجنوب عن الشمال..
في مواجهة هذا التوجه الذي تصدت له الحركة الوطنية اليمنية التي تشكلت احزابها وهيئاتها من عناصر تنتمي لكل اليمن وكرست في ادبياتها ووثائقها وبياناتها مسمى الجنوب اليمني، لتأكيد وحدة الأرض اليمنية على الصعيدين الجغرافي والإنساني، واضافت الى كلمة الجنوب اليمني كلمة محتل *. للتأكيد على واقع الاحتلال، ولنزع المشروعية عن سلطة الاستعمار البريطاني وإعطاء مشروعية لمقاومتها.
عام 1938طلبت من السلطان محسن فضل العبدلي شراء مرفأ عدن، الذي كانت عدن تابعة لسلطنته، كي تقيم فيه مستودعاً للفحم إلا أنه رفض .. ثم مالبثت أن طلبت منه تعويضاً مجحفاً على سفينة كانت تحمل حجاجاً من الهند جنحت في ساحل أبين وقام الأهالي بنهبها. *
قامت بريطانيا باحتلال مرفأ عدن في 19يناير 1839م، بعد مواجهة غير متكافئة مع قوات السلطان العبدلي، سلطان لحج. حيث كانت القوات البريطانية المهاجمة قوة نوعية تتكون من 750 جندياً مزودين بالمدافع وبالخبراء والفنيين العسكريين، قامت بخوض معركة خاطفة تمكنت فيها من سحق قوات العبدلي التقليدية وقتل 139 من قواته وجرح 25آخرين ، واعتقال العبدلي نفسه ووضعه في السجن، ولم تخسر بريطانيا فيها سوى 15فرداً بين قتيل وجريح .*
كانت عدن وقتها ذات كثافة سكانية ضئيلة وقد اورد المؤرخ اليمني سلطان ناجي في مؤلفه الهام التاريخ العسكري لليمن ان عدد سكانها حينها كان 980 نسمة وعقدت معاهدة مع العبدلي بعد أن فشل في طرد البريطانيين بهجوم مضاد تعهد بموجبها بعدم مقاومة السلطات البريطانية، وأن يكون مسئولاً عن أمن الطرقات، وألا يجري مراسلات أو يوقع معاهدات مع أية دولة أو حكومة أجنبية إلا بعد إطلاع الحكومة البريطانية، وألا يقوم بالتصرف بالبيع أو الرهن أو الإيجار لأي من أراضيه لأية دولة أو أحد رعاياها إلا بعد التشاور مع الحكومة البريطانية،
رضخ السلطان الفضلي وبلغت بريطانيا مبتغاها ولو بتعديل مطلب شراء مساحة كبيرة الى اتفاق ينص على تأجير بريطاتيا مساحة واسعة من الاراضي في لحج وعدن على ان يظل سكانها تحت حكم الفضلي في مقابل ذلك تتعهد الحكومة البريطانية بحمايته وأن تدفع له مرتباً سنوياً يبلغ 6500 ريال*
بعدها قامت بريطاتيا بعقد سلسلة معاهدات حماية مماثلة بينها وبين سلاطين وأمراء ومشائخ جنوب اليمن التي بلغ تعدادها وتكاثرت حتى بلغت الى سلطنات ومشيخات بلغت 23 كيانا *
كما أبقت على تلك المحميات في وضع متأخر، فلم تعلَّم سكانها، ولم تحاول الدفع بها في طريق النمو، تحت دعوى عدم التدخل في الشؤون الداخلية*
فلم يوجد في جنوب اليمن منذ احتلاله عام 1839م وحتى استقلاله عام 1967م سوى مدرستين ثانويتين في عدن، واحدة للبنين وأخرى للبنات، كانت تستوعب بضع مئات من الطلاب، وكان الهدف من إنشائهما توفير بعض الكتبة والموظفين وكان معظمهم من السكان الهنود لمساعدة سلطات الاحتلال في الأعمال الإدارية، أما في المحميات فلم توجد سوى بعض المدارس الابتدائية الأشبه بالكتاتيب * وفي مجال الصحة كان هناك أربعة مستشفيات في عدن هي مستشفى الملكة اليزابيث، ومستشفى سلاح الطيران، ومستشفى الإرسالية الاسكتلندية، ومستشفى مصافي البترول، أما في المحميات التي يتوزع بها معظم السكان البالغ عددهم نحو 800 ألف نسمة فلم توجد بها سوى أربع عيادات في كل من المكلا وأبين ولحج وسيئون*
ووجدت شبكة طرق جيدة ولكن في مدينة عدن وحدها لخدمة حركة تموين السفن
أما في المحميات فبقيت وسيلة النقل الغالبة هي الحيوانات..*. ويبدو أن الهدف من ذلك هو الإبقاء على وضع التبعية، وعلى النزعة الانعزالية الانفصالية لتلك المناطق
قامت سياسة بربطانيا في الجنوب اليمني على مبدأين اثنين :
/معاهدة ولاء، مقرونة بالعطاء، ثم الاستيلاء،
/ ومبدأ تحريض القبائل الموالية على المعادية
_مبدأ إخافة الأقلية من الأكثرية وتوظيفها لخدمة الاحتلال ..
