العدوان والمشاعر الزائفة

أحمد يحيى الديلمي
في زمن المشاعر المزيفة وغياب الأحاسيس الصادقة وموت الضمائر ، في هذا الزمن الذي سادت فيه الأطماع المادية والمصالح الاقتصادية وتجذرت الشهوات السياسية والاجتماعية في النفوس ، انقاد العالم إلى نطاق الكذب والدجل والخداع وتحولت أدوات التعبير الحديثة مثل الفايبر والتويتر والواتس – آب من نعمة إلى نقمة ، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي رصاصة مسمومة يطلقها كل من أراد أن يستفز الآخرين أو يستأثر بالمطامع ويشوه الواقع الإنساني المرير ويزيده مرارة ، كما يحدث في متابعة أخبار الحروب وتزييف الحقائق على أسس انتهازية تتلاعب بالوقائع وتختلق بطولات وهمية لا وجود لها إلا في ذهن من ابتدعها ، وهكذا هو حالنا مع آل سعود وما تسمى بدول التحالف كلهم يسعون إلى التضليل وابتداع أشياء غير موجودة في الواقع ، افتراءات يتحول معها الظالم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم، أو هكذا يُخيل لمن يبتدعها أنه قادر على إيهام الناس وجرهم إلى متاهات تتضاعف معها الآهات ويزداد الاستخفاف بدماء البشر والمشاعر الإنسانية .
هذا هو حال الأخبار التي تسوقها ماكنة الإعلام المعادية التي تتحدث دائماً عن ضحايا نتيجة قصف من تسميهم الحوثيين ، وتتجاهل تماماً مئات الضحايا الناتجة عن الغارات التدميرية الغادرة والقنابل المحرمة التي تلقيها طائرات العدوان وكأن هذه الأخيرة إنما تقذف الآخرين بالورود وترش عليهم العطور ، بينما صاروخ أو قذيفة واحدة تقوم لهما الدنيا ولا تقعد ، أليس هذا زيفاً وبهتاناً ومشاعر كاذبة ؟!
الغريب أنه بات من السهل استقطاب مشاعر الناس إلى ساحة الغباء والتصديق بما لا يُصدق في زمن توظيف المال لشراء الضمائر وتزييف الإرادات في زمن المتاجرة بالدين من خلال استغلاله أو التباكي عليه .
في ظل التعصب المفرط للذات والتطرف الديني المبالغ فيه باتت الأمور مقلوبة والإرادات مهزومة كلها تسعى إلى التكسب ولو على حساب أي شيء آخر بما في ذلك الكرامة والعزة ، في هذا الجانب تشير الدلائل في كواليس النظام السعودي إلى تحركاته المشبوهة ومساعيه الهادفة إلى السيطرة على تلابيب القرار العربي بإرادة مهزومة هدفها التمهيد لإسقاط حق الشعب الفلسطيني مقابل الترحيب بدولة الكيان الصهيوني ككيان مقبول في المنطقة يجب التآلف معه ، وهذا ما سعى إليه الأمير الغر محمد بن سلمان أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية واللقاءات التي أجراها مع المنظمات الصهيونية بما أعقبها من تصريحات أكدت حق دولة الكيان الصهيوني في أرض فلسطين وحملت الفلسطينيين كامل المسؤولية عما يجري لهم من تنكيل وقتل وتشريد.
أليست مفارقة عجيبة أن يصل بنا الأمر إلى هذا الحد من الهوان والذل والخضوع للآخرين بأسلوب مقزز وغير مقبول ؟! كشف عن سوأة الكثيرين وعراهم تماماً بل وزاد على ذلك أن جعل كل شيء متاحاً للبيع بما في ذلك الأعراض والكرامات والأحاسيس الوجدانية ، ألم أقلكم أننا في زمن تزييف المشاعر والتآمر على الذات بسبق إصرار وترصد. وكأن البعض يتلذذ بالخيانة والعمالة والتبعية المطلقة للآخرين على حساب ذاته وكرامته ، إنها حالة شذوذ وسقوط مهين وصل إليها العرب والمسلمون في ظل حالة التخاذل والانقسام وتحويل المذاهب الإسلامية إلى دكاكين للبيع والشراء واعتبار الإسلام مجرد وسيلة للتغلب على الآخرين وقهرهم.
إنها مأساة كبرى !! نتمنى أن يتنبه الجميع إلى خطورتها وأن نعود بالذاكرة إلى ذلك الزمن الجميل بما اشتمل عليه من الصمود والتصدي والحضور الفاعل على مستوى القرار الدولي من العار أن تتحول هذه الأحلام إلى مجرد أمانٍ بعد أن كانت قد أصبحت حقيقة معاشة في الواقع ، وبالتالي تحتاج إلى يقظة وتفكير عميق ، فهل من مُدكر ؟! والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا