دعا المؤرّخ ومحلل السياسات البريطاني، مارك كوريتس، إلى ضرورة أن توقف بلاده دعمها للسعودية، مشيراً إلى أنه منذ العام 1970م اعتمد الاقتصاد البريطاني على السعودية، ما حوّل بريطانيا إلى دولة تابعة.
وأوضح المؤرّخ كوريتس، في مقال له نُشر على موقع ميدل إيست آي البريطاني، أن السياسات الحكومية يجب أن يكون هدفها تعزيز المصلحة الوطنية، ولكن الزيارة القادمة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى بريطانيا ستركّز على تعزيز العلاقات الخاصة، ما يعرّض الشعب البريطاني للخطر.
ويتابع كوريتس قوله: “رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، تقول إن الزيارة ستؤدّي إلى حقبة جديدة من العلاقات الثنائية مع السعودية، ولكن في الوقت ذاته فإن هذه الزيارة ستؤدّي إلى تفاقم أربع مشكلات تتعلّق بالسياسات البريطانية”.
أولى تلك المشاكل، يقول كوريتس: “تتعلّق بالتعاون البريطاني مع السعودية في اليمن، فهذه بحدّ ذاتها كارثة إنسانية قُتل فيها عشرات الآلاف من الناس جوعاً”.
المؤرّخ البريطاني تطرّق في مقاله إلى ما طرحه الدبلوماسي البريطاني، جوناثان ألين، أمام مجلس الأمن الدولي، بأن النزاع في اليمن خلق مساحات غير خاضعة للرقابة، ويمكن العمل فيها من قبل الإرهابيين؛ ما يشكّل تهديداً أمنياً لدول المنطقة والمجتمع الدولي، وتأجيج التوتّرات الإقليمية.
واستدرك كوريتس قائلاً: “إلا أن الدبلوماسي البريطاني تغافل عن ذكر المساهمة الخاصة التي تقدمها حكومة بلاده؛ فبريطانيا تواصل تقديم الأسلحة والتدريب والمشورة للسعودية، المتهمة بأن قواتها قصفت مدارس ومستشفيات، وهي كلها موثّقة لدى الحكومة البريطانية”.
وأضاف: “لكن هذه الحقائق ما زالت مخفيّة ولا يظهرها الإعلام البريطاني، الذي يصرّ دوماً على أن بريطانيا ليست طرفاً في حرب اليمن، وأن دور القوات البريطانية هو تجهيز الجيش السعودي بما يعزّز الاستقرار، ولكن الحقيقة أن هذا الدعم يسهم بمزيد من الصراع الإقليمي”.
وواصل حديثه قائلاً: “الأمر الثاني في العلاقة الخاصة مع السعودية وما يمكن أن تسبّبه من مشاكل لبريطانيا يتعلّق بحجم ما أنفقته السعودية لترسيخ فكرة الإسلام الراديكالي خلال عقود من الزمن، حيث يقدِّر خبراء الاستخبارات في الاتحاد الأوروبي أن 15-20% من التمويل السعودي لترسيخ الراديكالية في العالم الإسلامي ذهب إلى جماعات مثل القاعدة وتنظيمات جهادية أخرى”.
ويذكر المؤرّخ البريطاني أنه “في العام 1974م حذّرت وزارة الخارجية الأمريكية بريطانيا من مغبّة بيع صواريخ أرض- جوّ إلى السعودية؛ خوفاً من تسرّب هذا النوع إلى أيدي الإرهابيين”.
وتابع: “في العام 2014م حظرت السعودية رسمياً تنظيم داعش، وحظرت سفر رعاياها إلى الخارج للقتال، ولكن قبل ذلك فإن السعودية دفعت المليارات لشراء الأسلحة ودعم جماعات سوريّة معارضة”.
واستطرد قائلاً: “كل ذلك كان معروفاً للمسؤولين الأمريكيين والبريطانيين؛ حيث أدّى كلا البلدين دوراً في الحرب السورية، بالإضافة إلى السعودية طبعاً”.
وقال: “النتيجة كانت كارثية على المدنيين السوريين، سواء من ناحية القصف الذي تعرّضوا له من قبل نظام بشار الأسد، أو من قبل الجماعات المسلّحة، ومن هنا فإن ادّعاء تيريزا ماي بأن العلاقات مع السعودية سوف تسهم بتعزيز الأمن في بريطانيا لا يمكن الدفاع عنه”.
كوريس يرى أن “الدعم البريطاني الأمريكي للسعودية وإسرائيل بحجة مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط يؤدّي إلى خطر كبير؛ فهو لم ينجح حتى الآن في استعادة السيطرة على الشرق الأوسط، فإيران ما زالت تُعدّ الراعي الإقليمي للإرهاب”.
وأشار إلى أن “المشكلة الثالثة التي يتسبّب بها الدعم البريطاني للسعودية هي أن بريطانيا، منذ أوائل الستينيات، تقدّم الدعم لبقاء الأسرة الحاكمة في السعودية”.
وأوضح: “الآن هناك حديث عن انفتاح سعودي بدأ مع وصول ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي سمح للمرأة بقيادة السيارة، ومنحها الحق في حضور الفعاليات الرياضية”.
واستدرك قائلاً: “لكن هذا الحديث عن الإصلاحات لم يترافق معه حديث عن إصلاحات في مجال حقوق الإنسان؛ فالسعودية ما زالت تقمع المعارضين، وهو ما أكّدته تقارير لمنظمة العفو الدولية”.
ويشير المؤرّخ البريطاني إلى أنه “في العام 1971 كتب السفير البريطاني في الرياض تقريراً أشار فيه إلى أن استقرار المملكة العربية السعودية ودول الخليج مترابط، وأن التغيير في إحدى هذه الدول يمكن أن يُسقط الأنظمة الموالية لبريطانيا في أماكن أخرى”.
المشكلة الرابعة التي يتسبّب بها الدعم البريطاني للسعودية، وفقاً لكوريتس، “تتمثّل في مبيعات الأسلحة البريطانية التي زادت منذ بدء الحرب السعودية على اليمن؛ ففي الوقت الذي أنعشت فيه هذه المبيعات شركات الأسلحة بعد أن تضاعفت المبيعات إلى خمسة أضعاف، فإن هذا الأمر لن يعزز الاستقرار بقدر ما يفتح المجال أمام المزيد من الصراعات الإقليمية”.