الثورة/نافع عبدالرقيب –
منح القضاء الاستقلال المطلق هو الضامن القوي لايجاد قضاء مستقل
أكد القاضي شائف علي محمد الشيباني مساعد رئيس هيئة التفتيش القضائي بمكتب النائب العام أن مبدأ سيادة القانون يعني ويعرف أيضاٍ بمبدأ “المشروعية” حسبما تعارف عليه فقهاء القانون: (أن أعمال الهيئات العامة وقراراتها الملزمة لا تكون صحيحة ولا منتجة لآثارها القانونية كما لا تكون ملزمة للأفراد المخاطبين بها إلا بمقدار مطابقتها لقواعد القانون العليا التي تحكمها بحيث متى صد رت بالمخالفة لهذه القواعد فإنها تكون غير مشروعة ويكون من حق الأفراد ذوي المصلحة طلب إلغائها والتعويض عنها أمام المحكمة المختصة).
موضحا أنه بمقتضى هذا المبدأ (سيادة القانون) يتحتم أن يسود القانون الجميع بحيث تتأكد سيادته ليس فحسب في مواجهة العلاقة بين الأفراد بعضهم ببعض وإنما أيضاٍ يجب أن تسود في مواجهة العلاقة بين الأفراد والدولة وغيرها من الهيئات الحاكمة وبمعنى آخر يجب أن يخضع الجميع حكاماٍ ومحكومين لحكم القانون.
ومبدأ سيادة القانون أو (مبدأ المشروعية) بهذا المعنى الراقي لا تعرفه سوى الدول المتمدنة والمتحضرة كما قال القاضي مشيرا إلى أن هذا المبدأ لم يقنن ويأخذ مجاله في التطبيق إلا بعد كفاح مرير ومن ثم فإن هذا المبدأ هو المخرج الوحيد لكافة الشعوب حيث يتم بمقتضاه الموازنة “بين حقوق الأفراد في أن يعيشوا الحرية وينعموا بها وبين حقوق السلطة العامة في العمل والتنظيم”.
انحرف عنه
وعن الاختلاف بين الدولة المدنية والدولة الإسلامية يرى القاضي الشيباني أن مبدأ المشروعية الذي يوازي مبدأ سيادة القانون هو مبدأ إسلامي وإنما انحرف عنه حكام المسلمين وخصوصاٍ بعد الخلافة الراشدة حيث ظل مجال تطبيق هذا المبدأ يضيق أو يتسع من جيل إلى آخر تبعاٍ لإيمان حكام المسلمين بحقوق وحرية الشعوب وعلى قدر تدينهم وخشوعهم لله تعالى.
موضحا أن هذا المبدأ في الدولة الإسلامية لا يختلف عن الدولة المدنية إلا من حيث السقف النهائي في تدرج القواعد القانونية من الأدنى إلى الأعلى ففي الدولة المدنية نجد أن القرارات واللوائح يتعين أن تكون قانونية والقانون يتعين أن يكون دستورياٍ وهكذا ينتهي الأمر بخضوع الجميع للقواعد الدستورية التي تحتل قمة تدرج القواعد القانونية وتسمو على غيرها من حيث الشكل والموضوع أما في الدولة الإسلامية فإن السقف النهائي لتدرج السيادة القانونية فإنه يتعدى الدستور إلى مبادئ الشريعة الإسلامية حيث يجب أن تسود هذه القواعد وتحتل قمة الهرم أو السلم القانوني بما في ذلك الدستور.
مستطردا القول إن كل دولة إسلامية هي دولة مدنية وليس كل دولة مدنية دولة إسلامية وعليه فإنه لا يمكن أن تتصف الدولة الإسلامية بهذا الوصف إلا إذا كانت تمارس مظاهر السيادة القانونية التي رأس هرمها النص الإلهي وهو مبدأ لا يجد المسلم المتدين صعوبة في فهمه ولا مشكلة في إتباعه إلا عند نفر قليل من المسلمين الذين يجهلون ضابط معيار التفريق بين ما يسمى بالدولة المدنية والدولة الإسلامية ويسعون إلى رفع شعار فصل الدين عن الدولة وهو شعار قد يكون مقبولاٍ في المجتمعات الغربية لأن كتبهم السماوية غير قرآننا الذي يتصف بالشمول والعمومية ولو كان لديهم مثل قرآننا الكريم لما دخلنا الجنة معهم إلا أن نؤمن بمثل الذي آمنوا به بل هم اليوم مدعوون إلى الإيمان بالذي آمنا به وهو الحق الذي قال الله تعالى فيه: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل).
ضوابط الخضوع
وحول ضوابط خضوع الدولة للقانون فيؤكد القاضي شائف أن هناك ثلاثة ضوابط لها أولها احترام قواعد القانون وهذا الالتزام عام تلتزم به سلطات الدولة كافة التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث لا يجوز لأي سلطة من هذه السلطات أن تخرج عن الإطار الذي حددته القواعد القانونية وفق مفهوم السيادة الذي حددناه آنفاٍ.