وعلى هذه المبادئ فقوات الاحتلال البريطاني لم تعد تحتاج إلى جيش كبير للمحافظة على واقع الاحتلال، عمدت بريطانيا في سياسة التمييز بين سكان المحميات والمستعمرة عدن إلى محاولة تغيير التركيبة السكانية عبر قانوني الهجرة والمواطنة، اللذين فتحا أبواب عدن أمام الهجرة الأجنبية، وأغلقاها أمام هجرة أبناء الشمال، وأبناء المحميات، حيث استقدمت إلى عدن الهنود والباكستانيين والإيرانيين بالإضافة إلى الأوروبيين واليهود الذين أمسكوا بمفاصل الإدارة، وسيطروا على مجمل النشاط الاقتصادي، وكانوا أفضل من يتعاون مع الاحتلال ..
. ورغم هذه السياسات التي استهدفت اليمنيين وتغريبهم عن عدن فلم تزد نسبة الأجانب في المدينة عن 15 في المئة ورغم التفاوت الذي كان يطرأ على تغيير هذه النسبة الا انها كانت لا تسمح مرارا في فترات متباعدة الى اقل من النصف كثيرا من مجموع سكانها …
يفرد لنا المؤرخ سلطان ناجي في مؤلفه المشار اليه اعلاه وقي الصفحات الاولى من كتابة سردا تاريخيا لتاريخ واستمرار المقاومة الشعبية العفوية للاحتلال دون توقف وهي مقاومة وطنية يمنية ليست حكرا على منطقة بعينها بل خذت بعدا وطنيا شاملا وعميقا وواسعا ..
اما عن سياسة الاستعمار في التحكم في نسبة التوزع السكاني في مدينة عدن لصالح العنصر الاجنبي على حساب التحكم بإبقاء العنصر اليمني ضئيلا ومحاولة قوننة ذلك وجعله جزءا من النظام العان فيبدو لنا ان السبب في فشل سياسة تغريب عدن عن اليمنيين وهذا كما سأورده هنا هو استنتاجي مما تجمع لدي من روايات متواترة وهي ما سمعته شفاهة ودونته في ذاكرتي وهي ما تجيب على اسئلة كيف تحقق التغيير الديمغرافي لصالح السكان اليمنيين في عدن وهي زيادة نتجت بادئ الامر من جراء مشاركة ابناء المناطق القريبة من عدن والواقعة في الشمال انذاك في المقاومة اليمنية للاحتلال والتي استمرت طويلا في أن يعود في الاصل ومنذ بدء الاحتلال الى ان تدفق القادمون من ابناء الحجرية وتعز وكانت إب حينها والعدين احد اقضية لواء تعز في معظم تلك الفترات التاريخية بحسب التقسيم الاداري في اليمن شمالا . وبموجب اتفاق بين بريطانيا وعدد من شخصيات ومشائخ منهم الشيخ الشرجبي والذين هبوا من قراهم وقاتلوا ضد الاحتلال البريطاني في عدن فقد نص الاتفاق على السماح لأبناء تلك المناطق بالعيش وبممارسة حياتهم بحيث ينطبق عليهم ما ينطبق على سكان عدن مقابل ايقاف تجنيد وتسليح ابناء تلك المناطق للقتال ضد الانجليز فكانت الهجرة من تلك الارياف القريبة من منطقة تعز والحجرية كثيفة ما جعل التركيبة السكانية تتعاظم لصالح السكان اليمنيين رغم كل المزايا التي كان يمنحها قانون الهجرة للجنسيات الاجنبية من هنا ظلت النسبة السكانية لليمنيين تتزايد وتتكاثر وتتجاوز النصف واحتلت الاغلبية في المراحل التالية من الاحتلال ..
ولذلك يلاحظ حتى اليوم الغالبية من السكان هم من اصول ريفية وكان يطلق عليهم بـ(الجبالية) الى ذلك ويبدو واضحا أنها كانت تهدف من محاولة تغيير التركيبة السكانية لمدينة عدن، إلى زيادة عدد سكانها من غير اليمنيين إلى الحد الذي لا يمكنهم من المطالبة في أن يكونوا طرفاً في تحديد مستقبل مدينة عدن وعزل شرق الجنوب عن غربه ثم أخيراً مسعى عزل الجنوب عن الشمال ..