اﻻخوان المسلمين …وثقافة الحقد والكراهية
د/ إسماعيل محمد المحاقري
إن الكثير من شبابنا يبدون استغرابهم الشديد من مواقف جماعة اﻻخوان المسلمين ضد أوطانها وشعوبها وما تبديه من حقد وكراهية لم تجد له تفسيرا منطقيا وخصوصا أنها تقدم نفسها كجماعة دينية.
إن ما جعلهم يستغربون أن هذه الجماعة ترى في تحالفها مع أعداء الوطن التاريخيين ومع أمريكا وإسرائيل ومشاركتهم تدمير وطنها وقتل شعبها انه من أوجب الواجبات وترى فيما ترتكبه من مجازر وحشية أمراً تباركه السماء وعندما تمارس الكذب والتضليل الإعلامي يجدها اقرب إلى تصديق أكاذيبها ويراها وهي تبدي غضبها وتهيل التراب على رأسها عندما يسقط احد الضحايا عن طريق الخطأ في تعز ،على سبيل، المثال مسترجعة لعشرات الآيات القرآنية وفي نفس الوقت نجدها تتلذذ بقتل الآلاف من الأطفال والنساء والأبرياء من أبناء شعبها.
ومن ناحية ثانية ﻻحظوا عليها انها ما فتئت تستهجن شعبها لما يبديه من مقاومه وصمود غير مسبوق لمواجهة هذا العدوان الظالم ولما نقدمه من تضحيات.
إنني أحيانا أفسر الأمر بأن الغرور والأحقاد قد تملكتها كما تملكت الشيطان وطلب من ربه أن ينظره إلى يوم يبعثون وأحيانا يخيل لي أنهم جعلوا أنفسهم في مقام النبي الخضر الذي خصه الله بعلم من عنده عندما اصطحب النبي موسى فلا يجب أن يسألهم احد عن منكر فعلوه وعن فحش قالوه حتى ينجزوا أهدافهم ثم يحدثونا بما لم نحط به علما وما لم نستطع عليه صبرا
إن تلك الأفعال التي لم نجد لها تفسيرا لاحظناها في صراعهم مع شعوبهم في مصر وسوريا والجزائر وليبيا فقد ذهبت بهم الأحقاد ليتحالفوا مع إسرائيل لكسر إرادة المقاومة في سوريا وهاهم اليوم يجددون تحالفهم لكسر إرادة الرفض للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
والآن دعونا ننقل لكم تصورنا لهذه المشكلة من خلال التتبع لسياسة هذه الجماعة تجاه وطنهم اليمن.
إذا أردنا أن نعرف الإخوان المسلمين فلنراجع أدبياتهم الفكرية، فالسيد قطب في كتابه “جاهلية هذا الزمان” كفر المجتمع ولهذا كانت تسمية الجماعة “باﻻخوان المسلمون “ !!
وقد اعترض العالم الجليل محمد الغزالي الذي كان احد أعضاء الجماعة على هذا فقدم سؤالاً لقيادات الجماعة “هل نحن إخوان من المسلمين أم إننا اﻻخوان المسلمون “
فكان ردهم صريحا “ نحن الإخوان المسلمون حصرا” ومن ذلك التاريخ خرج من التنظيم.
كما أننا إذا أردنا أن نعرف منهجية اﻻخوان ومنطلقاتهم الفكرية فلنتابع طريقة استقطابهم لأعضاء وكذلك طريقة بناء العلاقات مع بعضهم البعض ومع غيرهم من أفراد المجتمع فطريقة اكتساب العضوية تتم عبر طريقتين اﻻولى :التركيز على النشء وبواسطة المؤثرات النفسية يتم اصطيادهم على غفلة من أسرهم و يتم إدخالهم في مجموعة تسمى “الأسرة البديلة “ التي تعمل على ملازمة العضو في أغلب أوقاته وإحاطته بالرعاية والتوجيه المستمر وإبعاده عن كل المؤثرات التي قد تأتيه عبر الأسرة أو المجتمع وبالطبع تظل لقاءاتهم في كل المراحل متسمة بالسرية
ثم يتم مراقبة مستوى تفكيره ومدى تعاطيه مع ما يتلقاه من أفكار فمتى ﻻحظوا عليه النباهة والقدرة على مناقشة كل ما يطرح عليه يتم التخلص منه والعكس إذا رأوا انه يحمل شخصية طفيلية في تفكيرها يتم اعتماد عضويته
والطريقة الثانية: في اكتساب العضوية بحسب ما وصى به سيد قطب، وهي أهمية عقد التحالفات مع الشخصيات والوجاهات الاجتماعية لتسهيل أنشطة الجماعة وتحركاتها بصرف النظر عما يمثله سلوك هذا العضو.
