الجذور التاريخية للصراع اليمني- السعودي 5
عبدالجبار الحاج
وفي يونيو 1934 وقع السعوديون واليمنيون معاهدة الصداقة والاخوة بين السعودية واليمن * وفيها ما ينص على إقامة علاقات سلمية ودبلوماسية بين البلدين وتخلي الإمام عن مطالباته ببقية أراضي الإمارة الإدريسية أو ارض عسير ونجران وكان من بين مطالب السعودية ان يدفع الإمام مبلغاً كبيراً من الجنيه الاسترليني الذهب كتعويضات الحرب مقابل أن تنسحب القوات السعودية من المناطق التي احتلتها في مايو 1934 وفي المقابل كان لليمن ان تطلب مبالغ اكثر قيمة أجور الأرض التي ستبقى بيد عبدالعزيز لمدة تنص عليها الاتفاقية والملاحق وكذلك نصت ملاحق المعاهدة على ترسيم الحدود بين البلدين الذي انجز في 1936 *
في العام 36 للضغط على الإمام يحيى للترسيم بموجب اتفاق الطائف الذي كان الإمام يتحين الفرصة في تقديري واستنتاجي الذي تؤكده الوقائع كان يتحين فرصة التنصل منها مع وجود نصوص تفتح امامه مجالات وأزماناً تخرجه منها . ولخنق الامام وقطع طريق المحاولة ..قام الانجليز بإثارة وتفجير حرب في مناطق الضالع وقطعبة وغيرها .. وهي -أي بريطانيا – افتعلت الحرب مع الإمام لإجراء مزيد من الضغط لإخضاعه على ترسيم الحدود مع سعود أولاً ومع الجزء الجنوبي المحتل.
وهكذا تم اقتطاع الجزء الاعظم من عسير أو ما يسمى أراضي الإمارة الادريسية حيث سيطر عبدالعزيز على المنطقة من بلدة حلي ابن يعقوب وحتى بلدة الموسم وسيطر الإمام على ميدي وحتى الحديدة .) * هكذا تقول المصادر عن تقاسم أراضي نجران وعسير الإمارة الادريسية !! .. لكن واقع الجغرافيا والتاريخ يقول انها أراض يمنية وليست إمارة الإدريسي ولا هي أراضي يام نجران ولا عسير وجيزان ملكية الادريسي ولا نجران تابعة لجماعة بل انها ارض يمنية يمنية بتتابع التاريخ خلال آلاف السنين حتى عام ٣٤ /٣٦ عامي التوقيع والترسيم ….
وهكذا حاول التاريخ إسدال الستار وربما انتهت حكاية الإمارة الادريسية في منطقة المخلاف السليماني والمخلاف السليماني هي تسمية سليمان الحكمي الذي استولى عليها قبل الادريسي ورغم محاولة رمي هذه الجغرافيا الهامة غياهب التاريخ وطمرها بالنسيان ودفنها في ذاكرة الكثيرين لكنها لم تندفن فيما مضى ولن يدركها النسيان فحروب أخرى تلت حرب الثلاثينيات في الستينيات وعام 1915 مضى عليها ثلاث سنوات ويبدو انها ستكون أطول الحروب السعودية على اليمن بل لعلها الحرب التي ستترك آثاراً جغرافية وسياسية واقتصادية على السعودية نفسها.
تلك الجغرافيا اليمنية في عسير كما نجران ووفق التاريخ وتتابع ارتباطها باليمن فكل البراهين دلت وتدل على يمنيتها في صفحات التاريخ المكتوب حتى العام ٣٤ وكل اتفاق ينتقص من هذا الحق لا يؤكد إلاَّ ضعفا سياسيا أو تبعية حاكمة في صنعاء اذ كانت اتفاقية جدة2000/2001 هي الأكثر تأكيدا على مدى ارتهان النظام السياسي للقرار والاطماع السعودية .ففي اتفاق جدة ما جعل من اتفاق الطائف أهون وأحرص من جانب الإمام يحيى على عدم التفريط وليس في النص ما يجعلها سوى تحت يد آل سعود فحسب وليست سعودية …
لقد ظلت هذه الأراضي الشاسعة محط انظار وتفكير اليمنيين كما بقيت خلفية يمنية في الوعي السياسي والوطني وما كادت ان تتلاشى حتى احيتها مجددا وبقوة حرب الستينيات وثارت قضايا الحق التاريخي في أراضي نجران اليمنية وليس يام القبلية وعسير اليمنية وليست الإمارة الادريسية اشتعلت مجددا في الذاكرة اليمنية الحية في كتابات وخطب الفقيد محمد علي الشهري وعمر الجاوي وكتابات لا حصر لها خلال العقود الستة الأخيرة منذ ثورة سبتمبر وهيجتها سياسيا مرحلة ما بعد 69 في الجنوب أثناء معركة البلق التي شنت فيها سعود حربها ضد اليمن الديمقراطي الجنوبي بعد أن ضمنت وأوقعت السلطة شمالا في جيبها ورهن قرارتها وها هي تنبعث الى الذاكرة بقوة في الذاكرة وفي ميدان المعركة المشتعل أوارها اليوم منذ عدوان 26 مارس 2015م والذي بدأ عامه الرابع في ذكرى هذا العام الثالث للعدوان ..