وثانيها عدم جواز الانحراف في استعمال السلطة ويتحقق الانحراف في استعمال السلطة عندما تتجنب الدولة المصلحة العامة للأمة أو تخرج عن نطاق الأهداف المحددة عن النصوص القانونية وهو ما يطلق عليه بمخالفة تخصيص الأهداف.
وأخيراٍ عدم جواز إساءة استخدام السلطة ويعني هذا الضابط وجوب الملاءمة بين الأسلوب الذي تمارسه الدولة وهي بصدد استخدامها لسلطاتها والهدف المراد تحقيقه من هذا الاستخدام وفقاٍ للقاعدة المعروفة (الغاية لا تبرر الوسيلة) وهذا القيد يؤدي إلى نتيجة هامة خلاصتها أن السلطة السياسية وهي في مجال استخدام الوسائل التي منها القانون لممارسة السلطة لا يجوز لها استخدامها أو التجاوز في ممارستها لتحقيق أهداف تتنافى مع القصد الأساس الذي شرعت السلطة من أجله ولا أن تستخدم وسيلة غير مشروعة لتحقيق هدف مشروع.
ثلاث ضمانات
وعن ضمانات سيادة القانون فقد لخصها مساعد التفتيش القضائي بمكتب النائب العام بثلاث ضمانات تبدأ أولاٍ بالشورى وفق المفهوم الديمقراطي الحديث شكلاٍ والمفهوم الإسلامي للشورى من حيث الموضوع موضحاٍ أن الانتخابات من حيث الشكل تعد الطريق الأسلم لتحقيق معنى الشورى وفق شروط موضوعية وقواعد عامة ومجردة تكفل لأهل العلم والخبرة والسياسة ترشيح أنفسهم في هذه الانتخابات إلى ممثليات الشعب بمختلف مسمياتها في النظم السياسية المختلفة من مجالس (نواب شعب برلمان شورى ..الخ) يشارك فيها كافة أفراد الشعب مضيفاٍ: من حيث الموضوع فإنه يجب النزول على رأي الأغلبية لأنه الأقرب إلى الإجماع والإجماع هو الأقرب إلى الحق إن لم يكن هو الحق نفسه على أن لا يخالف ذلك نصاٍ أو مبدءاٍ مستقر عليه من مبادئ الشريعة الإسلامية.. مستطردا القول بمعنى أن لا يحل رأي الأغلبية حراماٍ ولا يحرم حلالاٍ معلوماٍ من الدين بالضرورة.
وثانياٍ سلطة الأمة في الرقابة على الحكام وتتمثل هذه الضمانة كما يقول القاضي الشيباني في حق الأمة في ممارسة الرقابة على أعمال وتصرفات حكامها وتمارسه من خلال العمل الجماعي بمختلف صوره المدني (الأحزاب التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ….) ولا يخل ذلك بحق الأفراد علماء وإعلام وذوي الخبرة كل حسب تخصصه في ممارسة هذا الحق تأسيساٍ على مبدأ الحسبة المعروفة في الإسلام وتعني “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وهو ما يعرف في الفكر القانوني الوضعي بالدفاع الاجتماعي.
وتأتي مسؤولية الدولة بكافة سلطاتها عن ما تقترفه من مخالفة للقانون أو انحراف لاستعمال السلطة والإساءة في استخدامها.. فالدولة مسئولة بجميع سلطاتها وأساس ذلك انتفاء العصمة عن الناس حكاماٍ ومحكومين وليس في الإسلام من يحتل مكانة العصمة سوى الأنبياء والمرسلين. وترتيباٍ على ذلك يجب أن تمتد المسئولية إلى كافة أفراد الدولة ابتداءٍ من الموظف الصغير حتى رأس الدولة وفق إجراءات تحول دون منح حصانة موضوعية لأي فرد مهما كانت وظيفته وتطبيقاٍ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام إنه قال: (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم وعبدالرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
الدولة اليمنية الحديثة
وفي الأخير يقول القاضي شائف الشيباني مساعد رئيس التفتيش القضائي بمكتب النائب العام إنه يتعين أن تقوم أسس الدولة اليمنية الحديثة على كافة الأسس الذي يضمن تطبيق مبدأ سيادة القانون وأن يتم وبكل وضوح النص في الدستور على عدم حصانة أي قرار إداري من الطعن فيه أو طلب إلغائه أمام القضاء. كما يتعين إعادة النظر في النصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بمحاكمة شاغلي الوظائف العليا لأنها في مجملها تتعارض مع ضمانة المسئولية التي تكفل احترام الدولة للقانون وعدم الانحراف في استعمال السلطة أو الإساءة في استخدامها. ومنح القضاء الاختصاص المطلق دون غيره في نظر كافة الخصومات أياٍ كان نوعها أو الخصوم فيها. مشيراٍ إلى أنه لن يتأتى للقضاء ذلك إلا من خلال إيجاد نصوص دستورية ترسي ضمانات قوية لإيجاد قضاء مستقل قضائياٍ وإدارياٍ ومالياٍ يمارس واجباته بعيداٍ عن تسلط السلطة التنفيذية عليه أو التدخل في شئونه أو شئون العدالة.