وبخصوص طريقة بناء العلاقات فهي تقوم على فكرة التعصب فيما بين أعضائها وذلك تحت منطق “تعزيز قوة المسلمين “ في مواجهة أفراد المجتمع الذي يفترضون انه مازال خارج دائرة الإسلام، وهذا ما يفسر ما رأيناه فيهم من التعصب والانحياز لبعضهم البعض حتى في مجال تبادل الأنشطة التجارية وتقديم الخدمات.
ومن ناحية ثانية هذا ما يفسر أنهم ﻻ يأخذون ثقافتهم إﻻ عبر مصادر معينة ومن النادر أن يعترفوا لغير رموزهم الفكرية فضلاً أو ميزة ويبالغون في إصباغ القدسية على رموزهم، فكل ما كانت تحتاجه اليمن ليس سوى مساعدتها في بناء وتطوير أنظمتها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية ومواجهة بعض السلبيات والتي كانت نتاج الانغلاق على الخارج.
ولكن الجماعة اعتمدت في تواجدها وتغلغلها داخل المجتمع على ذات الفكرة وهي تكفير المجتمع والدخول معه في صراع استهدفت من خلاله ثقافة وهوية المجتمع.
وقد كانت البداية بالتحالف مع أعداء الوطن للتآمر معها في إفشال ثورة 26سبتمبر ومصادرة أهدافها وإخضاع البلاد لوصاية النظام السعودي، وكان مؤتمر حرض هو المدخل لهذه المؤامرة، ففي هذا المؤتمر الذي تم تحت رعاية النظام السعودي تمت حياكة المؤامرة بتسليم السلطة لعملائها من القوى القبلية وجماعة الإخوان وعدد من العسكريين من أدعياء الثورة ومنذ ذلك التاريخ عملت تلك القوى تحت إشراف مباشر للسفارة السعودية على تصفية الثورة من رموزها وقاداتها الفعليين وإفشال كل المحاوﻻت الصادقة لبناء الدولة وتحقيق أهداف الثورة عبر ما كانوا يمارسونه من الاغتياﻻت وغيرها من صور الهدم والتمزيق الممنهج، وبعد اغتيال الرئيس الحمدي وصعود علي عبدالله صالح إلى السلطة عبر المؤامرة السعودية التي أصبح الكل يعرفها تم تقسيم السلطة بين الثلاث القوى المذكورة ومنذ ذلك التاريخ تم تغييب الدولة في ابسط صورها، ومن المهم أن نذكر هنا أن الدور الذي تم إسناده لجماعة الإخوان بجناحيها العسكري الذي يمثله علي محسن اﻻحمر والديني الذي يمثله عبدالمجيد الزنداني هو تفكيك ثقافة المجتمع وتوطين ثقافة الحقد والكراهية المتمثلة في التزاوج بين المذهب الوهابي وفكر اﻻخوان وقد كانت البداية باتخاذ خطوة همجية استفزازية للمجتمع اليمني عندما تمت عملية إنشاء مراكز دينية لتدريس الفكر الوهابي في أكثر من منطقة تمثل مناطق مغلقة على أبناء المذهب الزيدي والشافعي .
ثم تمت عملية إنشاء تعليم ديني لتدريس الفكر الوهابي مواز للتعليم العام والمعروف بالمعاهد العلمية وتلت ذلك خطوة متقدمة في طريق تغيير هوية المجتمع وتفكيك ثقافته بسيطرة الجماعة على التعليم العام وتغييرها للمناهج التعليمية وقد صاحب ذلك انتشار المراكز في جميع مساجد الجمهورية بعد السيطرة عليها أيضا.
ومن جهة أخرى عملت الجماعة على تجفيف كل منابع الثقافة والتنوير الفكري فقد تم إغلاق دور السينما وتجميد جميع اﻻنشطه الثقافية الأخرى التي كانت قد بدأتها المراكز الثقافية والإدارة العامة للأنشطة في التربية والتعليم وكذلك بالنسبة لكل الوسائل التثقيفية بما فيها كل وسائل تشجيع المواهب والأعمال الإبداعية وحل بدﻻ عن هذه اﻻنشطة المهرجانات والأنشطة الدينية التي كانت تلقى دعما غير محدود من الدولة في الوقت الذي يتم فيه حرمان أصحاب الإبداعات الأدبية والفكرية من قيمة تذكرة سفر لحضور مسابقة أو مهرجان.
