في السنوات الأخيرة الماضية، تعرّضت بلدة العوامية إحدى بلدات مدينة القطيف لجنايات وجرائم ارتكبتها الحكومة السعودية، وقد أخذت موجة الجرائم هذه تزداد بعد تسلّم محمد بن سلمان، الأمير الشاب وقليل الخبرة، منصب ولي عهد السعودية.
تقع مدينة القطيف الشيعية في محافظة الإحساء شرق السعودية، وتقع بلدة العوامية، التي هي مسقط رأس الشيخ نمر باقر النمر، في هذه المدينة أيضاً. ويمثل الشيعة حوالي 10-15 ٪ من سكان السعودية، ويقيم معظمهم في محافظة “الشرقية”، وتعتبر هذه المدينة أهم مركز لاستخراج النفط في السعودية، كما أنّ بلدة العوامية التي هي أيضاً بلدة في شمال القطيف تعتبر من المناطق المطلّة على الخليج وتقع على بعد 2 كم شمال مدينة صفوى وحوالي 1 كم جنوب مدينة القديح.
ومع ذلك، لعب شيعة العوامية منذ عام 2011م، دوراً فاعلاً وجديّاً في الاحتجاجات السلمية، لذا فإن آل سعود يعتبرونهم تهديداً خطيراً دائماً على استمرار حكومتهم لذلك اتبعوا أسلوب القمع ضد سكان هذه البلدة.
كما بدأ أسلوب القمع منذ 10 مايو 2017م، يأخذ أبعاداً أوسع تدريجياً من خلال تدمير منازل الشيعة وارتكاب عمليات قتل بحقهم وذلك تحت ذرائع مختلفة كإعادة ترميم بعض الأماكن، ومكافحة الإرهاب وقضايا أخرى أثارتها أسرة آل سعود لقمع الأقلية الشيعية في السعودية، واستكمالاً لهذا النهج، تشير التقارير الجديدة أيضاً إلى استمرار الجرائم السعودية في بلدة العوامية.
تقرير مجلة “ميدل ايست” عن استمرار جرائم السعودية في العوامية
في الوقت الذي تحدّث فيه ولي العهد محمد بن سلمان العام الماضي باستمرار عن إجراء إصلاحات رئيسية في مختلف المجالات الاجتماعية والقانونية والاقتصادية وغيرها، شهدنا زيادة مستمرة في الضغط على الشيعة.
وإثباتاً لهذا الأمر، أشار تقرير جديد لمجلة ميدل إيست في 19 مايو 2018م إلى أنه استناداً إلى دراسة ميدانية اُجريت في العوامية تم فيها إجراء مقابلات مع سكان البلدة، كما أوضح التقرير أنه في الأشهر الأخيرة، ازدادت الضغوط على الشيعة أكثر من أي وقت مضى.
ويذكر التقرير أن الحكومة السعودية لا تمتنع عن استخدام أي أساليب عدائية ضد الشيعة، وفي هذا الاتجاه، أصبحت الحكومة تتبع إجراءات أكبر كاقتحام المنازل بشكل غير قانوني، وإلقاء القبض على الشيعة، وإعدام شخصيات شيعية وتدمير المنازل لتقويض المجتمع الشيعي شرق السعودية من خلال التضييق عليهم وقمعهم.
ومع ذلك هنالك قضية تطرح نفسها وهي ما الدوافع والأهداف التي تسعى حكومة الرياض وراءها عبر قمع مواطني العوامية، وسنتطرق إلى هذا الموضوع من خلال ذكر ثلاثة محاور مهمة:
أ) منع صعود الحركات الشيعية ضدّ الأسرة السعودية
مما لا شك فيه أن أهم هدف للحكومة السعودية ومحمد بن سلمان من زيادة الضغط على الشيعة بشكل عام وشيعة العوامية بشكل خاص، هو القضاء على الأسس التي تؤدي إلى زيادة قدرة حركات الاحتجاج الشيعية ضد العائلة الفاسدة في السعودية.