وتحضرني الآن أثناء هذه التناولة مقالة واحدة من مقالات وسأستشهد بمقالة هامة تؤصل ويبنى على فكرتها جوهر الصراع وموقف الحركة الوطنية اليمنية وكان الفقيد عمر الجاوي يقف في الصف الأول وبكون رأيه وموقفه يمثل خطا وطنيا وموقفا شعبيا سائدا وليس الموقف هنا من نوع وجهة النظر المطروحة للنقاش بل هو الموقف الوطني والشعبي المعبر بحق عن نظرة اليمنيين لمرحلة تاريخية ..
وفي موضوعي هذا المعنون بالجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي أستشهد بما جاء في افتتاحية هامة في مجلة الحكمة العدد “ 162 “ – يوليو 1989م * وبقلم الفقيد والمناضل الوطني المعروف عمر الجاوي وتحت عنوان ( نحن وحكام السعودية ) ونص تلك الافتتاحية كاملة :
( منذ اقتطاع عسير ونجران عام 1934 والحال في جزيرتنا العربية يتخذ سمات العداء الذي يكاد يصبح تاريخيا.. أعني بين اليمنيين وحكام السعودية*.
وبعيدا عن سرد الاحداث منذ خمس وخمسين عاما والتي ظل طابعها الغزو والاستيلاء على الأراضي اليمنية، نجد اليوم أنفسنا امام مهانة وصلت حد التدخل في كل صغيرة وكبيرة تخص شؤوننا الوطنية دون رادع من القائمين بأمرنا.
*لن نتحدث عن احتلال جديد من الشرورة والبقع وكل الربع الخالي.. ولا نريد ان نجتر أحقاد تدخلهم الأحمق للقضاء على ثورة 26 سبتمبر ومحاولتهم فصل حضرموت عن أراضي الوطن اليمني ودعمهم لكل انواع التخريب منذ سبع وعشرين عاما.. فالامر من جانبنا احتاج الى المزيد من الصبر والابتعاد عن التوتر باعتبار ان المحصلة لن تكون غير وحدة الجزيرة العربية ووحدة العرب جميعا في يوم من الأيام*.
لغة البيانات :
منذ عام بالضبط اصدر اتحادنا بيانا للرأي العام اليمني حول الإجراءات السعودية بعد اضطهاد الحجاج اليمنيين.. وطالبنا سلطاتنا اليمنية ألا تترك هذا الخرق يتسع ليصبح عادة تقرر فيها السلطات هناك الجنسية لمواطنينا.
والحق يقال أن السلطات اليمنية لم تتحرك بجدية لحماية المواطن- الذي له رب يحميه- لان في اليمن سلطات وليس سلطة واحدة ولأن الاتجاه السائد يدعو الى المزيد من السكوت… أو أن صنعاء تنتظر التحرك من عدن أو العكس*.
وحكام أشقائنا في نجد والحجاز يعرفون هذه المحنة ويستغلونها ليس فقط على طريقة وصية العاهل الأكبر كما يقال “ إن اردتم الاستمرار في حكم المملكة عليكم بالاصرار على توحيد الأسرة وتمزيق اليمن “ لقد جاوز “ العهلة “ الجدد هذه الوصية وذهبوا الى التالي:-
1) قاموا باحتلال الجزء اليمني من الربع الخالي.
2) أعطوا التابعية السعودية لمواطنين في محافظات صعدة والجوف ومأرب وشبوة وحضرموت والمهرة وأصبح امرؤ القيس وأهل قريته مواطنين سعوديين(1).
3) صنعوا وهم في الرياض قانون الجنسية اليمنية وعلى مراحل.
أ- في البداية طلبوا البطاقة الشخصية إضافة الى الجواز حتى يتعرفوا على جنسيتنا “ الشمالية “ أو “ الجنوبية “ .
ب- ثم نصحوا “ بالعين الحمراء “ تبديل جواز الجنوبي الذي يحمل جوازا شماليا.
ج- في موسم الحج هذا أعادوا حامل الجواز الشمالي اذا شموا من لهجته انه من سكان الجنوب.
د- أعادوا أبناء شبوة ومارب الذين يحملون جوازات يمنية الى مناطقهم ولا يقبلون إلا بالتبعية السعودية باعتبار ان هذه مناطقهم وقيد التحرير!!؟
*وقبل هذا مر احتلال مناطق في حضرموت.. تحت بيان صغير كعين النملة*..
هذه هي الوقائع التي لا يمكن نكرانها والتي لم تهز حكامنا المشغولين بالاعتذار عن الذي حصل وسيحصل.
*ولأن البيانات الرسمية اليمنية- السعودية تثمن عاليا وتشيد بالأخوة اليمنية- السعودية، نحن نسأل، بعد كل هذا من أين ستأتي الأخوة يا أصحاب نجد*؟ )
وأعود الى أحداث التاريخ ووقائعه وأتناولها من وقائع متعددة في تاريخ الصراع اليمني السعودي ..