وبخصوص الشأن الاقتصادي والديمقراطي فقد تبنت الجماعة مع حلفائها النظام الاقتصادي الحر مع دعمه بالمسوغات الدينية ففتحت أبواب الوطن على مصراعيه أمام تغول اﻻفكار الرأسمالية الكلاسيكية المتشبعة بقيم الاستغلال والتمايز الطبقي وكذلك أمام العولمة”الأمركة” الاقتصادية والثقافية وبذلك أصبحوا هم عبر مؤسساتهم وقياداتهم العسكرية والقبلية بل والعلمائية اكبر الأدوات اﻻحتكارية لأهم اﻻنشطة التجارية والاقتصادية والتعليمية والصحية، لقد تقاسموا مع شركائهم في المؤتمر مقدرات الوطن من النفط وخدماته والاستثمارات السمكية …الخ وتقاسموا موارد الدولة من عائدات الضرائب والجمارك.
ولقد كانت أراضي وعقارات الدولة أهم ما تقاسموه على مشهد ومرأى من الجميع حتى أراضي الأوقاف لم تشفع لها قدسيتها الدينية والاجتماعية مما لحق بها من نهب غير مسبوق وقد كانوا شركاء في مجمل الاستثمارات الاقتصادية والتجارية الناجحة مقابل فقط توفير الحماية لها.
ومع تركز السلطة والمال في يد هذه الجماعة فقد عملوا على إفساد الحياة السياسية من خلال التوظيف السيئ للدين والقيم والحقوق لتحقيق مآرب وأهداف سياسية واقتصادية حتى الزكاة والأعمال الخيرية تم توظيفها ﻻهداف انتخابيه! !
ومن ناحية ثانيه تم إفراغ التجربة الديمقراطية من مضامينها الاجتماعية فبدﻻ من كونها أداة صراع ايجابية بين القوى السياسية وبين السلطة من اجل تهذيب سلوك الدولة وعقلتنها والدفع بها لتبني قيم العدالة وتوسيع مشاركة الشعب في القرارات المتعلقة بحقوق المواطن وحرياته أصبحت أداة لإدارة صراع تدميري لمقومات الدولة ومصادرة وظائفها وأداة تفكيكية لكرامة المواطن ومصادرة إنسانيته وأداة لحمل اﻻوزان الثقيلة من الفاسدين وقطاع الطرق إلى مركز السلطة التنفيذية والتشريعية وأداة للتشجيع على الحقد والكراهية وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية.
وأخيراً لقد أصبح القانون تتم سياغته عبر التفاهمات بين مراكز النفوذ وأصحاب المصالح والكتل الحزبية وفقا لاعتبارات اقتصادية بحتة بعيدا عن اعتبارات العدالة وحقوق المواطن.
وبخصوص السلم والأمن الداخليين فقد كان لهذه الجماعة الدور الرئيس في إشعال الحروب التي قامت في بلادنا منذ ثورة 26 سبتمبر بدءا بحروب السبعينيات مع دولة الجنوب آنذاك ثم حرب المناطق الوسطى تحت مبرر مواجهة المد الشيوعي -وقد كانت هذه الحرب تمول من النظام السعودي- ثم حرب صيف 94 ضد أبناء الجنوب تحت مبرر حماية الوحدة والتي كانوا يعارضون في الأصل قيامها! !
ثم إشعال الحروب الست ضد أبناء محافظة صعدة وكانت الحجة هذه المرة التصدي للتدخل الإيراني وتحت مبررات طائفية ومذهبية مختلفة وهم قبل هذا عرابو كل التنظيمات والفصائل الإرهابية منذ تعاقدهم مع النظامين “الأمريكي والسعودي” بإرسال المقاتلين إلى أفغانستان فعند عادتهم تم احتضانها ودعمها من قبل الجماعة لاستخدامها في ضرب وتصفية خصومها واستهداف المعسكرات …الخ.
وهم أخيراً من أوجدوا ثقافة التقطع والاختطافات برعاية الجنرال علي محسن وعبدالله بن حسين اﻻحمر وبمباركة وتشجيع ومشاركة من شريكهم صالح.