في الواقع، ونتيجة للجهود التي بذلها الشهيد نمر باقر النمر في السنوات الأخيرة، ظهرت حركة احتجاجية ثورية واسعة بين الشيعة السعوديين، وهذه النواة الاحتجاجية، لم تضعف فقط بعد استشهاد الشيخ النمر في 2 يناير 2016م، بل ازدادت على مستوى أوسع.
ومن هنا، يعتزم محمد بن سلمان منع الحركات الشيعية والتضييق عليها خوفاً من تصاعد قدرتها، وذلك من خلال التصفية الجسدية وربط الاحتجاجات إلى المزاعم التي تقول بوجود أيادٍ خفية لإيران في تحريكها. وفي هذا الصدد، ونظراً إلى القوة المهيمنة للحركة الشيعية في العوامية، فقد وضع ابن سلمان نصب عينيه قمع مواطني هذه البلدة.
ب) دمج وإقصاء الشيعة في السعودية
من الأهداف المهمة الأخرى لتشديد قمع الشيعة في السعودية، وخاصة قمع مواطني العوامية، محاولة محمد بن سلمان التخلص تدريجياً من الشيعة في المجتمع السني داخل السعودية، ولغرض تنفيذ هذا المشروع، اتبع ابن سلمان تكتيكين.
فمن جهة، يسعى ابن سلمان إلى إضفاء الشرعية على إبادة الشيعة الجماعية عن طريق الاستعانة بالعلماء الوهابيين المتطرفين وإظهار جانب حق في قتل الشيعة، ولذلك، فإن إعدام الشيعة وذبحهم في السجون السعودية آخذ في الارتفاع، من ناحية أخرى، يعتزم محمد بن سلمان إجبار جزء كبير من السكان على الهجرة من مكان إقامتهم، من خلال تدمير المنازل وتدمير المواقع الدينية والتاريخية الشيعية، وخاصة في بلدة العوامية.
وفي هذا الصدد، فإن أكبر جهد تبذله الحكومة السعودية هو توطين الشيعة في المناطق السنية في محافظات أخرى بالسعودية من خلال تفريقهم، وبالتالي، سلب إمكاناتهم وقدرتهم الثورية من جهة، وتوفير أسس طويلة الأمد لتمهيد تغيير المذهب من جهة أخرى، وقد تم انتقاد هذا الأمر حتى الآن من قبل الشخصيات المُطالبة بالتحرر ومراكز البحوث المستقلّة على مستوى العالم واتهام حكومة آل سعود بجرائم قتل وإبادة.
(ج) إظهار القوة “الصقور”
من دوافع محمد بن سلمان والحكومة السعودية الأخرى للقضاء على الشيعة، وخاصة في العوامية، هو ما يتعلق بالتصفية التي تحدث داخل أسرة آل سعود أي في جوهر القدرة السعودية، وهذا يعني أن محمد بن سلمان، بعد توليه منصب ولي عهد السعودية، يخطط لإظهار قدراته وسلطته على العائلة المالكة وعلى الأمراء المعترضين على التنصيب غير التقليدي. ويهدف أتباع محمد بن سلمان المعروفين باسم “الصقور” إلى إظهار جديتهم في قمع الشيعة المعارضين، من ناحية، وتشجيع التيارات المختلفة على دعمهم من ناحية أخرى.
وفي ذات السياق، يعتقد أندرو هاموند، باعتباره خبيراً في الشؤون السعودية والذي نشر أيضاً كتاباً حول السعودية، أن قتل الشيعة في العوامية ومناطق شيعية أخرى يرتبط بتغيير إرث السلطة في رأس الحكومة السعودية.
وقال في محادثة مع دويتشه فيله “DW”: قبل فترة وجيزة، جُرّد ولي العهد السابق محمد نايف من السلطة، وهكذا، فإن هذا الفرع من العائلة المالكة يفقُد تدريجياً الوصول المباشر إلى العرش، إن ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، هو الابن المحبوب للملك سلمان، ويرى هاموند الذي يجري حالياً تحقيقاته في جامعة أكسفورد، أن محمد بن سلمان يعتبر نفسه رجلاً قوياً. أي الشخص الذي يردع الشيعة داخلياً في المناطق الشيعية ويقف خارجياً بوجه إيران”.
Next Post
قد يعجبك ايضا