سوريا.. بين تعقيدات الحلول السياسية وتضارب المشاريع الخارجية
هشام الهبيشان
من جديد تزدحم الأحداث العسكرية والسياسية الخاصّة بملفّ الحرب على الدولة السورية من عفرين بأقصى شمال سوريا الى غوطة دمشق الشرقية ، وسط تهديدات واشنطن القديمة الجديدة بالتلويح بالخيار العسكري ضد دمشق وحجتها الجاهزة ” استخدام الكيماوي ” .. هذا الازدحام وتلك التهديدات تتزامن من جديد مع حديث عن جولات جديدة لمؤتمرات جديدة «أستانا » و” جنيف ” والواضح أنّ هذه الجولات وهذه المؤتمرات لن تتمكّن من تحقيق أيّة إنجازات، وخصوصاً أنّ الأحداث العسكرية الجارية بعموم الميدان العسكري السوري ، قد أثّرت سلباً على الحديث عن حلول سياسية للحرب المفروضة على الدولة السورية، وبالإضافة لما يجري في الميدان، فهناك العديد من الصعوبات والمعوقات المتمثّلة بـ«المعارضة» وداعميها، وتمسّكهم بالشروط نفسها التي أفشلت المؤتمرات السابقة.
وعند الحديث عن الاطراف الخارجية الفاعلة بملف الحرب على سوريا ،فيجب التأكيد على ان واشنطن وحلفاؤها ما زالوا يمارسون نفس المنهجية والاستراتيجية بحربهم على سوريا، ومن هنا سيلاحظ معظم المتابعين، وبوضوح، أنّ التعويل على الحلّ السياسي في سوريا، في هذه المرحلة تحديداً، فاشل بكلّ المقاييس، لأنّ الرِّهان اليوم هو على الميدان فقط، واليوم عندما نتحدّث أنّ لا رِهان إلّا على الميدان، لأنّنا ندرك أنّ الدولة السوريا ما زالت تتعرض لحرب ” عالمية شاملة ” بكل المقاييس ” ومن يتابع مايجري بشرق سوريا وشمال شرقها وشمال غربها وبمحيط دمشق وما يخطط لجنوب غربها سيصل لمعادلة مكتملة عنوانها “أن قوى العدوان على سوريا مازالت تراهن لليوم على الميدان لتنفيذ مشروعها في سوريا ” ، فما جرى ومازال يجري بعموم مناطق شرق وشمال شرق سوريا ومحاولة الأمريكي تثبيت وجوده العسكري هناك وتشكيل بيئة ديمغرافية تقسيمية تقبل وجوده كحامٍ لها ، وهذا بدوره يعكس بالضرورة وعلى وجه الخصوص، حجم الأهداف المطلوب تحقيقها في سوريا ومجموعة من الرهانات الأمريكية المتعلقة بكلّ ما يجري فيها. وهي أهداف تتداخل فيها حسابات الواقع المفترض للأحداث الميدانية على الأرض مع الحسابات الأمنية والعسكرية والجيوسياسية للجغرافيا السياسية السورية وموازين القوى في الإقليم مع المصالح والاستراتيجيات للقوى الدولية على اختلاف مسمّياتها، كما تتداخل فيها ملفات المنطقة وأمن «إسرائيل» والطاقة وجملة مواضيع أخرى.
وهنا ومع تزاحم وتعقيدات ملف الميدان العسكري السوري الذي بات محكوماً اليوم بتضارب مشاريع عدة ، يبدو واضحاً في هذه المرحلة أنّ مسار الحلول «السياسيّة» ما زال مغلقاً حتى الآن، وخصوصاً أنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها تجاه سوريا بدأت تفرض واقعاً جديداً، فلم يعد هناك مجال للحديث عن الحلول السياسية، فما يجري الآن ما هو إلّا حرب مستمرة وبأشكال مختلفة على الدولة السورية، فاليوم عندما يتحدث ساسة واشنطن وعلناً انهم يريدون صياغة خارطة طريق لـ “دستور جديد” لسوريا ؟! ، ويتزامن حديثهم هذا مع مشروع كبير يستهدف السيطرة على حقول النفظ والغاز والموارد المائية والزراعية والاقتصادية بالشمال الشرقي والشرق السوري ونيتهم اعادة اعمار الرقة واعادة تركيبها ديمغرافياً بما يتناسب مع مشروعهم في سوريا ، هذا بمجموعه يؤكّد استمرار أمريكا وحلفائها في حربهم المباشرة وغير المباشرة على سوريا، ويؤكّد بما لا يقبل الشكّ في أنّ أيّ حديث عن تغيّر في رؤية واشنطن لمسار الحلّ في سوريا ما هو في النهاية إلّا حديث وكلام فارغ من أيّ مضمون يمكن تطبيقه على أرض الواقع، فأمريكا وحلفاؤها في الغرب والمنطقة كانوا وما زالوا يمارسون دورهم الساعي إلى إسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها بفوضى طويلة تنتهي حسب رؤيتهم بتقسيم سوريا.
اليوم، وبالإضافة إلى تعقيدات ملف الميدان السوري والسعي الأمريكي لإعادة خلط اوراقه ،من الواضح كذلك أنّ جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميّين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدّي إلى المزيد من تدهور الوضع في سوريا وتدهور أمن المنطقة ككلّ، وهذا ما تعيه معظم الاطراف ، ومن هنا نقرأ أنّ تشعّب الملفات الإقليمية والدولية وتداخل جهود الحلّ، سيعقّد مسار الحلول لحرب لا تزال تدور في فلك الصراع الإقليمي والدولي، ولهذا لا يمكن اليوم أبداً التعويل على مسار الحلول السياسية للحرب على سوريا، لأنّ مصيرها الفشل، ولا بديل اليوم عن استمرار الرهان على الميدان .
ختاماً ،هنا يجب التأكيد على أنّ ما جرى في عموم الميدان السوري مؤخراً ،يؤكد استمرار الحلف المعادي لسوريا في مشروعهم الواضح المعالم لجميع المتابعين ، فأمريكا وحلفاؤها في الغرب والمنطقة كانوا وما زالوا يمارسون دورهم الساعي إلى إسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها بفوضى طويلة تنتهي حسب رؤيتهم بتقسيم سوريا ،وهذا بدوره يؤكد بما لا يقبل الشك في أنّ أيّ حديث عن مؤتمرات هدفها الوصول إلى حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية ، ما هو في النهاية إلا حديث وكلام فارغ من أيّ مضمون يمكن تطبيقه على أرض الواقع،. وإلى حين اقتناع أمريكا وحلفائها بحلول وقت الحلول للحرب على الدولة السورية ستبقى سوريا تدور في فلك الصراع الدموي، إلى أن تقتنع أمريكا وحلفاؤها بأنّ مشروعهم الساعي إلى تدمير سوريا قد حقق جميع أهدافه، أو أن تقتنع بانهزام مشروعها فوق الأراضي السورية، وإلى ذلك الحين سننظر إلى مسار المعارك على الأرض لتعطينا مؤشرات واضحة عن طبيعة ومسار الحلول المستقبلية للحرب على الدولة السورية، وعلى الشعب السوري الخاسر الوحيد من مسار هذه الحرب المفروضة عليه.
* كاتب صحفي أردني