وأخيرا فقد مارسوا الانتهازية في أبشع صورها فعند مشاهدتهم لعاصفة الربيع العربي تقترب منهم بعد أن نزل الشباب إلى ميادين وساحات الثورة يطالبون النظام بكل أركانه أن يرحل قاموا بإلباس قادتهم لباس الزهد والطهارة ولباس الغيرة والحمية على أوضاع الناس المأساوية فنزل هؤﻻء رافعين ذات الشعارات التي رفعها الشباب ضدهم ولكن ضد شريكهم صالح وحده فقد حمّلوه كل جرائم وفوضى الماضي بل لقد حملوه كل الجرائم التي هي من أفعالهم وفلسفتهم الحصرية والمضحك أنهم قدموا رموزهم وقاداتهم على أنهم عرابو الثورة المنشودة وحماتها ولكن لأن الله ﻻ يصلح عمل الظالمين فقد خانهم الطبع التسلطي الذي تربوا عليه وخانتهم خستهم المتأصلة في وعيهم فرأينا ما اقترفوه من جرائم في حق الشباب بدءا بجريمة جمعة الكرامة وإشعالهم الحروب بمهاجمتهم للجيش في مارب والجوف ونهم وأرحب والبيضاء وتعز …الخ
بالإضافة إلى تواصلهم العلني مع أعداء الوطن ومناشدتهم مجلس الأمن بفرض وصايته على اليمن بإدخاله تحت الفصل السابع في سابقة غير معهودة وبعد ذلك تركوا الساحات نزوﻻ عند رغبة أسيادهم بعد أن حققت لهم المبادرة الخليجية الهدف الذي سعوا إلى تحقيقه وهو استلام مقاليد السلطة مع بقاء صالح وعصابته شريكا لهم في اقتسام مقدرات الوطن.
ثم بدأت حياكة المؤامرة بضرب مكون أنصار الله فكانت البداية بحزمة من القرارات ذات العلاقة بالترتيب للحرب ثم محاصرة محافظة صعدة بميلشيات الجماعة وحلفائها وفي نفس الوقت تم إخراج أفراد القاعدة وداعش من السجون للقيام بالتفجيرات والاغتيالات في كل مكان وأخيرا كانت القاصمة بتآمرهم مع أعداء الوطن بتقسم الوطن إلى ستة أقاليم لأهداف تمزيقية لوحدة الوطن.
وقد كانت النتيجة الطبيعية لتلك الأفعال قيام ثورة 21سبتمبر التي اتخذت من مبدأ السلم والشراكة عنوانا لها ثم دخل الجميع في حوار حضاري وبحسب شهادة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق التي أكدها بقوله “إننا كنا قد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الحل السياسي”.
إﻻ أن هذه الجماعة قامت قيامتها وكفرت بالدين والوطن وكل القيم الإنسانية فقامت باستدعاء أعداء الوطن التقليديين لإعلان الحرب على اليمن وشاركته كل الجرائم المرتكبة على مدى ثلاث سنوات وهاهم قادتها الآن في فنادق الرياض يعرّفون بأنفسهم أفضل تعريف فقد عرّفوا العالم بما تحمله قلوبهم من حقد دفين على وطنهم وشعبهم وبما تحمله عقولهم من منطق أناني وقد عبروا عن بعض تلك السخافات كقول” صعتر” إن قيام التحالف كان بأمر الله وإنهم مستعدون في الاستمرار في القتل والدمار حتى وإن أتت الحرب على 24مليوناً ليبقوا أسيادا فهم بحسب زعمهم فئة الأحرار وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لذلك علينا أن ﻻ نعجب من أقوالهم وأفعالهم وﻻ نعجب من منطقهم المربوش الذي يعكس منطق الطغاة والمجانين في وقت واحد وبخصوص ما أبدوه من استغراب لصمود شعبنا واستعدادنا لتقديم التضحيات مهما بلغت فذلك لأنهم يفترضون أنهم قد نالوا من كرامتنا وهويتنا اﻻيمانية غير مدركين أصالتنا وفلسفة الحياة في ثقافتنا التي لم تستطع أفعالهم ان تنال منها لذلك فقد جهلوا أصولنا التي تؤكد أن حفظ الدين والقيم مقدم على حفظ النفس، وحفظ النفس مرهون بقيامنا بواجب الجهاد لذلك فما زلنا نؤمن أن الآخرة خير وأبقى.
وأخيراً دعونا نذكرهم بمعادلة الخوارزمي التي قال فيها إن الكرامة والأخلاق تمثل الأصل في حياة الإنسان، وما عداها من الصفات ﻻ تمثل إﻻ إضافات تزيد من قيمة الإنسان فهي مثل أصفار على يمين الواحد عددها يزيد في قيمة الرقم، فإذا تم حذف الواحد أصبحت جميع اﻻصفار بلا قيمة.
هذا والله الموفق